عدنان الصباح يكتب لوطن .. دولتان ... ولكن أين وكيف؟

19/08/2022

في خطاب بايدن في بيت لحم عقر دارنا وبلا ادنى مواربة قال انه يؤمن بضرورة قيام دولتين على حدود العام 1967 م مع ضمان التواصل الجغرافي وهو هنا يشير الى استحالة ذلك بين غزة والضفة الغربية ولم يعلق احد على هذا القول لا من قريب ولا من بعيد ولم يلتفت احد لخطورة مثل هذا القول وهو الأخطر من القول نفسه فصمت الجميع عن ذلك لا يمكن تفسيره بعدم الانتباه ولا الرغبة بمجاملة رئيس الولايات المتحدة ولا غضا للطرف فان يأتي هذا القول من شخص بحجم المنصب الذي يشغله بايدن يعني ان المستقبل الذي يراه هو هكذا.
عن أي دولتين إذن يتحدث رئيس الولايات المتحدة بعد ان أخرج من الحل حدود العام 1948 ولا حدود التقسيم الا اذا كان يقصد دولة فلسطينية عربية مسلمة في قطاع غزة ودولة يهودية في الأراضي المحتلة عام 1948م وتبقى الارض المتنازع عليها في الضفة الغربية بعد استثناء القدس وعندها سنجد عبقريات عالمية او حتى محلية تخرج علينا بحلول لازمة تصبح فيها إسرائيل طرفا في الحل لا سببا للمصيبة.

هل هناك استعداد فلسطيني لقبول حل كهذا وهل هناك من سيقبل بدولة فلسطينية في قطاع غزة قد تكون بحماية مصرية مثلا ودويلات في الضفة الغربية قد تكون بحماية إسرائيلية بينما وفي أفضل الحالات تحصل المستوطنات على حماية إسرائيل والدول المدن الفلسطينية على حماية اردنية وهل سيأتي اليوم الذي سنناضل فيه من اجل دولة ثنائية القومية في الضفة الغربية وقد يضاف اليها المناطق المحتلة عام 1948م ذات الكثافة السكانية العربية كوادي عارة والمثلث بحيث يصبح من حق دولة الاحتلال ان تسمي نفسها بدولة يهودية بعد ضم القدس وبعض المستوطنات المحاذية لحدود العام 1967م والواقعة في أراضي الضفة الغربية.

دولة فلسطينية في غزة بنظام مدينة دولة كنظام موناكو بحيث يصبح في أراضي الضفة الغربية عدد من المدن الدول كإمارة موناكو المحاذي لفرنسا وبالتالي تتمكن دولة الاحتلال الإسرائيلي من فرض مشروعها والإبقاء على سيطرتها وتستطيع عبر مواقع البؤر الاستيطانية خلق موانع ديموغرافية يهودية تمنع التواصل بين المعازل العربية الفلسطينية بما يجعل من حاجز زعترة والمستوطنات المحيطة عازلا بين مدن الشمال والوسط وعبر ذلك وهذه الايام تواصل دولة الاحتلال بشكل سريع اقامة شبكة طرق عصرية تسمح للمستوطنات بالتواصل فيما بينها من جهة ومع قلب دولة الاحتلال من جهة أخرى دون الحاجة للمرور بالتجمعات السكانية الفلسطينية وحتى تنتهي من ضمان ترسيم حدود المدن الدول وتقطيعها عن بعضها وارغام غزة بالقبول بنفسها الدولة الفلسطينية مع كل امتيازات الدول الا التسليح ونموذجها اليوم جمهورية سان مارينو الواقعة تحت الحماية الإيطالية.

الحال الفلسطيني للأسف يؤسس لذلك وليس العكس فاستمرار وتعميق الانقسام وتكريس فصل الضفة وغزة عن بعضهما البعض وبعض الظواهر في الضفة الغربية بما في ذلك اقامة بعض المؤسسات والشركات على أسس جهوية كشركة كهرباء الشمال وشركة كهرباء الجنوب مثلا بدل تأسيس شركة كهرباء وطنية فلسطينية واحدة.

دولة الاحتلال هي النموذج الحي لتجربة الاحتلال الأوروبي لما يسمى اليوم بالولايات المتحدة الأمريكية وهي معنية بنسخ التجربة بالكامل والإبقاء على الفلسطينيين كسكان أصليين للبلاد ولكن في معازل منفصلة لا تواصل بينها ولا بأي حال من الاحوال الا من خلال المستوطنات اليهودية التي اختيرت مواقعها بعناية لتفي بهذا الغرض وهذا المشروع قائم منذ حرب عام 1967م وسمي آنذاك باسم خطة إيغال ألون وبعد ذلك جاءت خطة النجوم السبعة لشارون والتي هدفت الى طمس حدود العام 1967 وربط سائر المستوطنات ببعضها البعض وتفكيك محافظات الضفة الغربية عن بعضها بنفس الوقت واليوم تظهر الصورة في الضفة الغربية على هذا النحو وما قاله بايدن تكريس لهذا الفعل الإجرامي على الارض بصمت عربي او بتامر لا احد يدري ولا اعتقد انه سيدري يوما من هو الذي سكت او الذي ساعد او الذي فرض بعد ان تصبح عدد الدويلات الفلسطينية المتنازعة مع بعضها البعض بعدد الدول العربية ويصبح لكل مدينة تاريخ ويضيع تاريخ فلسطين كما ضاع تاريخ العرب.