الفيس بوك وجنون الشهرة...!

02/09/2021

 كتب اشرف صالح: في حياتنا الطبيعية يجب أن تكون سياسياً أو كاتباً أو إعلامياً أو فناناً أو رياضياً أو مسؤولاً في الدولة، أو رجل دين وداعية، لكي تحصل على الشهرة وتتصدر صورتك الشخصية وسائل الإعلام ووكالات الأنباء والصحف الرسمية، وإذا لم تتمكن من ذلك فمن الممكن أن تكون مشهوراً بقضاء الله وقدرة لنرى صورتك الشخصية تتصدر صفحات الحوادث سواء كنت الجاني أو المجني عليه، أو صفحات الغرائب والعجائب، وربما تكون من ضحايا "الانقسام والاحتلال" لنرى صورتك للمرة الأولى والأخيرة، وبعد ذلك نرى صوراً لضحايا آخرين.. هذه هي الشهرة في حياتنا الطبيعية، فهي تنقسم الى قسمين، القسم الأول بحكم العمل والمهنة والموهبة "الشهرة الثابتة" والقسم الثاني وهي شهرة بحكم القضاء والقدر، وهذه الشهرة تأتي مرة واحدة في العمر، وبعد ذلك يبدأ الناس في نسيانها.

أما على الفيس بوك فالأمر مختلف تماماً , فرغم أن الفيس بوك مجرد موقع للتواصل الاجتماعي، إلا أن الناس وخاصة محبين الشهرة وجدوا فيه ما لم يجدوه في منصات الشهرة الحقيقية "وسائل الإعلام الرسمية"، ومن هنا بدأت المشكلة ، فكلما زادت الرغبة في الشهرة كلما زادت جنون الشهرة، فمثلاً لو قام شخص بكتابة موضوع معين بهدف لفت أنظار الأصدقاء له، والحصول على إعجابات أو تعليقات ، ولم يحصل على الإعجابات والتعليقات المطلوبة، حينها يضطر لكتابة موضوع ملفت للنظر أكثر وأكثر كي يحصل على مراده، وهكذا يدخل في دوامة البحث عن الشهرة، فكلما ابتعدوا الناس عنه كلما جن جنونه ليصل الى مرحلة نشر حياته الخاصة على صفحات الفيس بوك بهدف الحصول على الشهرة .

  وفي المقابل هناك أناس نجحوا في الحصول على إعجابات وتعليقات كثيرة واعتقدوا أنها شهرة،  ولكن في الحقيقة وجدوا أن هذه التعليقات تنقسم الى ثلاث أقسام , القسم الأول شتائم , والقسم الثاني سخرية ، والقسم الثالث مجاملات , وبالطبع نتج عن هذه التعليقات دخول صاحب المنشور “البوست" في مشاكل مع نفسه أولاً ومع الأصدقاء المتابعين ثانياً، وأصبح يسأل نفسه "هل أصبحت مشهوراً أم أصبحت مثار سخرية أو مثيراً للجدل والفتنة بسبب منشوري هذا" ويدخل صاحب المنشور في دوامة بين جنون الشهرة وشتائم وسخرية ونفاق ومجاملات المتابعين .

وللأسف الشديد جنون الشهرة تعدى مرحلة نشر الخصوصيات وكتابة أي كلمات قد تخطر على البال، والتصوير مع المسؤولين وما شابه، بل إن جنون الشهرة أخذ طابع التعدي على حقوق الناس، بدأ من تصوير المرضى وهم في غرف العمليات دون استئذانهم، وتصوير الأموات في الثلاجات دون موافقة ذويهم، وتصوير الحوادث البشعة لبعض الأشخاص دون مراعاة خصوصياتهم، فأحياناً نرى صورة شخص عاري الجسد ودمائه تسيل وهو في غيبوبة، وكل هذا بسبب أن صديقه قام بتصويرة دون ان يدري ونشر الصورة على الفيس بوك بهدف الحصول على تعليقات كثيرة.

أما الظاهرة الأكثر انتشارا في عالم جنون الشهرة،  فهي نشر الأخبار الكاذبة , وليس أي أخبار، فهي أخبار تتعلق بمشاهير حقيقيين كي تنتشر بسرعة وتحصل على تعليقات كثيرة ، فأنا شخصياً قرأت خبر موت الداعية السلفي "محمد حسان" ألف مرة , وقرأت خبر وفاة الفنان "عادل إمام" ألف مرة ، ومن هنا تبدأ المشكلة التي تعاني منها وسائل الإعلام الرسمية،  فهي تضطر أن توضح للرأي العام حقيقة هذا الخبر،  كون الشخصية المستهدفة من الخبر شخصية عامة ومشهورة , وهذا يتطلب جهد وبحث واتصال وتدقيق من وسائل الإعلام الرسمية , وكل هذا التعب بسبب شخص كاذب يعاني من جنون الشهرة , ويكتب أخباراً كاذبة بهدف الحصول على تعليقات وإعجابات الأصدقاء .

الخلاصة.. إن ما نقرأه على الفيس بوك من كذب ونفاق ودخول في الخصوصيات، وانتهاك حقوق الآخرين والتصوير مع المسؤولين والشتائم والسخرية، لا يصنع الشهرة بل يصنع جنون الشهرة... فإذا أردت أن تكون مشهوراً يجب أن تكون إنساناً منتجاً ومجتهداً وصاحب رؤية وفكرة وبصمة.