جامعة بيرزيت تغرق في صراعات بدون نهاية!!

23/09/2022

 


بقلم: د. عقل أبو قرع

لقد عملت في جامعة بيرزيت أكثر من 12 عاما، وفي فترات مختلفة، خلال العقود السابقة، وقبل ذلك كنت طالبا في جامعة بيرزيت، وفي تلك الفترات كانت الجامعة  تنعم بالاستقرار والهدوء والنمو والتطور والتركيز على النوعية والجودة، وفي نفس الوقت تتوجه نحو الريادة على الصعيد الاكاديمي والوطني والمجتمعي، وعلى صعيد العلاقات والتعاون داخليا وخارجيا، وكان من الواضح وكما تثبته الاحداث الحالية، أن التوازن الذي حافظت علية جامعة بيرزيت من خلال كل مكوناتها، والتعاون والتشاور والاحترام للشرائح المختلفة التي تنضوي تحتها مظلة جامعة بيرزيت، والتشارك من خلال الرؤى والرسالة لهذه المكونات كان أهم الاسباب لتقدمها وللحفاظ عليها في الطليعة، وهذه المكونات هي مجلس ادارة الجامعة ومعها مجلس الامناء، ومجلس نقابة العاملين في الجامعة من أساتذة وموظفين وعمال، ومجلس طلبة الجامعة الذي يحوي كافة شرائح المجتمع الفلسطيني.
وكما هو واضح الان، فان أي اخلال بالتوازن بين مكونات الجامعة، من خلال التقليل من أهمية احدى المكونات او الاستهتار بمطالب أو مصالح أحد الاطراف،  كان ويكون كفيلا بأحداث الخلل وبالتالي لجوء هذا الطرف أو ذاك الى اجراءات من أجل تحقيق مطالب قد تكون عادلة أو مستحقة أو منطقية، وبأساليب مختلفة، ومن اقصى هذه الاجراءات اللجوء الى الاضرابات واغلاق الجامعة، كما هو يتمثل حاليا من خلال الاضراب وبالتالي تعطيل عمل الجامعة خلال الاسابيع الماضية، من خلال نقابة العاملين، أو كما حدث قبل حوالي عام من خلال اغلاق الجامعة من قبل مجلس الطلبة.
وبغض النظر عن المطالب أو الاهداف من الاجراءات الحالية أو السابقة، وبغض النظر عن التبريرات التي يتم عرضها من هذه الجهة او تلك لاستمرار الاوضاع الحالية،  الا ان من يدفع ثمن هذه الاوضاع هو جامعة بيرزيت بكل مكوناتها، سواء من خلال السمعة الاكاديمية المتمثلة بالجودة والنوعية والعلاقات الدولية، أو من خلال مساهمتها الوطنية والمجتمعية، أو من خلال الثقة والعمل بروح الفريق، والتي من الواضح ان الاحداث المتلاحقة من اضرابات واغلاقات وبيانات وتصرفات من هذا الطرف او ذاك لم تعهدها جامعة بيرزيت، أو من صراعات لأهداف اخرى،  قد أفقدتها من قيمتها.
وبعد مرور أسابيع على الاضراب أو على الاغلاق او الازمة الحالية، وبغض النظر عن المسميات، ما زالت جامعة بيرزيت تعاني من الشلل التام، ولم يعد يتوجه الالاف من الطلبة ومن الموظفين والعاملين والأساتذة الى الجامعة او يمارسوا نشاطاتهم الاعتيادية، وبغض النظر عن نوعية الاتفاق الذي سوف يتم يوما ما بين نقابة العاملين والادارة، والذي سوف ينهى الازمة، وبغض النظر عن الالية التي سوف يتم التوصل من خلالها الى الاتفاق، وبغض النظر عن من سوف يكون الرابح او الخاسر، او بالأدق نسبة الربح او الخسارة لهذا الطرف او ذاك، الا ان هناك دروس من الممكن استنتاجها او استنباطها من هذه الازمة، على امل اخذها بعين الاعتبار في الازمات القادمة، والتي وان لم يتم معالجة هذه الازمه جذريا، سوف تكون الازمات القادمة أكثر خطورة وفتكا.
ومن الدروس التي من الممكن أن تفرزها الازمه الحالية في جامعة بيرزيت، مثلما أفرزتها الازمات السابقة، انه لا يمكن التفرد بالقرار في هذه الجامعة، التي اعتادت على العمل بشراكة أو بالتشاور واخذ الرأي، بين الاطراف الثلاثة، أي بين الادارة ومعها مجلس الامناء ونقابة العاملين والطلبة، وليس ممكنا ان تكون هذه الازمة هي الاخيرة، وذلك بسبب اهمال الجانب التشاركي او الحوار او التواصل الفعال بين الاطراف الثلاثة قبل اتخاذ قرارات منفردة ومن اي طرف، وهناك اضرابات او احتجاجات خاضها احد مكونات الجامعة، بسبب التفرد في القرارات او محاولة اهمال او تجاهل احد الاطراف، وبالتالي وفي ظل المصلحة العامة للجامعة وبما انها جامعة "عامة"، فمن المفترض التشاور او اخذ الآراء في قرارات مستقبلية من قبل احد الاطراف يمكن ان تؤثر على الاطراف الاخرى.
الدرس الاخر هو رد الفعل العكسي والنفسي الذي يمكن ان تؤدي اليه قرارات متسرعة،  ومن المعروف ان تاريخ الاضرابات والاحتجاجات وبأنواعها طويل ومتشعب في الجامعة، سواء من قبل الطلبة او من قبل العاملين، او كليهما، وبالتالي فإن اتخاذ قرار متسرع كرد فعل على احتجاج أو مظهر من مظاهر الاحتجاج مهما كان نوعه، لم ولن ويعطي النتيجة المطلوبة، بل على العكس ادى الى ردة فعل نفسية قوية، والى مزيد من تضافر المكون المستهدف والى توجيه الاتهامات وبأنواعها لإدارة الجامعة وامتداداتها، وهذا ما يحدث بالضبط خلال الازمة الحالية وكما حدث خلال الازمات السابقة.
ومن الدروس أو العبر الاخرى، هو اهمية الحوار بين الاطراف في الجامعة، ليس فقط قبل حدوث الازمة، بل بعد حدوثها وبشكل فعال، اي بدون انقطاع وتدخل اطراف اخرى اذا امكن، واعتقد ان هذه الازمة لم تكن لتطول حتى الان من الاغلاق مع كل الخسائر، لو كان هناك حوار متواصل وبحسن نية، وبمرونة وبأخذ مصلحة الجامعة، كجامعة تضم الاطراف الثلاثة بعين الاعتبار.
وكان واضحا من هذه الازمة ان محاولة التهميش او التعامل الفوقي، او تجاهل مطالب معيشية حياتية، لم ينجح بل بالعكس قد تسبب ب  وزاد الازمة تفاقما، والاهم اضعف الثقة بين الاطراف، واعتقد ان هذا كان احد الاسباب التي اطالت الازمة وعقدتها وما زالت، ولو ان التعامل كان بروح العمل الجماعي للتوصل الى حل وسط، لما دامت الازمة ايام، والجميع تقريبا يعرف ما هو الحل الذي سوف تنتجه ازمة الاغلاق هذه، وان الحلول الوسط في النهاية هي التي سوف تسود.
وبالطبع فأن توفير حلول جذرية لازمات جامعة بيرزيت والجامعات الاخرى، وبالإضافة الى العمل التشاركي بين الاطراف الداخلية، يتطلب بناء التواصل الفعال مع المجتمع، كما كان قبل سنوات عديدة، واظهرت ازمة جامعة بيرزيت الحالية، تقريبا عدم اللامبالاة من قبل المجتمع وبأطيافه، سواء اكان القطاع العام او الاهلي او القطاع الخاص، الا لما له مصلحه مباشره مع تداعيات هذه الازمه،  ولبناء تواصل فعال مع المجتمع يتطلب العمل بروح المصلحة المشتركة، وليس فقط  بان يكون المجتمع هو المتبرع والجامعة تتلقى كما كان، ولكن بأن يتم ارساء ثقافة عمل الفائدة المشتركة، بحيث يستفيد القطاع العام اي الحكومة والقطاع الخاص والمدني من الجامعة وفي مجالات عدة، اسوة ب الجامعات الاخرى في المجتمعات المتقدمة.
ومن العبر أو الدروس التي تم استخلاصها من أزمة أضراب جامعة بيرزيت الحالية، أنه وفي ظل دوامة تكرار الإضرابات وشل ألجامعة، من ألمفترض أن يعمل مجاس أمناء الجامعة واداراتها بالتخطيط بعيد المدى ألهادف لإيجاد حلول مستدامة لقضايا مكررة وتعود كل عام وبشكل مضجر، بعيدا عن قرارات او اجراءات لا تتعامل مع قضايا ومطالب تؤثر على حياة العاملين اليومية، وأن تضع خطط استراتيجية للاستثمار ومن أجل إنشاء صناديق استثمارية خاصة بها تحقق عائد مالي يساهم في سد عجزها المالي وبشكل مستدام.
وفي ظل تواصل أزمة جامعة بيرزيت الحالية وغرق الجامعة بكافة مكوناتها في صراعات بدون نهاية، من المفترض على مكونات الجامعة، أي الادارة والنقابة والطلبة، ألتعامل بحذر مع تداعيات أو اثار هذه الازمة، والنظرة الى الامور بشكل أوسع من عناد شخصي أو من تشبث بمواقف لا تفيد أحد، وفي نفس الوقت أن تبدأ وبشكل متوازي بحوار لإيجاد حلول مستدامة لازمات تتكرر كل عام، من قبل هذا الطرف أو ذاك وبأن يتم هذا الحوار في اطار روح عدم وجود رابح أو خاسر ولكن في المحصلة التوصل الى حلول وسط تحقق الحد الادنى من مصالح الأطراف الثلاثة داخل الجامعة، والتي هي بشكل أو بأخل مصالح متداخلة ومتشابكة، وشكلت وسوف تشكل الدعامة لاستمرارها وتقدمها.