الحياة ذكريات!!

25/01/2023

 كتب د. محمود الفطافطة : قد يلفنا الغياب مثلما الشمس، ولكن ذاكرتنا ستسطع كشعاع الشمس؛ لتستحضر ذكرياتنا العبقة مع الأحبة والمخلصين. من البشر من يفنى مرتحلاً إلى قبور الموت، وآخرون من يسافرون بعيداً إلى صقيع الغربة والمنافي، ولكن ذكرياتهم ستظل كماء النهر؛ تجري في فضاءات العقل، وبساتين القلب.

الذكريات مشاهدٌ تحيا بدوام الوفاء، ولن تموت بتقادم الأزمان. الذكريات الطيبة لصيقة النبلاء، فمن يغرف من شمس الصداقة، ودفء الوفاء لا يمكن لعتمة الدهر، أو تباعد الأجساد، أو تقلب السنين أن تجفف وعاءه الإنساني، أو تصيب ذاكرته البيضاء بأسنة الجفاء، أو برماد الانطفاء.

نعيش في هذا الكوكب؛ لتعيش فينا ذكريات ومشاهد لا يمكن أن تصادرها متاعب الحياة، أو تناسخ الهموم وتجدد المسؤوليات… الإنسان الكامل هو الذي لا تموت فيه الذكريات الطيبة حتى ولو كانت مع أجناس حية وجماد. فكم منا من ذرفت دموعه على مشهد حيوان قتيل أو موشك على الهلاك. وكم منا، أيضاً، من تألم على ضياع بيت، أو فراق حافلة قضى معهما دهراً طويلا. هذا مع الحيوان والجماد، فكيف بجسدين التقيا لتعانق أرواحهما ملء الأزمنة والجغرافيا، وإن تباعدا بين قارة وقارات.

الذاكرة الحية والوفية هي التي يحملها من تربى في بيت العراقة، ونشأ في كنف الأصالة. قد تمتد ذكريات القساة لكنها في النهاية قد تميد بهم الأرض بؤساً ونبذاً، أما من حباهم المولى بذاكرة بيضاء كالثلج، وممتدة كالسحاب، فإنها ستمطر غيثاً من المحبة، وريحاً كمدد للحياة… ذاكرتنا لم ولن تموت أبداً. قد تموت الكثير من الكلمات، وكذلك الكثير من الحكايات. أما حكايتنا مع المحبين المخلصين كيف لها أن تموت وهي متجذر فينا لا تعرف التهميش أو الزوال.