أسماء سلامه تكتب لوطن .. اللوز... الناقوس

01/07/2022

 أبدأ مقالتي هذه بآخر ما نشرت على صفحتي على الفيس بوك حيث قلت " الكل يتنمّر على تلك الطالبة.. اللوز، وأنا أتوجه لها بالشكر والتحية، لأنها بعفويتها وتلقائيتها وضعت بكلماتها اليد على الوجع، وجعلتنا نرى الخلل في بث حيّ ومباشر".

ولمن لا يعرف قصة تلك الطالبة، فهي طالبة تم إجراء مقابلة معها بعد نهاية جلسة امتحان الجغرافيا للفرع الأدبي، وكانت متحمسة جدا خلال حديثها الذي قالت فيه أن الامتحان كان لوز، والأسئلة مباشرة ومن الكتاب، مقارنة بالجلسة الثانية للرياضيات للفرع العلمي، وأنها أجابت بشكل ممتاز على الأسئلة، ثم اشارت بعفوية شديدة أن هناك من قام بتغشيش القاعة من الشباك، كل الإجابات على سؤال "ضع دائرة" وأردفت أنه بذلك قد أعطى الجميع 40 علامة "ببلاش، الله يسعدو" وختمت قولها بأنه لم يكن هناك حاجة "للبراشيم".

بعد انتشار الفيديو بشكل كبير على كافة وسائل التواصل الاجتماعي، وصل الأمر بالطبع للوزارة، التي اتخذت عدة إجراءات متسارعة، لمعالجة الغش" المحدود" حسب تعبير الوزارة، فجاء الإعلان عن الإجراء الأول، بتغيير نمط الأسئلة في الجلستين المتبقيتين وهما التربية الإسلامية والتكنولوجيا، وإلغاء سؤال اختيار أجابة من مجموعة إجابات أي  "ضع دائرة"، لأن الغش الذي حصل كان متعلقا بهذا السؤال فقط، وتجدر الإشارة هنا أن فيديو تلك الطالبة لم يكن الفيديو الوحيد الذي تم تداوله، فقد تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي العديد من مقاطع الفيديو لشبان يقومون بتغشيش الطلبة في القاعات الإجابات لهذا السؤال، مستخدمين أحيانا مكبرات الصوت، فكان حل الوزارة بأن تغير من النمط، وتكون كامل الأسئلة إنشائية، تم الإعلان عن هذا الإجراء أثناء تأدية الطلبة لامتحان الكيمياء للفرع العلمي والثافة العلمية للفرع الأدبي، فخرج الطلبة من قاعات الامتحان على وقع هذا الخبر، تغيير النمط الذي اعتمد للأعوام السابقة، والذي استعدوا للامتحانات بناء عليه، وبالفعل قدموا الجلسات القادمة وفقه، قد يقول البعض أن نمط الامتحان لا تأثير له على الطالب، وأن الطالب المجتهد الذي استعد جيدا للامتحان، يستطيع الإجابة على أي نمط،  قد يكون معهم بعض الحق في ذلك، ولكننا نتحدث هنا عن طلبة الثانوية العامة، بكل ما يحيط بها من ضغوطات نفسية على الطلبة وأولياء أمورهم على حد سواء، فما زالت تلك الصورة من الخوف والرعب والرهبة مرتبطة بجلسات امتحاناته، ويشكل هذا العام ... العام الفيصل بالنسبة لمستقبل الطالب، ثم إن التغيير أثناء انعقاد الامتحانات مربك من حيث التوقيت، خاصة وأن ما تبقى هو جلستين فقط.

ثم الحقت الوزارة هذا الإجراء بالإعلان عن إجراء جديد زاد من البلبة والارباك والتوتر، وهو إعادة توزيع العلامات لبعض الامتحانات التي قدمت بالفعل، بأن اعتمدت علامة واحدة بدل علامتين (كما هو مكتوب على ورقة الأسئلة) لكل نقطة من السؤال الأول( ضع دائرة) والبالغ عددها خمس عشرة نقطة، هناك من قال أنه سيتم توزيع العلامات وهي أيضا خمس عشرة علامة على الأسئلة الإنشائيية، وهناك من قال بطريقة أخرى، أن الامتحان سيكون من خمس وثمانون علامة، ثم سيجري تحويل العلامة لتصبح من مائة بالنسبة والتناسب، وفي كلا الحالتين الأمر لا يدعو للراحة  وغير مفهوم من قبل الوزارة.

في تصريحاتها عقب هذه الإجراءات فقد اشارت وزارة التربية والتعليم أن الإجراءات الأخيرة جاءت كحل بعد إخفاقها في الحد من ظاهرة الغش "المحدودة"، وأن الهدف هو المساواة بين الطلاب في الفرص وعدم الظلم، وأن ما حصل أكبر من كلمة لوز، وتتعلق بمسألة الحفاظ على  هيبة ومصداقية امتحان الثانوية العامة.

إن كل ما جرى بهذا الخصوص، يفتح الباب للعديد من الأمور المتلعقة بامتحان الثانوية العامة بالعموم، وهذه السنة على وجه التحديد، حيث ما زلنا حتى الآن ننتظر الوقت الذي سيرتاح فيه الطلبة والأهالي من هذا الكابوس، الذي يكبر من العائلة منذ إنهاء ابنهم الطفل الروضة، وتبدأ التهاني له بالقول"عقبال التوجيهي إن شاء الله"، الطفل الذي ما زال على أعتباب الدخول إلى المدرسة يبدأ بسماع كلمة التوجيهي، وتلك الهالة الوهمية التي نحيط بها هذا العام، والتي تسبب الرعب للجميع، وتجعل أي تصريح أو إجراء يتعلق بها ... محط اهتمام الجميع، وبيئة خصبة للتحليل والتأويل، وما يزيد الأمر تعقيدا – للأسف- أننا وعلى مدار أعوام سابقة سمعنا فيها أن القادم هو الأفضل، وأن هناك دراسات وخطط لتخطي هذا العام، وإيجاد الحلول التي تضمن قياس مستوى الطلبة بطريقة أفضل، بعيدة عن مبدأ التلقين الذي لم يعد قادرا على رفد الجامعات بطلبة وطالبات يقدحون زناد فكرهم وعقلهم وبالتالي رفد سوق العمل بالكفاءات اللازمة، القادرة على البناء والإبداع، لا أريد أن يفهم من كلامي أنني اشكك في مخرجات التعليم بالمطلق، ولكن الكل يعرف مدى الضعف الذي يعاني منه ابناؤنا الطلبة في العديد من المواد كالرياضيات واللغة الإنجليزية مثلا، وهذا ما تعلمه الوزارة جيدا، وتم رصده من خلال الامتحانات الموحدة التي كانت تجرى في بعض المراحل كالصف الرابع والخامس والثامن في بعض المواضيع، حيث كانت النتائج كارثية في بعض الأحيان،  وقد تراكم هذا الضعف مع قانون التعليم الإلزامي، الذي لا يجيز الترسيب في بعض المراحل، ما جعل الأمور تسوء أكثر، ودون مبالغة على الإطلاق، هناك بعض الطلبة ممن وصلوا للصف العاشر يعجزون عن  تكوين عبارة من ثلاث جمل دون أي خطأ إملائي، ناهيكك عن الأخطاء النحوية، فما بالكم بالحال في اللغة الانجليزية. وفي المقابل لم نشهد على أرض الواقع اي إجراء من قبل الوزارة قد ساعد على معالجة هذا الضعف التراكمي، فكان الحل بالنسبة للأهالي التوجه للدروس الخصوصية التي باتت من طبيعيات المسيرة التعليمية، ويتم تخصيص جزء من ميزانية الأهل لها، إضافة للإقبال على المدارس الخاصة التي لا يستطيع الكثيرون تأمين تكاليفها المرتفعة، وتثقل كاهل بعض الأهالي الذين يريدون تأسيس أبنائهم بالطريقة الصحيحة.

نعم، الوزارة محقة في حديثها عن الضعف التراكمي لدى الطلبة، وأن هذا الضعف هو السبب في شعورهم بصعوبة الأسئلة، ولكن الحديث عن الضعف بمعزل عن أسبابه ينم على ظلم للطلبة وعلى  التغيير المستمر في أساليب التدريس التي شهدناها في السنوات الخمس الماضية، من اعتماد لملف إنجاز ثم القرار بحذفه،  واجراء التغيير على بعض المناهج، إضافة لأعوام الكورونا والانقطاع عن التعليم الوجاهي، وما شهدناه من  إضرابات للمعلمين كانت تستثني طلبة التوجيهي، ولكن باقي المراحل عانت منها، ومهما حاول المعلم تعويض الفاقد التعليمي لن يكون بالكفاءة الموجودة في الغرفة الصفية وفي الدوام الرسمي، ثم أتى أخيرا نظام الفترات، الذي أضعف من قدرة الطالب على المخزون التراكمي، فالطالب يقدم امتحانا في نهاية كل فترة فقط، ولا وجود لامتحان يشمل كافة الفترات في نهاية العام، فكيف سيكون الحال بالنسبة للطلبة الذين أنهوا الصف الحادي عشر هذا العام وقدموا الامتحانات بناء على نظام الفترات، وفي آخر فترة بالكامل تقريبا شهدوا إضراب المعلمين، ما القدرة التي نمت لديهم عن مفهوم الدراسة التراكمية؟ وهل عليهم الاعتماد على أنفسهم فقط في تدريبها على الاستعداد لتأدية امتحانات التوجيهي في مادة تشمل فصلين كاملين؟
ما يحزننا حقيقة هو عدم الثبات على الإجراءات التي تتخذ، وللأسف بتنا على قناعة أن لا دراسة شاملة  تجري قبل الخروج علينا بها، وكأننا نقرر الإجراء ونقوم بتطبيقه وننتظر ردود الفعل من الطلبة والهيئات التدريسية والأهالي لنقوم بالتفكير في بديل، بدل ان يكون لدينا خطة حقيقية وعلمية لإيجاد نظام تعليمي يضمن لنا أجيالا مبدعة.

لأعود الآن لمجريات الأحداث فيما يتعلق بالإجراءات الأخيرة في الامتحانات المنعقدة حاليا، وتبعاتها وتأثيرها:-
- إن كانت الغاية عدم الظلم، فإن مسألة إعادة توزيع العلامات فيها ظلم كبير سيقع على العديد من الطلبة، الذي اجتهدوا وبذلوا كل ما بوسعهم استعدادا للامتحانات، وأجابوا بالكامل على السؤال موضوع الخلاف، وربما لم يحالفهم الحظ في الإجابة الكاملة على الأسئلة المقالية، كيف سيكون الحال بالنسبة لهم؟ هل ستضاعفون عدد العلامات التي سيخسرونها في تلك الأسئلة؟  وماذا عن حالتهم النفسية والذهنية؟ أتعلمون أن بعض الطلبة بدل البدء بالاستعداد لامتحان التربية الإسلامية، بدأوا بإعادة احتنساب علاماتهم في الامتحانات السابقة؟ وأصابتهم الخيبة من علاماتهم؟ كيف سيكون بإمكانهم التركيز فيما هو قادم؟ وما مفهوم العدل والظلم الذي سيرسخ في أذهانهم؟ أين العدل لطالب العلمي الذي عانى من السؤال الأول "ضع دائرة" الذي استغرق منه الوقت الكثير للحل قبل التوصل للإجابة، وربما أخطأ في إحدى الخطوات وبالتالي خسر كامل العلامة؟ أما كان حريا بكم أن تنظروا لهذا النمط من الأسئلة في وقت سابق ومراعاة حصوله على جزء من العلامة على طريقة الحل؟ لماذا هذا الإجحاف؟
- وطالب الأدبي الذي يستغرق الكثير من الوقت في الأساس للإجابة على الأسئلة المقالية بين شرح وتحليل وتفصيل، ويرى في سؤال الاختيار من متعدد فرصة لاستحضار معلومة جاهزة في ذهنه، ايعاقب الجميع على ظاهرة ( الغش) التي أنتم بأنفسكم وصفتموها بأنها "محدودة"؟
- ثم إن عدم تمكن الوزراة من معالجتها بالطريقة الصحيحة في قاعات الامتحانات، ليس مسؤولية الطالب، بل هي مسؤولية الوزارة، ولنكن صريحين مع أنفسنا قليلا، من قام بإيصال نسخ من أوراق الأسئلة في وقت قياسي بعد توزيعها على الطلبة، ليس الطلبة، فيمنع حمل أجهزة الهواتف من قبلهم في القاعات، وإن حدث ووجدت بعض الحالات كان الحري بالوزارة التصرف مباشرة مع الطالب، والقانون واضح في هذه الحالة، يحرم من تقديم الامتحان، فما الإجراء الذي اتخذته الوزارة بحق البقية المشاركين في ايصال الأسئلة لوسائل التواصل وحلها قبل نهاية الامتحان؟
- الأجهزة الأمنية التي عليها التواجد في محيط القاعات، أين كان دورهم في هذه الظاهرة؟ الم يكن بإمكان الوزراة التنسيق مع وزارة الداخلية منذ البداية بتكثيف تواجد عناصر الأمن والتأكد من الحفاظ على جو صحي لانعقاد هذا الامتحان؟
للأسف لم تكن إجراءات الوزارة ناجعة من حيث التوقيت ومن حيث الآلية، بل كانت مجرد رد فعل على موقف محرج وجدت نفسها فيه، فكانت النتائج  أكثر سلبية من الموقف ذاته، حيث فقدت الثقة في كل ما يصدر من قرارات، وسيتم التشكيك في كل خطوة قادمة تتخذها الوزارة. هل قامت الوزارة بدراسة الوضع بشكل شمولي قبل الخروج بهذه الإجراءات على الإعلام؟ هل هناك مسوغ قانوني لصلاحياتها في إعادة توزيع العلامات بعد انعقاد الامتحان؟ وهل كان من الضروري تغيير نمط الأسئلة للجلستين المتبقيتين؟
بعد ما جرى يقولون أنه تم استخلاص العبر والنتائج، وسيكون الوضع مختلفا العام القادم، كنت أتمنى أن تبقى الامتحانات الحالية على حالها، مع تشديد الإجراءات داخل القاعات، وتكثيف تواجد الشرطة، وبحث مسألة تغيير نمط الأسئلة للعام القادم، وبحث كامل النظام الحالي ومدى نجاعته، ولكن وبعد متابعتنا لكل ما يجري، ومما قرأته من منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، أتوجه بسؤال الكثيرين لوزارة التربية والتعليم: إلى أين تريدون الوصول بنا؟