كتب: داود كُّتاب
فوجئت بقيام عدد من الأشخاص والجهات القريبة من القيادة الفلسطينية أو التي ترغب بأن تكون قريبة بوصف الموقعين على رسالة نقد للرئيس حول تصريحاته المتعلقة بالمحرقة بقوائم العار.
وبعيدًا عن التصريحات ومصدرها الأصلي وضرورتها أو عدم أهميتها في هذه الأوقات، فإننا كشعب فلسطيني في أمس الحاجة الى احترام وجهات النظر المختلفة والابتعاد عن كل أشكال الإساءة والتخوين لمن لهم رأي مخالف تم التعبير عنه بصورة حضارية.
يقول المعترضون على بيان المثقفين أن الموقعون هم اشخاص يسكنون خارج الأراضي المحتلة وأنهم متأثرون وحساسون أكثر من اللزوم للرأي الغربي والصهيوني! لا أعرف ما هو المغزى من مثل هذه العبارة التي تزيد في التفرقة بدل ان تبحث عن جسور الوحدة. فنفس المعارضون على بيان المثقفين كانوا من أوائل المطالبين بإشراك أهلنا في الشتات فهل كانت مطالبهم مرتبطة أن يؤيدوا رأي معين أم كان مطلبا استراتيجيًا مبني على وحدانية الشعب الفلسطينية وان الشعب الفلسطيني هو 13 مليون فلسطيني وليس فقط من هم في الداخل.
لا شك أن كون بعض المثقفين مقيمين في الخارج (على فكرة تقريبا ثلث الموقعون من الداخل الفلسطيني) في اشتباك دائم مع الصهاينة ومؤيدو الاحتلال أكثر حساسية المواضيع مثل موضوع المحرقة مقارنة مع من هم في الداخل. وبما اننا متفقون على ضرورة حشد التأييد العالمي لصالح قضيتنا فلا بد من تقليل العبارات التي تضعفنا وتوفر هدية مجانية للطرف الآخر.
ففي خضم المناقشات ومحاولات كسب التأييد لا بد من توفير حجج قوية وتحييد الطرف الآخر ولا فائدة من فتح ملفات عما جرى في أوروبا قبل عشرات العقود؟ ولو نظرنا بحياد لما حدث سيكون واضحا أن رسالة المثقفين قللت كثير من الانتقادات ضد شعبنا وقيادته وسحبت البساط من تحت أرجل الطرف الآخر الذي يبحث نهارا وليلا على أي أمر للاستخدام في معركة كسب الرأي العام. وللحقيقة فإن الماكنة الإعلامية الإسرائيلي والتي يصرف عليها الملايين في العالم قوية جدًا وقد نجح بيان المثقفين في تحييد الاتهامات الموجه للقيادة الفلسطينية والتي هي أصلا حاولت إيضاح وتفسير ما جرى مما يعني انه تم إدراك أنه كان من الأفضل لو لم يتطرق الرئيس لأمور لا تعنينا مباشرة اليوم. ولو لم يصدر بيان المثقفين لبقي الموضوع متداول في الإعلام لمدة أطول خاصة وأن الرئيس يستعد لخوض معركة دولية هامة في الأمم المتحدة مطالبا أن يتم الاعتراف الكامل في عضوية فلسطين كدولة تحت الاحتلال.
أعتقد بتواضع أن بيان اللجنة المركزية لحركة فتح وبيان آخر لبعض الشخصيات لم يكن سببه موضوع المحرقة، بل كان سببه انتقاد للحكم الفردي وغياب الانتخابات وغياب حكم القانون ومزاجية تطبيق المبادئ الديمقراطية في إدارة الحكم الفلسطيني. طبعا قد يستطيع مؤيدو الرئيس أن يقدموا الحجج المختلفة لغياب الانتخابات ومنها الانقسام ووضع القدس وغيرها، ولكن ذلك لا يمنع من قيام المثقفين بالتعبير عن رأيهم أن الوضع بعد مرور عقد ونصف على آخر انتخابات بدا عليه شكل من أشكال الحكم الفردي. ولا يعتبر عار ان ينتقد مثقف فلسطيني غياب مظاهر الديمقراطية الأمر الذي يطالب به يوميًا نفس أبناء وبنات الحركات النضالية ومنها حركة فتح. فكلنا متابعين، على سبيل المثال لا الحصر، الموافقة الاخيرة بعد مرور سنوات لعقد المؤتمر الثامن للحركة فتح بعد غياب طويل. كما نسمع دائما مطالب بضرورة إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية عامة فهل يحق للبعض انتقاد غياب المظاهر الديمقراطية في حين يعتبر عار عند قيام آخرون بذلك المطلب؟
لقد ان الاوان ان يتسع صدر الجميع كي يكون هناك تقبل تعددية الآراء والأفكار وأن يناضل كل شخص او مجموعة اشخاص لمعتقداتهم ورؤيتهم لما هو الطريق الأفضل التحرير والحرية والاستقلال. ان قوتنا في تعددنا لا في اتهام البعض الذي نختلف معهم بالعار. امل ان نستطيع ان يكون لدينا قدرة التحمل على الانتقاد دون ان نصل الى مرحلة الإساءة والتشكيك في وطنية الآخر الذي نختلف معه في الرؤية.