بوابة القدس الشمالية تَغرق بالنفايات ووعودٌ رسمية بإنهاء الأزمة

02/10/2022

وطن للأنباء- وفاء صالح

على مدّ البصر، تتراكم النفايات في البوابة الشمالية للقدس المحتلة يمنة ويسرة، حيث "الرام" التي يقطنها عشرات آلاف المواطنين.

تعيش المنطقة منذ أكثر من شهر في مكرهةٍ صحية وبيئية مزرية، في إثرها تنبعث الروائح الكريهة والأدخنة وتتطاير الحشرات أينما التفتّ، بيد أن المواطن يحاول متخبطًا حل الأزمة فيخلق أزمة أخرى، والسبب في ذلك كله إغلاق الاحتلال محطة ترحيل النفايات في البلدة الواقعة شمال شرق القدس.

مشهد كارثيّ
يتذمر علي أبو شلبك، صاحب محطة وقود في الرام، من وضع البلدية الحاويات الرئيسة مقابل محطته تمامًا، فيما يحرق المواطنون النفايات يوميًا بعد حلول الظلام، فــ "إذا لم تُحرق ستبقى مكانها".

وبلا جدوى، اشتكوا إلى المجلس البلدي مرارًا، والوضع باقٍ على ما هو عليه، كما يقول.
ويتجاوز التضرّر من "الغرق بالنفايات" مجرد التلوث ليشكل خطراً جسيماً، مستدلاً على ذلك بما رآه: "قبل أيام احترق عمود الكهرباء بسبب إشعال النار في النفايات، وهرع السكان إلى الاتصال بالدفاع المدني من أجل إطفائه، وانقطع التيار الكهربائي عن المنطقة لساعات، كان المشهد كارثياً بمعنى الكلمة".

وكونه صاحب محطة، فهو يلتزم بدفع الضرائب والمستحقات كاملة للسلطة الفلسطينية، وفي المقابل من حقه أن يعمل في بيئة صحية وخالية من النفايات، تبعاً لحديثه.
وبحُنقٍ يعبّر أبو شلبك عن موقفه: "أطالب الجهات المسؤولة بحل المشكلة في أسرع وقت. المتضررون كثر، سواء كانوا مواطنين أم أصحاب مصالح".

لــ "عدم الالتزام بالشروط"
وقفت مجلة "آفاق البيئة والتنمية" على حيثيات الموضوع وتواصلت مع الجهات المسؤولة، وعلى رأسها بلدية الرام، التي قال رئيسها راقي غزاونة، إن المشكلة بدأت بعد عيد الأضحى مباشرة، جرّاء إغلاق قوات الاحتلال محطة ترحيل النفايات في البلدة، ما أدى إلى تراكم النفايات بحجم يفوق المُحتمل.

وأشار إلى أن البلدة يخرج منها يوميًا نفايات بمقدار 40 طن، كانت تُجمّع سابقًا في محطة الرام، ثم ترّحلها البلدية إلى محطة المنية في الخليل المخصصة لـــ "طمر" النفايات، إلا أن إغلاق محطة الترحيل خلق كارثة بيئية وصحية، حسب تعبيره.
وفي التفاصيل، أوضح غزاونة أن محطة الترحيل تتبع بلدية الرام، أي تتبع رسمياً "السلطة"، وقد أغلقتها قوات الاحتلال بذريعة "عدم الالتزام بالشروط المفترض توفرها في المحطة، "لأسباب بيئية".

في حين حاولت البلدية نقل النفايات مباشرة إلى محطة المنيا في بيت لحم، لكن الإمكانيات لا تسمح بنقل جميع النفايات يوميًا إلى الخليل، مفصّلاً في السياق نفسه: "لدينا 3 سيارات تستطيع ترحيل كمية تتفاوت من 15 إلى 16 طن نفايات فقط، وما من قدرة مالية لشراء المزيد من السيارات".

ويتطرق غزاونة إلى الجهود: "نحاول حاليًا إعادة تأهيل المحطة من جديد، بالترتيب مع الشؤون المدنية، حتى يسمح الاحتلال بإعادة فتحها، خاصة أن إغلاقها مضى عليه أكثر من شهر، ما يجعل المشكلة تتفاقم".
وبدورها توجهت البلدية إلى الجهات الرسمية وشرحت لها طبيعة المشكلة، والأخيرة بصدد التعاون مع هيئة الشؤون المدنية في سعي منها إلى إعادة فتح المحطة مجدداً.

الشروط التي حددها الاحتلال، يبيّنها على النحو الآتي: "توفير وحدات صحية جديدة، وتوفير مكيفات، وتجديد الكاميرات"، مؤكداً أن البلدية نفذّت الشروط المطلوبة، وفي انتظار موافقة الاحتلال.

وضع مالي سيّئ
"من الواضح أن البلدية لا تُحسن التعامل مع الأزمة بشكلٍ أفضل.. تُرى لماذا؟".. يُعزي السبب إلى الوضع المالي السيّئ، موضحاً: "للبلدية مستحقات لدى وزارة المالية قيمتها 3 ونصف مليون شيكل متراكمة، ولا تدفعها "المالية"، إذ كانت آخر دفعة لها قبل شهور وقدرها 220 ألف شيكل فقط".

وعلاوة على ما سبق، هناك 13 ألف شقة سكنية في الرام لا يلتزم أصحابها بدفع رسوم النفايات وهي شيكل واحد عن كل يوم للبلدية، وهذا يعرقل أيضاً حل الأزمة، ما يدعوه لمناشدة المواطنين بدفع المستحقات المتراكمة عليهم حتى يساهموا في حل المشكلة التي تؤرق بلّدتهم.

واستطرد غزاونة في الإجابة عن تساؤلنا قائلاً: "في البلدية 70 عاملاً منهم 35 عمال نظافة، ونحن عاجزون عن تعيين مزيد من الموظفين، إذ ليس في مقدورنا دفع رواتب إضافية".
من جهتها، قالت ربى عبد الهادي، مديرة مكتب سلطة جودة البيئة في محافظة رام الله والبيرة، إن إدارة النفايات الصلبة تحديدًا تقع ضمن مسؤوليات الحكم المحلي، أما جودة البيئة فدورها رقابي على المكبات ومحطات الترحيل، وضمن مهامها أيضًا إعطاء موافقات وتراخيص لافتتاح مكبات جديدة.

وحول أزمة الرام، أكدت أن في آخر تواصل لها مع البلدية، توافق الطرفان على تنفيذ الشروط التي فرضها الاحتلال، والتنفيذ تم، لكن حتى الآن "لا جديد يُذكر".

وطَمأنت السكان باستمرار متابعة الموضوع يومياً، معقبة: "ثمة بوادر لإنهاء الأزمة التي جعلت من الرام "مكرهة صحية".
وأضافت آسفة: "ندرك أن إمكانيات البلدية المتاحة متواضعة جدًا، والسيارات لا تستطيع نقل كمية كبيرة من النفايات من دون كبس، والمَكبس محتجز في المحطة المغلقة".

اشتعال حريق في المكب
"في حقيقة الأمر، المشكلة لم تبدأ حديثاً، إنما تعود لسنوات خلت، حين كان يُستخدم "مكب العبدلي" في العيزرية للتخلص من النفايات في المنطقة، ولكن الاحتلال أغلقه فجأة، وهكذا أصبح لا مكان أو مكبّ لنفايات مناطق الرام"، هذا ما يؤكده سليمان أبو مفرح مدير عام الإدارة العامة للمجالس المشتركة في وزارة الحكم المحلي.
ويزيد بالقول: "سابقًا، اتفق الارتباط الفلسطيني والاحتلال مع المجلس المشترك على أن يساهم الاحتلال في ترحيل النفايات إلى المنية، بحيث يتولى الأخير "تغطية ترحيل النفايات من المنطقة إلى الخليل لـ 3 سنوات"، بتكلفة قدرها 60 شيكل أجرة لكل سيارة نقل، وقد انتهت السنوات الثلاثة ولم يدفع الاحتلال شيئاً".

ويحذّر أبو مفرح من خطورة عدم ترحيل النفايات وإبقائها مكانها "بسبب الأزمة المالية"، موضحًا: "عند التـأخر في الترحيل تصبح النفايات عرضة للاحتراق بسبب أشعة الشمس ويغدو اشتعالها أسهل، ولهذا السبب اشتعلت محطة الترحيل في الرام قبل 20 يومًا، وبالتالي أوقف الاحتلال استخدامها".
إذن، إغلاق المحطة يتسبّب في مشكلة إضافية، والكلام له، ما دفع "الارتباط الفلسطيني" إلى الاتفاق مع الاحتلال على إعادة تأهيل المحطة بطريقة سليمة تحد من أي حريق قد يحدث، وفق شروط، وفي انتظار إجراء الاحتلال الفحص مع الارتباط الفلسطيني ليُعاد فتحها.

ومع وعودات هذه الجهة وتلك، وانتظار الموافقة الإسرائيلية على إعادة فتح مكبٍ يقع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، حسب الاتفاقات، إلى ذلك الحين ستظل بوابة القدس الشمالية "غارقة في مكرهة صحية".

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية