الزعتر "ذهب فلسطين الأخضر" أهميته أكبر مما نعرف

14/09/2021

وطن للأنباء: ريم بركات

يحظى الزعتر بأهمية رمزية وثقافية عند الشعب الفلسطيني، إلى درجة أن يسميه "الذهب الأخضر".
ولا يخلو بيت فلسطيني من الزيت والزعتر، كونهما من أساسيات الطعام التراثي، حتى المغترب يشتمَّ فيه رائحة الأرض والأمهات.
في فترة دراستي بالخارج كنت أحرص دوماً على تأمين كمية وافرة من الزعتر لتكفيني طيلة فترة إقامتي، ولطالما ذكرَّني بشطيرة الزعتر التي كانت تدسها أمي في حقائبنا قبل ذهابنا إلى المدرسة، وخاصة في أيام الامتحانات كانت تردد على مسامعنا أن الزعتر يقوي الذاكرة.

لماذا هذا التعلق العجيب بالزعتر في فلسطين وغيرها من دول البحر الأبيض المتوسط؟ في هذه المقالة دعونا نتعرف على وجوه جديدة للزعتر، على صعيد أهميته الصحية والعلاجية والوطنية.

الزعتر الأصلي هو الزعتر البري الذي ينمو في دول البحر الأبيض المتوسط، الغربية بالتحديد، حيث ينبت في معظم الأحيان بين شقوق الصخور حول تلال البحر الجافة القريبة من الشاطىء.
يُزرع الزعتر الآن في أغلب أنحاء العالم من خلال بذوره أو جذوره التي تُزرع في الربيع، ومن ثم تُحصد أوراقه في فصل الصيف.
ومن الصعب جداً المرور بجانب الزعتر من دون أن تأسرك رائحته النفاذة بفضل زيوته التي تميزه، كغيره من نباتات البحر الأبيض المتوسط.
ويفضل الزعتر البيئة الجافة، لذا يجب الأخذ في الاعتبار عدم ريه بشكل مبالغ فيه لئلا تتعفن جذوره، فالأفضل تعطيشه وبذلك زيوته ستُجمّع وتخزَّن في الأوراق.
أهمية الزعتر التي يعرفها أغلب الناس، تكمن في تأثيره السحري على الجهاز التنفسي ودعمه له، إلا أن تلك الفائدة ليست الوحيدة، إنه يساهم بشكلٍ عظيم في دعم وشفاء العديد من أعضاء الجسم، وهذا ما سنوضحه في السطور التالية.

مكونات الزعتر ونشاطاته العلاجية المختلفة
يتكون الزعتر من زيوت متطايرة (ثيمول، تيربينين، وكارفاكرول)، إضافة إلى الفلافونويد وحمض الفينول.
وزيت الزعتر هو مطّهر قوي ومضاد للبلغم وطارد للحشرات، والثيمول على وجه التحديد مضاد للفطريات.
وبشكلٍ عام الزعتر له استعمالات كثيرة، فهو مريح للتشنجات العضلية ومضاد للأكسدة.
كما أنه منشّط فعال، وقد أفاد بذلك بحث أُجري في إسكتلندا في تسعينيات القرن الماضي، ذلك أن الزعتر وبالأخص الزيوت المكونة له تدعم وظائف الجسم الطبيعية، وتخفف من آثار الشيخوخة.

ويعمل الزعتر أيضاً مضادًا للأكسدة، إذ يساعد في الحفاظ على مستويات عالية من الأحماض الدهنية الضرورية في الدماغ.
ليس هذا فحسب، الزعتر أيضاً يفيد في حالات قرحة المعدة، فمستخلص الزعتر يُعد مضاد بكتيري تجاه أحد أنواع البكتيريا المرتبطة بقرحة المعدة وهي H. pylori، كما يعمل أيضاً على تخفيف آلام الدورة الشهرية عند النساء.
وتقليدياً، اعتمدوا على الزعتر محفزًا ومنشطًا للجهاز المناعي، وبالتحديد في حالات المرض المزمن، سواء الفطريات أم الالتهابات المُعدية أم تلك المرتبطة بالجهاز التنفسي.

كان يُنصح بوصفة الزعتر مصاحبة للعديد من الأعشاب في حالات الأزمة وحمى الكلأ أو القش (hay fever) وبخاصة لدى الأطفال، فخصائصه التنشيطية كانت تعادل الآثار المهدئة للأعشاب الأخرى المستخدمة في معالجة الأزمة.
ولجأ المصريون القدماء إلى الزعتر في عملية التحنيط، كما أن له استخدامات خارجية، فهو يُخفف من آثار القرص وآلام "عرق النسا" والروماتيزم، ويعالج العديد من الالتهابات الفطرية، إضافة إلى حالات الجرب والقمل.
ويُوصى بشراب الزعتر أو زيته المُخفف لتشجيع بُصيلة الشعر على النمو وعلاج حالات تساقط الشعر بفركه على فروة الرأس.

الأجزاء المستخدمة من الزعتر والتحضيرات العلاجية
يتكون نبات الزعتر من أجزاء هوائية تُحصد في فصل الصيف، وتحتوي على زيت مطهر، أوراقها لها رائحة مميزة وطعم مر وبالإمكان تجفيفها أو استخدامها خضراء كما هي.

ويمكن إعداد عدة مستحضرات من الزعتر، مثلًا يُصنع من مستخلص الزعتر شرابٌ مخلوط أو مخفف بماء يُشرب دواءً لعلاج نزلات البرد بمقدار نص كأس أو ما يعادل 100 مل ثلاث مرات في اليوم.
والزيت المُرّكز منه يُستخدم في علاج حالات حب الشباب، إذ يُخلط مع 5% من المياه ومن ثم تُمسح المنطقة المصابة، ويمكن تحضير صبغة من الزعتر.

وأود لفت الانتباه إلى أن الزيت المستخلص من الزعتر لا يجب تناوله داخلياً بتاتاً، ويمنع استخدامه حتى خارجياً في حالات الحمل.

الزعتر وسيلة للتنغيص
كما أسلفنا، هو جزء أصيل من الهوية الفلسطينية، ولم يدخر الاحتلال الإسرائيلي وسعًا في سبيل أن يضغط به على الفلسطيني، حاله كحال العديد من أنواع الطعام الأخرى مثل العكوب والكزبرة.
"كيف اتخذ المحتل من الزعتر وسيلة للتنغيص على الفلسطينيين؟"... الباحث ربيع إغبارية لديه إجابة بشأن ما فعله الاحتلال ليحرَّم قطف الزعتر، بل ويعدَّه جرمًا ومُخالفة للقانون.

ففي عام 1976، وقعت مجزرة "تل الزعتر" في بيروت، وهي واحدة من أطول المجازر في تاريخ الحرب الأهلية في لبنان، واستمرت لمدة 52 يوماً وخسر حينها سكان المخيم الكثير من الضحايا.

وبعد عام واحد من هذه المجزرة، ولقوة ارتباط الزعتر بالهوية الفلسطينية، منعت "إسرائيل" قطف الزعتر البلدي والبري، وتم هذا المنع بالقانون على يد "أرئيل شارون" الذي كان وزيراً للزراعة في ذلك الوقت، وفي إثره صُنف الزعتر "نباتًا محميًا"، وكان مسوغهم لهذا القرار أن قطفه مضر للبيئة.
الفلسطينيون كانوا يعتمدون تمامًا على الزعتر البري، في حين أن زراعته لم تكن شائعة آنذاك، وبعد فترة سوَّق ضابط الزراعة السابق "زئيف بن حيروت" وابنه "يورام بن حيروت" الزعتر، ولاحقاً صرح الأخير في مقابلة تلفزيونية أن "الزعتر الإسرائيلي فخر قومي، ويجب أن يرتبط أمام العالم جميعاً بــ "اسرائيل".

وكغيره من الأطعمة الشعبية الفلسطينية، حاول الإسرائيليون نسبه إلى دولتهم المغتصبة، في الوقت الذي حرموا الفلسطينيين من قطفه، بعد أن كانت موائدهم عامرة به على مر السنين.
وعلاوة على ما سبق، جرَّم الاحتلال كل من كان يقطف الزعتر، فما بين العامين 2004 و2016 سُجلت 40 قضية أحيل فيها العديد من الفلسطينيين إلى المحاكم الإسرائيلية بتهمة قطفه.

وانضم العكوب لهذه اللائحة فيما بعد، كما جرَّم قطف الميرمية أيضاً في العديد من الأحيان.
وكعادته، يحاول الظهور في صورة "الحامي للطبيعة"، ولكن ما تلبث أهدافه الحقيقية أن تتكشَّف للجميع، بقليل من التدقيق ومحاولة اكتشاف السبب من وراء هذه السياسات والقوانين العنصرية التي يُجرَّم فيها الفلسطيني وحده، بينما لا يحدث أي شيء للإسرائيلي الذي يقطف الزعتر أو شقائق النعمان أو غيرها من النباتات التي تندرج تحت مسمى "نباتات محمية".

الزعتر في المطبخ الفلسطيني
من الأكلات الشعبية التي يستخدم فيها الزعتر "الزيت والزعتر" ويضاف إليهما زيتون أخضر وملح.
كما تُحضَّر منه المناقيش، إذ يضاف الزيت إلى العجين لمنحه طراوة، ومن ثم يُضاف الزعتر المطحون والمخلوط بالزيت على وجه العجين ومن ثم خبزه.

أما المعجنات أو أقراص الزعتر التي تشتهر الأمهات الفلسطينيات بخبزها فلا يمكن إلا نتذكرها ببيت الشعر هذا: "أحب الزيت والزيتون والزعتر ولكني أحب موطني أكثر".
إذن للزعتر مكانة أثيرة في قلوب الفلسطينيين، ومن دونه المائدة حتمًا ناقصة، لا سيما مائدة الفطور التي لا تكتمل إلا بصحنيّ الزيت والزعتر، وقد كان الزعتر جديراُ باكتساب هذه المكانة، لما له من فوائد صحية وعلاجية جمة تُغني عن الأدوية الكيميائية المضرة بأجسامنا.

نحن الفلسطينيون، نعاني الأمرَّين في كل ما له صلة بأرضنا وخيراتها، وهذا أدعى لأن نتعرف أكثر على نباتاتنا الأصلية وخصائصها، وإعادة زراعتها مراراً وتكراراً والحديث عنها، وعن فوائدها أمام الجميع حتى لا نسمح للمحتل أن ينال مراده بطمس هويتنا الثقافية.

للزعتر أهمية رمزية وثقافية عند الشعب الفلسطيني، خاصة عند المغتربين، فهو يحمل لهم رائحة الأرض والأمهات. وفي فترة دراسة الكاتبة بالخارج كانت تحرص دوماً على أن يتوفر بحوزتها كمية من الزعتر تكفيها طيلة إقامتها، لأنه ببساطة يذكرَّها بساندويش الزعتر الذي كانت تحضرَّه والدتها لها قبل الذهاب إلى المدرسة، وخاصة في أيام الامتحانات تخبرها باهتمام "الزعتر يقوي الذاكرة".
لماذا هذا التعلَّق العجيب بالزعتر في فلسطين وغيرها من دول البحر الأبيض المتوسط؟ ولمَ حرَّم الاحتلال الإسرائيلي قطف الزعتر، وجعل منه جُرمًا ومُخَالفة للقانون؟ 
هذه المقالة تعرَّفنا على الزعتر بشكل معمق، وتكشف لنا أهميته الوطنية والصحية والعلاجية.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية