قدراتنا الشفائية الكامنة ليست مستحيلة من منظور ديني وروحاني

06/06/2022

وطن للأنباء- ريم بركات: يقول الله تعالى في كتابه الكريم وفي سورة التين بالتحديد "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم".

ويقول عزَّ وجل في سورة التغابن " خلق السماوات والأرض بالحق وصورّكم فأحسن صوركم وإليه المصير". ففي قوله جلَّ وعلا ما يدل على أن الله خلق الإنسان في أحسن صورة وفي خِلقة تامة، متناسب الأعضاء، منتصب القامة ولديه ما يحتاج من النعم حتى يعمّر الأرض التي خلفه الله تعالى فيها، والسؤال: بما أننا خُلقنا على هذه الصورة السوية؛ لماذا إذن نرى هذا الكم الكبير من الأمراض - وبالتحديد المزمنة- المنتشرة بين الكثير من الأطفال والكبار على حد سواء.
مسببات الأمراض

من ناحية علمية، أُثبت أن مسبّب معظم الأمراض الوراثية والخلقية هو فساد الإنسان الذي يلحقه بنفسه وبيئته. ومعظم التعاليم الدينية الواردة سواء في القران أم الإنجيل أم التوراة تدعو الإنسان للحفاظ على نفسه وبيئته بالالتزام بعدد من القوانين الدنيوية التي تهدف إلى تنظيم مختلف مناحي الحياة، وتحريم بعض السلوكيات وذلك لحكمة بالغة.
فعلى سبيل المثال تحريم الشذوذ والعلاقات الجنسية المتعددة خارج الأطر الزوجية تحمي الإنسان من العديد من الأمراض التي تنتقل من شخص لآخر وتؤثر على النسل.

إن الجهل بأسلوب الحياة الصحي الذي يجب أن تتبعه الحامل والمرأة عمومًا، والجهل بأساليب الوقاية من الأمراض هو سبب آخر أيضًا من مسببات الأمراض.

تتعدد مسببات الأمراض وبها تختلف أنواعها، وفي عصرنا هذا نلاحظ انتشارًا كبيرًا للأمراض التي تصيب الإنسان لا سيما ما يُطلق عليها "الأمراض المزمنة"، والتي كما يدّعي الطب المعاصر أنها تبقى ملازمة له طوال حياته ولا سبيل للشفاء التام منها، وبالإمكان فقط التحكم في أعراضها والتخفيف من آلامها عن طريق الالتزام بتناول كم كبير من الأدوية يوميًا لبقية حياته.
لكن يا ترى، أهذا الكلام منطقي ومُسلّم به؟ أم هناك خيارات أخرى أمام الأشخاص الذين يعانون أمراضًا مختلفة والتي يعمل النظام الطبي جاهداً ليبقيها مخفية ويُغيّب وعي الناس عنها؟

في هذه المقالة سنرى الطب والشفاء من منظور آخر لا يقتصر فقط على المنظور العلمي، ولا يعرض طرق الشفاء بالطريقة الغربية التي تتعامل مع الإنسان جسدًا فقط، بل سنعرض موضوع الشفاء من منظور ديني وروحاني، ليتبين أن الإنسان قادر على الوصول إلى حالة من الشفاء والسلام الروحي وذلك باتباع عدد من الممارسات.

القدرة الكامنة على الشفاء بالوضع الطبيعي للجسم
في البدء لنتحدث باختصار من ناحية علمية وطبية عن الآلية التي يعمل بها جسم الإنسان عمومًا.
للجسم السوي قدرة على محاربة الالتهابات وقتل خلايا السرطان وشفاء الجروح وإصلاح الأضرار المختلفة وحتى محاربة الشيخوخة، لكن كي يكون الجسم قادرًا على القيام بجميع هذه العمليات على أكمل وجه فإن الأمر يتطلب عادة أكثر من مجرد زيارة للطبيب.
خلايا الجسم لها القدرة على الشفاء الذاتي عندما يطرأ ضرر، حينها تتكاثر حتى تبدّل الخلايا المريضة.

على سبيل المثال، عندما يجرح شخص يده يحدث تجلط في الدم لمنع النزيف، وتتخلص خلايا الدم البيضاء من الخلايا المصابة والميتة وتصلح الخلايا الجديدة النسيج المتلف.

وهكذا هو جسمنا عامة، ينتج دائماً خلايا جديدة صحية تصلح وتحلّ مكان الخلايا القديمة والمتضررة، إضافة إلى ذلك فإن وظيفة نظامنا المناعي هي التعامل مع أي دخيل على الجسم، مثل الفيروسات والبكتيريا والسموم، فيحبس المخاط الأجسام الغريبة، وتقتل الأحماض في الأعضاء المختلفة الكائنات الحية، وهناك نوع من خلايا الدم البيضاء يبلع الجسم الدخيل ويدمره لأن الخلايا السليمة لها القدرة على التعرف على الدخلاء وتدمير الخلية المصابة.

عندما يصاب جسدنا بالتهاب ظاهر، بينما يبدو الأمر في الظاهر سيئًا، إلا أنه في الحقيقة جيد؛ فهذا يعني أن الجسم يصدر ردة فعل فورية اتجاه إصابة أو دخيل على الجسم ويسمح للنظام المناعي بالعمل والتركيز على شفاء تلك المنطقة.
احتياجات الجسم الأساسية حتى يعمل عملًا صحيحًا
إذا كان جسم الإنسان يمتلك هذه القدرة العظيمة على الشفاء، لماذا نرى إذن العديد من الأمراض تلازم الأشخاص على المدى الطويل؟

قد تؤثر العديد من العوامل في قدرة الجسم على مقاومة الأمراض وأداء وظيفته على أكمل وجه.
كما نعلم، فإن جسدنا يحتاج إلى عدد محدد من ساعات النوم في اليوم ويحتاج لطعام صحي مناسب له، ويحتاج أيضاً لحركة مستمرة أو تمارين معينة تساعد على تحريك الجسم يوميًا.

لكن الأمر الذي لا يدركه الجميع والذي يُعد من أكبر مسببات المرض هو تأثير المشاعر والعقل على الجسد. بمعنى أنه قد يتّبع الشخص أفضل نظام صحي ورياضي في الوجود، لكن الاستفادة من هذا النظام ستكون محدودة جداً إذا كان هناك مرض أو عدم توازن في المشاعر أو إذا كان الوضع النفسي ليس مستقرًا.

لنتناول موضوع النوم أولاً، يحتاج الجسم كما قلنا لساعات معينة من النوم حتى يعمل كما ينبغي، لأن أغلب عمليات الإصلاح والتجديد تتم خلال النوم. وفي حال لم يأخذ الجسم كفايته منه فإن المدة التي تجري فيها عملية التجديد والشفاء تتقلص، وهذا بدوره يضعف الجهاز المناعي، ما يجعلنا أكثر عرضة للأمراض؛ مما يتطلب من الجسم توجيه طاقته نحو محاربة المرض بدلاُ من تجديده الخلايا وإصلاحه العطل الناجم عن الممارسات اليومية.
أما النظام الغذائي الصحي، فهو حتمًا من النقاط المهمة في عملية الشفاء ويحتاجه الجسم من أجل الحصول على أعلى درجات الطاقة والصحة.

في المقابل، يمكن لنظام الغذاء أن يكون مصدرًا ثقيلًا للسموم البيئية التي قد تتراكم وتشكل حملًا ثقيلًا على الجسد، ومن الممكن أن يسبّب التهابات ومشاكل هضمية عديدة. لذلك فإن الاختيار الصحيح لنوع الأغذية التي تدخل أجسامنا له دور كبير في تسريع أو إبطاء عملية الشفاء.
وعلاوة على ما سبق، التمارين الرياضية، حتى لو كانت بسيطة جداً مثل المشي تساعد على تدفق الدم في الجسم ونقل الأكسجين والمغذيات لخلايا الجسم وفي الوقت نفسه إبعاد السموم عنها، ذلك أن الحركة أو الرياضة تساعدنا على نوم أفضل وتحسّن من الحالة النفسية وتقلل من الضغط والتوتر.


الأمور الثلاثة (النوم والنظام الغذائي والرياضة) مهمة جداً.. لكن ماذا عن الحالة النفسية والمشاعر؟

لغة الجسد والرسائل التي يرسلها لنا
تقول إلين ميريديث في كتابها (اللغة التي يتحدث بها جسدك): "باستخدام مفردات الضوء والصوت والاهتزاز والصور والإحساس وغيرها من الرسائل، يتحدث جسدك وعقلك وروحك مع بعضهم البعض، وبدورهم يضبطون "نفسك المادية" كي تتوافق مع أفكارك فيؤثرون على أفكارك لمعرفة متطلبات جسدك، وتجسيد احتياجات روحك."

يحمل هذا القول معانيَ عميقة لمن يدرك حقًا مدى تأثير وتأثر هذه العناصر ببعضها البعض، والمسألة ليست بدهية للجميع، لأن الإنسان المعاصر قد غُيّب عن العديد من العلوم والمعارف التي تجعله مدركًا نقاط قوته ويعي مستوى قدراته دون الحاجة المستمرة للأنظمة الرأسمالية التي لا يهمها الإنسان كائنًا بحد ذاته على قدر ما يهمها التقدم والتطور الاقتصادي.

لأننا تعودنا لفترة طويلة على تجاهل الرسائل التي يرسلها جسدنا، أصبحنا كمن يملك آلة موسيقية وليس لديه أدنى معرفة عن كيفية التعامل معها كما تشبهها الكاتبة ميريديث. هذا الجهل بجسمنا واحتياجاته وتجاهل رسائله المختلفة يؤدي بأجسادنا في كثير من الأحيان للانهيار وتبدأ الأمراض عندئذ التأثير على أعضائنا المختلفة، ممتدًا ربما إلى العضو الأكثر ضعفاً في تلك اللحظة.
ومن الأهمية بمكان أن نتعلم كيف يعمل جسدنا وأن نفهم الرسائل المبطنة والتي تأتي على شكل أمراض أو انتكاسات متكررة في أجزاء معينة من الجسم.

هناك العديد من الممارسات أو أنواع الطب البديلة التي قد تساعد الإنسان على الشفاء سواء عن طريق الاستعانة بمختص أم بواسطة نفسه بعد أن يتعمق في فهم جسده واحتياجاته وكيفية التعامل مع الأمراض.
إحدى هذه الأنواع هو علم الطاقة، كون العلاج بالطاقة يتمثل بالأساس في الاستجابة لرسائل الجسد والروح والعقل بلغتهم الأساسية وهي الحركة والإشارة والضوء والصوت والاهتزاز وتفاعل معين مع ترددات الطاقة التي تخرج من الجسم والتي يستطيع العديد من الناس الشعور بها حتى وإن كانت غير مرئية.

هناك مسارات عديدة للطاقة في جسم الإنسان، ويُعتقد أن المرض ينشأ عندما تُعرقل أحد هذه المسارات، الأمر الذي قد يؤثر على حركة الطاقة في هذه المسارات وبالتالي الجسم والتي قد تظهر على شكل أمراض جسدية أو نفسية. العلاج يكون باليدين وعبر ذبذبات طاقة معينة تساعد في تعديل مسارات الطاقة في الجسم لإحداث التوازن فيها حتى تعمل عملاً صحيحًا.


العلاج بالطاقة

الأديان وتطرقها لمواضيع الصحة والأمراض والعلاج والشفاء
معظم الديانات السماوية والمعتقدات الروحانية (الإسلام، المسيحية، اليهودية، الشامان، الهندوسية) لديها تعاليمها الخاصة المرتبطة بالعلاج والشفاء وتشترك جميعها بالتركيز على أربعة جوانب في عملية الشفاء: الجانب الجسدي، والجانب الاجتماعي والجانب العقلي والجانب الروحي.
حسنًا لنأخذ الديانة الإسلامية أنموذجًا من حيث تناولها لهذا الموضوع.

الإسلام والشفاء
في الإسلام، الإنسان هو جسد وروح، ولكل منهما احتياجاته الخاصة وعندما يحصل تضارب في تلبية هذه الاحتياجات، فإن هذا يؤدي في الكثير من الأحيان إلى أمراض عقلية أو جسدية.
ومن أجل الوصول لحالة من الصحة البدنية والنفسية يجب التوفيق بين الجانب المادي والروحي للجسد، فمن خلال الإيمان بالله الواحد وأداء العبادات والسيطرة على العواطف والرغبات الحسية يستطيع الشخص الوصول إلى الصحة النفسية والرفاه العقلي.
ويعد المرض العقلي في الإسلام حالة من عدم السيطرة على الجسد وتصرفاته وبالأخص عندما يترافق ذلك مع فقدان الشخص شعوره بالذنب والمسؤولية عن هذه التصرفات.

في الزمن الغابر، كان المسلمون من أوائل من بنى المستشفيات لإعطاء اهتمام زائد بالمرضى حتى يصلوا لحالة الشفاء، وتعد مداواة الناس من أعظم المهمات التي قد يقوم بها الإنسان إلى جانب الفرائض والواجبات الدينية اليومية. قال الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم):" تداووا عباد الله، فإن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل معه شفاء، إلا الموت والهرم". وهذا يؤكد على أن الأمراض التي يراها الطب الغربي مزمنة في حقيقة الأمر يوجد لها علاجات مختلفة، ولكن من الممكن أن العلم لم يصل لعلاجٍ لها بعد، أو أن المؤسسات الطبية غير مَعنية أن يعرف الشخص العادي عنها.

على صعيد الجسد، هناك عدد من المحرّمات المرتبطة بالصحة في الدين الإسلامي ومنها تحريم تناول لحم الخنزير، وتحريم الكحول والمخدرات التي من شأنها تعطيل قدرات الجسم السليم. تحريم هذه الممارسات وغيرها يأتي من باب الحفاظ على جسد الإنسان مما قد يعرقل عمله على أكمل وجه، لما لها من أضرار جسدية ونفسية على المدى القصير والبعيد.

أما في الجانب الاجتماعي، فيقول الرسول: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، أي أن المجتمع الصحيح الخالي من الأمراض يكون فيه الود القلبي والرحمة والعطف ومد يد العون والمساعدة للمحتاج بحيث لا يرضى الإنسان لغيره إلا ما يرضاه لنفسه، والالتزام الجاد بهذا الحديث من شأنه أن يخفف عن الناس همومهم ومتاعبهم وذلك بالتعاضد مع بعضهم البعض، وهذا بطبيعة الحال له دور في السلامة العقلية والنفسية للمجتمع ككل.
الإسلام هو دين يقوم على خمسة أركان تساعد في جوهرها على الوصول إلى الهدف الروحي والسلامة والصحة الجسدية، أولها هو الإيمان بالله الواحد الأحد، من خلال الشهادتين وهي قول "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله".

أما الركن الثاني هو إقامة الصلاة خمس مرات في اليوم ومن أجل أداء الصلاة يجب التطهر والوضوء، والثالث هي إيتاء الزكاة، ومن ثم الصيام والحج. وفي الأركان الخمسة نرى تركيزًا على الجسد وطهارته وحركته، والشعور بالآخرين  والتوزيع العادل للأموال بإتيان الزكاة وتهذيب النفس والشهوات بالصلاة والصيام، إضافة إلى التقرب من الله بطقوس الحج.

وفي السنة النبوية الشريفة تُعد صحة الإنسان مقدسة، ولكن هناك منافع روحية معينة تترافق مع المرض أحيانًا، فقد يكون المرض سبيلًا للتطهير أو التكفير عن الذنوب أو يحمل في نهايته طريق خير لصاحبه وإن كان لا يفهمه في البدء.
وفي التقاليد الإسلامية عادة يُقال للمريض للتخفيف عنه بأن هذا قضاء الله وقدره وأن هناك حكمة معينة من وراء المرض وأنه سيثاب على صبره وتحمله.

فكما نرى، وباختصار شديد فإن الإسلام دعا للحفاظ على الجسد والروح وأعطى قدسية وأهمية لسلامتهما، ولكن في نفس الوقت عدَّ المرض وسيلة لتطهير الروح من ذنوبها، وجعل لكل مرض حكمة ودروسًا تزيد الإنسان وعياً ورشدًا في أساليب حياته.

المعتقدات الشامانية عن الشفاء

الشامانية:
هذا المصطلح يشير إلى مجموعة من معتقدات الشفاء الروحانية التي يتشارك فيها عدد من الثقافات الخاصة في المجتمعات الأصلية.
يُطلق عادة لقب "الشامان" على الشخص المُعالج من قبيلة معينة، ويكون ذا وعي روحاني عميق ولديه القدرة على التواصل مع الكائنات الروحانية وطاقات عالية في سبيل شفاء الناس والمجتمع البشري.
تشترك الثقافات التي تتبع المعتقدات الشامانية في فكرة أن الكون يتكون من ثلاثة عوالم "العالم السماوي والأرض والعالم السفلي"، وكل عَالم منها تسكنه كائنات مادية لها روح وكائنات روحية من غير جسد مرئي، وهذه العوالم بطبيعة الحال مرتبطة وتؤثر وتتأثر ببعضها البعض.

عندما يفحص الشامان سبب مرض معين فإنه يأخذ بعين الاعتبار سلوكيات وتصرفات الإنسان أو الروح التي قد تكون أدت إلى تعطيل الانسجام الكوني والمجتمعي، ومن ثم محاولة إيجاد أنسب طريقة لتسهيل اتفاق جديد بين المريض والمجتمع والكون.
ويشمل العلاج بواسطة الشامان التركيز على العقل وزيادة الوعي بالروابط في العالم، لذلك الوعي العقلي مهم جداً.
وتعد الأزمات والأوقات الصعبة فرصة للنمو، وما أن يصاب الشخص بارتباك وتشتيت وتفكك من هذه الأزمات عندئذ يتدخل الشامان بتقنيات معينة من أجل مساعدته على تخطي مرحلة الأزمة بنجاح، مع استعادة الانسجام الكوني.

وعند التعامل مع الصحة العقلية، يشدد الشامان على أهمية الإيمان والتسليم لقوة عظمى تتخطى الفرد نفسه، فيستطيع في معظم الحالات التعرف على الاضطرابات النفسية ومعالجتها على الصعيد الشخصي والاجتماعي، وبموجب هذه المعتقدات في كثير من الأحيان يمكن تجنيب الشخص بعض الاضطرابات التي تعرقل الانسجام في المستقبل، وليس فقط في الحاضر.
ومن الناحية الاجتماعية فإن العلاج يتجلى في نسيج يربط بين الفرد والمجتمع والكون عن طريق ممارسة طقوس بعينها. وعلى العكس من العديد من المفاهيم الغربية التقليدية فإن مفهوم الصحة الاجتماعية يتضمن علاقة الإنسان بالبيئة الطبيعية التي تكون غالبًا علاقة شخصية تنطوي على احترام البيئة، في حين أن الشفاء يتضمن قدرة على إعادة أو خلق علاقات جديدة متوازنة بين جميع أنواع المخلوقات ومع الوجود نفسه.

العلاج حسب الفلسفة الشامانية

ولا شك في أن عملية الشفاء تتركز على فكرة مفادها "الصحة الجسدية والعقلية لا يمكن أن تنفصل عن العافية الاجتماعية ككل والتي تشمل الإنسان والمخلوقات الأخرى".

أما من الناحية الروحانية، ففي العادات الشامانية يُميّز الشامان عن غيره من المعالجين بناءً على التقنيات التي يتبعها وتتضمن عادة دخوله إلى حالة عميقة من النشوة أو الاتصال مع الأرواح مثل الأجداد أو الأبطال الثقافيين أو أرواح الحيوانات والنباتات.
وتعد الصحة والمرض والموت ضمن التقاليد الشامانية نسيجًا يمكن فهمه فقط إذا نُظر إليه من ناحية دينية، ووفقًا لذلك فإن كل مرض له أصل ينبع من علاقة مضطربة مع الأمور الخارقة للطبيعة. وأخيراً ترى الشامانية الصحة والرفاه الروحي لهما أهمية قصوى في تحقيق الرفاه في مختلف مجالات الحياة الأخرى.

ومما سبق، نجد أن هناك الكثير من المعتقدات والممارسات الدينية والروحانية التي لها جذور عميقة وتاريخ طويل وتركز على الإنسان ككل، جسدًا وروحًا وكائنًا اجتماعيًا لا يمكن فصله عن محيطه، وبتركيزها على جميع هذه الجوانب يأتي الجواب عن السؤال الذي جاء في مطلع المقال: لماذا هناك كم كبير من الأمراض المزمنة المنتشرة في مجتمعاتنا والتي يخبرنا الطب أن لا مفر منها وأنها ملازمة للإنسان طوال حياته؟

بالتأكيد طريق الشفاء ليست سهلة وتحتاج لجهد نفسي وجسدي وروحي وحتى مجتمعي كبير حتى يحدث التغيير ويصل الإنسان لحالة من الشفاء التام، لكنه ليس بالأمر المستحيل.
فجسم الإنسان أبدعه الله في أحسن صورة، وباتصال الجسم والروح واكتشاف العوالم المختلفة في داخلنا وكيفية التواصل معها، فإن الشفاء الكلي ممكن جداً بل وأمره مؤكد لأولئك الذين يؤمنون ويعملون دائماً على زيادة وعيهم بأنفسهم ودنياهم وخالقهم وبما حولهم.
وقد تتعدد المعتقدات وقد يختلف بعضنا معها ويتفق مع معتقدات أخرى، ومع ذلك يستطيع المرء التعمق في معتقداته وديانته الخاصة بحثًا عن أساليب الشفاء، كل حسب ديانته وما يتصل بها من روحانيات.

 

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية