خالد منصور يكتب.. مع الكرميين طرقنا على الطناجر ضد الغلاء والجوع الكافر

16/12/2022

من يوميات النضال الجماهيري

بقلم: خالد منصور/ عضو المكتب السياسي في حزب الشعب

في عهد حكومة الدكتور سلام فياض وبالتحديد في العام 2012 ساءت الأوضاع المعيشية للجماهير كثيرا.. وفتك الغلاء بجيوب الناس لدرجة انهم اصبحوا يعتبرون الكثير من السلع الأساسية كماليات .. وارهقتهم الضرائب .. وتضررت معظم الفئات الاجتماعية لان الحكومة قد قررت ملئ خزينتها مما تجبيه من الضرائب المفروضة على المواطنين .. الامر الذي حول التذمر الجماهيري من سياسات الحكومة الى غضب تفجر بشوارع معظم المدن الفلسطينية .
في تلك الفترة كان حزبنا ( حزب الشعب الفلسطيني ) مشاركا في الحكومة بوزير .. ورغم حراجة الموقف لكن الحزب عبر عن موقفه الناقد لسياسات الحكومة .. لكن نقده لم يصل الى دعوة الجماهير للنزول للشوارع ضد الحكومة .. ولكن بعض قيادات الحزب وبعض قيادات المؤسسات الاهلية - من اعضاء الحزب – كان لهم موقفا متقدما اكثر .. وشرعوا بدعوة الجماهير ومختلف الفئات لتنظيم انشطة ضد سياسات الحكومة المجحفة بحقوق الجماهير .. فانطلقت حملة شعبية ضد الغلاء باعتباره غولا ينهش بجيوب الفقراء .. وبدأت الحملة بالتدحرج ككرة الثلج - من حيث حجم المشاركين ونوعياتهم .. ومن حيث الشعارات المرفوعة التي تطورت من شعارات اقتصادية الى شعارات سياسية وصلت قمتها حين تم رفع شعار "ارحل ارحل يا فياض " .. وعمت المسيرات شوارع مختلف المدن الرئيسية .. بداية من اريحا الى رام الله الى نابلس الى الخليل وطولكرم وقلقيلية وجنين وبيت لحم .. وارتفعت اعداد المشاركين فيها من العشرات الى المئات الى الألوف .. وانخرط فيها وبشكل متباين أعضاء وانصار العديد من فصائل العمل الوطني .. واسهم الاعلام – الغير رسمي – بانتشارها وتوسعها حتى أصبحت الحملة حديث كل المواطنين .. وجاذبة لعناصر وجماعات وفئات كانت بالبداية مترددة بالمشاركة - رغم نقمتها على سياسات الحكومة
كنت في حينها متحمسا جدا لانطلاق الحملة .. وعملت مع عددا من الرفاق على تأطيرها وتوسيعها وتوجيهها .. وانتقلت لقيادتها من مدينة لأخرى .. ونظمت الشعارات "الهتافات" المتضمنة مطالب الجماهير والمعبرة عن بؤس الأوضاع والناقدة بجرأة للحكومة وسوء أدائها .. واليوم حين أتذكر ينهال علي سيل من الذكريات لأحداث جرت في كل المدن .. ومعي والى جانبي العشرات من الكوادر نساء ورجال .. سياسيين وشخصيات مجتمعية ومواطنين عاديين .. وقد قررت بعد إصابتي برصاص الاحتلال وقعودي جزئيا بالبيت .. ان انبش هذا الكم الهائل من الذكريات .. وان أحاول كتابة قصص بعض تلك الفعاليات التي اعتز انني كنت من صانعيها ..
فمثلما استفدنا في حملتنا في كل المدن من المزاج الجماهيري الرافض لسياسات السلطة ونقمته على أدائها والمتضرر من الغلاء وارتفاع الأسعار .. عملنا مع الجماهير والقوى الكرمية الحية.. فكانت لنا العديد من الفعاليات في مدينة طولكرم .. ولكن ابرز تلك الفعاليات كان يوم 26/1/2012 .. حين تم التحضير لمسيرة اردنا لها ان تكون عارمة ومميزة .. ولذلك عقدنا لقاء تنسيقي شارك به الى جانب الحزب ممثلين عن جمعيات الإغاثة الزراعية واتحاد جمعيات المزارعين وجمعيتي تنمية المرأة الريفية والتوفير والتسليف النسوية .. كما وشارك به عدد من كوادر بعض التنظيمات وعدد من النشطاء الجماهيريين .. اكدنا فيه على بذل اقصى الجهود لحشد اكبر عدد ممكن من المواطنين .. وكلفنا من بيننا من يقوم بتحضير اللافتات والاعلام الفلسطينية .. واتفقنا على توقيت ومسار الفعالية .. وعند الساعة الحادية عشر صباحا من يوم 26/1/2012 كانت كل الجماعات من خارج المدينة قد وصلت وكذلك توافدت حشود المدينة .. وكان التجمع في الشارع العام امام مقر الإغاثة الزراعية .. ومن هناك تحركنا بمسيرة منظمة مرتبة نحو دوار جمال عبد الناصر .. يتقدم الصفوف نخبة من الكرميين البواسل (عاهد زنابيط وسهيل السلمان ووفاء جودة ورندة أبو صاع والمرحوم دعاس غانم ورأفت خندقجي واهليل أبو جيش ومحمد بليدي وخيري حنون والمرحوم عبد الكريم عودة وحسام حمدان وبشار أبو التين ) .. وارتفعت الهتافات عبر السماعات اليدوية لتصدح في مركز المدينة وتشد انتباه المواطنين .. ليقف البعض منهم ليستمع للشعارات ومن ثما يندفع للمشاركة بها .. وقد ارتفع عدد المشاركين من 200 مشارك في البداية الى ما يقارب ال 500 مشارك في النهاية .. واستخدمنا الطّرق على الطناجر كأسلوب (كنا اول من استخدمه ) للفت الانتباه وللتعبير عن رفضنا للفقر والجوع الذي اوصلتنا اليه سياسات الحكومة .. وقمت يومها برفع شعارات معبرة .. هتفت بها الجماهير بحماس شديد (الله يساعد الله يعين .. الله يحمى فلسطين .. رفعوا السولار والبنزين .. غلو السكر والطحين .. عنا حكومة مصايب .. شفنا منها العجايب .. خبرة بفرض الضرايب .. يا حكومة كفي البلا .. بدنا دوا لهالغلا .. بدنا رقابة عالاسواق .. جنون الغلا ما بينطاق .. بدنا رقابة عالاسعار .. بدنا ضبط للتجار ) .. وعلى دوار جمال عبد الناصر وقفنا .. وخاطبنا الجماهير ودعوناهم للانضمام للحملة .. ثم واصلنا السير عبر الشارع الرئيسي ونحن نطرق على الطناجر ونهتف ضد الغلاء وضد سياسات الحكومة الاقتصادية والاجتماعية .. وحين وصلنا الى مبنى البلدية القديم وقفنا مرة أخرى .. ووجهنا كلامنا الى المواطنين باعتبارهم متضررين من سوء الأوضاع .. وواصلنا السير عبر شارع الحدادين حتى وصلنا الى نهايته حيث يوجد مقر وزارة المالية قرب دوار شويكة .. وانهينا فعاليتنا وعدنا الى بيوتنا
وما زلت اذكر حادثة مميزة حصلت في المسيرة .. اذ وعند مرور المسيرة في شارع الحدادين من امام احد منازل الكرميين .. فتحت سيدة باب بيتها وخرجت هي وابنتها الصغيرة وبيديها طنجرة ومغرفة .. وانخرطت بالمسيرة معنا تطرق على الطنجرة وتردد شعارات المسيرة معنا .. لفتت هذه السيدة انتباهي وشعرت عندها باننا نجحنا بإيصال رسالتنا .. وبكسب ثقة الناس الذين شعروا اننا نعبر عن الامهم ونخوض النضال من اجلهم.