خالد بطراوي يكتب لوطن: احتلال دون مكياج

13/09/2021

وطن للأنباء: مسألتان مهمتان في الضمير الفلسطيني بالاضافة الى كافة المسائل المصيرية الاخرى، الأولى تتمثل في جثامين الشهداء المحتجزة في الثلاجات و/أو في مقابر الأرقام. والثانية تتعلق بالمعتقلين.

كيان الاحتلال يدرك تمام الادراك ان هاتين المسألتين من الاوراق الضاغطة ليس فقط على القيادة الفلسطينية، بل وعلى الشعب الفلسطيني برمته لحساسيتها فهي تتعلق بالانسان.
أمام ذلك، ما الذي يفترض على الفلسطينيين أن يفعلوه سعيا لتحرير كافة المعتقلين من ناحية وسعيا لاستعادة جثامين الشهداء؟
نحن هنا لا نتحدث عن الخيار العسكري المقاوم، فله من ينفذه ويسعى له وهو جانب يشكل الصمت افضل إسناد له، فلا داعي للثرثرة و "التفصيعات" على وسائل التواصل الاجتماعي.
نحن نتحدث عن الدبلوماسية الفلسطينية (الرسمية والشعبية) التي يفترض بها ان تستنهض كافة الوسائل الممكنة أولا لنشر المعلومات الموثقة حول الجثامين المحتجزة، وحول المعتقلين، وثانيا لتوظيف القانون الدولي والقانون الدولي الانساني والمحافل الدولية لخدمة هاتين القضيتين.
لا تكفي أيها الأحبة التصريحات النارية هنا وهناك، ولا التأكيدات الرسمية وغير الرسمية التي تفيد ان قضية الجثامين المحتجزة والمعتقلين على سلم الأولويات والقول أنه لن يكون هناك اي انفراج أو تحريك لمسار "العملية السلمية" الا باستعادة الجثامين واطلاق سراح المعتقلين.
ينبغي التركيز على أن الجثامين المحتجزة والمعتقلين هم من الناحية القانونية أشخاصا يقعون تحت حماية اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب، أي انهم من المدنيين وليس العسكريين، وهنا لا بد من استبدال مصطلح " أسير" الذي يدلل على أنه " أسير حرب" (Prisoner of War) الى " معتقل" (Detainee) لأنه يتبادر الى ذهن العالم برمته ن المعتقلين الفلسطينيين هم أسرى حرب كما لو أنه تم أسرهم أثناء معارك وكما ولو أن هناك حربا دائرة طاحنة ( وليس عدوانا من قبل الاحتلال)، وليس أيضا أن المواطنين الفلسطينيين رازحين تحت نير الاحتلال ومن حقهم مقاومته وفقا للقانون الدولي. وينبغي التركيز أيضا ان الجثامين المحتجزة هي ليست لعسكريين بل مدنيين فلسطينيين قتلتهم قوات الاحتلال بدم بارد وبتصفية جسدية تشكل اعداما ميدانيا فوريا.
ثانيا، يجب أن تنشط الدبلوماسية الفلسطينية في التعاون مع المؤسسات العالمية والعربية والفلسطينية التي تعنى بالقانون وحقوق الانسان لتنسيق الجهود في المحافل الدولية من خلال التركيز على قضايا الجثامين المحتجزة والمعتقلين بالاطار الشامل العريض والاطار الضيق المتخصص، كأن يتم الحديث مثلا عن الاعتقال الاداري الذي حسب الاوامر العسكرية الاسرائيلية نفسها هو اعتقال الشخص دونما تهمة أو محاكمة وهو مستند الى أنظمة الدفاع " الطوارىء" البريطانية تلك الانظمة التي ألغتها بريطانيا نفسها عشية جلاء الانتداب ولم تستخدمها الحكومة الاردنية فترة توليها مقاليد الحكم في الضفة الغربية ولا الحكومة المصرية فيما يتعلق بقطاع غزة، وأن سلطات الاحتلال قامت باحياء الاعتقال الاداري عشية احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967.
ثالثا، ثمة حاجة الى ان نعيد الامور الى نصابها الصحيح، فيما يتعلق بتوصيف حالة الاراضي المحتلة بوصفها كذلك، وليس بوصفها أراضي تديرها السلطة الوطنية الفلسطينية التي هي بنفسها تخضع للاحتلال جراء تنصله من الاتفاقيات التي وقعها من القيادة الفلسطينية.
لم تتغير سياسات الاحتلال مطلقا، إستمر التوسع الاستعماري، استمرت عملية السيطرة على الأرض والماء والمقدرات والحدود، والتحكم بالاقتصاد حتى ادخال الاموال، استمرت عمليات هدم وتدمير الممتلكات تحت مختلف الذرائع، إستمر الاعتقال الاداري والاقامة الجبرية،استمرت كافة الإعمال العدائية التي تنفذها دولة الاحتلال، ذلك كله يستدعي تعرية الاحتلال وبالحقائق الدامغة كي تنتبه شعوب العالم أكثر فأكثر أن الاحتلال الاسرائيلي ما زال جاثما ولم ينته بـ " اتفاقيات اوسلو".
وأصارحكم ايها الاحبة، أن ذلك كله لن يتأتى اذا ما استمرت حالة الترهل لدى الكوادر الفلسطينية الرسمية والشعبية وخصوصا البعثات الدبلوماسية الفلسطينية التي تردد خطابات وعبارات وبروتوكلات عفى عليها الدهر، بحاجة الى دورات مكثفة متخصصة وبحاجة الى ماكنة اعلامية ضليعة تمتاز بالمهنية العالية.
حالة الاستنهاض هذه تحتاج الى ارادة سياسية رسمية وفصائلية فلسطينية وشعبية، علنا نعيد الحقيقة بخصوص جوهر الاحتلال وممارساته الى سياقها الحقيقي من دون "مكياج".