الأزمة السياسية الإسرائيلية تطال هوية الكيان والمجتمع

01/04/2023

كتب فادي أبو بكر:

يعيش الكيان الإسرائيلي منذ مطلع العام 2019 حالة من الجمود السياسي، حيث شهدت دولة الكيان خمس انتخابات في أقل من أربعة أعوام، حتى تمكّن بنيامين نتنياهو من تشكيل حكومته الأكثر يمينية في تاريخ الكيان الإسرائيلي، في مشهد يدلّل على تعمّق الانقسام داخل البيت الإسرائيلي.

وشهدت المدن الإسرائيلية يوم الأحد الموافق 26 آذار/ مارس 2023 أشد احتجاجات منذ بدء التظاهرات الاحتجاجية على ما تعرف بـ "التعديلات القضائية" أو ما تسميها المعارضة "إضعاف القضاء" من قبل حكومة نتنياهو، دفعت الشرطة الإسرائيلية بتعزيزات كبيرة للتعامل مع المتظاهرين. وجاءت هذه الاحتجاجات الضخمة بعد إقالة نتنياهو، لوزير جيشه يؤاف غالانت الذي عارض خطته لـ "الإصلاح القضائي" .

وتسعى هذه التعديلات إلى سحب السلطات من بين قضاة ما تسمى بـ "المحكمة العليا"، وتقليص صلاحيتها في إسقاط القوانين التي ترى أنها غير قانونية. ووفقاً للتعديلات المقترحة، فإن بوسع أعضاء الكنيست الإسرائيلي وبأغلبية بسيطة رفض قرارات المحكمة. كما أنها تمنح السياسيين صلاحية أكبر في تعيين القضاة، بخلاف ما هو معمول به حالياً. هذا فضلاً عن إلغاء حجّة ما تعرف بـ"المعقولية"، والتي كانت تمنح الصلاحية للمحكمة لإلغاء أي قرارات حكومية ترى أنها غير منطقية.

وفي الوقت الذي يصوّر فيه اليمينيون المتطرفون هذه التعديلات على أنها ستحقّق توازناً بين اليمين واليسار في "إسرائيل"، انتقلت الأزمة من المعارضة إلى داخل الحكومة الإسرائيلية، وتجاوزت حالة الاستقطاب السياسة إلى هوية الكيان والمجتمع.

وفي سياق آخر فإن تشريع "إسرائيل" بناء وحدات استيطانية جديدة في 24 آذار/ مارس 2023، لهي انقلاب على تفاهمات العقبة وشرم الشيخ، ورسالة واضحة مفادها بأن اليمين المتطرف الفاشي هو من يقرر مجريات الأمور في الحكومة الإسرائيلية. ولعل تصريحات وزيرا المالية بتسلئيل سموتريتش والأمن القومي إيتمار بن غفير والتهديدات المتكررة الصادرة عنهما، لا تمثل موقفهما فحسب، بل هي الوجه الحقيقي للسياسة العامة الإسرائيلية.

ويدلّل هذا المشهد الإسرائيلي غير المسبوق، على أن حكومة نتنياهو أصدق تمثيل عن الوجه البشع للصهيونية، من جانب ، وعلى أن المجتمع الإسرائيلي هو مجتمع غير متجانس، من جانب آخر. حيث أن الأمر أصبح أبعد من فكرة اليمين واليسار داخل "إسرائيل"، وهذه الاحتجاجات وما تبعها من إضراب شامل في جميع المرافق الإسرائيلية، تنذر بتآكل هذا الكيان وإصابته بالشلل في كافة أعضائه الحيوية.

ويأتي تراجع نتنياهو بتعليق التعديلات القضائية، في سياق البحث عن مخرج من الأزمة متعددة الأبعاد التي وقع فيها، سواء على مستوى الائتلاف الحكومي، أو داخل حزبه "الليكود"، أو حتى فيما يخص قضايا الفساد المتهم بها. حيث يسعى نتنياهو لإرضاء كافة الأطراف في سبيل نجاته، واستمرار حكومته. إلا أن المعطيات تشير إلى أن اليمينيين المتطرفين أمثال بن غفير وسموتريتش هم من يقررون مجريات الأمور.

ليس بالضرورة أن تنعكس هذه الأزمة إيجاباً على الوضع الفلسطيني، حيث أن ما تسمّى بـ "المحكمة العليا" لطالما كانت أداة في أيدي المخابرات الإسرائيلية، فيما يخص التعاطي مع القضايا الفلسطينية، ولعلّ تمرير قوانين سحب الجنسية والإقامة والإعدام وغيرها، بأغلبية أعضاء الكنيست الإسرائيلي على اختلاف توجهاتهم، يؤكد ذلك، ولكن من المفيد فلسطينياً الآن تفويت الفرصة لأي وحدة ممكنة في الموقف الإسرائيلي.

وخلاصة القول أن انقلاب اليمين المتطرّف على المنظومة القانونية الداخلية، فضلاً عن التفاهمات الإقليمية والدولية ومنظومة القانون الدولي، قد أدخل الائتلاف الحكومي اليميني إلى غرفة الإنعاش، وتبدو نهايته قريبة جداً. إلا أن هذا لا يعني انتهاء الأزمة الاسرائيلية، التي طالت هوية الكيان والمجتمع، حيث أن سياسات الحكومة اليمينية قد أدخلت "إسرائيل" في دوامة لن تستطيع الخروج منها بسهولة، وأظهرتها بصورة الدولة الفاشلة من جهة وغير القادرة على التفاعل مع المجتمع الدولي من جهةٍ أخرى.