"قلقيلية" أنموذجًا: جدار الفصل العنصري يدمر البيئة والحياة البرية

13/10/2021

وطن للأنباء- زهرة خدرج: " يجب أن يستمر الاستعمار الصهيوني بغض النظر عن وجود السكان الأصليين. وهذا يعني أنه لا يمكن أن يتطور إلا بوجود قوة حماية تعزل السكان الأصليين خلف جدار حديدي، بحيث لا يمكن للسكان الأصليين اختراقه"

فلاديمير زئيف جابوتنسكي (أحد مؤسسي كيان الاحتلال) عام 1923.
يستيقظ البشر في الصباح، ويفتحون نوافذهم ليرقبوا الشمس الوليدة والعصافير المسرعة تجاه رزقها.. وعندما تحدثني نفسي لأن أحذو حذوهم يصطدم نظري بجدار شديد البشاعة يحجب ضوء الشمس عن نافذتي، ويخدش مشاعري مُذكراً إياي بحقيقة الاحتلال المُرَّة التي لم أستطع نسيانها ولو لبعض الوقت.

يسمونه السياج الأمني ونسميه "جدار الفصل العنصري". جدار عنصري زرعوه فوق أراضينا وفي قلوبنا التي لا تعثر على السكينة، هو جدار عار سيلاحقهم ويبقى علامة سوداء في تاريخهم المشؤوم يذّكرنا بالغيتو الذي بقي مترسخاً في الذاكرة اليهودية، وتناقلته أجيالهم فيما بينها، وجاء دورهم ليحاصرونا به لعله يوفر لهم بعضاً من الأمن والأمان الذي يحلمون به في دولتهم التي أقاموها باغتصاب أرضنا.

دُمّر أشهر جدار عازل في العالم، جدار برلين في 9 نوفمبر/ تشرين ثاني 1989، مع أنه ليس الأول من نوعه، كما لم يكن الأخير.
ظنَّ العالم آنذاك أن زمن الأسوار العازلة قد انتهى وولَّى زمانه، وأن حقبة جديدة من الإنسانية تُشرق على بني البشر لا مكان فيها لجدران عازلة مقيتة تحتجز الناس خلفها وتضيِّق عليهم الخناق..

ولكن ما إن انقضت ثلاثة عشر عاماً وتحديداً في 23 حزيران 2002 حتى انتشرت قطعان من الجرافات الفتاكة التي تعود لدولة الاحتلال، يرافقها فرق ووحدات عسكرية عالية التدريب مُدّججة بالسلاح مضت تدمر الأشجار وتحفر أخاديد عميقة في الأرض الفلسطينية وتبني جداراً يرتفع في السماء، يفصل الفلسطينيين عن أراضيهم المحتلة منذ عام 1948 ويتعرَّج في سيره ما بين الخط الأخضر وفي عمق أراضي الضفة الغربية والقدس، فيحاصرهم ويلتهم معه مزيداً من أراضيهم وحقولهم ويدمّر حياتهم.
لقد أُصيبوا بصدمة كبيراً حين شاهدوه بأم أعينهم يتمدد مثل سرطان خبيث، حتى بلغ طوله في النهاية ما يزيد على 700 كم.
شرَّع جدار "اسرائيل" العنصري العازل الباب أمام الدول الأخرى لتحذو حذوها وتتبنى سياستها ومبرراتها في إنشاء الجدران العازلة التي أخذت تنتشر في العالم انتشار النار في الهشيم.

بعد سنوات ثلاثة فقط من جدار" اسرائيل"، أصدر بوش الابن قانون السياج الآمن في الولايات المتحدة، وأخذ ينشئ سياجاً يبلغ طوله أكثر من 1350 كم، وبنت المجر أيضاً سياجًا حدوديًا في عام 2016 بطول177  كم على حدودها مع صربيا، لمنع تدفق اللاجئين لأراضيها.

وشيدَّت لبنان جداراً حول مخيم عين الحلوة عام 2016، ووعد ترامب في حملته الانتخابية ببناء جدار يفصل الأراضي المكسيكية عن الولايات المتحدة على نفقة المكسيكيين.
وأصبح عدد الجدران العازلة الآن 77جداراً عازلاً للإنسانية محاصراً لها، منتهكاً لحق البشر في العيش بحرية والتنقل دون قيود!
كان مبرر دولة الاحتلال المُعلن: "منع تسلل الاستشهاديين والمقاومين إلى داخل المناطق المحتلة عام  1948"، أما السبب الحقيقي الذي يكشف حقيقته الاستعمارية، حصار المناطق الفلسطينية، ومصادرة أكبر مساحة ممكنة منها قسرياً وتطهير الوجود الفلسطيني منها، ليفرض حدوداً جديدة تلبي جزءًا من أطماعه.

جدار الفصل العنصري: الحقيقة المرَّة

أُقرَّت إقامة هذا الجدار في شهر إبريل من عام 2002 في جلسة خاصة للمجلس الوزاري المصغر (الكابينت) وشُرع بتنفيذه بعد شهرين من نفس العام، بعد أن تسلَّم شارون رئاسة حكومة الاحتلال.

في المناطق الفلسطينية ذات الكثافة السكانية العالية أُنشئَ جدار إسمنتي عازل، وفي المناطق الخالية من السكان أو ذات الكثافة السكانية المنخفضة، اُستبدل الجدار الإسمنتي بجدار من الأسلاك الشائكة المكهربة أُضيف له من الأمام ( من جهة الفلسطينيين) خندق عميق يصل عرضه إلى 4 أمتار ( بهدف منع اجتيازه من قِبل  المركبات والمشاة)، وطرق ترابية مغطاة بالرمال تُمشَّط باستمرار لكشف الأثر، ثم طريق معبد مزدوج تسير عليه دوريات المراقبة بين الحين والآخر، وأبراج مراقبة مزودة بكاميرات وأجهزة استشعار تنتشر هنا وهناك.

في تقرير للجزيرة نت بعنوان" جدار الفصل الاسرائيلي" ذُكر أن الجدار الفاصل يدخل 220 كم2 في عمق الضفة الغربية، ويعزل 733 كم2 من أراضيها، أي ما نسبته 12.9% من مساحتها. ويمس في مساره ثماني محافظات فلسطينية تضم 180تجمعاً، ويعزل أكثر من 13 تجمعًا سكانياً يجدون أنفسهم سجناء في المنطقة المحصورة بين الخط الأخضر والجدار العازل".
وبحسب مركز المعلومات الوطني الفلسطيني:" فإن طول الجدار يبلغ حوالي 770كم، ويعزل 50 بئراً وبذلك يفقد الفلسطينيون 7 ملايين م3 من المياه التي تشكل 30% من مجموع ما يُستهلك فلسطينياً من الحوض الغربي، وتفقد الضفة الغربية 200 مليون م3 من مياه من نهر الأردن.

هل حقاً الجدار الفاصل عنصري؟ وما مدى قانونيته؟

ذكر كريستيان فالتر في مقال بعنوان" الفلسطينيون يدفعون "ثمناً كبيراً جداً" بسبب الجدار الاسرائيلي العازل" قائلاً:" محكمة العدل الدولية في لاهاي شددت في عام 2004 على أن بناء الجدار يتعارض مع القانون الدولي، وطالبت الحكومة الإسرائيلية بوضع حد لنقاط التفتيش التي شرعت في إقامتها عليه. ولا تكمن المخالفة للشرعية الدولية في بناء الجدار في حد ذاته، ولكن في وجود 85% من مساره داخل أراضي الضفة الغربية مما يُفقد الفلسطينيين حوالي 10% من أراضيهم، ومن بينها مساحات ثمينة". وأصدرت محكمة العدل الدولية في 9 يوليو 2004 رأيًا استشاريًا يقضي بعدم شرعية الجدار.

في تقرير لــ "هيومن رايتس ووتش" بعنوان" السياسات الإسرائيلية المنتهِكة تُشكّل جريمتَي الفصل العنصري والاضطهاد" ورد التالي:
بعد أن كان مصطلح "أبارتايد" قد صِيغ في سياق متصل بجنوب أفريقيا، أصبح اليوم مصطلحا قانونياً عالمياً. يشكل الحظر على التمييز والقمع الشديدين والفصل العنصري مبدأً أساسياً في القانون الدولي. "الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها" لسنة 1973 (اتفاقية الفصل العنصري) و"نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية" لسنة 1998 (نظام روما الأساسي) يُعرِّفان الفصل العنصري باعتباره جريمة ضد الإنسانية تتكون من ثلاثة عناصر أساسية: (1) نية إبقاء هيمنة جماعة عرقية على أخرى، (2) سياق من القمع الممنهج من الجماعة المهيمنة ضد الجماعة المهمشة(3) الأفعال اللاإنسانية.

وفي كتاب" نظام الأبارتايد في دولة الاحتلال راهناً وجنوب إفريقيا سابقاً وسبل مناهضته" الصادر عن أكاديمية دراسات اللاجئين، للكاتبة إسلام العالول، عُرُّف التمييز العنصري بأنه "أحد أشـكال العنصرية يتميز بطبيعته المؤسسية والرسـمية، تقـوم الدولة بواسطته بفصـل أو إزاحـة مجموعـة سـكانية مضطهـدة في تجمعـات منفصلـة عـن الباقـي، بسـبب هويتهـا الجماعية( لـون البشرة أو العـرق أو الأصل الإثني...الـخ)، وتُعاملهـا معاملـة سـيئة، وتُضمَّن هـذه التفرقـة العنصرية في القوانين والنظـم المعمول بها في الدولة، بـل وتجعلـه الدولـة أساسـاً للسياسـات العموميـة في مختلـف مناحـي الحياة علنـاً وبلا مـداراة، حتى أنهـا لا تتحـرّج مـن الحديـث عن شعبين مختلفين ْ ومسـاريْ تنميـة متباينين.

في حين ورد في ملخص لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" تحت عنوان" تجاوزوا الحد.. السلطات الإسرائيلية وجريمتا الفصل العنصري والاضطهاد" : إن الأفعال اللاإنسانية التي حددتها اتفاقية الفصل العنصري ونظام روما الأساسي "الإبعاد القسري"، و"نزع ملكية العقارات"، و"خلق محتجزات ومعازل مفصولة"، وحرمان الناس من "الحق في مغادرة الوطن والعودة إليه، والحق في حمل الجنسية".
وقد أوضحت محكمة العدل الدولية أنه يتعين على الكيان الصّهيوني تفكيك الجدار والنظام المرتبط به ودفع تعويضات للفلسطينيين المتضررين من بنائه، وشددت على أن المجتمع الدولي ملزم بعدم الاعتراف بـِ  أو المساعدة في بناء الجدار والنظام المرتبط به، وأن من واجب المجتمع الدولي اتخاذ تدابير فعَّالة لإنهاء انتهاك الكيان الصّهيوني للقانون الدولي. وصادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع تقريباً على القرار، إلا أنه لم يُؤخذ على محمل الجد، الأمر الذي منع تحرك دول العالم بشأن عدم قانونيته، حاله حال الكثير من القرارات الأخرى الخاصة بالحقوق الفلسطينية التي ينتهكها الاحتلال ويغمض العالم عيونه عنها ويتظاهر بأنه لم يرَ أو يسمع.
أما الدكتور فايز أبو شمالة الكاتب والمحلل السياسي فيقول:" أُدين جدار الفصل العنصري من الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ولكن السلطة الفلسطينية تخلت عن واجبها في متابعة قضية الإدانة في المحافل الدولية والاستمرار في فضح الممارسات العنصرية للاحتلال، مقابل السماح لقادتها بالتحرك والتنقل داخل الضفة والحصول على بطاقات ال VIP وتحصيل بعض المكاسب الشخصية.
وعبرت الأيام وتقادمت الإدانة وبقي الجدار قائماً. وتمادى قادة الاحتلال بشتى أطيافهم في سياساتهم العنصرية القائمة على مصادرة الأراضي والمياه ومضاعفة الاستيطان ومحاصرة الفلسطينيين والتضييق عليهم".

ما المسار الذي يتبعه جدار الفصل العنصري؟

"سأجعل منهم سندويشاً.. سأجعل الجدار العازل يخنقهم و يتخللهم، وسأزرع المستوطنات في الضفة الغربية في 25 عاماً حتى لا تستطيع الأمم المتحدة و لا حتى الولايات المتحدة أو أي جهة أخرى معالجة هذا الوضع أو إنهائه".
أرائيل شارون-  في حديث صحفي سُئل فيه عن طريقته في التعامل مع الفلسطينيين.

قسَّم جدار الفصل العنصري الضفة الغربية إلى كانتونات منفصلة عن بعضها البعض، وعزلها عن الأراضي الزراعية، وصادر مساحات كبيرة من الأراضي وضمها للكيان المحتل، فظهر نتيجة لذلك حزامين عازلين طوليين، حزام في شرق الضفة بطول غور الأردن وحزام أخر غرب الضفة على طول الخط الأخضر بعمق 5-10كم، إضافة إلى أحزمة عرضية بينهما تخلق فاصلاً مادياً بين كتل المناطق الفلسطينية التي قُسمت إلى 4 كتل رئيسية خاضعة لسيطرة الاحتلال، مع بقاء المستوطنات على حالها.
طوَّق جدار العزل العنصري مدنًا مثل طولكرم وقلقيلية والقدس وقرى فلسطينية كثيرة بالكامل وعزلها عن محيطها الطبيعي، ودفع بسكان المناطق المحاذية للجدار للنزوح إلى مناطق أُخرى أكثر أمناً.

وقطع طرق العمل والحياة والعلاج والتعليم والخدمات الأخرى، ووضع العراقيل في طريق الأطفال والمعلمين وعقَّد من وصولهم إلى مدارسهم، ومن وصول المرضى إلى المستشفيات، وأعاق سيارات الإسعاف من الوصول للمرضى، فولدت نساء على الحواجز وتوفي مرضى قبل بلوغ أقسام الطوارئ.

تشير منظمة بتسيلم إلى أن الاحتلال ركَّب  84 بوابة في الجدار ولكنها في واقع الأمر من أجل الدعاية فقط، ففي عام 2016 مثلاً فُتحت تسع بوابات فقط يومياً، وفُتحت عشرة منها في أيام قليلة من الأسبوع، وفي موسم قطاف الزيتون الإستراتيجي بالنسبة للفلسطينيين فُتحت 65 بوابة فقط!
مدينة قلقيلية أنموذجاً للفصل العنصري الذي يمارسه الاحتلال
مدينة الجوافة والبرتقال والخضار المروية.. الجميلة التي تتمدد على مقربة من الخط الأخضر، عام 1948 التهم الاحتلال أراضيها داخل خط الهدنة الذي رُسِّم بموجب اتفاقية رودوس آنذاك، وكيف لا يفعل ذلك وأطماعه المائية لا حدود لها، وقلقيلية تتربع فوق بحر من المياه العذبة؟

بعد حرب حزيران عام 1967 احتُلت أراضيها بالكامل، ومنذ ذلك الحين نهشها الاستيطان بشراسة.. أربع عشرة مستوطنة أُقيمت على أراضيها، نهبت ما فوق الأرض وما تحتها.. ولم يكتف الاحتلال بذلك، بل اتخذ قرارًا عاجلًا بإنشاء الجدار ليحاصرها من جهات ثلاث، أما الجزء المتبقي فتُرك لمستوطنة تسوفيم تحاصره، ومعسكر لجيش الاحتلال يُحيط المنطقة بالأسلاك الشائكة، ليصبح لهذه المدينة المخنوقة مخرجاً ضيقاً واحداً من الجهة الشرقية يشبه عنق زجاجة، يفتحه الاحتلال متى شاء، ويغلقه كيف يشاء! وتكفي دورية واحدة تتبع لجيشه لأداء هذه الوظيفة.

يقول المهندس الزراعي ظافر سلحب مدير الدائرة الفنية في مديرية الزراعة- قلقيلية: " يقطع الجدار الفاصل مساراً يصل طوله حوالي 56 كم على أراضي محافظة قلقيلية، عزل خلفه 35 ألف دونم من الأراضي الزراعية الخصبة. وعزل 12 بئراً ارتوازياً تقع على الخزان الجوفي الغربي. كما عزل 3 تجمعات بدوية بين الجدار وبين الخط الأخضر هي عرب الرماضين الشمالي وعرب الرماضين الجنوبي وعرب أبو فردة، فأصبح بلوغ سكان هذه التجمعات لبيوتهم وإدخال احتياجاتهم اليومية والموسمية مرهون بموافقة أمنية من سلطات الاحتلال، عدا عن صعوبة وصول المعلمين والطواقم الطبية إليهم.

ويقول المهندس تيسير بصلات مدير مشروع التعداد الزراعي في قلقيلية:" جرَّف الاحتلال ما مساحته 3700 دونم من الأراضي في محافظة قلقيلية لإقامة الجدار، واقتلع 20 ألف شجرة زيتون، و180ألف شجرة أخرى تتنوع ما بين أشجار مثمرة وحرجية". 
وتعد الزراعة مصدراً رئيساً للدخل في محافظة قلقيلية، وقد تأثرت سلباً بعد إقامة الجدار الفاصل، وتردي الوضع الاقتصادي للعائلات التي تعيش على الزراعة وتقع أراضيها في منطقة الجدار العازل؛ فدفع بها إلى خط الفقر، حتى إن الأراضي الزراعية المحاذية للجدار إلى الشرق منه جُرّفت ودُمّرت واُقتلعت الأشجار المعمرة منها، ومُنع المزارعون من استعمالها وزراعتها ورعي المواشي فيها بسبب قربها من الجدار. 

التأثيرات البيئية لجدار الفصل العنصري

لم تسلم البيئة ولا الكائنات الحية الأخرى من تأثيرات الجدار المدمرة؛ جُرّفت آلاف الدونمات من الأراضي، وأُزيل الغطاء النباتي كاملاً في المناطق التي عبرها الجدار.
ونعلم جيداً أن جزءاً من أهمية الأشجار والنباتات يكمن في كونها ملاذاً آمناً للطيور والحيوانات والحشرات ومكاناً مثالياً لإقامة الأعشاش والأوكار، الأمر الذي أدى إلى استئصال وتقويض أماكن الغذاء والسكن للحيوانات البرية والحشرات والزواحف. كما أن الأشجار والنباتات البرية جزء مهم من التنوع الحيوي ولها دور مفصلي في الحفاظ عليه.
وليحضر في أذهاننا أن الجدار الشائك المكهرب، هو أداة قتل مباشر للحيوانات البرية التي تمر من ممرات التنقل الحيوية التي تسلكها في مواسم التزاوج والهجرة.

وقد أورد الخبير البيئي جورج كرزم في تقرير له بعنوان" جدار العزل العنصري يخرَّب تخريباً رهيباً الأنظمة البيئية في بيت لحم":" يُهدد الجدار الحياة البرية في منطقة بيت لحم تهديداً كبيراً، لأنه يشكل حاجزاً غير طبيعي يمنع استمرار الحياة البرية الطبيعية بين الريف الشرقي والريف الغربي للمحافظة.  وبالفعل، أخذت أعداد متزايدة من الحيوانات البرية تنفق في أثناء محاولتها الانتقال ما بين المناطق الريفية في منطقة الفصل، وهي المنطقة التي يسميها البعض: منطقة الموت".

فقد شكَّل جدار العزل العنصري حاجزاً فيزيائياً قطع على الحيوانات البرية مسارات تنقلها مثل الغزال البري والضباع التي أخذت تلجأ إلى المناطق المأهولة بعدما أصبحت تعجز عن اجتياز  الجدار، ما جعلها عُرضة للقتل ووضعها في دائرة التهديد بالانقراض.
عُزل 41كم2 من مساحة الغابات أي ما يقرب من 50% من مساحتها الكلية في الضفة. فتأثرت النباتات البرية وحالَ الجدار دون انتقال بذورها إلى الجانب الآخر.

كما أن 49.9% من منطقة التجمعات العشبية والشجيرية للضفة الغربية تقع في مناطق العزل. وبذلك يبدو جلياً أن الجدار العازل يهدد التنوع الحيوي والحياة البرية في فلسطين، ويضاعف من الخطر المحيط بالحيوانات النادرة والمهددة بالانقراض.
تأثَّر جريان المياه السطحية أيضاً؛ فمنع الجدار العازل سير المياه السطحية بشكل طبيعي وغيَّر منه، ودمر ينابيع وعيون ماء وسيول كانت مصادر شرب للحيوانات البرية.

وكان للخنادق المنشأة على جوانب الجدار تأثيراً كارثياً على مسار المياه السطحية، التي أصبحت تتجمع بكميات كبيرة في مواسم المطر وتجري على شكل فيضان مدمر يعزل الكائنات الحية المتواجدة في تلك المناطق عن موائلها وصغارها ومصادر غذائها، ويحرمها من الشرب، ويعرضها للغرق.

مضى 17 عاماً وأكثر على إدانة جدار العزل العنصري من محكمة لاهاي ومطالبتها للاحتلال بإزالته وتعويض الفلسطينيين عن الأضرار التي لحقت لهم، ولكن الجدار ما يزال قائماً بغيضاً مقيتاً ولم يتغير عليه شيء سوى أن وجوده يزيد البشر والشجر والحجر ضرراً، ولا ندري إلى أي هاوية سيصل بهم!

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية