يوم الوجع الفلسطيني (مجزرة دير ياسين)

10/04/2022

 

كتب: محمود جودت محمود قبها

كي لا ننسى ..وكي تتذكر المحكمة الجنائية 74 عامًا على مجزرة دير ياسين التي ارتكبتها العصابات الإسرائيلية في مدينة القدس عام 1948، وأدت لاستشهاد أكثر من 350 فلسطينيًا ونفذت المجزرة، عصابة "الأرغون" التي كان يتزعمها مناحم بيغن الذي انتخب رئيسا لوزراء الاحتلال 1977-1983، و مجموعة "شتيرن ل مذبحة دير ياسين أسهمت مع غيرها من المجازر الأخرى في تفريغ البلاد من 650 ألف عربي"، مضيفًا: "لولا دير ياسين لما قامت إسرائيل" التي كان يترأسها إسحق شامير الذي انتخب رئيسًا للوزراء 1983-1992، بدعم من عصابات "الهاغاناه".

كثيرة هي المجازر التي ارتكبها الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية منذ ما قبل النكبة الى يومنا هذا، فهي مجازر لا تعد ولا تحصى, والمفكرة الفلسطينية مليئة بأيام المجازر، ولكن مجزرة دير ياسين كانت الأكثر بشاعة ، حيث دفن أبنائها أحياء، كما في الدروس المستفادة منها في حاضر ومستقبل الصراع التاريخي المتواصل مع الاستعمار الاستيطاني العنصري الصهيوني ورعاته على جانبي الأطلسي، الأمر الذي يستدعي التذكير إن مجزرة دير ياسين لم تكن مجرد صدفة إنما هي مجزرة نكراء خطط لها العدو الصهيوني رغم بعد المسافة بين مجزرة واخرى , وبالتالي إن المجتمع الدولي الذي عاقب النازيين على جرائمهم لا يجوز أبداً أن يكيل بمكيالين ولا يعاقب قادة كيان العدو وقادته على جرائمهم تجاه العرب , بل يجب أن يعاقبهم تماماً كما عاقب النازيين على مكانة المفاهيم والمبادئ التي ترسخت في العهود والمواثيق الدولية.

وأمام هول المجازر لا تزال الصهيونية العالمية تعمل على تشويه وقائع وحقائق مجزرة دير ياسين الجماعية ، وما أعقبها من ابادات جماعية ومجازر كثيرة ، لا تعد ولا تحصى، تزخر بأيام المجازر في "خربة خزعة" والصفصاف واللد والرملة والطنطورة وعيلبون والدوايمة وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا وقانا ومخيم جنين وغزة ويوم الأرض والاعدامات الميدانية بحق الشابات والشباب وحرق العائلات وغيرها ومن هنا لم يتوقف نهج الإرهاب الصهيوني ضد الفلسطينيين خاصة والعرب عامة وحتى وقتنا الحاضر، ففي كل يوم يشن الكيان الصهيوني الحروب العدوانية ويرتكب المزيد من المذابح والمجازر هنا وهناك في أرجاء الوطن العربي وبالأخص داخل فلسطين المحتلة والأقطار العربية المجاورة لها، ولا يُعتقد أن هذا النهج سيتوقف ما دام هذا الكيان العنصري موجوداً فوق أرض فلسطين وبعض الأراضي العربية المحتلة، في المذابح والمجازر الجماعية التي تحدثت عنها "التوراة" في أكثر من موضع، لم تكن أكثر من نماذج استخدمتها العصابات الصهيونية الإرهابية ومن بعدها قوات العدو الصهيوني، لتحقيق هدف واحد، وهو إبادة الشعب العربي الفلسطيني وتصفيته بالقتل أو إجباره على النزوح والهجرة من خلال ترويعه وتخويفه من هذه الإبادة.

لقد عانى الشعب الفلسطيني منذ قيام الكيان الصهيوني العنصري على أنقاض الشعب الفلسطيني في عام 1948 ألوانا وصنوفاً شتى من الكوارث التي أنزلتها بهم الصهيونية بدعم من الإمبريالية العالمية وتماهٍ من الغرب وتواطؤ من الرجعية العربية وتم التعبير عنها بالحروب العدوانية والمذابح والمجازر والاغتيالات والأشكال الإرهابية الأخرى. ومن المعروف أن أدوات التنفيذ اختلفت بين حرب وحرب ومذبحة مذبحة ومجزرة ومجزرة وشكل آخر من أشكال الإرهاب، ولا شك أن مجزرة دير ياسين التي أكتب عنها اليوم كانت واحدة من أبرز محطات الإرهاب الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني.

يُحيي أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات الاثنين الذكرى الرابعة والسبعون لمذبحة دير ياسين التي ارتكبتها جماعات صهيونية في التاسع من نيسان/أبريل عام 1948 بحق أهالي القرية الواقعة غرب مدينة القدس المحتلة، وأسفرت عن سقوط عدد كبير من أهلها قدرتهم مصادر عربية وفلسطينية بين 250 إلى 360 شهيدًا فلسطينيًا من النساء والأطفال والشيوخ وتتزامن هذه الذكرى مع المجزرة التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد المشاركين في مسيرة العودة الكبرى إحياءً ليوم الأرض منذ الثلاثين من آذار مارس المنصرم على حدود قطاع غزة والضفة والأراضي المحتلة عام 1948.واستشهد منذ انطلاق المسيرة حوالي 30 شهيدًا وأصيب أكثر من 2500 آخرين باستهداف الاحتلال مخيمات العودة بالرصاص الحي وقنابل الغاز.  

يذكر لنا التاريخ أن وحدات من قوات "جيش الإنقاذ" العربي كانت على بعد مئات الأمتار من البلدة التي رزحت تحت مقصلة الارهابيين من عصابات "الأرغون" و"ايتسل"، لم تهب لنجدة عشرات الأطفال والنساء والشيوخ، كما جاء في توثيق مندوب "الصليب الأحمر"، لأنه لم يكن هناك "أوامر" بالتدخل؟ أم يذكر لنا أن أهل هذه البلدة التي تقف شامخة على أبواب غرب القدس، قاوموا حتى الرمق الأخير قبل أن يلقى بهم في بئر،  ويُكبّلَ الذي بقي منهم على قيد الحياة، غير مقطعي الأعضاء، والطوفان بهم في شوارع القدس قبل رميهم بالرصاص .

يذكر لنا التاريخ أن مجزرة دير ياسين، كانت كما أرادها بيغن في مذكراته "المعركة الحاسمة" التي أرهبت الفلسطينيين وهجرتهم من صفد وصفورية وحيفا... لتصبح "إسرائيل" وليست فلسطين حسب منطوق أحد أبناء صفد؟ أم يذكر لنا أن اسم الرئيس وبينما كانت شعفاط، أحد أبواب شرق القدس تنتفض اشمئزازا مما فعله الوحوش من أبناء آدم بطفل طاهر، حين سكبوا البنزين عليه بعد تعذيبه والتنكيل به من ثم حرقه، لا يزال يرد اسمه في قائمة من سيلقي خطابا في مؤتمر "السلام الإسرائيلي" في "تل أبيب" الآن، وبعد 74 عاما، لن يكرر التاريخ نفسه، ولن ينجح الإرهابيون بمطاردة الفلسطينيين، أصحاب الأرض، وإخراجهم من شعفاط وبيت حنينا، أو حي آخر من أحياء القدس، لتخلو الساحة لسارقي الأرض، الذين سرقوها من القدس غربا، ليسرقوا ما تبقى من القدس شرقا، وربط مستعمرة "بسغات زئيف" مستعمرة "معاليه أدوميم"، بعد "تنظيف" الأرض التي بينهما من الفلسطينيين أتدرون لماذا  لأن الفلسطيني لم يعد يعول على وجود "أوامر" لا من عرب أعراب منشغلين بموائد الطعام و"جواري" القرن الواحد والعشرين، وينفذون أوامر تقسيم العراق والشام واليمن والسودان وحتى مصر، ولا من معشر "أوسلو" الذين أفقدتهم هذه الكلمة فلسطينيتهم، وحتى إنسانيتهم، وللسخرية، باسم "سلام" سلامة أرواحهم وثرواتهم وممتلكاتهم هم، من محتل لن يبقيهم إلا عبيدا تحت رحمته. وفلسطين، كما يذكرنا التاريخ، تلفظ العبيد ولا تقبل سوى بالأحرار.

اربعة وسبعون سنة مرت على مجزرة دير ياسين التي ارتكبتها قوات الإرجون، لتلبي رغبة المنظمات العسكرية الصهيونية من خلال هجوم وعمليات الذبح والإعلان عن المجزرة التي مثلت مجتمعة حالة من نمط صهيوني الهدف منه تفريغ فلسطين من سكانها عن طريق الإبادة والطرد ، ما زال المجرمون الصهاينة يحاولون خداع وإيهام أنفسهم والعالم بطهارة أياديهم وأسلحتهم التي تطلق القذائف والرصاص فتتطاير في الفضاء باحثةً عن مكان تستقر فيه فلا تجد غير صدور العرب لتكون محطاتها الأخيرة، وما زال الشعب الفلسطيني يدفع الثمن تلو الثمن من دمائهم الطاهرة وكل مقدرات حياتهم اليوم في الذكرى اربعة وسبعون لمذبحة دير ياسين لا زال الجرح الفلسطيني مفتوحاً على مصرعيه، وما زال الدم الفلسطيني ينزف بغزارة، ينزف على مذبح الحرية والعودة، ولكن رغم كل هذا الشلال الغزير من الدماء والتضحيات الجسام والأثمان الكبيرة، لم نستطع ان نحقق اهداف شعبنا في وطن حر ومستقل، بل ما زلنا مستمرين في النضال والكفاح، هذا النضال والكفاح لن يوصلنا الى هدفنا، إذا استمرت حالة الانقسام ، فالمحتل يمارس زعرنته وبلطجته وعربدته على كل طول وعرض جغرافيا الوطن، يقتل ويعتقل ويغتال ويهدم ويصادر ويقيم  المستوطنات، ويتحكم في كل مداخل ومخارج حياتنا من الألف الى الياء في ذكرى مجزرة دير ياسين من حقنا أن نسأل: أليست هذه إبادة جماعية ووحشية تفوق ما قام به هتلر, أليست هذه الجريمة تستحق ولو جزءاً بسيطاً من الاهتمام الدولي الذي فقد مصداقيته, هذه الجريمة الصهيونية وغيرها الكثير يعلم المجتمع الدولي بحقائقها، وما يحدث على مدار الساعة من وحشية بحق الشعب الفلسطيني من قبل قوات الاحتلال الصهيوني وقطعان مستوطنيه.

إن الصراع الشامل والمفتوح والتاريخي مع الاحتلال الصهيوني وكيانه البغيض لن يتوقف إلا بتحقيق الحقوق التاريخية والعادلة للشعب الفلسطيني, وأن قضية فلسطين بكل تجلياتها وأبعادها المحلية والإقليمية والدولية ستبقى جوهر الصراع العربي الصهيوني حتى تزال الأسباب الحقيقية لهذا الصراع بضمان كامل الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وفي المقدمة منه حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس وفي ظل هذه الظروف التي يواجه بها الشعب الفلسطيني عدواً صهيونياً عنصرياً واحتلالياً, يصادر الأراضي الفلسطينية ويقيم عليها مستوطناته اليهودية, ويعزل السكان الفلسطينيين عبر جدران الفصل العنصري, ويقيم الحواجز ويمارس الإرهاب بارتكابه المجازر ، يستنهض الشباب الفلسطيني بانتفاضته الباسلة ودماءه ويرسم خارطة فلسطين حتى تكون نبراسا يرى من خلاله جيل الغد كيف يكون التحرير والنصر لهذا نؤكد في الذكرى الرابعة وسبعون لمجزرة دير ياسين "أم المجازر", ان جرحنا الذي لا يزال ينزف ويقدم الشهداء يقول للعالم , ان النصر ات لا محالة, وان غدا لناظره قريب  فإن المهاجمين اليهود، أوقفوا العشرات من أهالي دير ياسين إلى الجدران وأطلقوا النار عليهم، وأن هذه العناصر المتطرفة لم تكتف بإراقة الدماء، بل أخذت عدداً من الأهالي الأحياء بالسيارات واستعرضوهم في شوارع الحارات التي استولوا عليها في القدس المُحتلة من ذي قبل وسط هتافات عنصرية حاقدة وكانت مجزرة دير ياسين عاملاً مؤثراً في الهجرة الفلسطينية إلى مناطق أُخرى من فلسطين أو البلدان العربية المجاورة، لما سببته من حالة رعب عند المدنيين الفلسطينيين، ويعتبرها كثير من المؤرخين "الشَّعرة التي قصمت ظهر البعير في إشعال الحرب  .

وكانت تقع قرية دير ياسين على تل يبلغ ارتفاعه نحو 800 متر، وتبعد نحو كيلومتر واحد عن النواحي الغربية لمدينة القدس وكانت تتمتع القرية بحركة اقتصادية ملحوظة قبيل الانتداب البريطاني وبعده، كما شهدت نموًا ديموغرافيًا لافتًا، حيث ارتفع عدد السكان من نحو 428 نسمة عام 1931، إلى 750 عام 1948 وبعد المجزرة في صيف عام 1949، استوطنت مئات العائلات من المهاجرين اليهود قرب دير ياسين، وأطلق على المستوطنة الجديدة اسم "جفعات شاؤول بت" تيمنًا مستوطنة "جفعات شاؤول" القديمة التي أنشئت عام 1906 ولا تزال القرية قائمة في معظمها، وضُمت إلى مستشفى الأمراض العقلية الذي أنشئ في موقع القرية، وتستعمل بعض المنازل التي تقع خارج حدود أراضي المستشفى، لأغراض سكنية أو تجارية أما مقبرة القرية القديمة، الواقعة شرقي الموقع، فقد اكتسحتها أنقاض الطريق الدائرية التي شُقّت حول "دير ياسين".

لا بد من القول إن الدماء الزكية الطاهرة الذي يقدمها الشعب الفلسطيني منذ مجزرة دير ياسين حتى هذه اللحظة والتي امتزجت بثرى أرض فلسطين، ستبقى لبّ قضية الصراع والوجود الفلسطيني العربي بمواجهة الاحتلال الغاشم ودولته العنصرية، حيث عانى شعبنا الويلات تلو الويلات، من قتل وتعذيب وتشريد وتهجير، من أجل طمس الهوية الوطنية الفلسطينية ، إلا أن الشعب الفلسطيني يسطر اليوم ملحمة نضالية يكتبها بالدم العربي الفلسطيني عبر انتفاضته الباسلة التي يقودها شابات وشباب فلسطين ، وإن حلقات النضال الوطني لا يمكن لأحد أن يفصلها ويبعدها وخاصة أنها تحمل في طياتها التصدي للمشاريع العدوانية والاستيطانية للاحتلال الصهيوني وأدواته ، فهذا الشعب وهذه الانتفاضة تؤكد حقيقة قضيته وتأصيل مشهده الوطني ليعيد للقضية الفلسطينية حضورها على الساحتين العربية والعالمية على طريق تحرير الارض والانسان .