جبل البهجة

21/11/2021

كتبت: رندة نمر

يستيقظُ صموئيل الابن في الثامنة صباحا من كلّ يوم، معلنا بدأ فجر المدينة، حيث يعملُ في تجميع حكاياتَ عن القرى الفلسطينية وسردها للمجموعات السياحية أو حتى لأصدقائه، ويُطلقُ على نفسه صموئيل الابن، حيث أن النبي صموئيل هو الاساس والأب للقرية، وهو الابن الناقل لحكايته النبي وقريته، هذا الشاب الذي لطالما سأل عن سر تسمية اسمه حتى عرفَ ما ينطوي عليه الاسم من قدسيّة تتصّل بالتوراة، ورغم أنه ينتمي لأسرةٍ مسلمة بمنهجٍ فكرّي اشتراكي، الا أن تسميته جاءت هكذا تعزيزا لاسم القرية وتذكيرا بالنبي القدّيس الراحل يجلس صموئيل مع أبناءِ جيله المتجمّعين بعد عناءٍ ومشقّة في قرية النبي صموئيل، يقف فجأة ويحرّك يده مشيرا الى المدى الفسيح وكأنه يخاطب السماء ويشرع في الحديث في عام ال1948 بقيت هذه القرية وحيده من بين شقيقاتها من القرى الفلسطينية حيث هجرت وظلّ دون اهلٌّ، يهزّ أصدقاءه رؤوسهم موافقين وتبدو علامات الأسف على وجوههم حيث تُفتتح كلّ قصّةٍ بهذه المقدّمة، يكمل صموئيل حديثه؛ قرية البني صموئيل حاولت الصمود جاهدة، يرفع صموئيل يده الى فوق ويقول: تشهد على صمودها الخنادق على جانبي القرية التي استخدمت على مر العصور لتدافع عن نفسها وعن مدينه القدس، وسطّرت نجاحا نحتته من الصخر كعنوان للصمود فنجحت مثلا في دحر الهجوم الذي شنه الب لماح.. يصمت صموئيل قليلا، وهو يرى البقع الاستيطانية كنسلِ الثوب من وسطه ويتابع: لكن في اليوم السادس من الشهر السادس في عام 1976 وبعد العديد من الحروب والدفاع عن نفسها باهلها وابنائها وارتقاء الشهداء فيها ارتوت الخنادق بدماء اهلها وسقطت في ايدي الاحتلال. حاول الاحتلال التضيق على أهلها منعوهم من البناء وترميم ابنيتها لعله كان هذه احد الاسباب التي جعلتها قيمة بملامحها العربية القديمة منعت قوات الاحتلال اهالي القرية من كل حقوقهم حرمتهم من رؤية اهاليهم في المناطق المجاورة ظنا منها انهم سيرحلون يوما ما لكن دون جدوى قرية النبي صموئيل باهلها صامده ولا زال الوضع على حاله حتى ايامنا هذهِ يحاول الاحتلال الهيمنة الكاملة، حيث حاصر القرية، وحرم اهلها من حرياتهم وأنشأ فيها حديقة لقطعان المستوطنين يعيثون الفساد والدمار فيها. أغلقوا مسجدها حيث لا يفتح الا في اوقات الصلاة، خرّبوا نصف المسجد والنصف الاخر اصبح كنيسا لهم. يحدّق صموئيل في الأفق قليلا ويقول: هم يعتبرون أن صموئيل النبي خاصتهم، سيفرح باستعادتهم لبلدته، لا يعرفون أن النبي صموئيل يُولَدُ في كلّ واحدٍ منّا، مؤكدا على أحقّيتنا بهذه الأرض، ونافيا كل أكاذيبهم، النبي صموئيل ممتَدٌ بس وبِكم من مسلمين ومسيحيين ويهود يرفضون الصهيونية ويحترمون المقدّسات والقديسين.. تغربُ الشمسُ عن القرية وتنزلُ خلف الجبل، معلنةً انتهاءَ سردٍ لحكايةٍ فلسطينية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، إلى أن تشرق شمسُ العودةِ من جديد.