مناضل آخر يرحل .. وداعاً بدران جابر

25/01/2022

 رام الله - وطن للأنباء: بحياة مليئة بالنضال والمواجهة، وتاريخ وطني يروى في أزقة وساحات الوطن، رحل مساء اليوم الثلاثاء المناضل بدران جابر، القيادي في الجبهة الشعبية في مدينة الخليل.

74 عاما عاش جابر، بذلها وقدمها لفلسطين، والنضال من أجلها ومقاومة الاحتلال، بكل الأساليب والوسائل، ولم يمنعه العمر والاعتقالات المتكررة والاقتحامات من ثني عزيمته في النضال والمقاومة.

ولد جابر في مدينة الخليل عام 1947، وخلال حياته اعتقل لأكثر من عشرين مرة ليقضي نحو 15 عامًا داخل أقبية التحقيق وفي السجون، وهو الدرب الذي سار عليه أبناؤه.

درس جابر في مدارس الخليل الابتدائية والثانوية وأكمل دراسته في الجامعة الأردنية وحصل على بكالوريوس في الآداب قسم الجغرافيا في العام 1970.

بدأت حياة جابر السياسية عند زيارة رئيس الجمهورية التونسية الأسبق الحبيب بورقيبة لفلسطين ولمدينة الخليل بالذات عام 1965 حيث دعا إلى إجراء صلح مع الاحتلال والقبول بنتائج حرب 1948 حيث انطلقت مسيرات في طول المدينة وعرضها رافقتها أعمال القوة من قبل قوات البادية.

وقد قادت هذه التحركات حركة القوميين العرب وتنظيم "أبطال العودة" الذي تعرف على بعض أعضائه خلال هذه المسيرات وبدأ العمل معهم عبر انتماء خجول وتردد من قبل قيادتهم امتدت لفترة زادت عن عام، ثم كان الحدث الفصل في العدوان على قرية السموع في الخليل حيث قامت قوات الاحتلال بتدمير القرية وقد انطلقت مسيرات ومظاهرات في تشرين الثاني وكانون الاول 1966.

في تلك الأحداث اعتقل جابر وتم التحقيق معه بقسوة حول دوره في المسيرات والتظاهرات التي أنكرها تمامًا. وكان قد تم الإعلان عن فتح مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في القدس – بيت حنينا- حيث تردد على المكتب وقام بتوزيع نشرات وانضم لجيش التحرير الفلسطيني/ جناح أبطال العودة رسميًا، ثم كان عدوان حزيران 1967 حيث غادر مقاعد الدراسة في الجامعة ليلتحق بالفدائيين في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الأرض المحتلة و ليتفرغ للنضال، لكنه أعتقل بعد ثلاث سنوات ونصف من العمل في الأرض المحتلة بعد أن حضر عدد من الطلبة الجامعيين من الخارج وتم التحقيق معهم والاعتراف بدوره في بناء التنظيم الطلابي للجبهة الشعبية في الجامعة الأردنية، ليحاكم أمام محاكم الاحتلال العسكرية بتهمة التدريب العسكري وخدمة التنظيم.

وتميز التحقيق الذي خضع له جابر بالقسوة وخاصة في ظل اعترافات واسعة ودقيقة من قبل الرفاق والزملاء لكنه آثر الصمت، وهكذا كان حيث أن شقيقه فهمي كان قيد الاعتقال ومحكوم مدى الحياة وخشي أن يقود الاعتراف لهدم البيت ولحكم طويل يقطع عليّه طريق الحياة ويقوض الدور الذي كان أنذر نفسه له وهو خدمة والديَّه العجوزين والاستمرار في الدور الذي يقوم به وقد اعتقل  بعدها بعامين بتهمة العضوية في الجبهة وتنظيم وتدريب وتسليح آخرين في اطار مجموعة فاعلة وناشطة ومميزة بجاهزيتها وجرأتها خاصة وأن لها امتدادات مع يهود تقدميين (الفهود السود) وقد كان الاصرار على الصمود عنوانًا لمرحلة الصمود الأسطوري في مواجهة التحقيق.

واستمر التحقيق مع جابر في عدّة سجون هي الخليل، المسكوبية، عكا، الدامون، الجلمة، ليمضي ثلاث سنوات وعادت قوات الاحتلال لتعتقله مرة أخرى عام 1980 مرتين ومرة أخرى عام 1985، ومن ثم عام 1987، وأخرى عام 1998 لتتوالى الاعتقالات والملاحقات المتواصل ليكون مجموع ما أمضاه جابر نحو 15 عامًا.

عانى جابر من عدة أمراض من بينها الضغط والسكري وسرطان في البروستاتا عولج منه، وكان يحرص على أخذ أدويته إلى السجن في كل اعتقال لأنه لم يكن ليثق أنه قد يحصل على كافة الأودية التي يريدها.

يرى جابر بأن القضية الفلسطينية تحتاج إلى جملة من الاشتراطات لتحقيق الانتصار، أولها إنجاز الوحدة الوطنية وفق برنامج مقاوم، وثانيها الفهم الطبيعي للاحتلال كما هو دون العيش في التضليل الذي تسوقه السياسات الدولية ودول التطويع والتطبيع مع المحتل، والنقطة الثالثة تتمثل في العلاقات مع الأحزاب والقوى العربية صاحبة المصلحة في الثورة والتأثير في الاتجاه الإيجابي والتقدمي، وتجسيد العلاقة معها بعيدًا عن الخلفيات الأيديولوجية.

واكد جابر مرارا أن مسار التسوية يحتاج إلى إعادة تصويب وتدقيق، وطالما وصف اتفاق أوسلو بالكارثة التي حلت بالشعب والقضية، وبأنًّ الانقسام الفلسطيني كارثة ونكبة أخرى حلت بهما أيضا، فقد أدى الانقسام إلى تردي الحالة الوطنية وتغييب المشروع الوطني، حتى بات الفلسطيني ينظر بقدسية شديدة إلى فئويته بدل وطنيته، مستبدلا الوطن بالتنظيم، ما شكل انعكاسا سلبيا على مسار الحياة اليومية التي تحتاج إلى إعادة قراءة، رغم قناعته بوجود مستفيدين في كلا الحزبين لا يريدون إنهاءه.

كان جابر يومن أنَّ المقاومة بكافة وسائلها بما فيها المسلحة حق مشروع كفلته الأمم المتحدة والقانون الدولي؛ فمن حق من يجلد أن يصرخ، بل عليه ألا يصمت، فيما يحدد التوافق الوطني الوسائل المناسبة وفق برنامج وطني، ويرى بأن على الكل الفلسطيني المشاركة في منظمة التحرير ومؤسساتها لإيجاد برنامج وطني وتوافق وطني يتم من خلاله تجاوز الانقسام والخلافات الداخلية التي انعكست سلبا على الحس الجماهيري.