آيات الرحمن في جهاد الأٌكران

19/03/2022

كتب: عزّام أبو العدس

" في السياسة لا يوجد اخلاق ولا حق ولا باطل لا يوجد مبادئ فروسية ولا توجد حقوق يوجد فقط مبدأ القوة البحت فإذا كنت قويا يمكن ان تفرض ما تشاء لأن أصوات السياسيين لا تصل ابعد من مدى مدافعهم" .. نقكولا ميكافيلي من كتاب " الأمير"

الحرب هي نشاط بشري طبيعي ولربما كانت من اكثر الأنشطة البشرية شيوعا وممارسة على مر التاريخ فكما يقول الفيلسوف الألماني "غوتيه" "على مدى ثلاثة آلاف سنة من التاريخ البشري المكتوب لم تعرف البشرية اكثر من 257 سنة من السلم لم تسجل فيها حروب" والحرب هي ببساطة ان يقنع قائد ما جنوده ان ما يموتون من اجله اهم من حياتهم وعلى مدى التاريخ تطورت اليات الاقناع بالحرب لتشمل مفاهيم دينية وقومية وايدولوجية مختلفة والهدف البسيط هو اقناع الجندي ان يترك كل ما بناه في حياته كل طموحه ومستقبله وعائلته وبيته وأهله وكل ما بذل في سبيله من عرق وجهد وتعب ليمضي الى مجهول قد يموت بسببه.

وعلى مدى التاريخ وبالذات التاريخ المعاصر تكرست في اذهاننا مفاهيم غربية لتحدد شكل الحرب وهذه المفاهيم صارت مسلمات لأن الغرب فرضها علينا بقوته السياسية والاقتصادية وبسبب تبعيتنا المطلقة، ولذلك تمت شيطنة مصطلحات بعينها مثل مصطلح الجهاد في سبيل الله والذي هو مصطلح يمتلك دلالات أيديولوجية وتاريخية وبنية معرفية خاصة به والهدف منه هو اقناع المسلم بالحرب – التي هي كره عليه – ليحقق غايات سياسية ودينية ترتبط بوعيه ومجتمعه وتاريخه الهدف الأساسي منها انشاء الحضارة ورفع الظلم وتحقيق – سنة التدافع – التي تقوم عليها البشرية بأسرها فتم شيطنة هذا المصطلح ليكون اشبه بالتهمة مع ان المنظومة الغربية خاضت وتخوض وستخوض الحروب وهي تقنع جنودها انهم جند الرب في وجه جند الشيطان وكان هذا هو الخطاب الديني الغربي في الحرب العالمية الأولى والثانية وفيتنام وغيرها فكان القساوسة يخطبون خطبا دينية بحته قبل المعارك، وكذلك المتطوع الذي امن بقضية شعب مظلوم اصبح جهاديا عابرا للحدود وكل ما يقوم به المسلم لدفع الظلم عن نفسه هو إرهاب والإرهاب مصطلح مطاط فضفاض حتى الان لم يتم الاتفاق على تعريف واضح يجمع ممارساته لكن يكفي ان يوصم به المسلمون فحسب.

الحرب الأخيرة في اكرانيا دمرت في أيام قلائل كل منظومة المصطلحات التي غرسها الغرب في اذهاننا خلال العقود الأخيرة في اذهاننا ووعينا واعلامنا وسياستنا، فعندما بدأ الجندي الروسي الأول يقتحم الحدود الاكرانية تداعى الغرب لتدمير هذه المصطلحات بنفسه فأصبح حشد الجنود على أساس ديني هو اللون الغالب للتحريض على القتال ورأينا عشرات المقاطع التي تظهر الجنود الأكران في الكنائس يحرضهم القساوسة على نيل الملكوت الأعلى من خلال الموت دفاعا عن الوطن ورأينا مفتي الجالية المسلمة في اكرانيا يرتدي الزي العسكري يحرض على الجهاد في سبيل الله وعشرات المتطوعين الأوروبيين يتدفقون على اكرانيا كمقاتلين عابرين للحدود "للدفاع عن الحق في وجه الاحتلال" ناهيك عن صور "المدينيين " بل وحتى فتيان المدارس يتدربون على السلاح، دون ان تنبس "منظمات الدفاع عن حقوق الطفل" بكلمة واحدة من الموشحات التي صدعت رؤوسنا بها دفاعا عن "حقوق الأطفال" واستغلالهم في النزاعات المسلحة.

اما عن ايقونة " سانت جيفيلن " فحدث عنها ولا حرج وسانت جيفيلن هي صورة مريم العذراء تحمل قاذف " الجفلن" المضاد للدروع التي اصحبت راية تعلق في كل مكان في اكرانيا والغرب كأيقونة دينية بحته تحرض على القتال في وجه المحتل.

كل هذه المنظوم حلال على الغرب الليبرالي المتحضر الأبيض العصري حرام على العربي المسلم الشرق اوسطي المتخلف الأسمر، لسبب بسيط هو اننا رضينا بعقدة النقص ورضيت "نخبنا" السياسية والثقافية ان تسير بشكل ابله خلف كل هذه الدعاية متناسية الحقيقة البسيطة هي ان العالم قائم على القوة البحتة قائم على الاحتلال وردع الاحتلال على القتال والدفاع وانه لم تقم حضارة عظيمة أيا كان دينها وعقيدتها بغير قوة وتوسع وتمدد وان نبذ الحرب هي خرافة محضة صنعها الأقوياء لاحتلال الضعفاء فحتى الأنبياء لم تقم لهم قائمة بغير قوة، وكما قال ميكافيلي " الأنبياء المسلحون هم وحدهم من استطاعوا النجاح" فنجح رسول الله صلى الله عليه وسلم في إقامة دولته في حين طُرد نبي الله لوط من مجتمعه وهو يقول " لو ان لي قوة او آوي الى ركن شديد" وكانت ثنائية الحق والقوة في القرآن الكريم " لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ( سورة الحديد 25) )
 
  ان من يعتقد ان الحضارات لا تقوم بغير مكون القوة ضمن مكونات العلم والتقدم و الاقتصاد هو احمق وجاهل ولا يستحق حتى ان يكون انسانا لان الطبيعة البشرية قائمة على العدوان وارد العدوان لذلك علينا ان نعيد النظر في كل منظومة المفاهيم الغربية المشوهة وان نسمي معتقداتنا بمسمياتها لأن الأشقر الأوروبي ليس احق بالدفاع عن وطنه منا علينا ان نفتخر بمسمياتنا وان نندمج في تاريخنا وان نتصالح معه وان نتوقف عن اطلاق النار على تاريخنا لأن من يطلق رصاصة على تاريخه استدار اليه المستقبل ليطلق عليه مدافع الفناء.