ربى الزعبي: الحَوكمة البيئية تضع الجميع على طاولةٍ متشابكة الأولويات

10/06/2021

وطن للأنباء- حوار: هديل عوني عطاالله

الحلقة الأولى
حول "الحوكمة البيئية"، ذلك الموضوع الذي يكتنفه الكثير من التشّعب والتعقيد، تجري مراسلة مجلة "آفاق البيئة والتنمية" حوارًا مع ربى الزعبي، المهندسة التي صوبّت نحو أهم هدف للحوكمة فبات سمة شخصية، إذ يستهويها "تشبيك" الناس مع بعضهم البعض، وتُعد مُيسرّة ممتازة لجلسات الحوار على مختلف المستويات والقطاعات.

بدأت مسيرتها بالعمل في المكتب الاقليمي لمنظمة الصحة العالمية لعدة سنوات، وفيها عايشت عن كثب تأثير البيئة على الصحة في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، ومن ثم وازنت بين عملها على المستوى الإقليمي والتطوع في جمعيات بيئية في الأردن، ومن هنا أخذ طموحها يكبر يومًا بعد يوم لتصنع أثرًا إيجابياً على البيئة المحلية وسكانها.
وعملت رُبى لسنوات في وزارة البيئة كمديرة للسياسات، ولاحقاً كمديرة لدائرة البحث العلمي في مؤسسة عبد الحميد شومان، وتقلدت أيضا منصب مستشارة سمو رئيس الجمعية العلمية الملكية للسياسات العلمية، وحاليًا تعمل مستشارة مستقلة مع عدد من الجهات في الحوكمة البيئية.

إليكم الحلقة الأولى من حوار غني بالتفاصيل، عن مجالٍ على درجة من الأهمية، ومع ذلك لم يُعط حقه كما يجب؛ عند المهتمين.

الجميع: مؤثرين ومتأثرين
البيئة وأنتِ.. أيكما اختار الآخر؟
سأصدقك القول، البيئة اختارتني، حسنًا هيا بنا إلى بداية الحكاية، نشأتُ في بيتٍ صديق للبيئة، وكانت الموارد الطبيعية جزءاً من ثقافتنا كحال الفلاحين في الأردن.

أذكر منزلنا الذي عمرّه جدي رحمة الله عليه، كان فيه خزان لتجميع مياه الأمطار، وأيضاً سخان شمسي، ولم يكن آنذاك في حقبة السبعينيات أي برامج أو منح أو قروض ميسرة لتجذب الناس إلى فكرة استغلال الطاقة الشمسية أو تجميع مياه الأمطار.
ولحسن الحظ أني حظيتُ بعائلة تحترم البيئة وتراها من أهم دعائم الحياة، وفي العموم كانت قريبة من الطبيعة والإدارة الرشيدة للموارد، بخلاف ما خلّفته الحداثة من انسلاخ للأجيال عن البيئة، إذ لم تعد أواصر العلاقة بين الأرض والطبيعة والإنسان، متينة كما كانت من قبل.

درستُ هندسة المياه والبيئة ثم حصلت فيها على درجة الماجستير بتقدير امتياز من جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، ومع ذلك لم أجد نفسي، كنت دائمًا أشعر بعدم الارتياح بسبب غياب التفاعل بين دراستي الأكاديمية والبيئة المحيطة، ولم أكفّ عن التساؤل عن أثر ما تعلّمته على المجتمع، ولم يتركني وشأني هذا السؤال: "لماذا أنا مهندسة؟ ولماذا أعمل في البيئة؟
وبعد مروري بمنعطفاتٍ في حياتي المهنية أخذت أبحث عن شغفي ضمن قطاع الهندسة البيئية، في بلد يسجل أعلى المعدلات العالمية في عدد المهندسين مقارنة بعدد السكان، حدث ذلك عندما ربطت تخصصي بالإنسان والتنمية والمجتمع، وحين تعمقّت في موضوع السياسات والحوكمة البيئية والتطوير المؤسسي.

في ذلك الوقت فقط، شعرت أن ما أقدمه يحدث تغييراً إيجابيًا ويصل إلى مستوى صنع القرار. يا لها من مفارقة! لم أخطط للعمل في قطاع البيئة منذ صغري ولكني الآن فخورة وسعيدة بما ساهمت به مع كثيرين غيري في الأردن والوطن العربي.
مفهوم الحوكمة البيئية يُعد حديث نسبياً، ما أنسب تعريف يمكنك تقديمه؟

المفهوم نفسه ليس بجديد. هو موجود منذ قديم الزمان حتى لو لم يتداوله الناس اصطلاحًا، إلا أن الاهتمام به زاد في فترة التسعينيات، وقد يربطه العَامة بالحكومة أو الحكم، فيما يتصل لغويًا بالاحتكام أو التحاكم أو الحكمة.
تعريف الحوكمة المُتداول "مجموعة من القواعد والقوانين والأسس والضوابط التي تضبط عمل المؤسسات في مجالٍ معين، بحيث تتحقق الرقابة الفعالة عليها".

ومن وجهة نظري أن الحوكمة هي مجموعة العلاقات التي تربط بين الجهات الفاعلة أو ذات العلاقة في قطاع محدد، ذلك أن الضوابط إذا لم ترتبط بمجموعة من العلاقات والتفاعلات عندئذ لن تكون ذات جدوى، وفي حال الحوكمة البيئية فإن العلاقات في الماضي كانت تتصل بإدارة البيئة والموارد الطبيعية على مستوى المجتمع المحلي/ السكان/ القبائل.

ومفهوم الحوكمة البيئية كان يشمل الكائنات الحية وليس فقط الانسان، لكن مع تقدم العصر وتعقد الأنشطة البشرية المختلفة، فإن التعريف أخذ المنحى التالي: "مجموع التفاعلات بين الجهات ذات العلاقة بهدف تنسيق وتوجيه وتنظيم سلوكيات الانسان والآثار التي يتركها على البيئة، باتخاذ قراراتٍ مبنية على المشاورات الجماعية بين كل هذه الجهات".

خلاصة القول: الحوكمة بآلياتها المتنوعة ومبادئها الأساسية التي تتمثل في الشفافية والعدالة والمساءلة والمسؤولية، ما هي إلا أداة لتُحسن من أثرنا على البيئة، وبموجبها يتم تنظيم طريقة استخدام الموارد. على أن يصيغ كل مجتمع إطار الحوكمة البيئية الذي يراه ملائمًا لحاجاته، وأيًا كان، من المهم وجود جميع الأطراف على نفس الطاولة، سواء كانوا مستخدمين مؤثرين أو متأثرين بالموارد البيئية، وعدم استثناء أي أحد لنحقق المعادلة والعدالة البيئية المطلوبة.

وحتى لا نَتوه في زحام التعريفات، ألخص ما سبق وببساطة: الحَوكمة البيئية هي وضع الاعتبارات البيئية في سلم الأولويات عند اتخاذ أي قرارات تتعلق بالتنمية أو الأنشطة البشرية، سواء كانت سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية.

نجاح البيئيين يبدأ من هنا..
وجهة حياتك العملية صارت تمامًا صوب الحوكمة البيئية.. متى حدث ذلك؟
كنت أول مديرة للسياسات والتطوير تعمل في وزارة البيئة، وشهدتُ في تلك الحقبة التي امتدت بين الأعوام (2004- 2008) على الكثير من الجهود في العمل البيئي، كانت الوزارة آنذاك جديدة، وأُلقي على عاتقي تنسيق عملية تطوير الإطار المؤسسي والتشريعي، وبناء القدرات، وتعزيز الشراكات مع مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات البيئية والقطاع الخاص.

مع فريق كبير أنجزنا الكثير من العمل لتطوير هذه الجوانب، وفي تلك التجربة المميزة جدًا، بدأنا في تطبيق مفاهيم دولية مهمة، ومن بينها تضمين البيئة في السياسات والخطط التنموية وفي كل القطاعات الاقتصادية، عندئذ تجلّت البيئة قاسمًا مشتركًا بين الجميع وليس عبئاً أو إضافة.

نضجت رؤيتنا حينها وأدركنا أن نجاح البيئيين ليس في إطلاق استراتيجيات بيئية بحتة، بل يكمن في مساعدة القطاعات الأخرى على إدراج الاعتبارات البيئية والأولويات والفرص ضمن خططها المختلفة، وسعينا وقتئذ ليصبح الجميع جزءاً من عملية التخطيط البيئي، والأهم من ذلك أن تكون البيئة جزءاً من عملية التخطيط السياسي وصنع القرار التنموي على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
قلتِ م.ربى أن "المؤثرين والمتأثرين يجب أن يتواجدوا جنبًا إلى جنب".. أي دور ينتظر المتأثرين على تلك الطاولة؟ 

الفئات المتأثرة يمكنها أن تفعل الكثير، بل إنها الأقدر على إيجاد الحلول المناسبة لاحتياجاتها، وكلما كنا في قلب التحدي أو المشكلة صار بإمكاننا تقديم حلول محلية لأنها الأكثر نجاعة فيما يتعلق بالاستدامة، وخاصة في موضوعات مثل إدارة النفايات وإدارة المياه والطاقة، وكلها إن لم تنجح محليًا لا يمكن أن تحرز نجاحًا وطنيًا.

وأثق تمامًا أن "المتأثرة" لو أتيحت لها الفرصة وجرى تمكينها بالأدوات اللازمة، ستبدع، والأمثلة كثيرة لشباب ونساء لديهم وعيا بيئيا عاليا، ولعل الإنجاز يتحدث عن نفسه عند إلقاء نظرة على أنشطة اتحاد المزارعات الأردنيات ودور البعض في السياحة البيئية وفي المشاريع الصغيرة، هؤلاء جميعاً يمكنهم التأثير على مجتمعاتهم، فقط لنعطهم طرف الخيط وسنشهد وقتها تحول الفئات المتأثرة إلى مؤثرة.

توليفة الحوكمة تتداخل فيها السياسة والإدارة والاقتصاد، تبدو اللوحة معقدة حد التشويش.. أليس كذلك؟
معك حق! موضوع الحوكمة البيئية على قدرٍ عالٍ من التشعب والتعقيد، وتتشابك فيه الأولويات التنموية.
البيئة مؤثرٌ ومتأثر في كل قطاع اقتصادي، وتتواجد في قلب كل نوع من أنواع التنمية، مما يربك قدرتنا على التأثير وإبداء الرأي في الخطط والسياسات والقرارات البيئية المختلفة، كما أن الجهات المعنية لا تخلو من التعقيد بحكم مستوياتها المتعددة.
نعَم. البيئة همّ الجميع، ولكن بسبب تعدد الأطراف نحتاج إلى خلق أطر حوكمةٍ أكثر فعالية ورشاقة ومرونة وشمولية ليستشعر الكل أنه جزء من المعادلة، وفي نهاية المطاف؛ الحوكمة ليس لها وصفة سحرية محددة، ومع ذلك لا بد وأن تكون في صلب أهدافنا ورؤيتنا للاستدامة في الوطن العربي. الطريق يبدو طويلًا في منطقتنا إلا أن كل بلد يتعين عليه أن يطوّر أطر حوكمة مناسبة له.

الحكومة ليست اللاعب الوحيد
ما أبرز المشاكل التي يمكن أن تساعد "الحوكمة البيئية الفعالة" في حلها؟
أرى أن ثمة حاجة مُلّحة للبدء ببعض أسس الحوكمة، وحسب تقديري أن مسألة العلاقات بين الجهات المعنية بموضوع البيئة ما تزال ليست مُمأسسة وإنما تحدث كيفما اتفق ووفق الظروف.
واسمحوا لي بنقطة نظام: الحكومة ليست وحدها اللاعب الأساسي، فمؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص والجمعيات غير الحكومية لهم جانب مؤثر، وتُعد عناصر رئيسية ضمن الإطار العام للإدارة البيئية ويجب أن يطالبوا بدورهم في صنع القرار البيئي والتخطيط.

عندما كنت أعمل في وزارة البيئة، كان عدد الجمعيات البيئية 22، كنا ندعوهم باستمرار لاجتماعات دورية ونطلعهم على أولوياتنا وبرامجنا، وننفذ بالشراكة معهم بعض المشاريع.
وفي هذا المضمار، تحضرني واحدة من أبرز قصص النجاح المميزة في الأردن وهي "الجمعية الملكية لحماية الطبيعة"، والتي أُسست عام 1966، أي قبل أن يقرّ قانون حماية البيئة، هذه الجمعية شريك رئيسي للحكومة في تأسيس المحميات الطبيعية، وساهمت في توفير العديد من فرص العمل وتطوير السياحة البيئية.

أما اليوم، لدينا أكثر من 145 جمعية بيئية، لقد تضاعف العدد كثيرًا، مما يعكس اهتمامًا أكبر، لكن التحدي يكمن في مدى مشاركتها وتواصلها، نحن بحاجة لحراك ونشاط مجتمعي بيئي ينشر الوعي، وهذه الجمعيات لا بد وأن نرى تأثيرها الملموس على المجتمع المحلي، لا بد من مشاركتها الفاعلة ضمن إطار الحوكمة البيئية، وأن تكون قادرة على ما يعُرف ب"الفعل المناخي" لتؤدي دورها تجاه مجتمعها.

برأيّ أن لدينا الكثير لنفعله، وأكاد أجزم أن المجتمع المدني زاخر بالطاقات والشغف البيئي، وشخصيًا أعرف العديد من الزميلات والزملاء الذين يترأسون جمعيات لحماية البيئة والطبيعة والزراعة، وجميعهم على أهبة الاستعداد لاستثمار الفرص المتاحة في هذا القطاع.

أحوج ما نكون إلى استثمارات مسؤولة
تقلدّت سابقًأ منصب المديرة التنفيذية لجمعية إدامة للطاقة والمياه والبيئة.. ما أفضل السبل لتشجيع القطاع الخاص ليستثمر في هذا الجانب؟ 
تبذل جمعية إدامة، جهدًا واضحًا في تعزيز الاقتصاد الأخضر في الأردن، ويؤمن فريقها بأن القطاع الخاص لا بد وأن يكون جزءاً من الحوكمة البيئية.

وكان لأعضاء الجمعية دورًا في استثمارات الطاقة المتجددة، بحشد التأييد والتأثير على السياسات الخاصة بقطاعات الطاقة المتجددة والطاقة النظيفة لا سيما في موضوع المياه والنفايات والتغير المناخي.

ومن جهة أخرى تسعى "إدامة" إلى تشجيع ما أسميه "الاستثمارات المسؤولة"، ولن أقول الخضراء، لأن الاستثمار المسؤول يراعي الجوانب الاجتماعية تحت مظلة بيئية، وليس بالضرورة أن ينحصر الاستثمار في مجال بيئي صرِف.
أما كيف بوسعنا أن نشجع القطاع الخاص والمستثمرين، فذلك بالتأكيد لا يتحقق بالطرق التقليدية، إذ أن هذه الفئة تهتم باستدامة استثماراتها على المدى البعيد، وبالتالي لا بد من توعية مُوجهة تحفز على الاستثمار في الموارد الطبيعية وليس على حسابها، عبر أرقام تعكس أهمية مراعاة الجوانب البيئية والمجتمعية عند الاستثمار في أي مجال كان، صناعي أو تجاري أو سياحي او زراعي.
ومن الأهمية بمكان، أن يقتنعوا أنه في حال إغفال مراعاة الضوابط البيئية منذ البداية، وتجاهل وضع جميع الأطراف ضمن منظومة حوكمة فاعلة، فإن استثماراتهم ستصبح عرضة للأخطار على المدى المتوسط والبعيد، وستخسر الكثير من الفرص للاستثمارات المستدامة التي تحقق شراكات مجتمعية وتوفر فرص عمل.

وبكل تأكيد، مَن لديه رؤية صحيحة سيفطن إلى أن المستقبل سيكون لصالح أصحاب الاستثمار المسؤول؛ المُحترِمين لأسس الحوكمة الرشيدة والمجتمع والبيئة.
قصص نجاح عدة تُوّجت في الطاقة المتجددة بفضل استثمار القطاع الخاص فيها، تشجعنا على أن نفكر بِروية في طرق توجهه نحو التركيز في موضوعات حيوية أخرى مثل النفايات والتغير المناخي، بحيث نجعلها جذابة استثماريًا كما هي جذابة بيئيًا، لكي تترك هذه المشاريع أثراً واضحاً في المجتمع.

لتوفر الحكومة المُمّكّنات حتى يتسنى للقطاع الخاص أن ينهض بهذا الطراز من الاستثمارات الذي يتسابق العالم نحوه، بَيد أن العالم العربي في أمسّ الحاجة إلى استثمارات خضراء تراعي مواردنا الطبيعية والبشرية على حد سواء.
أتمنى أن ترتفع الأصوات المنادية بتبني هذه المفاهيم وتطبيقها على أرض الواقع بما يناسبنا، على أن يتزامن ذلك مع جهود في "المنطقة العربية" للتغلب على المشاكل التي تؤرّقها مثل شح الموارد الطبيعية والبطالة.

في خطط التعافي.. البيئة حجر أساس
برأيك أي حيلة بِيد الحوكمة البيئية، لتعيننا على التعافي الأخضر المستدام من الأزمة التي نعيشها جراء جائحة كورونا؟
لا أعلم إن كانت لدينا خطة إقليمية عربية للتعافي المستدام، لكن ما أعرفه أن كل دولة يجب أن تفكر في الأمر وتخطط له جيدًا، لتجيب على سؤال بالخط العريض: كيف ستتعافى صحياً واقتصاديًا واجتماعيًا ونفسيًا؟
ومن المؤكد أن جائحة (كوفيد- 19) زادت من فجوة العدالة الاجتماعية والفقر والبطالة، والمؤشرات الراهنة خطيرة، وبالتالي الجميع في نَفس المركب ويتوجب أن نخرج معاً بحلول.

وبالعودة إلى الحوكمة البيئية، أرى أنه لا بد من إشراك جميع المؤثرين في القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني والباحثين، فلا نستطيع أن نتعافى إذا استمر العمل بنفس الطريقة التي كنا نعمل بها سابقًا.
وكنت قد أجريت أخيرًا، سلسلة حلقات حوارية مع ست شخصيات يعملون في مؤسسات عربية ودولية، تجاذبنا فيها أطراف الحديث حول التعافي المستدام من الجائحة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ما خلصت إليه تلك الحوارات، أن علينا أن نقرّ؛ توجد تغيرات ودروس مستفادة أثناء الجائحة، ومنها "التحول الرقمي" الذي صار متسارعًا أكثر، وساعات العمل المرنة، إذن لنفكر ملياً: كيف لنا أن نعظّم من أثر هذه التجارب لتنعكس في خطة التعافي.

وفي المقابل هناك إخفاقات، كشفت عن عدم قدرتنا على التكيف مع الأزمات، لنأخذها إذن في الاعتبار عند صياغة خطة التعافي، نحتاج على سبيل المثال إلى إعادة بناء بعض البنى التحتية، وإجراء تغيير في التشريعات بما يراعي الاستدامة البيئية التي باتت جزءاً من الخطط المستقبلية في كل العالم، وفي هذا الصدد، نلاحظ أن المؤسسات الدولية المُمولة تضع اشتراطات لدعم التعافي المستدام وتستهدف قطاعات محددة، وآمل من كل قلبي أن يحذو الوطن العربي حذو العالم المتقدم في استعداده للمستقبل.
أنا جادة فيما أقول، اليوم، لدينا هذه الفرصة، وهناك الكثير من العمل الذي يجب أن تقوم به كل الفئات المؤثرة والمتأثرة، على أن يكون حضور الجهات البيئية قوياً، إذ لم تعد المسألة قابلة للنقاش، البيئة يجب أن تكون واحدة من الأولويات في خطط التعافي.

مهندسة بيئية كرهت الهندسة ثم أحبّتها، وهذا الحب لم يأتِ من بعد "عداوة" إلا عندما باشرت ربى الزعبي، في ربط الهندسة بالتنمية والإنسان وحاجات المجتمع، لتعيد بذلك تعريف الهندسة بما يناسب منظورها الشخصي.
بعد تخطيها الأربعين، وضعت اللَبنات واللمسات لـ "قصة الأثر" خاصَتها، لتصبح عَلمًا في مجال السياسات والحوكمة البيئية والابتكار والاقتصاد الأخضر.
الخبيرة "المقبلة على الحياة" بحسب وصف المقربين منها، ثابرت من دون أفّ، لأجل وضع المرأة الأردنية على الخارطة العالمية في قطاع الطاقة النظيفة بعد مساعٍ حثيثة منها لتمكين المرأة في موضوع الاستدامة، ولم يبد غريباً ترشيحها أخيرًا، لجائزة المرأة المتميزة الدولية في قطاع الطاقة النظيفة.
تمتلك ربى، في قدراتها ونبرة صوتها "القوة الناعمة". وبها من اللطف ما يكفي لتحب الشِعر لا سيما قصائد العصر الجاهلي، وتستمتع بالموسيقى، فحسب رأيها أنه حتى الفن والثقافة لهما صلة قرابة - ومن الدرجة الأولى- بالتنمية المستدامة والحضارة.