المصالحة والطريق المسدود... بقلم: عوني صادق

04/07/2011

آخر تصريحات القيادي البارز في حركة (حماس)، الدكتور محمود الزهار، أكدت صحة ما تنقله وسائل الإعلام كل يوم عن وصول اتفاق المصالحة الفلسطينية الموقع في القاهرة في 4 مايو/أيار 2011 إلى ما يستوجب إعلان فشله . الزهار قال لجريدة (الدستور 28/6/ 2011) الأردنية إن “ما تتناقله وسائل الإعلام عن وصول جهود المصالحة إلى طريق مسدود صحيح”، محملاً المسؤولية لحركة (فتح) التي “تتصرف عكس ما تم الاتفاق عليه” في القاهرة . يأتي هذا التصريح متفقاً، صراحة أو ضمناً، مع مضامين كل التصريحات التي صدرت عن الرئيس محمود عباس في الأسابيع الأخيرة، سواء المتعلقة بمرشحه لرئاسة الحكومة الانتقالية، أو ببرنامج هذه الحكومة، أو ما يعلنه من خطواته في الأشهر المقبلة . والحقيقة أنه بعد أيام فقط من توقيع اتفاق القاهرة بدأت تظهر “أعراض الفشل” من خلال التصريحات المتبادلة والممارسات الفعلية التي دلت وتدل على أن شيئاً من الوضع بعد التوقيع على الاتفاق لم يتغير . وقد يسأل المراقب المحايد: لماذا تنتهي كل اتفاقات المصالحة الفلسطينية إلى الطريق المسدود؟ 

منذ التوقيع على “اتفاق أوسلو” في سبتمبر/أيلول ،1993 انقسم الفلسطينيون بين مؤيد ومعارض، وكان للمؤيدين برنامجهم وخيارهم، بينما كان للمعارضين برنامج وخيار مغايران . كل الخلافات التي نشبت بعد إعلان “اتفاق أوسلو” كانت نابعة منه، وكان على الذين يريدون معرفة مصادر الخلاف أن يتوقفوا عند البرامج والخيارات المتعارضة للأطراف المعنية، وليس عند التصريحات . محاولات الاتفاق التي تمت منذ أوسلو حاولت القفز عن البرامج والخيارات السياسية المعلنة، وتطلعت إلى توفير ما يسمى “الحد الأدنى الوطني”، الذي رآه أنصار أوسلو سقفاً لمطالبهم بينما نظر إليه المعارضون “سقفاً مرحلياً” سيكون موضوعاً للتجاوز في مرحلة لاحقة . في عبارة أخرى، كان ما رآه طرف “استراتيجية” يجب الالتزام بها حتى النهاية، رآه طرف آخر “تكتيكاً” يسهل عليه الوصول إلى “الاستراتيجية” التي يعتنق . المحاولات التي جرت للتوفيق بين “الرؤيتين” انفجرت أكثر من مرة لأنها حاولت الجمع بين الأضداد، وليس بين المتناقضات . 

هنا لا بد من الإشارة إلى أن الخلاف لم يكن بين معسكر أوسلو وأنصار “نظرية المفاوضات” من جهة وبين معسكر “المقاومة المسلحة” الرافض لأوسلو من جهة أخرى وحسب، بل كان أيضاً داخل معسكر أوسلو و”المفاوضات”، وداخل حركة “فتح” نفسها، مثلما كانت بين معسكر الرافضين لأوسلو . ومؤخرًا وصلت إلى داخل حركة “حماس” نفسها . لقد كان الخلاف معروفاً ولكنه مكتوم بين الرئيس الراحل ياسر عرفات وبين الرئيس محمود عباس، ثم أصبح علنياً، حول هذه المسألة تحديداً . كان عرفات يرى أنه لا يمكن إسقاط المقاومة المسلحة بشكل كامل ولا بد من إبقائها كشكل من أشكال النضال وورقة للضغط على الجانب “الإسرائيلي” عند اللزوم، حتى لا يصبح أسيراً لمفاوضات عبثية ورهينة لأهداف “إسرائيلية” أرادها الجانب “الإسرائيلي” من اتفاق أوسلو . وقد ظهر موقفه جلياً في تشكيل “كتائب الأقصى” أثناء الانتفاضة الثانية العام 2000 . أما عباس فكان من اللحظة الأولى يطالب بإنهاء المقاومة المسلحة وشطبها نهائياً من جدول أعمال السلطة، واقتصرت استراتيجيته على المفاوضات ثم المفاوضات، وهو ما أكد عليه مرارًا وتكرارًا بعد رحيل عرفات والجلوس مكانه . 

اتفاق القاهرة الأخير لم يستفد كثيرًا من تجارب الاتفاقات السابقة فتجاهل مرة أخرى طبيعة وحقيقة الخلاف الناشب منذ عقدين، وحاول القفز عنه فانتهى إلى إعطاء الاتفاق عاماً كاملاً لتنفيذ كل بنوده . لقد قبل الموقعون على هذا الاتفاق، ورعاتهم، حقيقة أن هناك خلافات لا يمكن حلها فوراً أو في أسابيع (إعادة بناء منظمة التحرير وتفعيل مؤسساتها مثلاً) بل يحتاج حلها إلى أشهر، ولا بد من الانتظار بعض الوقت . لكنه لم يقدم الضوابط والآليات الناجعة لحل الخلافات والمطالب العاجلة (الإفراج عن المعتقلين ووقف التنسيق الأمني مثلاً) . وقد وقع كل طرف اتفاق القاهرة الأخير وفي ذهنه أهداف عاجلة معينة قرر أن يسعى إلى تحقيقها فوراً، وخلال الفترة الانتقالية، ليست مقطوعة عن رؤيته السياسية أو عن برنامجه السياسي، أهداف ترتبط بقائمة خياراته الراهنة والمستقبلية . 

فبالنسبة للرئيس عباس، وحركة (فتح)، كانت الأهداف من توقيع الاتفاق معروفة للجميع: الظهور بأنه يتحدث باسم الفلسطينيين جميعاً كورقة في يده من أجل استئناف المفاوضات، أو لمعركته في الأمم المتحدة للحصول على الاعتراف بدولة فلسطينية، التي هي بدورها ورقة من أجل استئناف المفاوضات . كان المطلوب شراء الوقت بأرخص ثمن، ليس أكثر من بعض لقاءات وأحاديث عن المصالحة، حتى تمر الشهور الثلاثة الباقية وصولاً إلى سبتمبر (أيلول) . 

أما بالنسبة لحركة (حماس) فالمواقف ظلت على حالها في كل مجال، لم تتغير في أي موضوع . لكنها تمترست في خندق “التوافق”، مع أنها فوضت عباس بالتفاوض طبقاً لبرنامجه السياسي! يقول الزهار في حديثه لصحيفة “الدستور” الأردنية: يجب أن يتحدد اسم رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية، وكذلك أسماء كل الوزراء، بالتوافق . لذلك لم تتشكل الحكومة حتى الآن، وهي التي لم تعتبر مشكلة، فماذا عن المشكلات المعقدة إذن؟ 

يحاضر الجميع في المصالحة والوحدة وفي الحاجة إليهما وأهمية تحقيقهما، لكنهم ينسون أو يتناسون أن الوحدة تحتاج أولاً إلى برنامج سياسي موحد، وأن المصالحة التي لا تقوم على أساس برنامج موحد تحمل بذور سقوطها في داخلها ولا توصل إلى الوحدة بل توصل إلى طريق مسدود، ومزيد من التشرذم والانقسام .

                                                                                            جريدة الخليج