الهدف العاشر للتنمية: المساواة والقضاء على التمييز

28/11/2021

كتبت نهى نعيم الطوباسي* : "لا يترك الركب أحدا وراءه" من أهم القيم العاليمة، التي تمنح أهداف التنمية المستدامة القدرة على أن تصبح حقيقة، وعلى إحداث العمل التنموي القائم على حقوق الانسان وكرامته، وهذا هو الوعد المركزي لخطة التنمية المستدامة التي التزمت بها الدول الاعضاء، لتحويل العالم إلى عالم تطبق فيه حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية وسيادة القانون والعدالة والمساواة وعدم التمييز بين البشر، من أجل أن لا تترك المجتمعات وراء الركب، وأن تكون  مجتمعات إنسانية، حرة مستقلة بعيدة عن التعسف والظلم والإضطهاد.

فالهدف العاشر من أهداف التنمية المستدامة، الحد من أوجه عدم المساواة، مبدأ وركيزة جوهرية قامت عليه الأديان والمواثيق والأعراف الدولية. كما جاء في القرآن الكريم" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ "وأكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان "لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون أي تمييز".

فتحقيق المساواة والحد من التمييز، أصبح اليوم حاجة إنسانية ملحة بعد تراجعه في العديد من الدول، ونشأت فجوة حقيقية وفوارق واسعة في الحقوق ومستوى المعيشةـ  وقد يكون تصنيف البنك الدولي العالم إلى أربع مجموعات، وهي دول منخفضة الدخل، الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل، والشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل، والبلدان مرتفعة الدخل، وتقدر على أساس نصيب الفرد من الدخل القومي مؤشرا واضحا على انعدام المساواة في العالم. وأن ملايين البشر ما زالوا خلف الركب. ففي الوقت الذي تتمتع العديد من المجتمعات بمستويات من الديمقراطية والرفاه الاقتصادي والاجتماعي، والاستقرار السياسي، والحرية الثقافية والدينية، تعاني دول أخرى من نزاعات وانتهاكات لحقوق الإنسان وغياب الاستقرار. حيث فقد ملايين البشر حقهم بالحياة اللائقة وفقدوا أرواحهم، إما بالصراعات الداخلية أو الدولية، أو المجاعات والأمراض والأوبئة، وملايين حرموا من حقهم بالإيواء والسكن، واضطهاد الاقليات، وفي الوقت الذي يرتفع  فيه مستوى المعيشة في العديد من البلدان المتقدمة، مازالت هناك دول تعاني من تدني الدخل ومستوى المعيشة، وانعدام الحماية الاجتماعية، وعدم الحصول على الصحة والتعليم الجيدين.

وعند الحديث عن الحالة الفلسطينية يمكن ملاحظة غياب المساواة وانتشار التمييز والفروقات العميقة بكل ما ذكر سابقاـ سواء في داخل المجتمع الفلسطيني، من جهة  أو بين المواطن الفلسطيني والإسرائيلي من جهة ثانية.

فالاحتلال يمارس أبشع أشكال التمييز العنصري تجاه الشعب الفلسطيني، وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان والقانون الدولي، من استيطان وعزل وفصل المناطق، والاعتقال والقتل، والعقوبات الجماعية، والهدم والتهجير، وحرمان الشعب الفلسطيني من حق تقرير المصير، والسيطرة على موارده  الطبيعية، وفرض الحصار على قطاع غزة، وتعطيل عجلة الاقتصاد، والتحكم بالقطاعات الأساسية كالطاقة والمياه، مما أدى إلى تدهور مستوى المعيشة مقارنة بمستوى المعيشة للمستوطن الإسرائيلي، على سبيل المثال، حيث تزيد حصة الفرد الإسرائيلي من الناتج المحلي بأكثر من 15 ضعفا عن حصة الفرد الفلسطيني الذي يضطر للعيش تحت نفس القوانين والضرائب وقيود الغلاف الجمركي الموحد، أما موازنة  فلسطين السنوية فلا تتعدى 5.5 مليار دولار، بينما موازنة اسرائيل السنوية تقارب 150 مليار دولار. وحصة الفرد الفلسطيني من المياه  82 لتر سنويا، بينما الاسرائيلي يفوق استهلاكه 500 لتر سنويا، وتزيد الفجوة بين الجانبين أضعافا في المياه المستخدمة لأغراض الري والزراعة. وحرمان الشعب الفلسطيني من حرية التنقل والحركة، ويتمتع الاسرائيلي بالحصول على تعليم ومرافق تعليمية نوعية، وبيئة تعليمية آمنة وبمواصفات عالمية، بينما يحرم الفلسطيني، من الوصول إلى المرافق التعليمية، بوضع العراقيل أمام الوصول الى التعليم وهدم المدارس في المناطق المصنفة ج وقصف المدارس في قطاع غزة.

وهناك فجوة واضحة بين ما يتلقاه المستوطن الاسرائيلي من رعاية صحية فائقة الجودة، وتغذية جيدة، وما يحصل عليه الفلسطيني، فحسب برنامج الأغذية العالمي، تقريبا ثلث السكان، أو ما يقارب 1.6 مليون شخص غير قادرين على شراء الأطعمة المغذية في فلسطين، وتبلغ نسبة انعدام الأمن الغذائي 54 بالمائة في قطاع غزة، عدا عن ذلك تمارس اسرائيل سياسة التمييز العنصري بالعمل والقوانين والضرائب على أبناء الشعب الفلسطيني، في مدينة القدس ومناطق ال 48. وفي الوقت الذي يتمتع فيه المستوطن بالسكن بالمستوطنات، يتم تشريد الشعب الفلسطيني وتهجيره، بتجمعات نائية مهمشة، مما أدى إلى خلق دوائر جديدة من التهميش والإقصاء والفقر والاستبعاد، ومن جهة ثانية تغيب المساواة، بسبب السياسات الداخلية والانقسام وانتشار مظاهر المحسوبية والفئوية وانعكاسها على الوظائف والتعيينات، وممارسة الاعتقالات السياسية والحرمان من حق الانتخاب والتصويت لسنوات وحرية الرأي والتعبير. وهو ما كان من الأسباب الجوهرية، لتراجع السلم الأهلي الفلسطيني وانتشار العنف والجريمة، ما زاد في انتشار خطاب الكراهية وضعف الثقة في السلطات العامة، وحرف البوصلة عن التناقض الرئيسي في حياة الشعب الفلسطيني وهو الاحتلال.

آن الأوان لحراك وعمل جاد على المستوى الرسمي والشعبي والنقابات والحركات الاجتماعية، لمعالجة أسباب التمييز وعدم المساواة، التي أدت الى تراجع السلم الاهلي في المجتمع الفلسطيني، وانتشار العنف الهيكلي الناتج عن عدم تلبية الاحتياجات الاساسية للانسان، والتمييز بين فئات المجتمع. وأصبح خطرا يهدد التماسك الاجتماعي الفلسطيني.

المطلوب معالجة للقوانين القائمة على التمييز بكافة أشكاله ضد الفئات الأكثر ضعفا من ذوي الإعاقة. وكبار السن والأطفال والنساء، وتعزيز مبدأ تكافؤ الفرص بين الجنسين بالعمل، وبالسياسات المالية والأجور والحماية الاجتماعية والتعيينات. إن اشكالية غياب المساواة والتمييز بأشكاله ليس فقط نتاج الاحتلال وممارسته، بل أيضا نتيجة عادات وأفكار وثقافه ومعتقدات متوارثة، وممارسات وسياسات مطبقة، عززت فكرة الإقصاء والتمييز والتهميش ضد العديد من فئات المجتمع، تحقيق المساواة والقضاء على أشكال التمييز يجب أن يمتزج بالثقافة والتربية والتعليم، والأنظمة والنشريعات.

وإذا لم تعلن الدول التي تتغنى بالديمقراطية وحقوق الانسان موقفا واضحا، ضد ممارسات اسرائيل للتمييز العنصري تجاه الشعب الفلسطيني، فدون تحقيق المساواة والقضاء على أشكال التمييز، ستكون أهداف التنمية المستدامة مجرد شعارات براقة، لشعوب تغرق في ظلمات الظلم والقهر.

*ماجستير تنمية وحل الصراع