لماذا لا نتعظ ؟

31/08/2021

كتب: طارق زياد الشرطي


الاتعاظ باللغة تعني" قَبِل الموْعِظَةَ وعمل بها واتّخذها دَرْساً من الفعل اتَّعظ بما سَمِع وشاهد بكلام غيره، وائتمر وكَفَّ نفْسَهُ"، بالمقارنة بالتجارب السابقة ورؤية نتائجها، سواءً على المستوى الفردي او على المستوى الجماعي أو المؤسساتي لما يصدر عن فعل وسياسة معينة، ويتعدد الإتعاظ، سواء الإتعاظ الديني أو الأخلاقي أو السياسي أو العلمي أو الأُسري ...الخ، والهدف منه عدم الوقوع بنفس الأخطاء لتجارب سابقة بإتباع النهج والخطأ نفسه.

هنا سيكون الحديث فقط على جانبين هامين بحاجة للإتعاظ بهما من جانب مؤسسات الدولة ومن القائمين عليها؛ سواء السلطة التنفيذية أو التشريعية.

الأول: يتعلق بالحريات العامة وحرية التعبير والديمقراطية لما كان من تجارب للدول التي تعتمد على القمع بنظامها الإستخباراتي ومؤسساتها العسكرية.

والثاني: يتعلق بالحاجة الماسة للإتعاظ من الدول المتقدمة من خلال تجربتها في بناء مؤسسات الدولة والتطور في تسخيرها لخدمة الشعب وتقديم ما يمكنه أن يؤمن الحياة العادلة والميسرة والرفاهية، بتوفير أهم متطلبات الحياة والتي هي حق لكل فرد، بالشكل الآمن والميسر والمتطور.

إن الشواهد نفسها في إتباع السياسة التي تنتهجها السلطة الوطنية الفلسطينية بالتعامل مع قضايا الرأي العام وحرية التعبير وسطوة المؤسسة العسكرية لا تختلف عن الأنظمة التي لطالما عانى منها شعبنا الفلسطيني في غربته ولجوءه والتي فُرضت عليه، بالوقت الذي كان محور نضال الشعب الفلسطيني ضد الإحتلال الصهيوني أو الإستعمار البريطاني هي المطالبة بالحرية، والغريب أن هذا المطلب أصبح نفسه الذي يسعى إليه مع السلطة الفلسطينية، فكم عانت الجالية الفلسطينية ولا زالت تعاني وتُضع تحت المجهر في زيارة تلك الدول، حتى وإن لم يكن مقيماً بها ومجرد زيارة عابرة، وكم منا يشكو من قصة معاناة واضطهاد لما تعرض.

وهنا بات الأمر كذلك واضحاً وطفى الى السطح بعد مقتل المعارض الناقد نزار بنات رحمه الله، وزاد الأمر سوءاً  طريقة التعامل مع المحتجين على تلك الجريمة، وكان آخرها التلاسن بين مشاركة بوقفة الإحتجاج وبين عسكري وسط المنارة، فكم حلم الشعب الفلسطيني بأن ينال استقلاله بأن يكون له سلطته الوطنية التي تعمل على راحته وتخليصه من المحتل المستبد والقمعي ؟وليس العيش  بالخوف من المطالبة بأبسط حقوقه بالتعبير عن رأيه بما يسمح به القانون وليس نظام مشابه للأنظمة الإستبدادية.

هنا، ألا يحق لنا السؤال، لماذا لا نتعظ ؟ لماذا لا نبتعد عن السلوك الذي يخلق التذمر الشعبي لتلك السياسات والقائمين عليها؟ لماذا يتم التوجه دوماً لصبغ صفة الإستبداد ومحاربة للأنظمة العربية لديمقراطية؟ لماذا نخلق التذمر الدائم من غالبية شرائح المجتمع حتى أبناء الحزب الحاكم ؟الذي باتت أسهُمه في هبوط أكثر من العملة المهترئة، للأسف! الأمر الذي يجعلنا جميعاً نحزن على محبته ومبايعته لما قدم من تاريخ نضالي ومقاوم ومن التضحيات، أيُعقل أن تكون المصلحة الذاتية والولاء لأصحاب النفوذ أكثر من الولاء للوطن ؟!

ثانيا: تزداد الدول المتقدمة تطوراً يوماً بعد يوم وقيامها بالإجراءات التي تُسهم في توفير كل وسائل الراحة للشعب من تقديم الخدمات بكافة مناحي الحياة، وبكافة القطاعات، سواءً الصحية ومستلزماتها ومن رعاية وأدوية وتأمين صحي يشمل كافة الإحتياجات، وكيفية تسهيل الإجراء الروتيني دون تعبٍ وكدّ، كالتسهيل من الوصول والحجز والمتابعة الإلكترونية والهاتفية كمثال، ثم القطاع التعليمي بالتقليل من عبء الرسوم وخاصة الجامعي والإعفاءات لمن ينطبق عليه القانون-القانون وليس المحسوبية والواسطة- مجرد مثال.

نعم يطول الحديث عن تلك القضايا التي تُنتقد، فمتى نعمل للخروج من احتسابنا على العالم الثالث؟ لما لا نلجأ ونتعظ من الدول المتقدمة؟ كالعالم الغربي ويصبح الإنسان أغلى ما نملك، كالتطور الخدماتي الذي تقدمة " دولة الإحتلال " لشعبها، نعم حتى وإن اختلفت الإمكانيات، وسيادة القانون ، فلما لا نتعظ في محاربة الخارجين عن القانون؟ وعدم الالتزام بالقوانين، منها:

قانون السير، و وجود حرية التعبير والديمقراطية، و كذلك محاربة ظاهرة السلاح وإطلاق الرصاص بالهواء "طرباً "، في حين يُطمس تطبيق القانون بنواحي عديدة كشطب الشكاوى والغرامات " للمقربين"، وتطبيق القانون بالتوظيف بعدم التوظيف بالواسطة والمحسوبية، وجوانب  عديدة يطول ذكرها وأهمها جعل القانون فقط على الضعفاء ومن ليس لهم علاقة بالصفوف الأولى للسلطة وما يُسمى" بحجم الوطن" ، لذا لا بد اولاً من ضبط تهمة قدح المقامات العليا عند نقض اخطأها وتحديدها ضمن لوائح القانون، لذلك ولكي لا اُطيل، أنهي كلامي متمنياً أن لا أكون ممن وجب عليه أن يلتزم بتطبيق سؤالي-عنوان المقال- لماذا لم أتعظ من الذين عبرّوا عن رأيهم؟