عدنان رمضان يكتب لوطن .. على حافة اليأس على حافة الفوضى

28/10/2021

طرح الأسئلة الصعبة ومواجهة حقائق الحياة العنيدة مسؤولية فردية وجماعية وهي خطوة اولى في طريق المواجهة والتغيير.

الحياة اليومية للإنسان الفلسطيني مليئة ومكتظة بالتحديات والصعوبات في مختلف الحقول والساحات، وعلى المستويات المختلفة، وهي مستمرة ومتواصلة وتتراكم وتتواصل وتتعقد وتأخذ أشكالا وتجليات عديدة، وتترافق مع أمراض سياسية واجتماعية وتحولات قيمية ونشوء وانتشار عادات وسلوكيات يسميها الفلسطينيون غريبة وفي الحقيقة هي نتاج محلي خالص في أغلب الأحيان.

العبارة الأكثر ترديدا في السنوات الاخيرة هي ان الحال الفلسطيني في تدهور كبير وسير متسارع نحو الفقر والجوع والفوضى وهذا هو في حقيقة الامر واقع الحال.

في بلادنا تعدد المرجعيات المعنية باستغلال واضطهاد الإنسان وتترتب وتتدرج في طبقات وفئات تقف بالدور وتتنافس على هذا إنهاك واستغلال هذا "المواطن "المثخن، الكل يريد ان ينهش هذا الجسد المكشوف.

لا يقتصر الأمر على الاحتلال وجيشه واجهزته ومليشيات المستوطنين المسلحة التي تنتشر في طول وعرض هذه البلاد وينضم إليهم من يريد من دول المنطقة وأجهزتها الذين يتفننون في ابتزاز وتعذيب واهانة الفلسطيني، حتى بات يشعر الفلسطيني انه كالأيتام على موائد اللئام.

مطارد محاصر دمه مستباح ليس أسهل من سجنه وذمه وتحويله إلىكبش فداء او مطية، في لغة وحديث الناس فان "الناجون هم الشهداء "، هذا يشير إلى الحال الذي وصلنا اليه.

هنا ايضا يكثر الناهشون المحليون بأسماء عديدة تبدأ من قمة الهرم والبنيان السياسي الفلسطيني ومنظومة الفشل من القوى والأحزاب التي تختطف التاريخ الكفاحي والتضحيات وتجثم باسم هذه التضحيات على صدر الفلسطيني متشدقة بشعارات وخطاب ممج وهي لا تضيف جديدا إلى المسيرة الكفاحية وتحولت إليهم اضافي وعائق يقف بين الإنسان وعيشه الكريم، إلى الاجهزة التنفيذية التي وجدت لراحة الناس فاهتمت براحتها واقلقت الناس.

الشركات الكبرى والبنوك التي لم تحلم بان تتحول فلسطين أرضها وناسها إلى مزارع لها توغل هذه الشركات دون حسيب او رقيب ولا تتوقف وتستمر بدعم منظومة الفساد والمنتفعين المتنفذين.

إلى التجار الجشعين الذين لا يفوتون فرصة لغش الناس وتقشيطهم الثمرة الهزيلة لجهدهم وعرقهم وتمتد أيديهم الوسخة إلىجيوب الناس حتى تفرغها ولا تكتفي بذلك بل تلاحقهم إلىديونهم عبر القروض.

إلى الاتحادات والهيئات والمنظمات وهي أكثر من الهم على القلب تحولت إلى ممالك مسجلة لصالح رؤسائها وهيئاتها ولا تمت بصلة إلىمسمياتها والهدف التي وجدت من أجله ولا ينجو من ذلك إلا ما رحم ربي.

الي تجار الدين والايديولوجيا والصحافة الصفراء والاقلام المرتزقة إلىالطفيليات التي تنمو وتظهر في الشوارع والحواري والزقاق وتتفنن في نشر الفوضى حينا والتخلف احيانا والأمراض المجتمعية دائما.

هذه التحولات والسياسات والأحداث مهما كان حجمها لا تتم في الفراغ بل في سياقات ليس اقلها ضعف البنية القانونية والقضائية والتطبيق الانتقائي (للقانون) وتراجع قيمي وانتشار الفوضى والغوغاء وارتفاع منسوب المسلكيات السلبية في الحيز العام حتى أصبح التعدي على هذا الحيز الضيق أصلا وعلى كل المستويات الحالة الأكثر رواجا في ظل تلهي البنية السياسية الفلسطينية بالمصالح الضيقة وتوازنات البقاء السياسي على حساب قضايا الناس.

حالة الفشل والياس تعكس نفسها في الكثير من تفاصيل الحياة اليومية يترافق ايضا مع تعميم التفاهة والجهل والتخلف والسلوك السيء واستغلال ذلك لتحويل الحياة اليومية في بلادنا إلىكابوس. 

الأحداث السيئة و الغلاء و الإفقار المتعمد والاستغلال والفوضى التي يراد لها ان تكون طبيعية وان يعتادها الناس  و يتكيفوا معها هي وان كانت في فرديتها تبدو  بسيطة  او قد حوادث منعزلة  ومنفصلة  فردية  الا انه في تكرارها وتنوعها وتعددها واستمراريتها تصبح هي المزاج العام ونمط المعيشة  و تضعف وتتراجع أمامها محاولات بناء وتجسيد نموذج جاد وبناء .

اللغة المشبعة بالامل والتفاؤل والثقة بالمستقبل غالبا ما تنطلق من منظور سياسي وتتحدث عن التغير في حدود السياسة وتقلباتها ولا تتحدث عن تغيير حقيقي في بنى المجتمع المختلفة وتقدم في طريقة عيش الناس على المستويات المختلفة   فنحن نعيش ليس في فلسطين فحسب بل وفي المنطقة العربية في دائرة شرسة وشريرة يحاول البعض إسقاط صفة التطور اللولبي عليها وهي في حقيقة الأمر نقيضه التام حيث تضعف وتتراجع مقولة تشاؤم الواقع تفاؤل الإرادة.

المستبدون الطغاة من جهة ومعارضيهم الشجعان هم طرفا المعادلة الطبيعيون في العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الدكتاتوريات.

في البلدان التي تخضع للاحتلال والطغيان وسيادة منظومات القمع والفساد تكون المواجهة مفتوحة تستعر حينا وتخبو حينا، لكن ما يَمْكُنُ للمستبد ويمده بقوة للاستمرار بطغيانه واستبداده هو جمهور الجبناء المتذرعين بان لا حول ولا قوة لهم أمام جبروت الطغاة وكذلك المستبدون الاتباع الذين ينسخون الصورة على مستويات أدني او مختلفة.

الاحتلال والمستبدون والطغاة والفقر والتخلف ليسوا قدرا بل هم صناعة تستمد قوتها وشرعيتها من العبيد والأتباع والرعايا والجبناء والمصفقين الذين يقودون التحولات السلبية داخل المجتمع الفلسطيني خطوة خطوة ودرجة درجة يتقبلها الناس يتكيفون معها ويحاولون ان يستمروا دون انتباه إلىأنهم يسيرون نحو حتفهم غافلين كالضفادع التي تستمر في البقاء داخل وعاء الماء الذي يسخن تدريجيا على نار هادئة حتى تموت في درجة الغليان ولا تقفز من الماء.