"قطاف"...مشروع ريادي تنفذه شابة مقدسية لتخضير المدينة المحتلة

28/02/2021

وطن للأنباء- تقرير: ربى عنبتاوي: دفعتها الرغبة في تعلم شيء جديد؛ وذكريات ممارسة جدّها للزراعة، في البحث عن دورات تتعلق بالبيرماكلتشر أو الزراعة المستدامة. أحبت هذه الثقافة التي تروج لنمط حياة صحي واقتصادي، وقررت أن تنفذ مشروعها الخاص، فتقدمت لمنحة ونالتها، وكان مشتل "قطاف" للتدريب الزراعي وبيع الأشتال؛ أول مشروع أخضر في مدينة خنقتها السياسة العنصرية والقوانين الجائرة.

كواحة وسط صحراء منطقة قلنديا الصناعية الملوثة او ما تعرف حاليا ب"عطروت"، يتربع مشتل صغير تديره شابة في أوائل العشرين "أسيل الجعبة" تملك ثقافة زراعية واضحة، قابلتها "مجلة آفاق البيئة والتنمية"، وتحدثت معها بإسهاب عن قصة مشروعها: كيف بدأ وازدهر؟ وما هي الصعوبات؟ وطموحاتها المستقبلية".

بداية التعلق

"أقمت في صغري في منطقة كفر عقب- شمال القدس، والتي لم تكن في الماضي مكتظة بشكل رهيب بالعمران كما الآن، فكان في بيتنا حديقة جيدة المساحة، اعتاد جدي "عبد اللطيف الجعبة" -الذي عمل مهندسا زراعيا في وزارة الزراعة زمن الحكم الأردني ولاحقا تحت إدارة السلطة- على زراعتها بالخضار الموسمية والأشجار المثمرة، ورغم انتقالنا للسكن في بيت آخر، لكن بقيت شجرات جدي شاهدة على ارتباطه الشديد بالأرض". تقول اسيل وهي تزين إحدى الأصص استعدادا لعرضها للبيع.

عمل والد أسيل مع جدها في محل للتجهيزات الزراعية أغلقته ظروف الانتفاضة الثانية، وبالنسبة لأسيل؛ فقد التحقت بكلية للطب البديل في للقدس فور تخرجها من الثانوية العامة عام 2015، الا أن شغفها الأكبر كان بالزراعة؛ فتركت الكلية وسعت نحو ما تحب.
"أفصحتُّ ذات يوم لصديقةٍ لي عن حلم حياتي في حديقة ومزرعة اعيش فيها طوال عمري واكتفي منها ذاتياً، فاطلعتني الصديقة على ورشة ذات علاقة في أريحا، فسارعت للتسجيل فيها غير مكترثة لطول الرحلة كل يوم والتي تطلبت ثلاث مواصلات ذهاباً وأخرى إياباً". تسرد اسيل بداية الحكاية مع الزراعة المستدامة.

ورشات ومنح

"علمني كل من مراد الخفش صاحب مزرعة مردا للبيرماكلتشر وإباء فراح لمدة أربعة أشهر أساسيات الزراعة العضوية من دون مدخلات كيميائية، البناء الطيني والزراعة المائية والسمكية". تكمل اسيل التي لم تكتفِ بهذا القدر بل شاركت ايضاً في ورشة أخرى في مزرعة ام سليمان حول ادارة المزارع الحقلية، تعلمت فيها كيف أستطيع ان ادير خط انتاج واصرف على مزرعتي من منتوج الأرض.
بعد الانتهاء من الورشة سمعت اسيل عن منح لمشاريع ريادية من قبل مؤسسة مقدسية تعنى بالشباب "رؤيا"، فتقدمت لها من خلال مشروع لاستغلال أسطح المؤسسات التجارية في عمل مشتل مدر للدخل ويقدم تعليماً زراعياً في ذات الوقت. تضيف: "تعلمت من خلال الدورة كل اساسيات ادارة المشاريع والتسويق، ومن بين 15 مشاركاً فازت فكرتي وحزت على ما يعادل ال11 الف دولار أميركي، ومنذ ذلك الحين بدأت بذور قطاف تشق طريقها من الظلمة إلى النور في أيار 2019.

تأسيس المشتل

رغم اكتشاف اسيل بوجود قانون اسرائيلي يمنع تأجير أسطح المباني، الا انها لم تيأس فقامت بالتفتيش على قطعة أرض، ووجدت مرادها على مساحة 300 متر في منطقة قلنديا "عطروت" بمساهمة من والدها، لأن المبلغ لا يغطي الرأسمال المتمثل بالبضاعة.
ومع إدراك الشابة أن الانطلاق بأي مشروع محفوف بالخسارة في البداية، إلا انها استمرت فخسرت أول عام رغم الاقبال الجيد، وساوت أرباحها مع تكاليف الانتاج في الثاني، وهي تستعد لتحقيق الربح في العام الثالث.

يساعد أسيل شقيقها طالب التوجيهي الذي ينوي التخصص في الزراعة إثر ورشة اخذها في الخليل حول تصميم الحدائق حيث أعجبه الامر، وكذلك والدها في ايام السبت، لكنها تقضي معظم الوقت لوحدها تدير المشتل الذي يبيع كل انواع النباتات والأشجار والأسمدة مؤكدة ان اسعارها معقولة وتعتمد على جودة النبتة التي تستمر مدة طويلة على خلاف بعض المشاتل الاخرى التي تبيع شتلات ضعيفة لا تستمر طويلاً. كما تقدم اسيل خدمة الإرشاد الزراعي فكل نبتة ليست سلعة فقط تباع وتنسى، بل تحرص الشابة على أن تعلم صاحبها طرق زراعتها وكيفية العناية بها.

تتعلم أسيل حالياً تصميم الحدائق على برامج حاسوب الاوتوكاد، لأنها تنوي مستقبلاً توسيع نطاق عملها في مجال الخدمات التي يقدمها المشتل، يُعينها في ذلك شقيقها.

لماذا قطاف؟

ترى اسيل ان مشتلها يتميز عن غيره من المشاتل بالخدمات التي يقدمها، فهي لا تتخصص فقط بنباتات الزينة وبيع الشتلات، انما تنفذ عدة انشطة من ضمنها زراعة البيوت التي لا تمتلك المساحات مثل أنظمة زراعية حديثة كالزراعة المائية والسمكية والعمودية والزراعة على الأسطح والشرفات، وتنفيذ دورات زراعية للتعامل مع عالم النبات، وانشاء الحدائق، والعناية بها بشكل دوري.
تعد الشابة الطموحة متفوقة على اقرانها في موضوع التسويق فهي تنشط على الفيسبوك وتتفنن في تقديم مشتلها بصورة مبهجة وجذابة، وحول الاسم فهو من وحي أفكارها، حيث اختارته ليعبر عن القطاف لمنتوج "الانتظار والترقب"، فالقطاف هو جمال الشيء بعد رؤيته ينمو ويكبر.

يهدف قطاف الى تسهيل عملية الزراعة وتوفير حلة خضراء ترتديها مدينة القدس لاستغلال جميع المساحات المتوفرة رغم قلتها، وذلك لإنشاء حدائق خضراء للاستمتاع بها وممارسة الشغف بعالم الزراعة.
تنصح أسيل الزبائن دائما بالبديل الطبيعي من سماد ومبيدات، وتروج له من خلال وضعه في مقدمة مشتلها محاولة تخفيض سعره، وبالرغم من انها تعرض الكيميائي أيضا، الا أنها تحاول دائما ثني الزبون عنه بالانحياز للعضوي ايمانا بما تعلمته في ورشات زراعية مختلفة.

ينظم قطاف دورات لطلبة المدارس تتمحور حول تعريفه بعالم النبات كطبقات التربة، طريقة زراعة البذور، "التيراريوم" زراعة نبات في وعاء محكم الإغلاق يعيش على الرطوبة والدفء، كرات البذور، وزراعة الاحواض.. الخ.
ينظَّم مشتل قطاف دورات زراعية للأطفال، تقدم اسيل من خلالها ساعتين من الارشاد الزراعي مع الاهل فيخرج الطفل بثلاثة أصص مزروعة وتجربة ممتعة. تتمحور الدورات حول زراعة البذور، الزراعة المائية، زراعة الأبصال، استطاعت الورشات أن تصل الى 3500 طفلاً وطلائعياً.

تحديات واحلام

رغم ان موقع المشتل يعدّ غير ملائم بشكل كببر بسبب الأغبرة المتواصلة بفعل أن المنطقة مزدحمة وملوثة، إلا ان اختياره لم يمنع اسيل واسرتها من الاستمرار رغم اضطرارهم لغسل نباتات المشتل كل يوم، مشيرة الى أنه جذب طيورا مختلفة الأنواع وقططا وزواحف؛ لم تكن تظهر بالسابق وفق شهادات المتواجدين في المنطقة.

تسعى أسيل لتحقيق حلمها في تأسيس مزرعة في قلب القدس، يعيش روادها تجربة زراعية كاملة، وفق مبدأ السياحة الزراعية حيث يأكلون ويشربون من منتوج الأرض؛ بحيث يعيشون حياة ريفية حقيقية، لذلك هي تنوي ضمان أرض او مشاركة صاحبها فيها، بحيث تكون مقراً يستهدف الأسر والأطفال.

تتمنى أسيل ان يتوفر لها الوقت لتدرس البكالوريوس في الهندسة الزراعية وتفكر بكلية في محافظة اريحا، لأنها ترغب بالإبحار أكثر في علوم الزراعة.

كورونا والزراعة

يلفت نظرها نساءٌ يشترين باستمرار رغم ان بيوتهن الصغيرة بالقدس لا تتسع كل هذا الكم، وأخريات يستغلّن أرضا حول مبناهن السكني لزراعتها بمختلف الأشجار والنباتات.
"سعدت كثيرا أن الاقبال على الزراعة زاد في زمن الكورونا، فهناك زبائنٌ لم يزرعوا في حياتهم وقرروا ذلك فجأة فلم أبخل عليهم بالمعلومة الزراعية... وكم كانت فرحتي كبيرة لرؤيتهم يرسلون لي صور نباتهم وأشجارهم تنمو وتكبر".
أسست اسيل مجموعة على الفيسبوك "الزراعة في فلسطين" تابعة لمشتل قطاف، حيث يتم تبادل الآراء والنصائح الزراعية.
"اريد أن يحيا أهل مدينتي حياة أجمل، أتمنى ان تفكر كل أسرة في تخضير نوافذها وشرفاتها وأسطحها، وتتعامل مع الزراعة كعنصر أساسيٍ في حياتنا وليس شيئاً كماليا".

أحبت ثقافة "البيرماكلتشر" والزراعة المستدامة التي تروج لنمط حياة صحي واقتصادي، وقررت أن تنفذ مشروعها الخاص، فتقدمت لمنحة ونالتها، وكان مشتل "قطاف" للتدريب الزراعي وبيع الأشتال؛ أول مشروع أخضر في مدينة القدس التي خنقتها السياسة العنصرية والقوانين الاستعمارية الجائرة.
كواحة وسط صحراء منطقة قلنديا الصناعية الملوثة او ما تعرف حاليا بـ"عطروت"، يتربع مشتل صغير تديره شابة في أوائل العشرين "أسيل الجعبة" تملك ثقافة زراعية واضحة، قابلتها "مجلة آفاق البيئة والتنمية"، وتحدثت معها بإسهاب عن قصة مشروعها: كيف بدأ وازدهر؟ وما هي الصعوبات؟ وطموحاتها المستقبلية".

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية