أهمية الإعلام في تعزيز الرواية الفلسطينية

26/03/2022


كتب: فادي أبو بكر

تقول الروائية ليلى الأطرش في روايتها " مرافىء الوهم" أن : "الاعلام طريق إلى قاعدة أوسع من الجمهور، فلماذا لا أستغله في نشر الحقيقة؟."، ومن هنا تنبع أهمية الإعلام، لا سيّما في السياق الفلسطيني، على اعتبار أن معركتنا مع الاحتلال الإسرائيلي قبل أن تكون معركة سياسية، هي معركة علم  ووعي  وثقافة، و دفاع عن الهوية والوجود، و عن الحقيقة التي تتجلّي في روايتنا الفلسطينية، وعلى القدس التي شكّلت دوماً لبّ الصراع.

واليوم في ضوء تراجع الاهتمام العالمي بقضيتنا الوطنية لصالح ما يجري في أوكرانيا، فإننا بأمس الحاجة أكثر من وقت مضى إلى استنفار الإعلام الفلسطيني الرسمي وغير الرسمي، القائم على فلسفة المواجهة الإعلامية مع أسطول الإعلام الإسرائيلي، الذي يؤثر في بناء الرأي العالمي، و يسعى إل إضفاء شرعية على أعمال الجيش الإسرائيلي والظهور بمظهر الضحية.

ونلفت الانتباه في هذه المقالة إلى خمسة قضايا محورية وهي: ( الأخطاء الشائعة في الخطاب الإعلامي، الإحصائيات المتضاربة، الرواية الشفوية، الموروث الثقافي المادي وغير المادي، وسائل التواصل الإجتماعي)، و التي نرى وجوب التركيز عليها من قبل المنظومة الاعلامية الوطنية الفلسطينية، وجميع العاملين في هذا الحقل، لأهميتها في تعزيز روايتنا الفلسطينية.

الأخطاء الشائعة في الخطاب الإعلامي الفلسطيني

يشوب الخطاب الإعلامي الفلسطيني، المكتوب والمرئي والمسموع، العديد من الأخطاء الإصطلاحية، التي يمكن أن نستدل عليها في التقارير الصحفية، أو تصريحات الوزراء والمسؤولين والقادة السياسيين، وحتى لدى بعض الأدباء والكتّاب، والتي تصدر عنهم بغير وعي، ولكن من شأنها أن تنعكس سلباً على الحقيقة القانونية والسياسية للحالة الفلسطينية، وعلى مصداقية سردنا لروايتنا.

وعليه، لا بدّ من الشروع بعملية تصويب شاملة لهذه الأخطاء الاصطلاحية الشائعة، وهي كثيرة نذكر منها على سبيل المثال - لا الحصر - :

• "قدس الأقداس": وهو مصطلح يتم استخدامه بغير وعي بغيّة تمجيد القدس، إلا أنه مصطلح موجود في "الكتاب  العبري" ، يشير إلى الحرم الداخلي لخيمة الاجتماع، ويعتبره الإسرائيليون رمز علاقتهم الخاصة مع الله.

• "الانتفاضة الأولى عام 1987": مصطلح خاطىء، لأنه ينفي وجود أي انتفاضة شعبية من قبل هذا التاريخ، والأصح أن يقال "انتفاضة الحجارة عام 1987"، أو "الانتفاضة الوطنية الكبرى عام 1987"، لأن الانتفاضة الفلسطينية الأولى كانت ضد الاستعمار الانجليزي والاستيطان اليهودي في العام 1920،  والتي عُرفت آنذاك بانتفاضة موسم النبي موسى. وينسحب هذا الخطأ على الانتفاضة الثانية عام 2000، فالأصح قول "انتفاضة الأقصى عام 2000".

• المعتقل والسجن: هناك اختلاف جوهري وقانوني كبير بين المصطلحين، والأصل أن يقال المعتقل وليس "السجن"، لأن أسرانا هو مناضلين ومقاتلي حرية - أي أنهم أسرى حرب، ومكان احتجازهم يسمّى معتقل وليس سجن.

• محكمة العدل العليا الإسرائيلية: خطأ شائع يتم استخدامه من غير وعي،  والأصح أن يقال عنها  المحكمة الإسرائيلية العليا، لأنها أبعد ما يكون عن العدل.
الإحصائيات المتضاربة

تتعدّد في فلسطين جهات الاختصاص الرسمية وغير الرسمية،  ذات الصلة بالقضايا الوطنية المحورية، مثل القدس والأسرى وغيرها، وفي كثير من الأحيان نلمس تضارباً في الإحصائيات الصادرة، وهذه المعضلة تحتاج وقفة جديّة، لا سيّما في ظل مخاطبة المجتمع الدولي، من أجل ضمان وصول التقارير الفلسطينية بالشكل الصحيح والدقيق، دون المساس بمصداقية السرد الفلسطيني.

وفي ضوء الأخطاء الاصطلاحية والاحصائيات المتضاربة، التي ذكرت آنفاً، فإنه من المجدي أن يتم التوجّه نحو إنشاء مرصد إعلامي وطني بجميع اللغات، يتضمّن المصطلحات الفلسطينية السليمة، وتتوحّد فيه الإحصائيات ذات العلاقة بالقضايا الفلسطينية المحورية، وذلك من أجل تعزيز صدقية السرد الفلسطيني، وضمان إيصال رسالتنا الإعلامية والثقافية بالشكل الصحيح، وبالشكل الذي نريد.

الرواية الشفوية

يعد التاريخ الشفوي النوع الوحيد من أنواع التاريخ الذي يمكن عن طريقه مواجهة صناع التاريخ وجهاً لوجه، ومن هنا فإن توسيع الاهتمام الإعلامي بالرواية الشفوية ضرورة حيوية في مواجهة الرواية الاستعمارية التي يحاول قاصّها جاهداً بكل الوسائل المتاحة أن يهوّد الأرض والانسان و يصهر وعي الأجيال اللاحقة، تحقيقاً لمقولة  رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول ديفيد بن غوريون : "الكبار يموتون والصغار ينسون".

وعلى الرغم من الجهد المبذول وأهمية ما تم إنجازه في مجال الرواية الشفوية الفلسطينية، إلا أن الفائدة لم تتحقق بعد لأن هذا الجهد ما زال مبعثراً ومهدداً بالضياع لغياب المؤسسات المتخصّصة التي يفترض أن ترعاه بالشكل الدقيق والمهني المطلوب. حيث تبقى هذه المجهودات التفاتة لضرورة توسيع الاهتمام الاعلامي لتوثيق الفعل الفلسطيني المقاوم في مختلف المراحل ، وسطوة صورة الفدائي الفلسطيني، الذي لم يكن خروجه عبثاً، بل تراكماً لخبرات وتجارب تأسست منذ نكبة عام 1948 والتي شكلت نقطة تبلور الهوية الفلسطينية.

ويحتفظ الكثير من الفلسطينيين في مختلف أماكن تواجدهم بقصص وحكايا  تنتظر من يهتم بتوثيقها ودراستها قبل فوات الأوان .. تجارب تنتظر أن يتم تأريخها وأرشفتها بشكل دقيق، وفحص أثرها في تجارب المقاومة التالية بكافة أشكالها ووسائلها المختلفة. وليست هذه الحكايا وحدها من تنتظر، بل الواقع الفلسطيني بكافة تفصيلاته الاجتماعية والثقافية والسياسية.

الموروث الثقافي المادي وغير المادي

ما زالت  الممارســات الإســرائيلية على اختلافها مســتمرة بهــدف طمــس وتزويــر الهويــة الفلســطينية، من خلال سرقة الأحجار الأثرية في المواقع الفلسطينية المختلفة، أو نسب التطريز الفلسطيني أو المأكولات الشعبية وغيرها لها، وفي ضوء ذلك لا بدّ من رفع وتيرة  المبادرات  الإعلامية وإعداد البرامج الإذاعيــة و التلفزيونية، ذات العلاقة بـالموروث الثقافي المادي وغير المــادي، وتوثيــق الروايــة التاريخية، والفلكلور الشــعبي الفلســطيني، وغيرهــا من المجالات ذات العلاقة.

والأهم منذ ذلك تعميم هذه الموضوعات على كل أنحاء العالم من خلال مؤسساتنا الوطنية، وسفاراتنا وجالياتنا وأصدقاءنا في مختلف أنحاء العالم، والذين هم بمثابة رواتنا وصوتنا في الخارج، حيث أن زيادة الزخم الإعلامي من شأنه تعزيــز الجهــود الدبلوماسـية والسياسـية الفلسـطينية، التي تسعى  لتوفيـر إطـار قانوني لحمايــة التــراث الفلســطيني بشــقيه المــادي وغيــر المـادي.

وسائل التواصل الاجتماعي

لعلّ التطوّر المتسارع والمتتابع في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والذي كانت وسائل التوصل الاجتماعي أحد تجليّاته، تُعدّ القضية الأكثر أهمية من كل ما سبق، كونها غيرت من مفاهيم القوة التقليدية. حيث أصبح بإمكان عدد من المواطنين أن يشعلوا ثورة من خلال أجهزتهم الخلوية... ثورة بكل ما تعنيه الكلمة.

ويمكن القول أن  الفلسـطينيون قد استطاعوا اسـتخدام الانترنـت ووسـائل التواصـل الاجتماعـي بقـدرة عاليـة، وهنـاك أمثلـة حظيـت بنـوع مـن الاعتراف العالمـي فـي هـذا الصـدد، فمثـلاً صنّفـت مجلـة التايـمز الأميركيـة، التوأمين منـى ومحمـد الكـرد، ضمـن الشـخصيات المئـة الأكثــر تأثيــراً فــي العالــم للعام 2021. حيث استطاع الأخوين الكرد بأجهزتهم الخلوية وبلغتهم السردية البسطية أن يجعلوا من حي الشيخ جرّاح قضية ذات صدى عالمي، وان ينقلوا الرواية الفلسطينية إلى العالم ويعرّفوا سكّانه ما  معنى أن تعيش تحت الاحتلال ..

وهناك نماذج شبابية عديدة مشرّفة في السياق الفلسطيني، تمكّنت من تحقيق اختراق في الرأي العام الدولي في وقت قياسي عجزت عنه الماكينة الدبلوماسية والإعلامية الإسرائيلية، إلا أنها تبقى طارئة وفي إطار ما يمكن تسميته بـ"الفزعات"، خاصة في ظل مواجهة دولة الاحتلال التي أصبحت أحد أهم دول العالم في مجال الامن السيبراني، إلى جانب تواطؤ شركات التواصل الاجتماعي مع الكيان الإسرائيلي في محاربة المحتوى الرقمي الفلسطيني وبالتالي محاربة الرواية الفلسطينية.

وفي ضوء ما سبق، يقع على عاتق المنظومة الرسمية الفلسطينية مهمة مجاراة ودعم استمرارية الفعل الشبابي الفلسطيني المُبهر في العالم الافتراضي، من خلال تشكيل وحدة رسمية متخصصة أو خلية أزمة دائمة مكوّنة من: وزارة الخارجية وشؤون المغتربين، ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ووزارة الإعلام، ووزارة الثقافة، لرصد ومتابعة سياسات شركات التواصل الاجتماعي، وتركيز الجهود لوقف القيود المفروضة على المحتوى الرقمي الفلسطيني، إضافة إلى إنشاء حلقة تواصل دائمة مع النشطاء الفلسطينيين المؤثرين، لضمان وصول المعلومات الصحيحة إليهم، و استمراريّة تدفّقها..