تحقيق استقصائي لوطن: الدعم الحكومي للجمعيات.. معايير واضحة في وزارة التنمية وغائبة بمجلس الوزراء

27/12/2022

 


 

تحقيق: إبراهيم عنقاوي- وطن للأنباء: تعاني جمعية سيدات رافات شمال غرب القدس، من خطر إغلاق أبوابها بعد أكثر من عامين على تأسيسها، بسبب عدم تمكنها من توفير تمويل يساعدها على الاستمرار في عملها وتقديم الخدمات للسيدات في المجتمع المحيط بها.

وقالت مديرة الجمعية نجوى إبراهيم لـوطن للأنباء، إن الجمعة لم تتلقى دعما من أي جهة كانت، سواء من المؤسسات المانحة أو الجهات الحكومية التي تقدمت لها بعدة طلبات.

وأضافت أن جمعية "سيدات رافات" التي تهدف إلى تمكين النساء اقتصاديا في قرية رافات، تعاني من ديون متراكم بلغت 12 ألف شيقل، ولا تملك دفع إيجار مقرها، وهي أزمة تعاني منها كثير من الجمعيات الناشئة.

جمعية سيدات رافات، واحدة من مئات الجمعيات والمؤسسات التي تعمل في فلسطين على تمكين المجتمع وتعزيز صموده والحفاظ على هويته التراثية، لكن كثيرا منها تواجه نقص التمويل، مما يهدد وجودها وقدرتها على الاستمرار وتقديم الخدمات.

ضعف التمويل

وقال سائد ربيع مدير الاتحاد الفلسطيني للجمعيات الخيرية لـوطن للأنباء، أن العديد من الجمعيات أغلقت أبوابها، خاصة الناشئة والصغيرة منها، بسبب غياب الدعم والتمويل لها.

وأوضح أن الدعم المقدم من قبل الجهات الحكومية للجمعيات والمؤسسات يتم لمرة واحدة، ونادرا ما يتم صرفه للمؤسسات، لافتا إلى عدم وجود معايير محددة أو تقييم يتم على أساسه دعم الجمعيات.

لا تفاصيل عن منح مجلس الوزراء

تمنح الحكومة مساعدات مالية للمؤسسات والجمعيات والأندية المقدسية ومن في حكمها، ويتم وضع معايير ونموذج إلكتروني لتعبئته على موقع مجلس الوزراء، إلا أن ذلك لا يتوفر لدعم وتمويل المؤسسات والجمعيات الخيرية والأندية في باقي محافظات الضفة الغربية.

ويتم الإعلان عن صرف مساعدات مالية لعدد من المؤسسات والجمعيات الخيرية، خلال محضر جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية، لكن دون توضيح المزيد حول حجم الدعم ومن هي المؤسسات، ومعايير دعمها، وفي أي سياق يأتي الدعم.

وتعليقا على ذلك، قال المدير التنفيذي للائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) عصام الحج حسين، أن "الوسيلة الوحيدة التي نعلم فيها عن تمويل للمؤسسات هي محاضر جلسات مجلس الوزراء التي يتم فيها الإشارة على شكل عناوين بالموافقة على دعم بعض المؤسسات، دون مزيد من التفاصيل والتوضيحات أو حتى إعلان مسبق عن دعم للمؤسسات".

وتساءل الحج حسين: هل بالفعل أسماء الجمعيات التي يتم الإعلان عنها تُطرح في اجتماع مجلس الوزراء، ام أنه فقط بند يوضع في القرارات دون طرحه على الطاولة أمام أعضاء المجلس او اللجنة الاجتماعية الوزارية؟ مبدياً تخوفه من وجود معايير تتعلق باللون السياسي او الانتماء الحزبي للمؤسسات.

وأضاف أن عملية التمويل للمؤسسات وعدم الشفافية في توضيح المعايير التي يقوم على أساسها التمويل وحجمه وهدفه، يضع علامات استفهام حول آلية اختيار هذه المؤسسات.


مطالبة بجسم مستقل

وطالب الحج حسين بتشكيل جسم مستقل يدرس المؤسسات بناء على معايير واضحة، وشفافة. مؤكدا أنه اذا لم يكن هناك رقابة على التمويل قد يُصرف بعضه على مجالات لا تنسجم مع الأهداف التنموية للمؤسسة.

وتساءل، أين يظهر بند تمويل الجمعيات والمؤسسات في الموازنة العامة؟ وهل يوجد أجسام خارج وزارة المالية تمنح الصرف ام لا؟ ومن هي مرجعيات قرارات صرف المنح؟ وهل هناك آلية لمتابعة التمويل للمؤسسات؟

وقال إن هذا مال عام يجب أن يخضع للمساءلة وأن تلتزم إدارته بمبادئ الشفافية وأن تصدر تقارير فيه، ويجب أن يخضع لحسن الإدارة، أي يجب التأكد من تحقيق عملية الدعم الهدف المرجو منه.

ورأى أن وجود بعض المؤسسات الأهلية والخيرية مهم، لأنها تقدم خدمات لا تقدمها الحكومة، مثل المؤسسات التي تقدم خدمات للمسنين، لذلك نشجع دعم وتمويل أي مؤسسة أهلية بشروط واضحة، وبشرط ألا يمس استقلاليتها ولا يحد من مساحة عملها الرقابي.

لا معايير مكتوبة في مجلس الوزراء

وفي رد مجلس الوزراء على ذلك، أوضح عصام قاسم مستشار رئيس الوزراء، أن الدعم الذي تقدمه الحكومة للجمعيات الصغيرة قليل جدا، حيث يتدخل مجلس الوزراء حسب الحاجة ومدى خدمة الجمعية للمجتمع، بالتحديد في المناطق المهمشة، مثل بلدة بيتا التي تعاني من عدوان إسرائيلي مستمر، حيث تم تقديم دعم بسيط لجمعية نسوية فيها لأن وجودها مهم في البلدة.

وقال قاسم: لا توجد مسابقة أو معايير لاختيار جمعيات، ولا يتم نشر إعلان بدعم الجمعيات، وإنما الميدان هو من يقرر، حيث يتم تقديم الدعم من خلال الزيارات الميدانية ، حيث يقوم ممثلون عن مكتب رئيس الوزراء بزيارة المناطق المهمشة، ومن خلالها يتم التعرف على الجمعية وحاجتها للدعم، ومدى الخدمة التي تقدمها وحاجة المجتمع المحلي لها وحساسية القطاع الذي تخدمه الجمعية، ومدى مساهمتها في التخفيف من آثار هجمة الاحتلال على المنطقة التي تخدمها الجمعية.

وأضاف: ندعم الجمعيات في المواقع المهمشة التي تعاني من ظروف صعبة، فمثلا في شهر رمضان قدمنا دعما لعدد من الجمعيات المختصة بدعم الفقراء او الأيتام، بمبالغ بسيطة لا تتجاوز عدة آلاف من الشواقل، مشيرا إلى أن الحكومة تقدم دعما للجمعيات من خلال وزارة التنمية الاجتماعية أيضا.

الداخلية: دورنا قانوني وليس تمويلي

تواصلنا مع وزارة الداخلية، التي أكدت أن دورها ينحصر في توضيح الجوانب القانونية للجمعية، وأن الأمور المتعلقة بالتمويل هي من اختصاص مجلس الوزراء أو وزارة المالية.


المجتمع المدني خارج التنسيق

من جانبه، أكد د. محمد العبوشي رئيس مجلس ادارة شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، أنه ليس لدى الشبكة أي معلومات عن الدعم الذي تقدمه الحكومة للمؤسسات والجمعيات الخيرية، وأن ذلك لا يتم بالتنسيق مع الشبكة، ولم يصلها أي إعلان للتقدم والحصول على ذلك الدعم.

وطالب العبوشي الحكومة بوضع معايير محددة وواضحة وشفافة، وأن يتم الإعلان عن المنح الحكومية، لا أن يتم دعم الجمعيات من "ذوي القربى" وفق قوله. كما طالب الحكومة بإشراك شبكة المنظمات الأهلية والمجتمع المدني في وضع المعايير واختيار الجمعيات المستحقة للدعم.

معايير في وزارة التنمية

تواصلنا مع الوكيل المساعد للرعاية المجتمعية في وزارة التنمية رولا نزال التي أوضحت أن وزارة التنمية الاجتماعية هي من تترأس اللجنة الاجتماعية الوزارية الدائمة، التي تتابع طلبات الجمعيات بالمساعدة والدعم، حتى لو لم تكن الجمعيات تتبع وزارة التنمية الاجتماعية.

وقالت: أغلب طلبات المساعدة من الجمعيات التي تصل مجلس الوزراء يتم تحويلها للجنة لدراستها، وبعد أن تصدر اللجنة توصياتها يصدر من مجلس الوزراء خلال جلسته الأسبوعية قرار بتحويل الكتاب لوزارة المالية للصرف.

وبيّنت أن مجلس الوزراء يقوم بالمصادقة على صرف المساعدات بمبالغ بسيطة لبعض الجمعيات دون الرجوع للجنة الاجتماعية الوزارية، ولا تقوم اللجنة الوزارية بمناقشة طلبات الصرف الصادرة من مجلس الوزراء مباشرة، باعتبار أن تلك الجمعيات مستحقة.

وفي ردها على سؤال ما إن كانت اللجنة أو مجلس الوزراء يصادق على صرف مساعدات لجمعيات بناء على لونها السياسي او علاقة مديرها بمسؤولين في الحكومة، نفت نزال ذلك، قائلة: لا يوجد صرف بناء على علاقات أو اعتبارات شخصية.

وأشارت إلى أن اللجنة الوزارية تنعقد وتناقش كل طلب ومدى التزام الجمعية بالمعايير، وتقوم إما برفض الطلب او قبوله، ويجب أن تكون المعايير مطبقة بالكامل.

وأضافت أن الجمعية التي تقدم خدمة مهمة في منطقة مهمشة ومساندة للحكومة، يتم دعمها، مثل مخبز يشغل أيدي عاملة من عائلات فقيرة في منطقة مهمة أو جمعيات لها مشاريع او ستفتتح مشاريع تنموية تتوافق مع عمل وأهداف وزارة التنمية الاجتماعية.

وبيّنت أن باحث الوزارة يقوم بزيارة الجمعية ويضع مدير مديرية التنمية الاجتماعية في المحافظة توصية حول الجمعية، أما إذا كانت الجمعية تتبع وزارة أخرى مثل وزارة المرأة مثلا، فيقوم مدير مديرية شؤون المرأة في المحافظات بكتابة توصية حول الجمعية والصرف.

صرف على أكثر من بند

وحول عدد الجمعيات التي تم الصرف لها خلال العام الماضي وحجم الدعم المقدم لها، قالت بأنه لا يمكن معرفة ذلك بالشكل الدقيق، لأن بعض الصرف كان يحتسب على موازنة وزارة التنمية وأحيانا يتم من خلال بند مركز مسؤولية المؤسسات غير الحكومية في وزارة المالية.

وفي سؤالها حول عما إن كانت هناك تجاوزات أو عدم ضبط للصرف قبل صدور القرار ووضع المعايير، فان نزال لم تنف ولم تؤكد ذلك، مبينة أنه بعد استلامها ملف الدعم مؤخرا قامت بضبط الصرف وفق المعايير كاملة.

غياب الأتمتة

وأشارت إلى غياب نظام إلكتروني موحد للجمعيات، فوزارة الداخلية يوجد لديها قاعدة بيانات للجمعيات، والتنمية لديها قاعدة بيانات أخرى، وهناك اختلاف في البيانات من حيث مدى التزام الجمعيات بالقانون. مطالبة بضرورة إعداد قاعدة بيانات وأتمتتها لتسهيل عملية الدعم.

نموذج للدعم المالي

وقد صادق مجلس الوزراء على قرار رقم (07/33/18/م.و/م.ا)، بتاريخ (2.12.2029)، بشأن توصيات اللجنة الوزارية الدائمة المتعلقة بالسياسات، المتعلقة بإقرار نموذج لطلب الدعم المالي للجمعيات والمؤسسات، وإقرار وثيقة المعايير الخاصة بدراسة طلبات الجمعيات الخيرية والمؤسسات.