في ظل الواقع الالكتروني.. الرغبات تنتصر على الحاجات يا للعجب!!!

19/12/2021

كتبت: الآء حميدان

 

أصبحنا في عصر يسعى فيه الإنسان لتحقيق رغباته على حساب حاجاته الأساسية والتساؤل حول هذا ما زال مطروحاً بين كل ذي عقل وفطنة وفي كل وقتٍ وحين ... أهي رغبة جارفة لإشباع نقص الإنسان؟ أم هي تضور في إظهار الكمال؟ أم هي نار متقدة داخل النفس البشرية يتخذونها كهوية لتعبير بها عن أنفسهم للآخرين؟

في السنوات الآخيرة من حياتنا وفي ظل الواقع الإجتماعي الالكتروني فسدت كثيراً من الأمور فيها، فالناس يشاركون كل تفاصيل يومهم على الإنترنت ما يأكلون ما يشربون، وإلى أين هم ذاهبون، أسعار ملابسهم أماكن ماركات أحذيتهم وغير ذلك الكثير، فانعكس ذلك سلباً سواء على الشخص الذي يشارك أمور حياته وربما أموره الشخصية أيضاً إذ قد يدخله في دوامة الإبتزازات والمضايقات وبين المشاهد الذي يرى كل ما يتم نشره أولاً بأول؛ فالأول أصبح لديه هوس حتى يظهر للناس حياة الرفاهية التي يعيشها إذ أن ذلك كل همه وهذا يدفعه لمشاركة الناس ما يقوم به ويأكله من غير الاستمتاع به فهو مشغول بالتصوير وجعل كل شيء بصورة وردية مثالية خالية من أي خطأ أو زلل؛ فهو ساعٍ للكمالية للمثالية التي لم ولن توجد بحياتنا البشرية، وأمّا الثّاني فيعتقد بأن ما يراه حقيقة وبأن الشخص الآخر يعيش حياة وردية خالية من المشاكل، يحقق ما يريد متى شاء وكيفما شاء ناسيا ومتناسيا بأن كل منّا لديه همومه وآلمه وأوجاعه مما يجعله ساخطاً على عيشته مقلّداً لما يراه من حوله من صور زائفة كاذبة.

تشير بيانات المسح الأسري للتكنولوجيا والمعلومات والاتصالات إلى أن نسبة الذكور الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي 88%، والنساء 84% وهذه نسب كبيرة، أدت بناءً على ما ذكرته سابقاً إلى زيادة حالة العنوسة في البلد وربما تتسأل عن السبب سأجيب وفقا لما يتم تداوله وسماعه بين الناس ووفقا لتجارب الأقارب والمحيطين، احتوت مواقع التواصل الاجتماعي على فلاتر تخفي عيوب الوجه أياً كانت نوعها ما أدى إلى ولع الشباب بالفتيات والبحث عمن هن أجمل والمقارنة بينهن وهذا جعله يصطدم بالواقع لأن الواقع مغاير لذلك وبالنسبة للفتيات ما يرينهن من رفاهية في حياة شخصية مشهورة، أو في صفحات الأشخاص الموجودين في لائحة الأصدقاء عندهن دفعهن لتقليدهم الأعمى وسعيهن وراء الحصول على ما حصلوا عليه، بالتالي أثر ذلك في تحمّل الشاب المتقدم للفتاة فوق طاقته؛ مصاريف أكثر من الحد المعقول، بيت يشبه الخيال للتفاخر به، عرس يتغنى الناس به أمام العامة وينشر على مواقع التواصل الاجتماعي كما يفعل الناس من قبله ومن بعده، ضرورة السفر بعد الزواج حتى تظهر لغيرها مدى سعادتهما وبالتالي يلتحق الشاب بديون طائلة قاتلة له من حيث لا يدري ولا يحتسب.

كثيراً من الأطفال ولا أعمم في بلادنا يعانون الحرمان العاطفي فالأم والأب خرجوا للعمل من أجل تحقيق أهدافهم ومكاسبهم المادية وكل ذلك على حساب صحة أطفالهم النفسية والعاطفية، لذلك ينشأ عديد الأطفال محرومي الحب والحنان الأسري ما يدفعه للبحث عنه في خارج إطار العائلة وهذا ما تسبب في ضياع فتيات وشباب كثر، " كنت بتمنى بيوم أمي تسمعني أفضفضلها وتفهمني بدل ما روحت بليت نفسي بأشخاص غرباء استغلوني" هذه العبارة لا أبالغ عشرات الفتيات يرددنها يومياً في السّر وفي حالات قليلة في العلن لما يعانين من نقص حب وحنان واهتمام من الأهل،  ومقابل هذا ماذا؟! مقابل أن يحصل الوالدان على بيت فخم!، وسيارة فارهة ينشرونها على مواقع التواصل الاجتماعي! يظهرون للعالم الوهمي الجانب المغاير المعاكس لظلمهم وظلامهم لأنفسهم أولاً وأبنائهم ثانياً! والسبب ليس من أجل إسعاد أنفسهم أو أولادهم لا وإنما من أجل إظهار غناهم وسعادتهم المزيفة للناس ظناً منهم بأن هذا يغذي نقصهم البشري الذي فطروا عليه منذ الأزل.

على الإنسان أن يفهم ويتّفهم طبيعة نفسه البشرية ويعلم إلى ما تقوده إليه، ولا ينجرف وراء كل ما لم تقدر نفسه على حمله؛ فهذا يغرقه في بحر الهلاك والطوفان النفسي والاجتماعي والعاطفي والاقتصادي وغيره، وعليه أن يدرك جيداً بأننا نحن البشر وإن بلغنا القمر محاسناً ومزايا فقد اعترينا بالنقص منذ وجودنا على هذه الأرض ومهما بلغت فينا درجة العلم والثقافة والفهم والقوة لا بد من وجود هذا النقص فينا وهذا لا يعيبنا وإنما يميزنا وهذا وعد الله فينا إذ لا شيء كاملٌ سواه، على الإنسان أن يصنع سعادته وفق استطاعته من غير أن يكلف نفسه فوق طاقتها فالله لا يكلف نفساً إلا ما بوسعها، على الإنسان أن يثق بذاته ويعبر عن هويته بنفسه لا بالماديات التي يمتلكها، كثيراً من الأمور تقضي الحاجات وتسعد النفس ولا شريطة في أن الأمور الباهظة ذات الماركة المعينة هي التي تكملّنا أو تقضي حاجاتنا وتسعدنا، ، بل ما يسعدنا هو أن نسير خفافا في هذه الحياة غير مثقلين بولعة الديون الباهظة وهذا ما ينطبق مع مثلنا الشعبي " على قد فراشك مد رجليك".