عقودٌ بعد "أوسلو".. ظمأ الفلسطينيين أكبر و"إسرائيل" تنهب مياههم أكثر

15/09/2021

وطن للأنباء- زهرة خدرج

وقعَّت قيادة منظمة التحرير اتفاقية أوسلو مع قادة الاحتلال، قبل 29 عاماً. اتفاقيةٌ ثبتَّت حق الاحتلال في الوجود على حساب حقوقنا ووجودنا.

وطوال هذه الأعوام، كانت البيئة عمومًا والمياه الفلسطينية بخاصة، كبش فداء ينحره الاحتلال بجرأة على مذبحه ويُريق دماءه دون أن يطرف له جفن.

بل نراه يتمادى مع مرور الوقت أكثر فأكثر مخلِّفًا دماراً يهدد قدرتنا على البقاء، وينذر أرضنا أنها لن يكون بمقدورها الإنتاج، وكذلك لم تسلم مياهنا من الخطر، إذ بتنا نخشى ألا تروي عطشنا وعطش الأرض الجافة اللاهثة المستغيثة.
وما من أملٍ في المستقبل القريب لاستعادة حقوقنا المائية، فموازين القوى مختلَّة بشدة بين الجانبين، وليس هناك ما يمكنه أن يجبر دولة الاحتلال على تغيير موقفها والتوقف عن استنزاف المياه وتدميرها.

أجراس إنذار نقرعها بقوة، للتحذير من الاستمرار في أسلوبنا الحالي في العيش، والاستسلام لتعديات الاحتلال على بيئتنا ومياهنا، حتى لا نَفيق بعد عدة سنوات فنجد أنه لم يعد لنا ما يعيننا على العيش هنا!"

في الثالث عشر من سبتمبر/ أيلول من عام 1993 وقف ياسر عرفات ممثلاً عن منظمة التحرير يصافح إسحق رابين ممثلاً عن الكيان المحتل أمام الرئيس الأميركي بيل كلنتون الذي وقف بإيماءة جسد لا تخفى على أحد ( يفتح يديه وكأنه يضم كلا المتصافحين، في إشارة أبوية تؤكد حرصه الشديد على إتمام هذا الاتفاق حتى النهاية مهما كانت نتائجه كارثية على الفلسطينيين، ويا لها من خديعةٍ قذرة حيكت ضد أصحاب الأرض.

صفَّق الحضور بحرارة لفترة طويلة وكأنهم لا يصدقون بأن اتفاقاً كهذا سيُوافق عليه أساسًا، ويُبرم، ويكتب له أن يرى النور! 
"لإسرائيل المقامة على 77% من أراضي فلسطين التاريخية الحق التام في العيش بسلام وأمان، مقابل إقامة سلطة حكم ذاتي انتقالي فلسطيني (السلطة الفلسطينية) على أراضي الضفة وغزة والتي ستنسحب منها إسرائيل، على أن تُسوى جميع القضايا العالقة عبر المفاوضات، وتتعهد منظمة التحرير بنبذ الإرهاب والعنف ضد إسرائيل".

بتوقيعها اتفاقية أوسلو، أخرجت منظمة التحرير المناطق المحتلة سنة 1948 من دائرة الصراع والتفاوض، دون أن تعترف دولة الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني بما تبَّقى من فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة)، أو يثبت في الاتفاق ما يشير إلى الضفة والقطاع بأنهما أراض محتلة، أو يوجد أي تعهد إسرائيلي بالانسحاب منها، أو يشير إلى حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، أو إقامة دولته المستقلة ولو على جزء من فلسطين. لقد ألزمت الاتفاقية الفلسطينيين بوقف كل أشكال المقاومة المسلحة، وحصرت حلوله لجميع المشاكل الناجمة عن الاحتلال بالمفاوضات والوسائل السلمية فقط.

أثر اتفاقية أوسلو على أزمة المياه
قبل أن يولد الكيان المحتل، احتلَّت المياه موقعاً استراتيجياً في خطط وأولويات قادته، بدأها هرتزل في أعقاب مؤتمر بازل عام 1897، ثم الوكالة اليهودية عام 1919 التي عدَّت "جبل الشيخ" الأب الحقيقي للمياه في فلسطين، ثم وايزمان في رسالته لمؤتمر السلام في باريس الذي ذكر أن لا إمكانية لإقامة وطن قومي يهودي من دون مصادر مياه نهري الأردن والليطاني، ثم في مذكرة بن غوريون إلى حزب العمال البريطاني عام 1941 التي ذكر فيها أن أهم أنهار اسرائيل هي الأردن والليطاني واليرموك، كما تمسَّك الاحتلال بمنطقة الجليل الأعلى ومصادر المياه فيها في مشروع التقسيم عام 1947.

يقول د. شداد العتيلي ( مسؤول ملف مفاوضات المياه في منظمة التحرير الفلسطينية سابقًا) في مقال له في الجزيرة نت بعنوان "اتفاق أوسلو".. قفزة لم تتضح أبعادها بعد":

" يتضح من المعلومات والسجلات المتوفرة أن نسب استهلاك الفرد الفلسطيني واليهودي قبل عام 1948 من المياه للأغراض المنزلية والزراعية كانت متساوية.

غير أن الوضع تغير بعد ترسيم خط الهدنة عام 1949، إذ بدأت إسرائيل تضع العقبات للحد من تطوير الآبار والينابيع الفلسطينية، وعملت على استغلال مصادر المياه، فازدادت هوة الاستهلاك المائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين لصالح الإسرائيليين".
وفي عام 1964 بدأ الاحتلال في تجفيف بحيرة الحولة وتحويل مياه نهر الأردن إلى صحراء النقب.

وبعد أن وقعت الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال عام 1967، شرعَ المحتل يصدر جملة من الأوامر العسكرية تفرض سيطرته الكاملة على المياه الفلسطينية، ويمنعهم من حرية التصرف في مواردهم المائية بين البحر والنهر وما تحت الأرض أيضاً، متجاهلة تماماً احتياجاتهم المائية، كما ويمنعهم من صيانة شبكات المياه بين القرى والمدن ليدخلوا في دوامة تلوث المياه وفقدان كميات كبيرة منه بسبب تسربه من الشبكات المهترئة.

في عام 1978 وبعد اجتياح جنوب لبنان أسسَّ الاحتلال ما عُرف بالنطاق الأمني الذي أحكم قبضته على المصادر المغذية لنهر الأردن داخل الأراضي اللبنانية، وأصبح له الحق في منابع لا تقع ضمن نطاق الأراضي التي يحتلها.
وجاءت اتفاقية أوسلو في عام 1993 لتُثبِّت الوضع السابق الذي كان قائماً، وتؤكد على سيطرة الاحتلال على المياه وتَحكُّمه بمواردها واستخداماتها وتوزيعها، رغم اعتراف الاحتلال بحق الفلسطينيين في الماء الذي جاء في أحد نصوص الاتفاقية على النحو التالي:" تعترف إسرائيل بالحقوق المائية للفلسطينيين في الضفة الغربية، وسيتم التفاوض حول تلك الحقوق للتوصل إلى تسوية بشأنها في اتفاقية الحل النهائي"!

وبذلك، فرضت دولة الاحتلال على الجانب الفلسطيني تأجيل موضوع المياه إلى مفاوضات الحل الدائم، وفي الوقت نفسه، سارعت إلى تقليص الحصة الفلسطينية بنسبة تتجاوز 21%، بذريعة تراجع كمية الأمطار السنوية، من دون التوصل إلى اتفاقيات.
لم يُترجم الاعتراف إلى واقع عملي يُنصف الفلسطينيين ويعيد أياً من حقوقهم المسلوبة، بل أبقاهم خارج دائرة السيطرة على مياههم، فاستمر الاحتلال في فرض قيود صارمة توجب الحصول على ترخيص مسبق لكل كبيرة وصغيرة فيما يتصل بمسألة المياه من ضابط المياه لدى حكومة الاحتلال.

فبعد أن صادر الآبار القديمة، منعَ الفلسطينيين من حفر آبار جديدة إلا إن وافق على ذلك وضمن شروط مُذلة منها: أن لا يزيد عمق البئر الجديدة عن 140 متراً، وأن لا تتجاوز كمية المياه المستخرجة عن 100 متر مكعب في الساعة.
وهكذا استمر الاحتلال يستنزف المياه في وقتٍ تتذبذب فيه كميات الأمطار، الأمر الذي تسبب في عجز سنوي في الخزانات الجوفية يتراوح بين 40 و50 مليون متر مكعب في كلٍ من الضفة الغربية وقطاع غزة، ما أدى إلى معاناة يومية وتضييق على المواطن الفلسطيني وتهديد لقطاع الزراعة والثروة الحيوانية وازدياد ملوحة المياه.

يقول سهيل خليلية، مدير وحدة مراقبة الاستيطان في معهد (أريج) في القدس:" تتوزع حصة الفرد الفلسطيني ما بين 80 و90 لترًا من الماء في الضفة الغربية وقطاع غزة مقابل370 لترًا من المياه يومياً للمستوطن الواحد في مستوطنات الضفة الغربية، وفي المناطق التي لا ترتبط بشبكة مياه تنخفض حصة الفرد الفلسطيني فيها إلى كمية تتراوح بين 30 و 50 لترًا، أما في الأغوار فيتدنى معدل حصة الفرد ليصل إلى ما بين 20 و 25 لترًا فقط مقابل 420 لترًا للمستوطن.
إذن الاحتلال يُسيطر بشكلٍ مطلق ولا يتعامل مع الفلسطيني على أن لديه حق في هذه المياه، بل يعامله على أنه مستخدم يُزود بخدمة المياه.

مشكلةٌ أخرى كانت وما تزال قائمة، وهي الكمية الكبيرة لتسريب المياه وفقدانها في المناطق الفلسطينية بسبب قِدم الشبكات التي يمنع الاحتلال إصلاحها، الأمر الذي يؤدي إلى نقصان المياه الواصلة للفلسطينيين.
وفي ورقة بحثية صادرة عن معهد الدراسات البيئية والمائية التابع لجامعة بيرزيت، يقول الدكتور عصام الخطيب وآخرون: "هناك صعوبة في توصيل شبكة المياه العامة لجميع القرى والمدن، لأسباب سياسية تحول دون ذلك، إذ يمنع الاحتلال الفلسطينيين من إقامة شبكات مياه جديدة، أو حفر آبار ارتوازية، إضافة إلى التكاليف المرتفعة لإنشاء شبكات جديدة من المياه، واعتماد ذلك بشكل أساسي على الدول المانحة، وارتباطه بالاستقرار السياسي".

يُعقب سهيل خليلية قائلاً: "تعاني مناطق كثيرة في الضفة الغربية انقطاعاً متكررًا للمياه، يعود لأسبابٍ سياسية يقف الاحتلال خلفها، ففي موضوع الزراعة والرعي مثلًا، يهدف الاحتلال من قطع المياه إلى أن يضطر المزارع إلى التوقف عن زراعة أرضه وريِّها، فشراء المياه مكلف جداً يفوق طاقته، ما يدفعه إلى الرحيل عنها، ويجعل من الأرض لقمةً سائغة للمستوطنين".

بعد توقيع اتفاقية أوسلو ازداد عدد المستوطنات بشكل مطَّرد، وارتبطت قضية المياه ارتباطاً وثيقاً بالاستيطان، فلو تتبعنا الخرائط المائية، سنلاحظ أن دولة الاحتلال أسست المشاريع الاستيطانية فوق الأحواض المائية، ويُلاحظ المتتبع أن مسألة السيطرة على المياه قد بدأت من بدايات الاحتلال الأولى حين سارع لزرع مستوطناته فوق الأحواض المائية، التي أخذت تنهب مياهها بمعدلات خيالية، الأمر الذي أدى إلى جفاف الآبار والينابيع المُزودة للفلسطينيين بالماء، وفي الوقت ذاته  تُلقي المستوطنات مخلفاتها العادمة على سطح الأرض، دون أن تعبأ بما تسببه من تلوث لما فوق الأرض وما تحتها.

البديل الذي يقترحه الاحتلال للفلسطينيين عن المياه المسلوبة
"يخوض اليهود اليوم معركة المياه ضد العرب، ويتوقف مصير الكيان اليهودي في فلسطين على نتيجة هذه المعركة". بن غوريون.
في نوفمبر/تشرين الثاني 1967، أصدرت السلطات "الاسرائيلية" الأمر العسكري رقم 158، الذي نصَّ على أنه لا يُسمح للفلسطينيين بإنشاء أي تمديدات مياه جديدة دون الحصول أولاً على تصريح من "الجيش الاسرائيلي"، ومنذ ذلك الحين أصبح استخراج المياه من أي مصدر جديد، أو تطوير أي بنية تحتية جديدة للمياه يوجب الحصول على تصريح مسبق من الاحتلال!
وأعد مركز الدراسات الاستراتيجية التابع لجامعة تل أبيب، تقريراً حول "قضية المياه في إطار التسويات بين إسرائيل والعرب" وخلص إلى:" أنه لا ترتيبات أمنية من دون حل مشكلة المياه. وفي حال التوصل إلى اتفاقات سلام تتضمن انسحابات ممكنة، أوصى التقرير بأن تكون "إسرائيل" مطمئنة إلى الإشراف على مصادر المياه".

وفي عام 1990 يقول زيفي أورتنبيرز مسؤول سلطة بحيرة طبريا "إذا تفاقمت مشكلة شح المياه، وأصبح من الصعب حلها بالطرق السلمية فإنه لا يوجد خيار أمامنا غير الحرب".

أما مئير بن مئير، رئيس الوفد الإسرائيلي في اللجنة العليا المشتركة للمياه في تاريخ 27/8/1998 قال:" ليس هناك إمكانية لحصول الفلسطينيين على كمياتٍ إضافية من المياه وفق ما نصت عليه الاتفاقيات، على الجانب الفلسطيني التفكير بجدية، من الآن فصاعداً بالبحث عن مصادر مياه أخرى، مثل الاعتماد على تحلية مياه البحر أو استيراد المياه من "إسرائيل""!

وفي مقال نشرته جريدة هتسوفيه في 13 أغسطس/ آب 1999 يقول رافائيل إيتان رئيس هيئة الأركان السابق لدولة الاحتلال "إن السيطرة على موارد المياه هي من الأهمية والحيوية، بحيث لا يمكن تركها بيد الفلسطينيين".

إذن: فليشرب الاحتلال مياهنا، ولنشرب نحن مياه البحر ونسقي مزروعاتنا بالمياه العادمة المكررة أو نشتريها منهم بأثمان باهظة أو لنترك الزراعة ونرحل، ولنترك لهم أيضاً مياهنا التي تسيل في العيون والينابيع على سفوح جبالنا، وتتجمع في خزانات جوفية تحت تربتنا.. فهل هذا هو المستقبل الزاهر الذي روَّج له عرابو اتفاقية أوسلو من الفلسطينيين؟

كيف أثرت اتفاقية أوسلو سلباً على المياه الفلسطينية؟
"إن التخلي عن مياه الضفة معناه خنق اسرائيل والعودة إلى عهد آبار الجمع!" المتحدث باسم شركة ميكروت (الشركة القومية للمياه الاسرائيلية).

يقول الدكتور عبد الرحمن التميمي مدير عام جمعية الهيدرولوجيين الفلسطينيين: "أُجّل البت جذرياً في قضية المياه عند توقيع اتفاقية أوسلو إلى اتفاقيات الحل النهائي مع قضايا أخرى عالقة مثل قضية القدس، واللاجئين، والمستوطنات، والحدود، والترتيبات الأمنية، ومن دون التطرق إلى موضوع مياه الزراعة في الاتفاق.

وتبعًا للتميمي، أن الاتفاقية لم تأتِ على ذكر الحق الفلسطيني في مياه نهر الأردن، في الوقت الذي أمَّن فيه الاحتلال حق النقض "الفيتو" لأي محادثات مستقبلية حول تلك المياه وحقه في مصادرة جميع الآبار الفلسطينية".

وأضاف التميمي: "كان من المفترض أن تُنقل صلاحيات المياه للسلطة الفلسطينية في عام 1999، ولكن بقيت هذه القضايا معلقة، واتخذت قضية المياه شكلاً من الإجراءات العملية التجارية التي لا علاقة لها بالحل النهائي، ما أفقد الفلسطيني السيطرة نهائيًا على مياهه، واضطره إلى شراء الماء لتلبية احتياجاته من "شركة ميكروت" التي تنوب عن سلطات الاحتلال في تزويد المناطق الفلسطينية بالمياه".

وذكر أن حجم المياه التي تصل المناطق الفلسطينية سنويًا 120 مليون متر مكعب سواء بطريقة مباشرة أم غير مباشرة بشرائها من شركة ميكروت، في حين أن الاحتياج الفلسطيني السنوي من المياه يصل الى 450 مليون متر مكعب، بمعنى آخر أن نسبة الوصول فقط ( 40 - 45% ) فقط من الاحتياج الحقيقي.

وأضاف التميمي أيضاً: "تعودت دولة الاحتلال أن تُقلص الحصة المائية للفلسطينيين مع بداية كل صيف، وتُستخدم ورقة المياه عادة من أجل قضايا سياسية لتحقق هدفين: أولهما، تخفيف الضغط على المياه الموجودة في الضفة الغربية لاستخدامها لخدمة أغراض توسعة الاستيطان، وثانيهما، لدفع الفلسطينيين إلى شراء المياه من محطات التكرير على أسس تجارية في الداخل". 

أما الدكتور فايز أبو شمَّالة الكاتب والمحلل السياسي فقال: "جفَّ نصيب الفلسطينيين من المياه مع جفاف المرحلة الانتقالية من اتفاقية أوسلو، كان من المفترض أن يزود الكيان الصهيوني أهالي غزة والضفة الغربية بكمية مياه حددتها الاتفاقية، ومع ضآلة الكمية المخصصة لسكان غزة والصفة الغربية، والتي حددها المفاوض الاسرائيلي وفق مصالح دولته، إلا أنه لم يلتزم بما وقَّع عليه، وتناقصت الكمية المورَّدة لغزة والضفة الغربية وفق المقاصة المالية، والوفرة ( كما يدَّعي الاحتلال)".

"بعد انتهاء المرحلة الانتقالية من اتفاقية أوسلو، سنة 1999، أصبح الاحتلال في حلٍّ من الاتفاقية، وأخذ يتصرف بالمياه على هواه، دون مراقبة فلسطينية، أو متابعة، أو محاسبة، أو اعتراض، أو احتجاج، إذ يتصرف الاحتلال بكمية المياه التي يزود بها الضفة الغربية على هواه، في وقتٍ لا تصل فيه أي مياه إلى قطاع غزة".

"هناك استنزاف متعمد للمياه من قبل الاحتلال (والكلام للدكتور أبو شمالة)، إذ تصل نسبة استهلاك الفرد الإسرائيلي من المياه إلى أكثر من عشرة أضعاف استهلاك الفرد الفلسطيني، وعلى أرض الواقع الذي يتحكم بالقرار السياسي والواقع الميداني، يتحكم بكل شيء، على سبيل المثال، 77% من أرض الضفة الغربية تقع تحت سيادة الاحتلال بشكل مباشر، وفي هذه المناطق تقع خزانات المياه الجوفية التي تسيطر عليها سلطة المياه الإسرائيلية، وهي صاحبة السيادة في كيفية الاستفادة من مياهها!".

ويتابع أبو شمالة: "في غزة، الوضع يختلف، فمنذ هزيمة الاحتلال وانسحابه وإخلاء المستوطنين، أصبحت غزة صاحبة السيادة في مياهها وخزاناتها الجوفية، فبعد أن كان يمنع حفر الآبار الارتوازية، أصبح مسموحاً، وصار بمقدور صاحب أي عمارة، أو برج، أن يحفر بئراً، ويزودها بالماء، لكن ظهرت قضية مهمة أن هذه المياه لم تعد صالحة للشرب، مع أن كثيرين يستخدمونها للزراعة والتنظيف".

مشاكل المياه ليس لها حد
لم تتوقف مشاكل المياه في مناطق الضفة الغربية وغزة عند سرقة مصادر المياه واستنزافها، بل تجاوزتها إلى تلويث المياه الفلسطينية وتحويل مجاريها، فقد عمدَ إلى تلويث ما تبقى من مياهٍ صالحة للاستخدام والشرب بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، فما بين مياه عادمة غير معالجة ونفايات صلبة ( بأنواعها المختلفة من صناعية ومنزلية وغيرها) وأخرى مُشعة تقذفها المستوطنات( معظمها مستوطنات صناعية) في الأراضي الفلسطينية المفتوحة وفي الأودية مثل وادي النار ووادي كانا ووادي السلقا ووادي غزة وغيرها، لتُلحق جميعها أضراراً خطيرة بالبيئة لا تقتصر على ازدياد ملوحة التربة وانتشار الروائح الكريهة والأوبئة والحشرات والقوارض في تلك المناطق، بل تتعداها إلى انسداد مسامات التربة وتناقص إنتاجيتها، وتلاشي الغطاء النباتي على سطحها وصولاً إلى التصحر التام.

هذا بشأن سطح التربة، أما إلقاء المياه العادمة والنفايات عشوائياً في مواقع مختلفة فله تأثير كارثي على المياه الجوفية، إذ تتسرب الملوثات التي تحتويها المياه العادمة والنفايات الصلبة إلى الخزانات الجوفية فتزيد من نسبة النترات والأملاح والعناصر الثقيلة السامة من زنك ورصاص وكاديميوم وغيرها، عدا عن العناصر المشعة في المياه التي يستخدمها الفلسطينيون للشرب.

أضف إلى تلك الممارسات المستهترة، الاستخدام المفرط للمخصبات الزراعية والمبيدات الكيميائية التي تصل في نهاية المطاف إلى خزانات المياه الجوفية، وتزيد من نسبة الأملاح والنترات في مياه الخزان الجوفي بنسبة تجعلها غير صالحة للشرب مثل مياه قطاع غزة.

ولا يغيب عن أذهاننا خطورة النترات على الصحة العامة وبخاصة صحة الأطفال وحدوث ظاهرة (Methemoglobinemia) وهي تناقص كمية الأكسجين المحمول على كريات الدم الحمراء.

ختامًا:
وقَّع الطرفان اتفاقية أوسلو، لكن سياسة دولة الاحتلال المائية الجشعة لم تتغير، في حين أن أكبر جريمة نرتكبها في حق أنفسنا وحاضرنا ومستقبلنا ومستقبل وطننا وأبنائنا هي أن نبقى صامتين تجاه الاستمرار في هذه الاتفاقية.

ماذا ننتظر! لنوقف العمل باتفاقية أوسلو التي أثبتت فشلها في إيقاف نهب الموارد المائية الفلسطينية وتلويثها، في الوقت الذي ظننا حقاً أننا امتلكنا دولة، فإذ بها مبتورة شوهاء خيالية، قسمتنا وشتَّتت أرجاء وطننا، فحاصرت جزءاً منهم في قطاع ضيق فقير لا يستوفي الشروط الأساسية الضرورية للعيش، وعمدت إلى قمع وتركيع الجزء الثاني، وتناست أننا وطن لا يزال محتلاً، وأن العدو الحقيقي هو الذي يحتل أرضنا ويستنزف خيراته وطاقات أبنائه.

منذ توقيع قيادة منظمة التحرير اتفاقية أوسلو مع قادة الاحتلال، قبل 29 عاماً، كانت البيئة عمومًا والمياه الفلسطينية بخاصة، كبش فداءٍ ينحره الاحتلال بجرأة على مذبحه ويُريق دماءه دون أن يطرف له جفن.

بل نراه يتمادى مع مرور الوقت أكثر فأكثر مخلِّفًا دماراً يهدد قدرتنا على البقاء، وينذر أرضنا أنها لن يكون بمقدورها الإنتاج، وكذلك لم تسلم مياهنا من الخطر، إذ بتنا نخشى ألا تروي عطشنا وعطش الأرض الجافة اللاهثة المستغيثة.
وما من أملٍ في المستقبل القريب لاستعادة حقوقنا المائية، فموازين القوى مختلَّة بشدة بين الجانبين، وليس هناك ما يمكنه أن يجبر دولة الاحتلال على تغيير موقفها والتوقف عن استنزاف المياه وتدميرها.

أجراس إنذار نقرعها بقوة، للتحذير من الاستمرار في أسلوبنا الحالي في العيش، والاستسلام لتعديات الاحتلال على بيئتنا ومياهنا، حتى لا نَفيق بعد عدة سنوات فنجد أنه لم يعد لنا ما يعيننا على العيش هنا!".

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية