البطالة تقتل أحلامهم.. 500 ألف خريج في 10 سنوات بلا عمل

07/09/2021

وطن للأنباء- عبد الباسط خلف

تخرجت علا إبراهيم، قبل عشر سنوات، بتخصص المحاسبة، وكانت متفائلة وقتها أن الأبواب ستُفتح لها على مصراعيها، لكنها لم تجد عملًا، وتخلت عن أحلامها بقبول وظيفة مؤقتة راتبها متواضع، ثم عادت إلى سيرتها الأولى.

تنهيدة صحبت كلامها عندما قالت: "خياران أحلاهما مر، إما البقاء في المنزل بلا عمل، أو القبول باستغلال المُشغلّين في مشاريع مؤقتة بعيدة عن تخصصاتنا، مقابل الحصول على أجر لا يكفي المواصلات ووجبة طعام وهندام لائق".
في المركب الغارق، أماني كسابقتها، عاشت نفس المعاناة بعد تخرجها من تخصص الفيزياء، وقدمت حتى يومنا هذا، 12 امتحانًا للتوظيف في التربية والتعليم، دون أن تحظى بفرصة.

حال الفتاتين ينطبق على آلاف الخريجين الذين ينتظرون المجهول، ويتعلقون بقشة علّها تنقذهم مما هم فيه.
يتابع مراسل "آفاق البيئة والتنمية" ملف بطالة الخريجين بالتزامن مع إعلان نتائج الثانوية العامة، التي تعني ضمنًا زيادة عدد الذين لا يجدون عملًا في قائمة تطول أكثر.

40 ألف خريج سنويًا إلى المجهول
يقول د. معمر شتيوي، رئيس الهيئة الوطنية للاعتماد والجودة والنوعية في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، إن الجامعات الفلسطينية تُخرّج سنويًا ما يقارب 40 ألف طالب، فيما يستوعب المُشغلّون على المستويات الحكومية والأهلية والخاصة عددًا يتراوح بين 8 و 9 آلاف خريج، ما يعني أن سوق العمل غير قادر على استيعاب الفائض.
كما أن أسواق العمل في الخارج تعاني أزمة اقتصادية خانقة، خاصة بعد حلول الجائحة.

وأوضح د. شتيوي أن التوجه الراهن نحو ريادة الأعمال، إذ ينطلق الخريج لتأسيس مشروعه الخاص، ويوفر فرص عمل لأقرانه، وهذا التوجه تدعمه الوزارة، عبر قوانين وأنظمة وتعليمات وسياسات خاصة.

وعن دور الوزارة في هذا الجانب، يتحدث مسهبًا: "بدأنا بتنفيذ أنشطة وبرامج وخطط مُمولة؛ لتدريب مشرفين في الكليات والجامعات، وبناء القدرات للمحاضرين حتى يكسبوا الطلبة الخبرات الريادية والقيادية التي تؤهلهم لخوض غمار ريادة الأعمال، وقد دربنا أساتذة الكليات المجتمعية علىISO 2021 المرتبط بصقل مهارات قيادية تساعد في تنفيذ المشروع الخاص".
وبحسب شتيوي فإن "التعليم العالي والبحث العلمي" وقعت شراكات واتفاقات مع مؤسسات مثل صندوق التشغيل، ومنظمة العمل الدولية، ووزارة العمل، ووكالة التنمية الألمانية، لتوفير فرصٍ لتمويل مشاريع صغيرة وكبيرة للطلبة.

مضيفًا: "بدأ 400 منهم بتلقي التدريب لدى صندوق التشغيل، على أن يلتحق نصفهم بوظيفة بعد فترة تدريبٍ مدفوعة".
وأكد أن المحاولات لا تتوقف "لسد الفجوة بين حاجة السوق من الخريجين، وبين أعدادهم المتزايدة"، كما أن الترويج للتعليم المهني والتقني لم يعد مجرد شعارات أو مقتصرًا على برنامج دبلوم، بل أصبح مرتبطًا بـخطوات عملية، ودرجات علمية، بعد إنشاء الحكومة "الهيئة الوطنية للتعليم والتدريب التقني والمهني"، التي كانت أداتها الرئيسة جامعة فلسطين التقنية (خضوري)، بعد تمويل مكَّنها من البدء؛ لتلبية حاجة الطلبة، بهدف التخفيف من البطالة، والقفز عن إشكالية تراجع جودة مخرجات التعليم العالي.

220 برنامجًا جديدًا وإغلاق 161
يواصل "رئيس الهيئة الوطنية للاعتماد والجودة والنوعية في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي" حديثه، مؤكدًا أن الوزارة اعتمدت 220 برنامجًا جديدًا، وأغلقت 161 برنامجًا قديمًا، وحوَّلت البرامج التقليدية النمطية إلى رقمية، وعلى رأسها الإعلام الذي يشهد وتيرة متسارعة في التغيير، بحيث تحاكي البرامج الجديدة المتغيرات العالمية، وتمكن الطلبة من الانخراط فيها.
ووفق رأي شتيوي، أن البرامج الجديدة تتقيد بحاجة السوق، كما أنها قابلة للمراجعة وليست ثابتة، كونها تستجيب للتطورات المستقبلية".

وأشار إلى توفر "أجندات وطنية عديدة لخلق فرص عمل محلية"، كالعناقيد الزراعية والاقتصادية والتكنولوجية، التي يراها قادرة على خلق فرص مهمة إذا ما استقرت الأوضاع السياسية، معقبًا "قد تكون بحاجة إلى المزيد من الخريجين، ويمكن أن تستقطب الأسواق الخارجية".

وكشف شتيوي عن طلب النرويج توظيف عدد كبير من الممرضين، واهتمام دول كثيرة في الاتحاد الأوروبي بتشغيل ممرضين وأطباء وأخصائي علاج وظيفي، خاصة بعد تفشي فيروس كورونا، والأولوية لمن يمتلكون المهارات ويتقنون لغة أجنبية".
ويقول في السياق نفسه: "في حال تنفيذ هذا التوجه، سيصبحون مصدر دخل لذويهم، وحينها سيتسنى لنا تكرار تجربة السبعينيات والثمانينيات عندما التحق الفلسطينيون بسوق العمل في دول الخليج والولايات المتحدة، ما ألقى بـأثره على تحسين الأوضاع الاقتصادية المحلية، وانتعاش المشاريع.
ونصح خريجي الثانوية العامة بقوله "انتقوا تخصصاتكم تبعًا لميولكم واهتماماتكم، وقدراتكم العلمية، وتفحصوا حاجة سوق العمل".

ثلاثة أرباعهم سنويًا بلا وظائف

بدوره، أكد د. نصر عبد الكريم، الخبير وأستاذ العلوم المالية والاقتصادية، أن الاقتصاد الفلسطيني لم يستطع في السنوات العشرة الأخيرة توفير فرص كافية لاستيعاب خريجي الجامعات، وكان الأمر يسير بمعدل نمو بطيء جدًا (2% بالمتوسط)، وباستثمارات خارجية متدنية، ومعظمها في قطاعات عقارية موسمية، مع تراجع الإنفاق الحكومي، الذي كان يوفر منذ تأسيس السلطة وحتى عام 2005 فرصًا كثيرة.

وأضاف د.عبد الكريم: "الاقتصاد مر بأزمة المقاصة الحادة في عام 2019، ثم بالجائحة، بعدها عادت أزمة المقاصة والجائحة معًا، ما أدى إلى تراكم أعداد خريجي الجامعات، الذين عجز الاقتصاد الراهن عن استيعابهم.

وبحسب تقديرات عبد الكريم، يتخرج سنويًا من الجامعات نحو 40 ألف من تخصصاتٍ مختلفة، وعلى مدار 10 سنوات قُدرّ عددهم الإجمالي نحو 500 ألف، فيما هناك شبان يلتحقون بسوق العمل من دون المرور بالتعليم الجامعي.
ولفت إلى أنه في أحسن الأحوال يتم استيعاب 15% من الخريجين، إذ يستوعب القطاع العام 10%، والمؤسسات الدولية 5%، أما البقية فحدث ولا حرج، إذ يضطرون لخيارات صعبة، موضحًا: "فئة الشباب بين 18 و 25 عامًا، مجبرون عندئذ على العمل داخل دولة الاحتلال، أو البحث عن فرصة عمل خارج البلاد، أو أن يجلسوا في بيوتهم يشكون ضيق ذات اليد".

وفي سؤاله عما إذا كان هناك من حل جذري لمشكلة البطالة التي هي في أساسها عالمية، قال: "يمكن كسر هذا المنحنى عبر تمويل برامج التشغيل الطارئ أو الدائم، وهو ما يتولاه القطاع العام أو بالشراكة بين العام والخاص، ما يعطي ثقة للخريجين بأنفسهم، ويكسبهم مهارات، حتى لو كانت المدة لا تتجاوز ستة شهور".

إلا أن ثمة حل آخر، كما يقول، وهو تشجيعهم لتوفير فرصة عمل ذاتية عبر مشاريع صغيرة ريادية، ودعمهم فنيًا وقانونيًا، و "تحفير الاقتصاد على النمو" لضمان الطلب على الخريجين.
وذكر أن الطلب على العمالة متدنٍ؛ لغياب الاستثمارات والنمو الاقتصادي، ولأن مشكلة التوظيف متفاقمة في القطاعين العام والخاص.

وأبدى أسفه إزاء عجز السلطة نحو التوجه للإنفاق الاستثماري، وفي المقابل القطاع الخاص مثقل من تبعات الجائحة.
ويضيف: "بوسعنا إعادة البطالة إلى ما كانت عليه، قبل عام 2000 وحينها لم تكن تتجاوز 9%. المشكلة الحقيقية  في قطاع غزة، إذ تبلغ نسبة البطالة ما لا يقل عن 50% بسبب المشاكل السياسية، في حين تبلغ في الضفة الغربية 17% وقابلة للحل، لا سيما أن الكثيرين يعملون في الداخل المحتل، بينما لو عادوا إلى السوق الفلسطيني، سيرتفع معدل البطالة نحو 25%".

وقدَّر عبد الكريم تكلفة التعليم الجامعي السنوية للطالب الواحد 3500 دينار بالمتوسط، موزعة ما بين أقساط ورسوم ومواصلات ومصاريف وكتب، والكلفة تتوقف على الجامعة والتخصص، "لكن في العموم، يحتاج الطالب في سنوات دراسته نحو 15 ألف دينار، وعادة الأهل يدفعون 80% من المبلغ" تبعًا لحديثه.
ويشرح قصده من هذه النقطة "ننفق في كل دورة جامعية - 4 سنوات-  750 مليون دينار سنويًا، إلا أن العائد غير مجزٍ، وبما أن الخريجين يتقاضون رواتب قليلة".

8% فقط تعليم تقني ومهني
يقول المتحدث باسم وزارة العمل رامي مهداوي لـــ "آفاق البيئة والتنمية" إن نسبة البطالة في فلسطين عالية (في الضفة 16% وفي غزة 50%)، لغياب الاستثمارات المحلية والأجنبية، والتغيرات التي طرأت على سوق العمل بعد الجائحة.
ويضع مهداوي يده على الجرح، متمثلًا في السبب الأهم للبطالة: "عدم اختيار التخصص المناسب وبما يلبي احتياجات سوق العمل".
وأشار إلى أن نسبة البطالة بين حملة البكالوريوس والماجستير تقدّر بــــ 54
، خاصة في العلوم التربوية والاجتماعية والإنسانية وبعض التخصصات الهندسية.

وأبدى استياءه من الإقبال الضعيف نحو التعليم التقني والمهني، إذ لا تزيد النسبة عن 8% من الطلبة، مقابل 92% يتوجهون نحو البرامج الأكاديمية.

والمفارقة، بحسب مهداوي، أن نسبة العاملين من خريجي البرامج المهنية أعلى بكثير من أقرانهم في البرامج الأكاديمية.
داعيًا خريجي "الثانوية العامة" إلى التوجه نحو التخصصات المهنية والتقنية؛ بسبب الحاجة الماسة إليها، وتزايد الطلب عليها، بعيدًا عن التفكير النمطي الذي يفضّل التخصصات الأكاديمية.

ومن جهة أخرى دعت الوزارة إلى البدء في التسجيل الإلكتروني الخاص بدبلوم التأهيل المهني، الذي يضم اختصاصات حيوية، مثل ميكانيكي، ومايكرونيكس مركبات خفيفة، وأعمال الألمنيوم، والتبريد والتكييف، وكهرومانيكس، وصيانة أدوات ومركبات زراعية، وتكنولوجيا التصوير، وأجهزة إنذار، ودهان السيارات، ومندوب مبيعات وتسويق إلكتروني، إضافة إلى تخصص التمديدات الكهربائية الذي سيطلق لاحقًا.

وبدوره يعبر مهداوي عن ارتياحه إزاء بعض الخطوات التي اتُخذت في هذا الصدد لدعم التوجهات المهنية ومنها: "جامعة نابلس للتعليم التقني والمهني، التي وضع رئيس الوزراء حجر الأساس لها، كما أن توحيد المؤسسات العاملة في التعليم والتدريب المهني والتقني بتأسيس "الهيئة الوطنية للتعليم والتدريب المهني" كان أمرًا مهمًا، ناهيك عن تنظيم برامج لرفع نسبة متلقي الخدمات".

سوق مُشبع بالخريجين
أُعلنت نتائج الثانوية العامة في أغسطس/ آب الماضي، وبدا حينها د. محمد أبو شربة، مساعد عميد كلية العلوم المالية والإدارية في الجامعة العربية الأميركية، قلقًا من أن تتجه الأعداد الكبيرة من أصحاب المعدلات المرتفعة، وخاصة أوائل "التوجيهي" لدراسة الطب؛ وذلك أملًا في الحصول على منحة.

ويرى د.أبو شربة أن "احتياجات السوق من الخريجين أُشبعت"، معربًا عن أسفه لغياب الإحصاءات التي تحدد احتياجات السوق من الخريجين بشكل علمي لكل عام دراسي بناءً على المتغيرات الجارية، كونها تلعب دورًا في تحديد أعداد الوظائف التي من الممكن أن تكون مطلوبة أكثر من غيرها.

وأردف قائلًا "يتقدم 40 ألف خريج لثمانية آلاف وظيفة فقط! إذن ألا يجدر بنا أن نبحث عن مخارج لتجاوز هذه المشاكل المرتبطة ببعضها البعض: فرص العمل الشحيحة، وعدد الخريجين الهائل، واختيارات الأهل لتخصصات الأبناء دون دراسة مسبقة".
ويعطي لمحة للمشهد الاقتصادي الذي تعيشه الغالبية، فمستوى الحد الأدنى للرواتب ارتفع إلى نحو 1500 شيقل، ومتوسط دخل العائلة 2400 شيقل، وأكثر من 60% يعيشون ظروفًا صعبة، ولا يكفيهم دخلهم الشهري، هم مثقلون بالقروض، ومن المنطقي أن يتراجع معدل الادخار من أجل تعليم أبنائهم.

واستطرد في حديثه: "الوظيفة بالنسبة للجميع نافذة أمل، يتطلعون بواسطتها إلى حياة كريمة يوفرها عمل مستقر وراتبه ثابت، ما يلقي على عاتق الجامعات مسؤولية استحداث برامج متخصصة وجديدة، حتى لا تخيب آمال الناس".
ووصف أبو شربة الاستثمار في التعليم الجامعي بـ "طويل الأمد" الذي ينخفض أو ينعدم مردوده المستقبلي، فيختصر بعض الخريجين الطريق على أنفسهم بعد إنهائهم سنوات الدراسة، بالعمل في الداخل المحتل؛ نظرًا لشح الفرص، أو لأن الوظيفة الواحدة يمكن أن يتنافس عليها ألف خريج، لقاء رواتب متدنية يدفعها الاستغلاليون من أرباب العمل.

ورأى بأن جزءًا من الحل يتلخص في "تغيير الاعتقاد الراسخ بشأن ما يصفه بعضٌ بــ "دونية التعليم المهني والتقني"، بينما ينجرف الأكثرية نحو التعليم العالي، ظنًا منهم أنه أضمن وسيلة لاقتحام سوق العمل المكتظ بالخريجين" بحسب قوله.
ويختم حديثه بحقيقة مشجعة: "يحظى المهني أحيانًا بفرصة أفضل ودخل أعلى من العاملين بشهاداتهم الجامعية؛ فحاجة السوق هي المعيار الذي يحدد أي الفريقين يكسب".

الجامعات الفلسطينية تُخرّج سنويًا ما يقارب 40 ألف طالب، فيما يستوعب المُشغلّون، على المستويات الحكومية والأهلية والخاصة، عددًا يتراوح بين 8 و 9 آلاف خريج، ما يعني أن سوق العمل غير قادر على استيعاب الفائض.
هنالك فجوة كبيرة بين حاجة السوق من الخريجين، وبين أعدادهم المتزايدة؛ لذا فإن الترويج للتعليم المهني والتقني لم يعد مجرد شعارات أو يقتصر على برنامج دبلوم، بل أصبح مرتبطًا بـخطوات عملية، ودرجات علمية، تعبر عن حاجة الطلبة، وتخفف من حدة البطالة، وتراجع جودة مخرجات التعليم العالي.

ويبدو أن السبب الأهم للبطالة هو عدم اختيار التخصص المناسب، وبما يتوافق مع احتياجات سوق العمل. 
والمفارقة أن نسبة الانخراط في سوق العمل من خريجي البرامج المهنية أعلى بكثير من نسبة خريجي البرامج الأكاديمية، وبالتالي يُفترض تحفيز التوجه نحو التخصصات المهنية والتقنية؛ بسبب الحاجة الماسة إليها وتزايد الطلب عليها، وإعادة النظر في جدوى الالتحاق ببعض البرامج الأكاديمية والنظرية، وتغيير المجتمع للنظرة التقليدية التي تستخف بالتعليم المهني والتقني، في حين أن الملتحق به يحظى أحيانًا بفرصة أفضل ودخل أعلى من العاملين بشهاداتهم الأكاديمية.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية