هاني عرفات لـ"وطن": مطلوب جبهة وطنية ديمقراطية لا صراع ديكة

07/03/2021

جاءت صرخة كادر اليسار الفلسطيني من بيت ساحور وما تلاها من انسحابات هادئة لبعض رموز تيار اليسار لتعلق الجرس وتدق ناقوس الخطر . الرسالة مفادها لقد ضقنا ذرعاً بالصبيانية اليسارية لدى كثير من قيادات هذه الفصائل خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالتضحية بالكل الفلسطيني وليس اليسار فحسب نزولاً عند مكاسب ذاتية ضيقة . قد أستطيع فهم الصراع داخل فتح من باب أن الفائز سيحوز على نصيب من القرار وسيكون له شأن في تقرير التوجه ، لكن ماذا سيجني صاحب المقاعد الستة هذا إذا افترضنا جدلاً أنه سيحصل عليها في حال دخل منفرداً المعركة الانتخابية.

العقدة الفلسطينية أكبر من فصائل اليسار وأكبر من فتح وحماس ، بصراحة تحتاج الى كل الجهود المخلصة، كنت أظن أنه وبعد هذا الانحدار أن هذه القيادات قد تعلمت الدرس ، ببساطة لأن فشلاً آخر يعني أن تلفظ الجماهير هذه القيادات مرة وللأبد وبدل أن ينحى هؤلاء منحاً آخر ، نجدهم يعودون نحو المربع الاول الذي أوصلنا الى ما نحن عليه الآن وهو عفواً على التعبير أشبه بصراع الديكة على... مزبلة. لن أتحدث هنا عن قيادة فتح أو حماس هاتين القيادتين أصبح لهما وضع مختلف مرتبط بعوامل كثيرة ، أقلها ربما،  تأثير العامل الخارجي على قرارات هاتين القيادتين .

دعونا نتكلم بصدق ، أحزاب اليسار الفلسطيني لم تكن يوماً أكثر ديمقراطية في حياتها الداخلية من فتح أو حماس  ، وهذا جزء من مشكلتها أصلاً فهي لم تستطع أن تفرض حضور طاغي جماهيرياً رغم خبرتها الطويلة رغم التضحيات التي قدمتها ورغم جاذبية الخطاب السياسي وقربه للمطالب الحقيقية للناس . لا أنكر أن ايديولوجيتها الفكرية ساهمت أيضاً في عدم التقبل السهل لها وخصوصاً من خلال التحريض المستمر من القوى الرجعية عليها ، لكن حقيقة تمكن أحزاب شبيهة في دول عربية أخرى من تحقيق جماهيرية واسعة دليل على أن هذا السبب ليس السبب الوحيد الذ أدى الى انعزال هذه القوى الفلسطينية على نفسها لكن السبب الاقوى بنظري هو انعدام الديمقراطية في صفوفها مما أدى إلى تصدعات وانشقاقات متكررة في صفوفها من ناحية ومن ناحية أخرى ذهابها الى تسويات سياسية بحجج مختلفة أدى إلى تذيلها وتلاشي برامجها و تذويبها في داخل التنظيم الاقوى ، كما ان الصراع فيما بينها على وحدانية تمثيل الطبقة الذهبية الطبقة الكادحة كان له أثر كبير في تشتيت جهودها وبالتالي ضعف تأثيرها.

قبل عدة عقود وعندما كان ينظر إلى الاتحاد السوفياتي بصفته قائد اليسار العالمي تصارعت هذه القوى لتحصل على علامة الامتياز بصفتها هي الممثل الحقيقي للطبقة ، ربما حينها كان من الممكن تفهم سبب هذا الصراع ، أما اليوم فما هي الاسباب ان لم تكن أسباب أنانية ضيقة ولا تمثل حتى رأي القواعد فيها .

نحن لسنا أمام شاشة تلفاز نشاهد فيلماً درامياً ، نحن أمام كارثة كبرى قد تودي بالقضية إلى الهلاك، نحن أمام مستويات فقر غير مسبوقة وتآمر عالمي غير مسبوق أيضاً ، الارض التي نحارب للبقاء عليها تضيع يوماً بعد يوم بفعل الاستيطان، الظهير العربي الرسمي أصبح جزأً من العدوان ، الناس تموت يومياً بسبب الوباء ... الا يكفي هذا كله لأن تفيق هذه القيادات !!!!

الحصول على ستة مقاعد في انتخابات المجلس التشريعي لن تنقذ هذا الشعب ، ربما تنقذ هذه القيادة او تلك لتقول لجمهورها حسناً أترون نحن وضعنا أفضل من غيرنا وما زال أنفنا فوق المياه.

المطلوب ليس مقاعد في المجلس التشريعي ، فقد لا تحصل انتخابات ابدا ، المطلوب هو جبهة تحالف وطني ديمقراطي يضم في صفوفه كل القوى المتحررة من أي التزامات خارجية ، ومخلصة للقضية الوطنية، ومن كل المستقلين الوطنيين و مفتوحة أمام الكثير من المناضلين في مختلف التنظيمات ، المهمة أكبر من فصيل يساري أو مجموعة منها .

إذا صدقت تنظيمات اليسار النية  فإن تشكيل جبهة كهذه ضرورة ملحة ، كيف يمكن إقناع الفلسطيني بأنكم تريدون إنهاء الانقسام وأنتم إنقسمتم على انفسكم  مرات ومرات ، تشكيل هذه الجبهة سيعيد بعض الثقة ، وعلى هذه الجبهة أن تكون  مفتوحة العضوية ويصار إلى انتخابات علنية لهيئاتها القيادية وبالتزامن مع ذلك ولحل معضلة التمثيل في المجلس التشريعي تتقدم الاحزاب المكونة لهذه الجبهة ومن يرغب من خارجها أيضاً بالترشح لقائمة التشريعي ويصبح المنتخبون هم قائمة الكل ، هذه الطريقة لن تحل الاشكال وترفع الغبن فقط بل ستكون معبراً عن إختيار الجمهور وبطريقة ديمقراطية من أسفل الى أعلى ويحقق دعماً أقوى للمرشحين . المهم هو الاتفاق على برنامج سياسي اجتماعي للتصدي لمهمات المرحلة ، عدا ذلك سيكون ضرب من الهراء الذي لم يعد يقنع أحد .