في ذكرى رحيل المخرج الفلسطيني مصطفى ابو علي

28/07/2021

كتب رياض سيف
يصادف 30 يوليو/ تموز 2009م  ذكرى وفاة المخرج الفلسطيني المؤسس  مصطفى ابو علي تاركاً ذكرى عطرة في تاريخ السينما الفلسطينية حيث كان أحد روادها ومؤسسيها الاوائل .
ومصطفى ابو علي مخرج سينمائي فلسطيني ولد في قرية المالحة قضاء القدس عام 1940 يعتبره العديدون مؤسس سينما الثورة الفلسطينية، شارك بتأسيس وحدة السينما التابعة لقسم التصوير الفوتوغرافي في حركة فتح في بيروت 1968م، شغل منصب رئيس مؤسسة السينما في بيروت مابين عام 1971-1984م . اسس ورأس مؤسسة بيسان للسينما في عمان . من اعماله السينمائية :
• الحق الفلسطيني (1967)
•  (1969) لا للحل السلمي بالاشتراك مع هاني جوهرية وصلاح أبو هنود
• بالروح بالدم (1971)
• العرقوب (1972)
• عدوان صهيوني (1973)
• مشاهد من الاحتلال في غزة (1973)
• على طريق النصر (1974)
• ليس لهم وجود (1974)
• وجان شمعون (1977) تل الزعتر بالاشتراك مع بينو أدريانو
• فلسطين في العين (1977)
تعرفت على مصطفى ابو علي في التسعينات من القرن الماضي في عمان، من خلال مؤسسته، حيث احتجت الى منتجة وتسجيل احد اعمالي الدرامية، ووجدت فيه روحاً طيبة ونبلاً لا يوصف وما أثار انتباهي أنه كان على عكس الاخرين في الوسط لا يدقق كثيراً الامور المادية ( بمعنى ادفعع ما تستطيعه وكفى ) .
بعد دخول السلطة الى الضفة الغربية قام أبو علي بتصفية شركته، ونقل العديد من الاجهزة الى فلسطين، حيث تم تعيينه في وزارة الثقافة الفلسطينية برتبة مدير عام . واضافة الى عمله بالوزارة تم تكليفه من قبل الاخ القائد ابو نزار ( صخر حبش ) بإنشاء قناة تلفزيونية برام الله تحت مسمي ( قناة الاستقلال الثقافية ) . وتم تحويل معظم معداته الفنية الى القناة  بمقابل رمزي .
ربما قابلته مرة او مرتين من خلال زياراتى العابرة (بموجب تصريح)  في مكتب الاخ ابو نزار برام الله وفي احدى المرات كان برفقتة المرحوم الاديب خليل السواحري التي تجمعني به صداقة الكلمة حين كان محرراً للصفحة الثقافية في جريدة الدستور الاردنية وصاحب مؤسسة الكرمل للنشر وكان ايضاُ في زيارة عابرة للضفة  .
وحين حصلت على الهوية الفلسطينية التي تخولني حرية السفر والاقامة في فلسطين وكنت قد انهيت عملي في الشركة التى أعمل بها بعمان كمحاسب، توجهت الى الضفة بغية العمل في مجال الاعلام الذي مارسته منذ صغري في الكتابة في الصحف الاردنية وبعض الصحف العربية، وانجزت خلالها عدة نصوص درامية ناجحة تم تنفيذ عدد منها ولاقت أثراً طيباً في الوسط الفني ومنها مسلسل التراب المر وعرس الصقر . وكان اول مهمات عملي في فضائية فلسطين وما رافق ذلك من احباطات وصراعات مع منسقها العام هشام مكي وتابعه مدير فضائية رام الله، (والتي ذكرتها في مذكراتي اليومية)، وكان مصيرها عزوف مكي وبعد ستة أشهر من عملي بالفضائية عن اصدار قرار تعيين لي كوني أذكره ببعض اسراره وبماضيه الاسود الذي أعرفه عنه خلال تواجده في سواء في ابو ظبي اوعمان . حتى ما اذا صدر قرار الموافقة على تعييني من قبل الرئيس ابو عماروبتوصية من الأخ ابو نزار، وحولت الموافقة الى مكي لاتخاذ الاجراءات لاستكمال التعيين، رفض مكي الرد على القرار بل وأخفاه في أدراجه خشية أن يلتقي في مؤسسته شخصان يعرفان تاريخه جيداً، أنا والمخرج المرحوم خضر سبيتاني .
اتصل ابو نزار بمدير مكتب الرئيس، رمزي خوري ليستبين سرما يجري، حيث أخبره رمزي بأن هشام مكي لم يقم بأي أجراء، ويبدو أنه غير معني اطلاقاً بتوطين المذكور على كادره لأسباب لا يعرف كنهها.
سألني ابو نزار عن السر، فأبحث له بعض ما لدي، و ادرك ابو نزار أن مكي لن يغامر بوضع أفعيين على رأي مكي في حجره، (ويقصدني وخضر سبيتاني).
هنا عرض علي ابو نزار عرضاً بديلاً باستلام ادارة قناة الاستقلال وكانت مازالت في طور الانشاء، و التى تم تكليف مصطفى ابو علي بها من قبل . وكان سؤالي كيف لي أن استلم مهمة هي من اختصاص غيري وخاصة اذا كان بحجم مصطفى ابو علي، وفي جلسة مع ابوعلى بحضور ابو نزار وضح أبو علي موقفه بأنه لا يستطيع مواصلة المهمة كونها تحتاج الى ادارة حازمة ويرغب في التفرغ لمهامه الفنية في وزارة الثقافة ورأى ومن خلال معرفته بي أني أقدر على القيام بما لايستطيعه من المقارعة مع الكوادر الفنية والادارية في القناة . وكان محقاً وبامتياز، حيث أن دماثته وطيبته وعجينته اللينة في معاملة الاخرين كونه فناناً مرهفاً لا تتوافق مع المهمة الصعبة بالتعامل مع جو يعلوه الصخب والضجيج الذي يحتاج الى القرارات الحاسمة والادارة الحازمة .
من هنا بدأت العلاقة تتوثق أكثر وأكثر مع مصطفي ابو علي، الذي صرح لي اني كنت بالنسبة له قارب انقاذ لخروجه من ورطة طالما اثقلت كاهله. وحينها أجبته:  اعلم جيداً ما تقوله، وأعلم أكثر أن سبب عدم نجاح مؤسستك بيسان في عمان هو أنك كنت تديرها بعقلية فنان فقط لا بعقلية تاجر يأخذ بمعيار الربح والخسارة .
ولما كنت اسكن في شقة واقعة على الحد الفاصل بين منطقة أ، سي في أم الشرايط / البيرة وبجانب محسوم السلطة الفاصل بين التقسيمين، فقد عانيت الأمرين من توغل قوات الاحتلال وادارة معاركها مع الامن الوطني الفلسطيني وامام شقتي، وخاصة في عملية السور الواقي 2002م . حيث كان زجاج شقتي يتساقط من كل الاتجاهات مع القذائف والطلقات العشوائية التي كنت اتحاشاها بالركون الى زاوية من زوايا الشقة . ومع تكرار هذا الرعب الليلي، اقترح علي أبو علي أن أغير مسكني الى مسكن ارضي متداري ملاصق لمسكنه وقد فرغ حديثاً، وخلال ساعات معدودة كنت أنا ومصطفى أبو علي متجاورين، ومع تكرار الاقتحامات ومنع التجول لم نجد سوى أن نقضي معظم اوقاتنا معا، نتحاور في أمور شتى ونقارن بين ما كنا عليه من أمن وأمان في عمان، وبين ما نحن عليه من استهداف يومي في فلسطين.
كثيراً ما كنا نتجول في رام الله، وخلال تجوالنا كان يدلف الى أحد الدكاكين في محيط دوار المنارة ليختار نوعاً من أنواع الدخان العربي مع دفتر (اللف) نجلس على الرصيف في الدوار ويمد لي بسيجارة لف كي اجربها معه، ومع اني لم أكن استسيغ هذا النوع من الدخان الا اني كنت استمتع بمذاقها وكأنه اضاف اليها نكهة خاصة بروحه الجميلة وحديثه الهادئ، رغم انه قليل الكلام. واذكر مرة طلبت منه أن يكون ضيفي في حلقة برنامج اقوم بإعداده وتقديمه تحت مسمى (اشراقات) استضفت به العديد من القامات الثقافية والادبية والفنية. وكان البرنامج يبث على الهواء مباشرة، وما أن انتهت الحلقة حتى اتصل بي ابو نزار متسائلاً : هل لي أن اعرف من منكما الضيف انت أم ابو علي ؟ .  فأجبته المفروض أن يكون الضيف هو مخرجنا أبو علي . وسألني ما دام هو الضيف فكيف تأخذ مساحة الحديث لصالحك ثلاثة أرباع الساعة ولضيفك اقل من الربع ؟. فقلت ضاحكاً انت تعرف ابو علي اكثر مني فهو قليل الكلام اجابته يختصرها في كلمات معدوده ولذا علي أن أقول ما يجب أن يقوله أو أفسر تفاصيل ما يجب أن يقوله حتى تستقيم الحلقة وتستوفي حصتها من الوقت وان لم اقم بذلك فقد كان علي أن انهيها في عشر دقائق .
كان ابو علي احياناً يغيب في خلوته عدة أيام مما يدعوني الى القلق عليه، حتى إذا ما طرقت بابه ورأيته واقفا في الباب تسألت ان كان به علة ما تمنعه من الخروج، فيجيبني أنه مشغول بتجديد سيناريو فلم بدأ فكرته منذ عام 1982م وهو سيناريو فلم (المتشائل ) للكاتب اميل حبيبي، حيث منذ ذلك التاريخ يحاول أن يجد له ممولاً دون فائدة، وبقي السيناريو مخزناً في جهازه حتى بعد وفاته .
اشتكالي مرة من وجود فأراً صغير في منزله، واقترحت عليه أن ينصب له فخاً، فأجابني أن الفخ قد يودي بحياة الفأر، فقلت وهذا هو المطلوب،  ويبدو أن الامر لم يرقه فأستدل على طريقة الصحن اللاصق، وفي اليوم التالي جاء ليخبرني أن الفأر وقع في الصحن، واستغربت لفعلته حين واصل : قمت بتخليصه، وحمله وهو يزعق واطلقته في الارض الفراغ المتاخمة لمسكننا .
قلت ولماذا لم تتخلص منه بقتله .
اجاب باستنكار : وكيف لي أن أقتل نفساً حية مهما كانت .
وادركت حينها أي انسان هذا الذي يتحلى بكل هذه الصفات النبيلة، و التى ترقى الى السمو حتى بالتعامل مع الكائنات من غير البشر .
بعد اربع سنوات انتقل ابو علي الى مسكن جديد في البيرة، ولم تنقطع زيارتي له، وفي عام 2009م علمت أنه قد اصابه المرض الخبيث، ولم يطل الامر حتى توفاه الله بتاريخ 30 يوليو/ تموز 2009م .
رحم الله مخرجنا الكبير مصطفى ابو علي وأسكنه واسع جناته .