74 عاما ولم أزر قريتي... أنا من هناك!

18/05/2022

وطن للأنباء- تقرير وفاء عاروري: 74 عاما، قد يبدو  الرقم للوهلة الأولى عاديا، أو كأننا اعتدنا على إضافة عام جديد على عمر نكبتنا، ولكن الامر ليس بهذه البساطة، فقد مضى 74 عاما على مغادرة جداتنا وأجدادنا منازلهم التي أحكموا إغلاق أبوابها جيدا، وأبقوا كل ما هو ثمين فيها، احتفظوا بالمفاتيح في صدورهم، أخذوا أرواحهم وأطفالهم وملابسهم التي عليهم، خرجوا وهم يقولون "كلها أكم يوم وبنرجع، خلينا نطلع تا يهدى الوضع"، وحتى الآن لم يهدأ، نحن منذ أن هجرنا ما زلنا نعيش في فوضى وكأننا لا نزال في حالة طوارئ، كل واحد منا يعلم انه ليس في مكانه الصحيح، هي فترة مؤقتة فحسب، والعودة محتومة، في ذكرى النكبة لاجئون كثر باتت أقصى امنياتهم ان يعودوا ولو لمرة واحدة لقراهم ومدنهم التي هجروا منها، ليستنشقوا هواءها، وليسترجعوا ذكريات أجدادهم وأيامهم الخوالي فيها.. فماذا يقول هؤلاء اللاجئون في ذكرى النكبة؟

أنا رشا أبو مشرف، أنا من هناك، من اللد، لاجئة في رام الله، لم أزر اللد في حياتي، ولكني أعرف أن اللد من أجمل وأكبر مدن فلسطين، كانت تتميز ببياراتها وبجمال الطبيعة فيها، قبل النكبة كنا نعمل في الزراعة، كانت تمر منها سكة القطار، رغم أنني لم ازرها الا انني رأيتها في قصص أجدادي وعشقهم لها ووصفهم الدقيق لبيوتهم ومزارعهم التي تركوها قسرا على أمل العودة، زرعوا فينا عشقها...مات الكبار وزاد في قلوبنا الحنين والشوق والامل في العودة...

أنا ريهام أحمد، أنا من هناك، من بيت عطاب قضاء القدس، التي تبعد عن رام الله مسافة زمنية لا تزيد بالسيارة وبدون حواجز أكثر من 15 دقيقة، رغم ذلك أنا لم أزرها في حياتي، ولكن "ستي" روت لنا الكثير من المعلومات عن بيت عطاب، وكانت تقول إن فيها عنب وفواكه وزيتون والكثير من الأشجار، وكانوا يربون فيها المواشي ويعيشون حياة هادئة.

أنا دعاء نعمان عابد، عمري ٣٢ سنة، أنا من هناك، من قرية الجية قرب غزة، أعيش في رام الله، لم يسبق لي أن زرت الجية في حياتي، مررت من جانبها في إحدى السنوات ولم اتمالك دموعي وانا انظر إليها من بعيد لعل وعسى نرجع إليها يوما ما..
أعرف ان الجية قرية صغيرة نسبياً، تبعد عن غزة حوالي 20 كيلو متر، ويمر خط السكة الحديدية من الأراضي الغربية للقرية من فلسطين الى مصر، ويخترقها وادي واسع يمتلئ بالماء طوال الشتاء.

الجية احتلتها العصابات الصهيونية في 5/11/1948 ودمروا بيوتها وأقاموا على أنقاضها مستوطنة يهودية أطلقوا عليها اسم Geia سكانها جلبوهم من اوروبا عام 1949 ومن يهود الدول العربية خاصة من دول المغرب العربي وأطلقوا على هذه المستعمرة الزراعية فيما بعد "جية أ، ب".

تميزت الجية عن غيرها من القرى بالتعليم منذ أمد بعيد قبل الهجرة فقد تخرج من أبنائها عدد لا بأس به من العلماء من الأزهر الشريف بمصر، وهؤلاء أسهموا في تعليم الكثير من المتعلمين والفقهاء من أهل القرية حيث كانوا يفتحون بيوتهم لتعليم أبناء القرية القرآن الكريم والحساب واللغة العربية وغيرها (كّتاب)، فقد عرف عن أهل الجية اهتمامهم بالتعليم قبل الهجرة وأصبحت نسبة التعليم في القرية عالياً جداً تشمل مختلف التخصصات والعلوم.

أنا هناء القيسي، 30 عاما، أنا من هناك، من يافا البلد، أعيش في رام الله، ولكن كانت لي الفرصة أن أزور يافا عدة مرات، بسبب طبيعة عملي في مؤسسة دولية، فقد كنت محظوظة على خلاف الكثير من أبناء جيلي بزيارة مدينتي التي هجرت منها عائلتي عام 1948،
يافا تشتهر بالبرتقال، وسميت بيافا نسبة الي أحد أبناء نوح الذي بنى المدينة بعد انتهاء الطوفان.


أنا آمال ابراهيم الشني، أنا من هناك، من اللد، عمري 50 عاما، وأعيش في الأردن، اللد هي واحدة من المدن المهجرة عام 1948ـ يؤسفني أن الكثير من القصص التي روتها جدتي وخالتي ام العبد وأمي رحمهن الله، لم يتم توثيقها بشكل صحيح، الكثير من التفاصيل بهتت مع الزمن، وأمل العودة أصبح حلما بعيدا، وأضحى إيصال القصص للجيل الجديد خارج حدود فلسطين أصعب، أتمنى من قلبي أن أستطيع يوما أن أزور اللد..