الجدل المتجدد حول موضوغ الاخطاء الطبية

26/05/2023

كتب: د. عقل أبو قرع

حين تحدث آثار سلبية غير متوقعة بعد تدخل طبي معين، يثور الجدل بين الفينه والاخرى، سواء في الاحاديث الجانبية الضيقة بين الاصدقاء أو المعارف أو داخل افراد العائلة، أو على المستوى العام حين يتدخل الاعلام والجهات ذات العلاقة ويصبح الموضوع قضية رأي عام، حول حدوث اخطاء طبية، أو الادعاء أو ربط تداعيات التدخل الطبي بحدوث أخطاء طبية، سواء اكانت مضاعفاتها شكلية مرحلية أو تؤدي هذه التداعيات الى نتائج خطيرة على شكل اعاقات دائمة أو ربما الوفاة.

وحين يأخذ موضوع الاخطاء الطبية حيزا واسعا ويصبح قضية رأي عام تتداولها وسائل الاعلام والجهات المختلفة سواء أكانت جهات رسمية أو غير رسمية، يتم في العادة وكرد فعل سريع يتبع بروز هذا الموضوع في الحيز العام، اتخاذ اجراءات من الوزارة لإجراء تحقيق ومن ثم توقيف أو نقل أو فصل أطباء وممرضين عن العمل أو اجراءات سريعة عاطفية لامتصاص ردة الفعل أو الغضب والتذمر.

ومع الانتهاء من ذلك الخطأ الطبي يعود الحديث مره اخرى عن الخوف من وقوعها، وما يرافق ذلك من الم ومن خوف وقلق عند الناس، سواء أكانت هذه الاخطاء الطبية تحدث في المستشفيات الخاصة، أو في داخل المستشفيات الحكومية، وأصبح واضحا أن تشكيل لجان التحقيق وبغض النظر عن طبيعتها أو حجمها أو عن أهميتها لا يشكل رادعا أمام الخطأ الطبي القادم، ولا يشكل عاملا لإقناع المواطن او المريض بمدى جدية تطبيق توصياتها واجراءات الوقاية التي من الممكن أن تحد من الخطأ الطبي القادم.

وبغض النظر عن نتائج لجان التحقيق التي يتم تشكيلها، او عن وجهات النظر التي يبديها البعض من هنا وهناك، الا ان موضوع الاخطاء الطبية في القطاع الصحي الفلسطيني، أو بالتحديد نظرة الناس الى هذا الموضوع، أذا حدث امر غير متوقع أو غير مفهوم، سواء أكان حالة وفاه أو حدوث عاهة أو اعاقه، هو موضوع جدير بالاهتمام ويتطلب تسخير وزارة الصحة أو الحكومة حيزا هاما له، سواء من حيث النقاش العلمي الموضوعي، أو من ناحية مراجعة السياسات والبروتوكلات التي تعمل على التقليل منه أو التعرف عليه ان حدث، أو من ناحية طبيعة التوجه الاعلامي الى الناس، وتبيان أن الاخطاء الطبية من الممكن ان تحدث في أي مكان طبي عادي او مرموق في العالم، وأن هناك فرق كبير بين الخطأ الطبي الذي يحدث وفي احسن الظروف وبين الاهمال الطبي المقصود أو غير المقصود.

وكما حدث في الماضي، تثير القضايا المستجدة من الاخطاء الطبية، سواء في القطاع الخاص أو العام، جدلا متكررا وبدون نهاية حول الانظمة المتبعة أو الموجودة حاليا، للتعامل مع الاخطاء الطبية في حال حدوثها، أو حول اجراءات المتابعة والمراقبة والمساءلة والتعلم والتقييم المتبعة، هذا اذا كانت هناك إجراءات محددة موثقة على شكل بروتوكول، للتأكد من عدم حدوث الاخطاء الطبية من الاساس.

وللعمل من اجل عدم حدوثها مرة اخرى ان حدثت، ورغم مأساوية نتائج الاخطاء الطبية ان حدثت، وبغض النظر عن الاسباب الحقيقية لها، الا انه من المتوقع ان يؤدي الى العمل من اجل التركيز أكثر، على منع حدوث مثل هكذا امور في المستقبل من الاساس، بعيدا عن تشكيل اللجان وعن الاجتماعات والتصريحات الاعلامية، وبعيدا عن تبادل الاتهامات بين الاطراف المختلفة، وعن القاء اللوم هنا او هناك، والذي لن يساهم ايجابيا، في منع حصول اخطاء طبية اخرى، أو في مواصلة تطور وتقدم القطاع الصحي الفلسطيني.

ورغم الاقرار بان هناك تحسنا وتطويرا متواصلا في خدمات واجهزة وكوادر القطاع الصحي في بلادنا، سواء اكان في القطاع الحكومي أو الخاص، وسواء من حيث الكوادر أو الاجهزة أو الادوات وطرق التعامل، الا ان هناك الكثير الذي ما زلنا نحتاجه وبالأخص لمنع تكرار الاخطاء الطبية، والذي وفي ظل الامكانيات المحدودة، والظروف المعقدة، يمكن القيام به، من خلال اقرار والالتزام بسياسات وإجراءات وأمور اداريه، ومن خلال تغيير في ثقافة عمل وتعامل، ومن خلال تطبيق اجراءات محددة تمنع وقوع الخطأ الطبي القادم، ومن خلال تعديل في فلسفة الادارة، واعادة تسخير المصادر حسب احتياجات المواطن الفلسطيني، وحتى الحاجة الى اعادة ترتيب اولويات، والى تبني انظمة ادارية اكثر كفاءة واكثر وضوح واكثر نجاعة.

ومع تكرار الجدل حول معضلة احتمال حدوث أخطاء طبيه، وبالتالي تصاعد القلق والارباك والخوف، عند المريض وافراد العائلة والناس بشكل عام، او عند المرضى الذين يمكن ان يكونوا في اوضاع مماثله لتلك التي حدثت فيها هذه الحادثة، فإن معالجة قضية الاخطاء الطبية بشكل خاص، والواقع الصحي في بلادنا بشكل عام، يحتاج الى المزيد من الاجراءات الواضحة، وبالأخص الى تبني وتطبيق فلسفة محددة على المستويات الادارية العليا، نحو المزيد من المتابعة والمساءلة والتعلم والتقييم، والى التركيز على التخطيط لاستراتيجيات بعيدة المدى، تعتمد على مبدأ الوقاية ومنع حدوث الخطأ كأولوية للحفاظ على الصحة العامة، وفي حال موضوع الاخطاء الطبية، الحاجة الماسة، الى وجود اجراءات وانظمة عملية يتم الالتزام بها وتكون مقنعه للناس، وتركز على منع حدوث الخطأ الطبي من الاساس.