مدينة الشمس والجمر!!

17/04/2022

كتب د. محمود الفطافطة : القدس مدينة الله وميزان الإيمان ووسط السماء وأرض الإسراء والرباط. القدس بلد المسيح وأرض الرسالات والحضارات، فيها أحد أهم مساجد الإسلام الثلاثة التي لا يُشد الرحال إلا إليها. إنه المسجد الأقصى الذي يئن تحت سوط أبشع احتلال عرفته البشرية.

القدس مدينة مثقوبة جغرافياً بفعل الاستيطان الذي يترامى في جسدها كالسرطان. القدس مدينة ممزقة ديمغرافيا؛ فحياة أبنائها غدت بين رحايا القتل والإفقار تارة، والاضطهاد والتهجير تارة أخرى.

القدس الموغلة في التاريخ والحضارة والعبق الإنساني تسير نحو التهويد والأسرلة، فالدولة العبرية تحتكر الجغرافيا من خلال النهب، أما السكان فترى فيهم قنبلة ديمغرافية ستنتثر شظاياها في يوماً ما، لذا؛ فالكثير من السيناريوهات والأدوات التي وضعت ووظفت هدفها الرئيس تفريغ المدينة المقدسة من سكانها الأصليين.

القدس حكاية مجبولة بالألم والأمل حيناً وبالدم والنصر أحياناً. مدينة أثخنت بالحراب والدموع؛ رافضة أن يقتحم جسدها شيئاً من الترهل والاستسلام.  القدس حافلة بكل أشكال التزوير والتدليس والتحريف الإسرائيلي؛ فهذه المدينة المسكونة برحيق العروبة ومادة الإسلام تتعرض لأخطر سياسة، وأوسع تهديد لكل ما يرمز لحضارتها الإنسانية والإسلامية.

إنه صراع الحق والباطل … الحق الفلسطيني المجند بإسلامية وعروبة هذه المدينة الأصيلة بكنعانيتها والباطل الذي يفتقر لكل حق في هذه الأرض؛ لذلك سعى، ولا يزال، هذا الاحتلال إلى خطف المكان وإفناء الإنسان، فارضاً أمراً واقعاً يتنفس بالقهر والاستلاب.

كُتب الكثير الكثير عن القدس، وكل ما كُتب يتجرع أرق المكان وألم الإنسان المقدسي الذي ظل صامداً في مدينته التي اسكنه الله بها كواجب للدفاع عنها وعن مقدساتها وكنائسها ومساجدها وحاراتها وكل ما يرتبط بها من حضارة وعقيدة وانتماء.

كثيرة هي الكتب عن مدينة الله، فمنها من اتجه مؤلفيها نحو ثالوث السياسة والدين والاجتماع، وبعضها من قصد في وجهته نحو السكان والاقتصاد والعمران، وآخرين اتجهوا صوب الشعر والقصص والسير الذاتية.

ستبقى القدس جمرة وشمس؛ جمرة تحرق الأعداء، وشمس تشع قناديل طريق الثوار والأحرار.. جمرة تكوي جسد الظالمين والفاسدين والخائنين.. شمس تمنح المخلصين دفء اليقين، وقوة الإرادة، وحكمة السبيل، ومتانة القرار، ودقة التصويب، ونجاعة الحصاد، وعفة المطلب، ورجاحة الاستشارة، وحسم المصير.

لا تقلقوا على القدس طالما فيها شمس الأحرار لا تغيب.. لا تخافوا على الأقصى طالما فيه أهل الرباط، ذكوراً واناثاً، يتسلحون بسلاح اليقين والايمان.. لا تخافوا أبداً على القدس والأقصى، كيف يمكن لنا أن نقلق عليهما وهما في بلد مقدسة ومباركة وطاهرة... لن نقلق عليهما؛ لأنهما في بلد المسرى والرباط والمحشر وعقر الخلافة القادمة.. إن الذي يجب أن يخاف هو المحتل المجرم الذي لا سبيل له إلا القتل أو الفرار، وسيتحقق ذلك قريباً بأمر الله، وقوة أهل فلسطين المستمدة من ايمانهم بقضيتهم، وقبل ذلك بربهم ودينهم.