"قصة ابن البلد".. مهرجان شبيبة موطن يسوع في مواجهة الرواية الصهيونية

23/09/2022



بقلم: سند ساحلية

حدد الصحفي النمساوي اليهودي ثيودور هرتزل (1860 - 1904) في كتابه "الدولة اليهودية" الذي كتبه عام 1896 رؤيته للدولة اليهودية بأنها "أرض التوراة الموعودة لبني إسرائيل"، مستندا الى سردية تاريخية مزعومة بمنطلقات ومبررات أيديولوجية لتشكل أساس الرواية الصهيونية في تسويغ فكرة إيجاد دولة لليهود على ارض فلسطين.

فيما وصفت رئيسة وزراء الكيان الصهيوني السابقة غولدا مائير (1898 – 1978) فلسطين بانها "أرض بلا شعب"، بقولها: "لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني، حتى إنه ليس علينا أن نأتي ونُخرجهم من البلاد، فهم ليسوا موجودين".

لفلسطين روايتان، ولكل حجر وزاوية ومكان، ولكل تاريخ وكتاب واسم قصتان؛ الاولى إسرائيلية صهيونية، وبرغم اعتمادها على تزوير الحقائق والكذب والقفز فوق حقائق التاريخ، الا انها تمتلك اليات وديناميات التأثير والحضور في الساحة الدولية. والثانية رواية فلسطينية تاريخية حقيقية، أخفقنا الى حد كبير للأسف في خلق اليات لها لتفكيك وتفنيد ودحض أكاذيب وزيف الرواية الصهيونية للرأي العام العالمي.

ورغم امتلاكنا لرواية تاريخية حقيقية ورغم تجذرنا في هذه المنطقة، إلا اننا أخفقنا وقصرنا في هذا الصراع الجذري. بينما استطاعت الرواية الصهيونية التي تبدو ايدولوجية خيالية وحالمة، استطاعت بأدواتها وكتابها ومؤرخيها التوراتيين من جعل هذه الرؤية الرومانسية الخيالية "حقيقة" على ارض الواقع!

#صوتك عالي، هكذا كان وسم مهرجان "قصة ابن البلد"، الذي نظمته الأمانة العامة للشبيبة المسيحية في فلسطين "شبيبة موطن يسوع"، في ساحة كنيسة المهد في مدينة بيت لحم مؤخرا، ليحكي وبالصوت العالي القصة الحقيقية لفلسطين وشعبها بمسلميه ومسيحيه، قصة هذه الأرض المقدسة ومهد الديانات، وقصة موطن يسوع الذي ولد فيه ومنه انطلقت المسيحية الى العالم اجمع.

لقد قدم هذا المهرجان بأنشطته وفعالياته الفنية والثقافية والروحية، ومن خلال جهود متطوعي "شبيبة موطن يسوع" ودون أي رعاية تجارية، قدم مضمونا ورؤية جديدة للمساهمة في تعزيز الوعي بالرواية والحقيقة الفلسطينية لدى أوساط الشباب والمجتمع الفلسطيني من جهة، وفي كشف زيف الرواية الإسرائيلية الصهيونية، والصهيونية العالمية والمسيحية، وهذه المعتقدات التي لا يؤمن بها الغالبية الساحقة من المسيحيين في العالم، ومواجهتها باللاهوت الفلسطيني المحلي "لاهوت التحرير المقاوم" الذي يحكي القصة الحقيقية ويبلور هويتها واصالتها، انطلاقا من واقع الجماعة المسيحية الفلسطينية في بيئتها الاصلية وعبر خبرتها الممتدة على مدى الفي عام.

"قصة ابن البلد" تقول وبصوت عال وواضح وصريح، ان استعمار واحتلال فلسطين وتهجير أبنائها من مسلمين ومسيحيين مخالف لإرادة الله، ولا يمكن تبريره بتفسيرات توراتية مغلوطة ومضللة بعيدة عن وحدة الكتاب المقدس ومركزية المسيح في التفسير، وان أي رواية تتجاهل تاريخ العرب بمسيحيه ومسلميه ودورهم الرئيسي المتجذر في تشكيل تاريخ وثقافة وهوية هذه المنطقة عبر الاف السنين، انما هي رواية مزيفة تتناقض مع الكتاب المقدس.

لقد تم اختيار كافة أنشطة وفعاليات المهرجان التي تعبر عن قيم العيش المشترك في فلسطين، بمسؤولية وبعناية ودقة، لتحكي قصة البلد من خلال "ابن البلد" في بيئتها الحاضنة والمكان الجغرافي لأحداثها، ومن خلال كل اغنية وعرض مسرحي وورشة عمل وعرض راقص وفلكلوري. هذا الى جانب تميز المهرجان بتنظيم يوم للتوظيف، وكذلك ورشة عمل للطلبة حول حرية الصحافة ومثال الشهيدة شيرين أبو عاقلة، وورشة عمل أخرى للشبيبة والكشافة حول الشهداء في المسيحية وحب الوطن.

اما درة تاج المهرجان وقصة ابن البلد فقد تمثلت في دلالات تنظيم أكبر معرض للكتاب المقدس باللغة العربية، في الشرق الأوسط والوطن العربي، وذلك داخل بلاط كنيسة المهد، حيث ترجم القديس إيرونيموس والذي يعتبر من أعظم آباء الكنيسة ومن معلميها، الكتاب المقدس من اللغة اليونانية الى اللغة اللاتينية والتي تسمى بالفولجاتا (La Vulgate) (بعهديه القديم والجديد دون أي نقص في الأسفار)، بعد ان أوكل إليه البابا داماسوس أسقف روما هذه المهمة في القرن الرابع. وللعلم، فإن الكتاب المقدس الفولغاتا هو أول كتاب تم طبعه في التاريخ عند اختراع آلة الطبع الأولى في ألمانيا من قبل العالم والمخترع غوتنبرغ.

لقد استقر القديس إيرونيموس في بيت لحم مدة خمسة وثلاثين عاما، وتوفي فيها عام 420 م. بالقرب من مغارة الميلاد، حيث بإمكاننا مشاهدة مغاراته أسفل الكنيسة المكرسة باسم القديسة كاترينا الإسكندرية التابعة لرعية اللاتين والمبنية على النمط الباروك، الواقعة بالقرب من كنيسة المهد.

لقد اختار القديس إيرونيموس بيت لحم وفلسطين؛ مهد وموطن المسيح والمسيحية، ليتعمق في المسيحية في بيئتها الاصلية وجغرافية نشأتها وحاضنتها الثقافية، لينجز أول ترجمة شاملة وبمنهجية واضحة للكتاب المقدس المعتمد الان في الكنيسة الكاثوليكية جمعاء.

وبعد حوالي 1600 عام على اختيار إيرونيموس لبيت لحم، اختارت "شبيبة موطن يسوع" تنظيم معرض للكتاب المقدس على بلاط كنيسة المهد، لتقول بصوت عال ان أبناء فلسطين موطن يسوع ومهد المسيحية متجذرين في هذه الأرض، ويمتلكون رؤية مشتركة ممتدة على مدى الفي عام تمكنهم من فهم وقراءة الكتاب المقدس بحيوية، بعيدا عن شطحات التزييف والتلاعب في احداث التاريخ وسرقته. وان كل الشرائع الأرضية والسماوية وإرادة الله الذي يشمل بمحبته وحنانه كل البشر، تدعم حقنا في الوجود في أرضنا وفي بيوتنا، وأن نكون أحرارا وكراما في دولة مستقلة.