حازم القواسمي يكتب لوطن: طموحات تنظيمات الإسلام السياسي

06/03/2021

هناك المسلمون وهناك الإسلاميون أو كما يسميهم البعض الإسلامويون. والمسلمون هم كل مسلم يعبد الله ويؤمن بأنه لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله. أما الإسلاميون فهو مصطلح دارج يصف فيه الناس الجماعات والتنظيمات السياسية الإسلامية وأحيانا لوصف المتشددين والمتطرفين من المسلمين. بمعنى أن وصف الإسلاميون هو وصف سلبي من جهة أو تنظيمي لا ينطبق على المسلمين المعتدلين غير المتحزبين في حزب معين أو حركة سياسية أو جهادية. والمسلم يكون عادة في حاله يعبد الله ويقيم شعائره دون التدخل في حياة غيره وطريقة معيشتهم ولا يحمل العداء لأحد لمجرد أنه ليس مسلم أو لا يسير على طريقته.

فالمسلم شخص مسالم متواضع محترم يحترم الغير ويتقبل الرأي الآخر ويعيش بهدوء دون إزعاج الآخرين. أم الإسلاميون فهم غالباً أعضاء في جماعات أو أحزاب أو حركات دينية يكونون في الغالب دعاة لفكر إسلامي محدد متشدد ذا مرجعية محددة من فقهاء المسلمين أو قياداتهم السياسية. ومن أبرز الجماعات الإسلامية الناشطة حالياً جماعة الإخوان المسلمين الذي أسسها الشيخ حسن البنا في مصر عام 1928، وحزب التحرير الإسلامي الذي أسسه القاضي تقي الدين النبهاني عام 1953، وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وأسسها فتحي الشقاقي في ثمانينات القرن الماضي، والجماعة الإسلامية التي أسسها أبو الأعلى المودودي في الباكستان عام 1941، والحركة الوهابية التي أطلقها محمد بن عبد الوهاب في شبه الجزيرة العربية أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، والتيارات السلفية التي تعتبر ابن تيمية مرجعا فكريا لها، وتنظيم القاعدة الذي أسسه بن لادن عام 1999، وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" الذي أسسه أبو مصعب الزرقاوي عام 1999 . بالإضافة لحركات شيعية سياسية عديدة موجودة في إيران والعراق ولبنان. إنّ المسلمين متفقون على الإسلام إلى حد كبير، بالرغم من التفاوت في الأفهام والتفاسير للقرآن الكريم والحديث الشريف، ولكن الاختلاف الكبير يتجلى في كل ما له علاقة بحركات الإسلام السياسي حيث يتحول الاختلاف إلى قتل تكفير وسفك للدماء. فالحركات الإسلامية تحمل العداء لكل الأنظمة الحاكمة حاليا في الوطن العربي بل في العالم بأكمله ليس بسبب الدكتاتورية وغياب الديمقراطية بل بسبب عدم تطبيق الشريعة الإسلامية من وجهة نظرهم وحسب فهمهم. وحتى الحركات القليلة منهم التي تبنت الديمقراطية فقط في العقدين الآخرين تفهم الديمقراطية بطريقة مغايرة.

فالديمقراطية والانتخابات بالنسبة لها ممر يوصلها للحكم والسلطة ومن ثم لا داعي للديمقراطية بعد ذلك وتحكم هي بالطريقة التي تراها مناسبة. وبالرغم من أنّ بعض التنظيمات الإسلامية تعتمد في اختيار قادتها على الانتخاب والشورى إلا أنّ معظم الحركات الإسلامية تنظيمات مستبدة وبنائها الداخلي دكتاتوري أيدولوجي يقوم بتخريج أفواج من الشباب مغسولي الدماغ طموحهم حكم العالم بالسوط والسيف والقتل والإعدامات والانقلابات العسكرية. فهل التنظيمات السياسية الإسلامية جزء من الحل أم جزء من المشكلة التي تواجه العرب والمسلمين اليوم! إنّ كل تنظيم من التنظيمات الإسلامية، سواء كان دعوياً فقط أو دعوياً مسلحاً أيضا، يلوم التنظيم الآخر ويقول إنه صنيعة المخابرات الغربية أو الإسرائيلية. وتتصرف كثير من تلك التنظيمات بشراسة شديدة وعنف مبالغ به في كثير من الأحيان، مع أن معظم المسلمين يفهمون طريق الدعوة الإسلامية بالحكمة والموعظة الحسنة وليس بالعنف والإكراه، مما أدى من بعض منابر الإعلام العربية وغيرها إلى وصفهم بالظلاميين والمتشددين والإرهابيين والأصوليين. مع أنّ كل حزب إسلامي يدعي أنه يتبع الإسلام المعتدل وأنه ليس متشدد أو متطرف أو إرهابي حتى لو نادى بتكفير كل من ليس مسلم وتكفير معظم المسلمين لأنهم لا ينتمون إلى ذلك الحزب. بمعنى أنّ معظم التنظيمات الإسلامية اليوم تقوم بتكفير كل من لا يتبعها.

فمن ليس معها من وجهة نظرهم هو ليس مع الإسلام. وهي تكفر الدولة المدنية وتكفّر الديمقراطيين والعلمانيين والليبراليين وكل من لا ينادي بالدولة الإسلامية على مقاسهم وفهمهم. ويصورون للناس ويقنعوهم بأن التعرّض للتنظيمات الإسلامية أو انتقاد فكرها ونشاطها هو تعرّض للاسلام والمسلمين جميعا، مع أن الحقيقة مختلفة عن ذلك تماما. إن الأحزاب الشمولية، مثل أحزاب الإسلام السياسي، تدعي شيء وتقول شيء آخر لأنه تقودها أيدولوجيا مغلقة غير متحررة، وهم أبعد ما يكون عن البراغماتية وعما ينفع الناس. فليس الهدف من وجود التنظيمات الإسلامية هو خدمة المجتمع ومساعدة الناس، حتى لو استخدموا هذا المدخل لفترة معينة للوصول إلى مرادهم، بل هدف حركات الإسلام السياسي هو الوصول للحكم والتحكم بالمجتمع والسيطرة عليه بالقوة والعنف. وطبعا حتى نكون منصفين، لا نختلف في أن بعض حركات الإسلام السياسي، مثل حماس وحزب الله، شاركوا بقوة في المقاومة المسلحة والعسكرية للاحتلال الإسرائيلي والاستعمار الغربي، وهذا يسجل لهم، إلا أن نجاحهم في المقاومة ليس كرتاً أخضر لهم للولوج في الحكم والتحكم في مفاصل الدولة عن طريق خلط الدين بالسياسة وخلط الأوراق وإرباك الأمة. نحن نريد ما ينقذ الأمة العربية والإسلامية ويحقق لها الاستقرار والأمن والازدهار، بالطرق السلمية والحضارية والعقلانية وليس بإساءة استخدام الدين الإسلامي وتطويعه لمصالح خاصة وركوب موجة التدين لترهيب الناس وقمعهم وقتلهم.