انتفاضة اعلامية مصرية... بقلم: د.حسن عبد الله

11/09/2011

كل شيء في مصر يتغير، والتغيرات تتم بسرعة هائلة وكبيرة، وفي كل المرافق والميادين. لكن اللافت لنا نحن الاعلاميين والكتاب، هو ذلك التطور السريع في الاعلام المصري، بخاصة المرئي، الذي يمكن القول إنه شهد انتفاضة حقيقية في الشهور الأخيرة. لأن الاعلاميين المصريين قد فجروا امكانات مذهلة في التعبير عما يتفاعل في مجتمعهم سياسياً واقتصاديا واجتماعياً وثقافياً وفكرياً.

الاعلاميون المصريون في الفضائيات المصرية على وجه التحديد، برهنوا ان التجربة الاعلامية المصرية يمكن بعثها من جديد وفق معايير ومقاييس تنسجم مع العصر وانفتاح افق الفضاء. إذ انه حينما كسرت الثورة الشعبية المصرية، الأطر القديمة التي وجدت في الأساس لحراسة وحماية نظام مبارك وامتداداته، فإنها كسرت تلقائياً الأطر الاعلامية الرسمية التي فصلت تفصيلاً على مقاس النظام وتوجهاته ومصالحه.

لقد تابعنا في العقدين الأخيرين حراكاً اعلامياً عالمياً، رافقه أو حاكاه حراك اعلامي عربي، في لبنان ودول الخليج وفلسطين والأردن والمغرب، ثم انطلقت مؤخراً تجربة الفضائيات العراقية بما لها وما عليها . اما الاعلام المصري بكل ما اختزنه من طاقات وامكانات وخبرات طويلة، ظل مكبلاً باشتراطات ومحاذير منعته من الابداع، مع ان حالات فردية لهذا الاعلامي او ذاك، او لبرنامج معيّن شكلت اختراقات، الا ان الاعلام المرئي المصري بشكل عام في فترة حكم مبارك لم يكن بصحة جيدة، حيث لم يتسن لبعض القنوات الخاصة فرض معادلتها، لأن السباحة عكس التيار اجهدت واتعبت العاملين فيها.

ولأن كل شيء تغير في مصر بعد الثورة، فإن الاعلام كان على رأس المتغيرات لمجموعة من الاسباب التي اذكر في عجالة بعضها:

ان مصر هي تاريخياً رائدة الاعلام في العالم العربي، وان صحفها ومجلاتها ومحطاتها الاذاعية كانت ملهما للاعلاميين العرب، وان كليات الاعلام المصرية خرجت اعداداً كبيرة من الاعلاميين الذين عادوا الى بلدانهم، واسسوا تجارب اعلامية لافتة.

كما ان التجارب القديمة والحديثة اكدت، بأن مصر تخرج ثقافياً وفكرياً بعد كل ازمة وان طال أمدها، تخرج اقوى واكثر فعالية وقدرة على العطاء، فثورة الضباط الاحرار، لم تكن مجرد تغيير في أسماء وصفات المسؤولين، بل ان التغيير طال مناحي الحياة كافة. فنهض الاعلام المصري، وشكلت الاذاعة في فترة جمال عبد الناصر مرشداً ومثقفاً ومعبئاً ومسلياً ليس للمصريين فحسب، وانما لكل العرب.

والسؤال، ما الذي تغير في الاعلام المصري لاسيما المرئي، بعد الثورة؟

وللاجابة عن السؤال، مطلوب من السائل ان يتابع المحطات الفضائية المصرية مدة اسبوع فقط، ليجد ان التغيير طال نشرة الاخبار والبرنامج الحواري، ومستوى طرح المواضيع، وسرعة التعامل مع القضايا بالقراءة والتحليل. كما طال اداء الاعلاميين الذين تحرروا من الاساليب التقليدية، والاعتبارات التكبيلية التي طالما حالت بينهم وبين التعبير عن مواهبهم بإبداع.

لقد تغير الاعلام التلفزي في مصر على مستوى الشكل والمضمون، وأدهشتنا سرعة الاعلاميين في التقاط المتغيرات والتفاعل معها. وها هي البرامج الحوارية في بضعة شهور تتفوق على برامج حوارية في فضائيات عربية كانت سباقة على هذا الصعيد.

ان ما يشهده الاعلام المصري الآن ليس كل ما في الموضوع، فالآتي هو الافضل والانضج، لأن مصر تاريخياً هي "ولادة في كل المجالات". لذلك لنا في العالم العربي ان نفرح بهذه الانتفاضة الاعلامية المصرية، لأنها ستفيدنا وتشجعنا وتعزز وعينا وتغذي مفاهيمنا الوطنية والقومية.  حيث من الطبيعي ان يتعامل الاعلام المصري مع الايجابي والمفيد في التجارب الاعلامية العربية، وسيقدم مثالاً لمن يحتاج الى مزيد من الامثلة، ان مصر كانت رائدة وما زالت وستبقى، وانها ستعود سريعاً لدورها القيادي على المستوى العربي، بدل ان تظل الساحة فارغة ومشجعة لأطماع جهات اقليمية غير عربية.

التجربة الاعلامية المصرية تضع بصمتها الحداثية التعددية الديمقراطية، وما قدمته حتى الآن جميل ورائع، لكن الأجمل والأروع هو الذي سوف نتابعه في الشهور المقبلة، وعلى رأي الشاعر التركي ناظم حكمت، "ان أجمل الأطفال هو الذي لم يولد بعد"، لأختم بأن أجمل ما لدى الاعلام التلفزي المصري، ذلك الذي يختمر وينضج ليشق طريقه فيما بعد الى الفضاء.