كتبت مريم سميح سويطي: " يا أم الشهيد نيالك , ياريت أمي بدالك " , منذُ الطفولة وهذه الهتافات تتردُ على أذهاننا, حتى صدحت أصداؤها إلى كلِ المسامع , وباتت أمنية منشودة لكل فلسطينيّ , أنّ يرتوي ترابَ الوطنِ بدمه وينامُ بهناءٍ على أرضِ الوطن , فتلمسُ نعشهُ زهراتِ الياسمين , وسط " زغاريدِ " والدتهِ الممزوجةِ بالفخرِ والصُمود , فهذا ما اعتدنا على رؤيته خلال تشييع جنازات الشهداء الفلسطينيين ," خنساوات " يودعن " فلذات أكبادهن " بكل عزيمةٍ وثبات , صامدات كشجرة الزيتون تضربُ جذورها بعمق الأرض ولا تأبهُ للرياحِ العاتية , فمشهد وداع والدة الشهيد " إبراهيم النابلسي " لنجلها , ما زال يترددُ في مخيلتنا ، تلك المرأة التي تحملُ نعش ابنها الذي لم يتجاوز العشرين ربيعاً على كتفيها , وتصدحُ بأعلى صوتها بالتكبيرات والهتافات , واهبةً روحاً منها إلى اللّه وللمسجد للأقصى , وفي يدها الأخرى تمسكُ ببندقيته التي رحلَّ وهو متمسكٌ بها للدفاع عن وطنه حتى الرمق الأخير , وتزفه عريساً إلى الجنة , فوالدة " إبراهيم النابلسي" سطرت أعظم ملاحم الصمود والتضحية , أحسنت تربية شبلها ليقف في وجه العدو الهش , ويهز بسلاحه ترسانة المنظومة الأمنية للاحتلال الإسرائيلي .
ولا يتغيبُ عن ذاكرتنا والدة الشهيد "مهند الحلبي" , التي استقبلت جثمانه بابتسامةٍ تحمل في طياتها الألم والفراق , وترثي نجلها بكلمات مفعمة بالفخر والعزيمة " أفتخر كوني أم شهيد وأم لمهند، الذي ذهب للدفاع عن نساء فلسطين، في الوقت الذي يُذل فيه الاحتلال ويهين أبنائنا في أراضينا . "
إن أمهات الشهداء جسدنّ أعظم آيات النضال, وأنشأن جيلاً كاملاً يقفُ في وجه الظلم ويجابه المحتل , ويصنع من دماءه قنديلاً يضيء درب الحرية , ومن جسده الطاهر جسراً يعبر به نحو الجنة , رافضاً التخاذل والذل .
تلك النساء اللواتي أنجبن أطفالاً ودفعن بهن نحو ساحات ِ الجهاد , فهي أم الشهيد " محمد خضير " , و "إسلام صبح " وأم " حسين جماله طه " وأم " عبدالله الحصري " وأم " عمر أبو ليلى " هي الأم الفلسطينية التي أرضعت طفلها حليب الشجاعة والنضال كما قالت والدة الشهيد عبود صبح " نحن من أرضعنَّ أبناءنا الكرامة والعزة والشرف، وعدم السكوت عن الظلم " , ليرتقوا أقماراً في سبيل الدفاع عن فلسطين .
ويتعمد الاحتلال الإسرائيلي سياسة القهر والانتقام من عائلات الشهداء كوسيلةٍ عقابية ، وهذا ما عانت منه أم الشهيد وجثمان نجلها محتجزاً لدى الاحتلال في مقابر الأرقام , والدة الشهيد" رعد خازم " ، التي احتجز الاحتلال جثمان نجلها ولم تستطع توديعه وتقبيله ، وهي حالة من معاناة آلاف الأمهات الفلسطينيات , وفلسفة الانتقام التي يستخدمها العدو من الشهيد الفلسطيني , وفرض سيطرته الاستعمارية وسيادته الفعلية على الميّت كما هو على الحي .
ولكن أمهات الشهداء اللواتي يصنعنَّ "عرين الأسود" لا يأبهنّ، فأمُ الشهيد وهبت فلذة كبدها فداءً للوطن , وباتت مثلنا الأسمى في النبل والقوة .