العمليات الفدائية الأخيرة ، تعيد رسم خارطة المقاومة الفلسطينية

29/09/2022

كتب: معين الشلبي

بعد سنوات من عطش الأرض لدماء الشهداء الزكية وشوق القدس لجحافلها ومناداة غزة لأبطال الضفة بالنهوض مجددا للمقاومة, عاد نبض المقاومين في الضفة بعد مرورها بأزمات كثيرة, تصدرت جنين بداية المشهد وخطفت الأنظار بقوة شبابها وزينة شهداءها, لتأتي نابلس خلفها وتتنافس واياها من يروي تراب فلسطين بالدماء الطاهرة أكثر ومن يقدم خيرة الشباب أولا.

رجالٌ في زمن قل فيه الرجال , رفضوا العيش تحت بساطير الاحتلال ورفضوا التسليم لمن لا حق لهم في فلسطين, لم يقتنعون بأهمية التنسيق الأمني ولا يروق لهم العمل في الداخل المحتل مقابل التنازل عن حق العودة لأراضيهم وتدفعهم الغيرة من مقاومة ومقاومي غزة ليقوموا ويدافعوا عن أرضهم ورغم كل محاولات الاقناع بأن السلام هو الحل الوحيد بين الفلسطينيين والاحتلال كان لهؤلاء الرجال رأي اخر, لم يفاوضوا العدو الا بالسلاح ولم يخضعوا يوما للاحتلال.

عملياتٌ أرهقت وأقلقت منام رابع أقوى جيش في العالم والدولة صاحبة المنظومة الأمنية القوية, فكان لضياء نصيب من ازعاج الاحتلال ومستوطنيه وتذكيرهم بأن للأرض أصحاب لم ولن يتخلوا عنها.

وعلى غير موسم المطر, أرعدت في جنين حتى سُمع الرعدُفي شتى فلسطين, فكان لرعد الكلمة والبندقية والشهادة والفوز العظيم. رعدٌ في قلب تل أبيب وعملية جديدة من نوعها تكسر هيبة أمن الاحتلال المزعوم فمن جنين انطلق المقاوم ليقول كلمته في قلب عاصمة الاحتلال

-المكان الأكثر أمانا في اسرائيل- ووجها لوجه مع مستوطنيه.

وفي جبل النار, لم تهدأ النار يوماً , فالشيشاني يرفض الموت دون أن يكون نداً للاحتلال والدخيل يسير على خطى الشيشاني.

واذا ذُكرت نابلس لا يُنسى ابراهيم, ابراهيم الذي أغاظ الاحتلال حتى في موته , من كان يشتبك وبعد الاشتباك بدقائق يخرج و يتمشى في حارات البلدة القديمة, من خاض الاحتلال لأجل التخلص منه عمليات معقدة كلفته الملايين, من صدح اسمه في سماء فلسطين شهيدا ومقاوما عنيدا, ظن الاحتلال أنه تخلص من مقاوم غليظ عنيد ليكتشف بعدها أنها صفات كل أبناء فلسطين.

وما بين محاولة الاحتلال خداع مستوطنيه بأمنه وقوته وسيطرته على الضفة, كانت لأبناء الضفة كلمتهم وموقفهم الخاص.

أعادت هذه العمليات البطولية للمقاومين والشهداء أنظار العدو والصديق للضفة. فما بين احتلال صهيوني ظنَ أنه سيطر على الضفة وأخمد روح الثورة والمقاومة فيها وما بين غزة التي نادت لسنوات تستنهض الضفة للمقاومة لإيمانها أنها الساحة الفصل ضد الاحتلال.

استدعاء جنود وقوات صهيونية لم تدخل الضفة منذ عام 2001 ليس حدثا عاديا فالاحتلال بات يشعر بوجود خطر أمني حقيقي يهدد وجوده بالكامل في الضفة, وفي خبر صحفي نُشر على قناة اسرائيلية قيل أنه في احدى الاقتحامات لجنين أن العدو أدخل كل قواته وجنوده لاقتحامها بعد ما كان جيب واحد يكفي لاقتحام أي مدينة فلسطينية .

يقول احدى المحللين أن الجيل الفلسطيني الجديد يعرف حقوقه وحرياته جيدا لم يشهد الانتفاضة الأولى والثانية ولم يشهد قيام السلطة ولا يعترف بأوسلو ولا يخشى الاحتلال.

وتعقيبا أقول أن الجيل الفلسطيني الجديد لن يقبل بفتات الخبز بل يريد قائمة الطعام كاملة, لن يرضى بمنطقة أ و ب بل يريد فلسطين كاملة من بحرها للنهر, لن يغنيه تصريح العمل في الداخل عن المطالبة بحق العودة ويرى أنه لا عودة عن حق العودة الا بالعودة الى الأرض الفلسطينية الحرة.

وفي خضم هذه العمليات البطولية, علَت همة الفلسطينيين وزادت ثقتهم باقتراب يوم الحرية والتخلص من الاحتلال الصهيوني وعلى العكس عاش المستوطنون حالة ذعر وخوف حتى وصل الحال لبعضهم بمغادرة فلسطين الى المكان الذي أتوا منه محتلين ومستوطنين.

ومع استمرار انتهاكات الاحتلال للشعب والأرض الفلسطينية, لا تزال العمليات المقاوِمة البطولية نراها واياكم يوميا في الخبر العاجل ما بين عملية طعن واطلاق نار على حواجز الاحتلال ودعس لجنوده وحتى وصلت قوة الفلسطيني قبل أيام لحرق برج صهيوني بالكامل.

وما كان غريبا أصبح عاديا فيُقال أن في جنين كلما شعر الشبان الفلسطينيين بالملل خرجوا يطلقون الرصاص على جنود الاحتلال عند حاجز الجلمة.

لا شك أن الاحتلال يفرض المزيد من العقوبات على الضفة وغزة بعد كل عملية فدائية على  الفلسطينيين عامة وعلى المقاوم وأهله خاصة, لكن لم تعد هذه الاجراءات ترهق الفلسطينيين ولا تهمهم فهم يعلمون أن الاحتلال يفرض العقوبات لعدم قدرته على انهاء حالة المقاومة السائدة في نفوس الشباب الفلسطيني وفي كل فلسطين , فاذا هدم الاحتلال بيت المقاوم وأهله فُتحت كل أبواب الفلسطينيين لهما واذا اعتقلوا والد المقاوم واخوانه فالجميع مشروع مقاومة, لا ترهقهم العقوبات ولا يخيفهم جيش الاحتلال, ويعلمون جيدا أن المقاوم أصبحت كلمته أقوى وأكبر من جيش الاحتلال بأكمله وأن المقاومة هي السبيل الوحيد للحرية والتخلص من الاحتلال وأنه لا سلام بين محتل وصاحب الأرض وأن السلام الوحيد هو لأرواح الشهداء ولمن ساروا على نهجهم المقاوِم ولمن لم يتخلوا عن السلاح.