الف ومئة عام.. علاقات روسيا وفلسطين

12/12/2022

كتب: فخري عبد الفتاح

صدر عن مؤسسة جامعة لحوار الحضارات  كتاب للبروفيسور الدكتور عمر محاميد الاستاذ المحاضر في عدة جامعات روسية وعضو اتحاد المؤرخين والآثاريين الفلسطينيين والمحاضر في جامعتي النجاح وبيرزيت في فلسطين  كتاب بعنوان  روسيا... فلسطين  الف ومئة عام من حوار الحضارات. تناول الاستاذ الدكتور عمر محاميد في كتابه وعلى امتداد ثلاثمائة وأربع وعشرين صفحة وبرؤية تاريخية شاملة، وبوعي عميق صفحات تاريخ  العلاقة بين فلسطين وروسيا. وتتبع الكاتب البدايات الأولى لتلك العلاقة منذ رحلة الأسقف دانييل الروسي إلى فلسطين وانتهاء بدور المفكرين والكتاب الفلسطينيين ممن تخرجوا من السيمينار الروسي في فلسطين.

وعرج الكاتب على دور الكتاب والمبدعين الروس، ونقل لنا من انطباعات ووجهات نظرهم ومذكراتهم عن فلسطين، وكيف وصفوا الحياة في فلسطين بعد ان شاهدوا بأم العين كيف يعيش الفلسطينيون، وكيف يمارسون طقوسهم اليومية..

وبرهافة جراح حاذق يشق الاستاذ محاميد بمبضع قلمه غلالة الزمن وياخذنا في رحلة عبر الزمن او على بساط يراعه إلى مشاعر الكتاب الروس العظام مثل مؤلف رواية المعطف و صاحب المفتش والارواح الميتة نبكولاي غوغول. ناهيك عما كتبه العقيد نيكولاي فلاديمير فيتش الليربيرغ الذي كتب واصفا رحلته إلى فلسطين: " فجر 21 أيار من عام 1846 ومن خلف الأمواج وفي التيار البحري الرائع  هذه هي شواطئ يافا بعد سفر طويل ومتعب، بعد هذا العذاب المرير من البحار و الرحيل وصلنا شواطئ يافا. هنا وهناك انتشرت القوارب العربية التي اهتزت في الماء".

وهناك في كتاب الاستاذ الدكتور محاميد ثلاث مسارات اعتمدها الكاتب. الأول، هو تسجيل كتابات مفكرين وسياسيين روس عبروا فيها عن وجهات نظرهم ومشاعرهم تجاه فلسطين والفلسطينيين، والمسا الثاني الذي اتجه اليه الكاتب وهنا مسار اخر اتجه اليه اهتمام الكاتب و قد بذل جهودا كبرى ليصل إلى ما وصل اليه من معلومات. لقد بحث الكاتب واشتغل بهمة ونشاط عاليين حين اثمرت جهوده تلك عن اكتشاف تفاصيل ومعلومات عن أملاك الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في الأراضي الفلسطينية. ولا يوجد هناك أدنى شك بالقيمة الثمينة للنتائج التي توصل إليها الاستاذ عمر محاميد.

أما المسار الثالث فكان عن تاريخ تأسيس الجمعية الأرثوذكسية الفلسطينية وعن دورها الثقافي في فلسطين وتناول الكاتب أيضا دور المبدعين الأوائل خريجي السيمنار الروسي. و على مساحة ثلاثمائة وأربع وعشرين صفحة وستة فصول عرض الكاتب وتحدث عن رحلات الحجيج الروسي إلى فلسطين منذ الرحلة الأولى للأسف دانييل الذي وضع الأسس القواعد لهذا الصرح العالي من العلاقات، حيث أسس لحوار ثقافي متنوع الانغام،. حوار ديني ثقافي سياسي روحي. ويعرج الكاتب على دور الجمعية الأمبراطورية  الأرثوكسية الفلسطينية التي تأسست عام  1882 ودور المنشورات والاصدارات والرحلات والمحلات والمدارس الروسية في فلسطين.

وقد جاء إلى فلسطين الالاف من ابناء الشعب الروسي حجاجا وزوار من فقراء الشعب ومن أبناء العائلة المالكة القياصرة الروس ومن المثقفين والأداء والشعراء والدبلوماسيين الذين تركوا لنا كنوزا من المعرفة والمعلومات والقصائد والاغاني والقصص والروايات المساواة من فلسطين وجبال وسهول وبحار ووديان وصحاري وأشجار نخيل وزيتون فلسطين. لهذا كرس الكاتب الفصل الأول للحديث عن فلسطين ومكانته الثقافية بين ثقافات شعوب العالم. 

وفي الفصل الثاني تناول الاستاذ عمر تاريخ الرحلات الدينية الروسية والعالمية إلى فلسطين وما ارمه رجال الدين والسياسة والعلم من مختلف اقطار العالم الأوروبي الغربي والشرقيمن مذكرات ورسائل عن فلسطين، وأهمها رحلة الأسقف دانييل أثناء الحروب الصليبية.

فيما تناول الفصل الثالث اهم الرحلات والكتب عن فلسطين، ونذكر منها رحلة الأديب الروسي الشهير صاحب رواية الأرواح الميتة والمفارش والعطف... نيكولا فاسيليفيتش غوغول وكتاب فلسطين للناشر والصحفي سوفورين الذي قام برحلته عام1887 واغناتي كراتشكوفسكي وغيرهم..

وجاء في الفصل الرابع نصوص وصور وبعض الوثائق ومعلومات اشهد لها الصور والوثائق من أرشيف مخالف المكتبات كمكتبة العلوم الروسية ومكتبة جامعت سانت بطرسبورغ وارشيف البروفيسور كلثوم عوده. وتناول الكاتب في مجلده الثاني من كتاب روسيا وفلسطين... حوار الحضارات تاريخ تأسيس الجمعية الروسية الفلسطينية والعلاقات السياسية الروسية الفلسطينية وتأثير فلسطين في السياسة الشرقية الروسية والنشاط الأدبي الواسع لخريجي المؤسسات التعليمية الروسية وتأثير هذا على الأدب والفكر العربي الحديث ودخول أفكار الثورة الاشتراكية وترجمة الأدب الروسي للعربية ونشوء تيارات أدبية في القصة والرواية( الواقعية الاشتراكية) والشعر الحديث.

فيما يتناول الفصل الخامس من المجلد الثاني تأثير السياسة الشرقية الروسية  او ما عرف بالمسالة الشرقية على الحياة السيرة الروسية والدبلوماسية تجاه الأرض المقدسة الفلسطينية وصناعة القرار الروسي واهتمام العائلة المالكة في "الصعود" إلى فلسطين.

أما الفصل السادس فيتناول نشاط روسيا والمنظمات الروسية المخالفة منذ تأسيس اللجنة الفلسطينية وشراء الأملاك في فلسطين بعد صدور الفرمان العثماني عام 1856الذي سمح للدول الأجنبية بشراء وإقامة المؤسسات على اراضي فلسطين. 

وتحدث الفصل السابع عن تأسيس للمدارس الروسية والمؤسسات التربوية  السيمينار في الناصرة وبيت حالا ونا كان لذلك من تأثير على الحياة الأدبية والثقافيةالفلسطينية. فمن فلسطين خرجت بالعربية الأعمال الأولى للفيلسوف الروسي الأديب ليف توليستوي واشعار أمير الشعراء الروس العظيم بوشكين. فمن حيفا والقدس خرجت إلى النور المجلات الأدبية الأولى للكتاب الفلسطينيين خريجي السيمينار الروسي، ومن هذه الإصدارات الفكرية والادبية عرف العرب النظرات التربوية واعمال المستشرقين.

وفي الفصل الثامن تناول الكاتب نشاطات خريجي السيمينار الروسي رواد الأدب والشعر الفلسطيني ومنهم خليل بيدس صاحب النفاس العصرية وسليم قبعين صاحب مجلة الإخاء وكلثوم عدة اول امرأة عربية من الناصرة تحظى بأوسمة الصداقة وارفع لقب علمي من جامعة روسية "لقب بروفيسور". نشاط الشاعر إسكندر خوري البيتجالي.

وختم الكاتب للأستاذ عمر محاميد كتابه بفصل تاسع من المجلد الثاني لكتابه روسيا وفلسطين ألف ومئة عام من حوار الحضارات بالحديث عن تأثير نشاط هؤلاء الأدباء على الحياة الأدبية والثقافية الفلسطينية، كما اطلق عليه أدب للفقراء ومصطلح ادب المقامة للاستعداد والطغيان واجب الطبقات الوسطى ونضالها من أجل الحرية والانعتاق من قبضة النبلاء القساة كما في ادب تشيخوف ودستويفسكي وتولستوي وغوركي الذي رفع من شأن أبناء الطبقة العاملة والطبقات المسحوق وحولهم إلى أبطال قديسين يناضلون من اجل السعادة وخير الإنسانية.