تم القاء حوالي 4000 طن من المتفجرات، اي حوالي 4 مليون كيلوغرام من كل انواع المواد المدمرة، فقط خلال ال 6 ايام من القصف على قطاع غزة، ومن القاء القنابل والصواريخ مع ما تحويه من مواد كيميائيه قديمه وجديده ومن كل الانواع ومن صمنها ما نشاهد من الفسفور الابيض، التي تكون او ستكون قد وجدت طريقها الى الارض والجو والمياه والطعام والبشر في منطقة جغرافية تبلغ حوالي ال 365 كيلومترا مربعا، وتعتبر الأكثر كثافة في العالم، وما لذلك من تدمير شامل للنظام البيئي في قطاع غزة.
ورغم أنه سيكون من السهل احصاء أعداد الشهداء والجرحى والمفقودين، وعدد البنايات والمنازل التي تم هدمها أو قصفها، ونوعية البنية التحتيه من شوارع ومصانع وشبكات مياه وكهرباء التي تضررت، الا ان طبيعة التداعيات بعيدة المدى، سواء أكانت صحيه أو بيئيه، سيكون من الصعب تحديدها أو التعامل معها الان، سواء على جودة المياة او التربة أو الطعام أو الهواء أو التنوع الحيوي.
ومن المعروف أن الاوضاع البيئيه في قطاع غزه وما يرتبط بها من تداعيات صحية على شكل أمراض ووفيات، هي أوضاع قاتمه قبل هذا العدوان الاخير، سواء من حيث تلوث مصادر المياه وأكثر من 90% منها هي مياه جوفية، والهواء والتربه والمياه العادمه واستخدام المبيدات في الزراعه المكثفه أو من خلال الكثافة البشرية الهائلة التي تتواجد في حيز جغرافي ضيق، والتي من الصعب أيجاد مثلها في العالم.
ومعروف كذلك ان المصادر الطبيعية الفلسطينية في قطاع غزة، من مياة وتربة وارض او حيز هي محدودة، وبأن هذه المصادر، وبالاخص في قطاع غزة هي ليست بالحال الافضل، سواء اكانت المياة الجوفية، او التربة، او تلوث مياة البحر، او الحيز الجغرافي من حيث انتشار النفايات الصلبة والمياة العادمة، وانتشار السيارات القديمة، وبالتالي امكانية تلوث الهواء، وكذلك ضعف او غياب القوانين البيئية الملزمة وضعف التوعية البيئية الكفيلة لايلاء البيئة في غزة الاهتمام الكافي.
ومن ضمن التأثيرات البيئية المتوقعة وبعيدة المدى للعدوان الحالي على قطاع غزة والذي من المتوقع ان يكون طويلا ويمتد لاسابيع أو اكثر، هو احتمالات تلوث المياه التي تم قطعها أو منعها عن غزة، ومعروف ان اكثر من 95% من المياه في بلادنا هي مياة جوفية، وقبل العدوان الحالي، اشارت تقارير الى ان اكثر من 90% من المياه في قطاع غزة هي مياه ملوثة، ولا تصلح للاستخدام البشري حسب المعايير الدولية،.
وتتلوث المياة في غزة بالمواد الكيمائية، سواء الناتجة من المياة العادمة، او من المبيدات والاسمدة الكيميائية، او من مشتقات البلاستيك والمواد الصناعية الاخرى، ومن ثم تتسرب من خلال التربة الرملية الى مصادر المياة الجوفية ، وبعد هذه الحرب يمكن تصور الكميات االكيميائية الاضافية الهائلة التي تم وسوف يتم القاؤها الى التربة في كافة مناطق قطاع غزة، وبالتالي احتمالات وصولها الى مصادر المياه، وزيادة الوضع سوء بالمقارنة ما كان عليه قبل الحرب.
وشاهدنا من خلال الصور التي يتم بثها وبشكل مباشر، سحب الدخان الهائلة بما ما تحوية من مواد كيميائيه سامه، والتي كانت تتصاعد الى الهواء، ومن ثم احتمال تلويثه، وبالاضافة الى ذلك فأن معظم بقايا المواد التي تم القائها على قطاع غزة تبقى في التربة او على الارض، وبالتالي تزيد من معضلة النفايات الصلبة وفي هذه الحالة النفايات الصلبة الكيميائية الخطيرة، وكذلك ومن خلال تراكمها في التربة تحد وبالتدريج من خصوبة هذه التربة وبالتالي تحد من قدرتها على انتاج الطعام او الزراعة فيها، ومن المحتمل كذلك ان تصل هذه المواد الكيميائة بشكل مباشر او غير مباشر الى الغذاء الذي سوف يتم استهلاكة من الناس وما الى ذلك من اثار صحية، وبالاخص اثار صحية بعيدة المدى تظهر على شكل امراض غير سارية أو مزمنة.
وحسب التقارير السنوية الدورية لوزارة الصحة الفلسطينية، فأن امراض السرطان على سبيل المثال تشكل السبب الثاني للوفاة في فلسطين، سواء في الضفة الغربية او في قطاع غزة، وتزداد نسبة هذه الامراض كل عام بشكل واضح ومزعج، ومن الواضح ان هناك عوامل بيئية خارجية تدخل على النظام البيئي الفلسطيني، يمكن انها تساهم في هذا الازدياد، سواء اكانت هذه العوامل ملوثات كيميائية او غيرها، وسواء جاءت نتيجة الاستخدام الزراعي او الصناعي، او ربما بفعل عوامل اخرى، منها الحروب الاخيرة المتواصلة على قطاع غزة في الاعوام 2008 و2012 و2018، 2021، والان في عام 2023.
ومع انقشاع غبار العدوان على قطاع غزة والبدء في تقييم الخسائر والاثار، فأن التقييم البيئي أو التداعيات البيئية للعدوان يحجب عدم اهمالها أو الاستهتار بها، مع العلم ان الوضع البيئي في قطاع غزة قبل بدء الحرب الاخيرة، كان من السهولة وصفه بالوضع الكارثي او المتردي أو غير الصالح للحياة، وبالتالي يمكن تصور التداعيات البيئية القاتمة بعد وصول ملايين الكيلوغرامات من المواد الكيميائية الى النظام البيئي في قطاع غزة خلال هذا العدوان، ولذا فان المطلوب اعتبار تقييم الاوضاع البيئية في قطاع غزة بعد انقشاع غبار القصف والعدوان من الاولويات، سواء اكان ذلك من قبل الجهات الرسمية من وزارات مختلفة وعلى رأسها سلطة جودة البيئة او من قبل المنظمات المحلية والدولية العاملة في مجال البيئة، وبالتحديد تقييم الاثار البيئية والصحية بعيدة المدى المتوقعة بسبب هذا العدوان الذي من الواضح هذه الايام انه يهدف الى اجتثاث كل مقومات الحياة في قطاع غزة.