"ماس" يصدر دراسة حول الاستجابة الشاملة للآثار الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كوفيد-19 في فلسطين تحت الاحتلال

24/02/2021

وطن للأنباء: بيصدر غدا الخميس عن معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) دراسة في ست اوراق بعنوان "الاستجابة الشاملة للآثار الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كوفيد-19 في فلسطين تحت الاحتلال: إنقاذ المنتجين، حماية المستضعفين، صمود المواطن والمجتمعات، حوكمة عصرية".

,أعد الدراسة طاقم من الباحثين تحت إشراف المدير العام للمعهد السيد رجا الخالدي وبقيادة الباحث الرئيس د. رابح مرار، بدعم من برنامج الأمم المتحدة للتنمية (UNDP-PAPP).

,أوضح الخالدي أن هذه الدراسة هدفت إلى تقييم التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية المباشرة وغير المباشرة لجائحة كورونا، والخروج بمجموعة من التدخلات المعمّقة التي تغطي مختلف الجوانب المتعلقة بتحسين سبل العيش للأسر الفلسطينية، والنهوض بالمنشآت الاقتصادية الأكثر تضرراً، وتعزيز صمود المجتمع، وبخاصة الفئات المهمّشة والفقيرة في وجه التحديات الكبيرة التي خلقتها الجائحة، وفي حال أي صدمات مستقبلية.  وأشار الخالدي أن هذه الدراسة أداة ومرجع حديث لمراقبة وتحليل رفاه الأسر والشركات المتضررة أثناء الأزمات.

وبين الخالدي أن الدراسة ارتكزت على خمسة محاور رئيسية، واعتمدت على مسح شامل لجميع الأدبيات الصادرة منذ أوائل الجائحة، إضافة إلى سلسلة من الأبحاث الميدانية واللقاءات الحوارية القطاعية والمناطقية المركزة، شارك فيها المئات من الخبراء وممثلي مختلف القطاعات والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والحكومية، من مختلف المناطق في الضفة الغربية وقطاع غزة.   وأضاف أن مقدمة الدراسة تشير الى أنه "على الرغم من الآمال المعقودة بأن يأخذ منحنى الركود الاقتصادي شكل حرف (V) (هبوط حاد وتعافٍ سريع)، فإن التوقعات الأكثر واقعية للركود تدلل على ركود لن يطيل بما يشبه شكل الحرف (L) (دون تعافٍ في المنظور القريب) بل قد يأخذ شكل الحرف (K)، حيث يتعافى البعض ويحدث كساد لدى البعض الآخر".

هذا يعني ضرورة العمل لضمان جاهزية نظام الصحة العامة، ودعمه وتمكينه من مكافحة انتشار الفايروس بتوفير الموارد الكافية وبمشاركة القطاعين العام والمدني، مع ضرورة معالجة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية، التي لا تقل أهمية عن ذلك، إن لم يكن من خلال تدابير إغاثية، فليكن بإعادة تنظيم الطريقة التي يتكيف بها المجتمع، وتوزيع العبء، حتى تتمكن الأسر من التكيف مع هذه الأزمة طويلة الأمد، وهو أمر يجيده الشعب الفلسطيني.

,ناقش المحور الأول للدراسة "المنشآت الاقتصادية متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الأكثر عرضة للمخاطر، وحماية الوظائف، وبخاصة للشباب والنساء" الآثار السلبية الكبيرة على الأصول الإنتاجية والمشاريع متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، وعدم القدرة على الوصول إلى مدخلات الإنتاج الأساسية، وفرص كسب العيش، وتضرر سلاسل الإنتاج والخدمات اللوجستية في مختلف الأنشطة الاقتصادية. 

وقدمت الدراسة توصيات وسياسات خاصة في هذا المجال تتمثل في خلق فرص عمل فورية وقصيرة الأجل في القطاعات ذات الأولوية، ودعم المشاريع متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم، ومشاريع التوظيف الذاتي، والمنشآت الإنتاجية الأكثر عرضة للمخاطر وبشكل خاص المشاريع التي تديرها النساء والشباب.

أما المحور الثاني "توفير شبكات الأمان والحماية الاجتماعية للفئات الأكثر تضرراً وتهميشاً"، فقد ناقش الآثار الاجتماعية العميقة وغير المسبوقة على مختلف فئات المجتمع التي تركتها الجائحة، وبشكل خاص الفئات الفقيرة والمهمشة والأكثر ضعفاً التي لا تتوفر لديها أية حماية اجتماعية مثل النساء، والأطفال، وكبار السن، والأشخاص ذوي الإعاقة، والتجمعات البدوية، والأسر التي ترأسها نساء، والأسر التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي. 

كشفت الجائحة وآثارها الثغرات الكبيرة التي يعاني منها قطاع الحماية الاجتماعية الفلسطيني، فقد بقيت قطاعات وفئات اجتماعية واسعة، وما زالت دون أي مظلة أو حماية اجتماعية.  قدمت الدراسة توصيات خاصة لهذا المحور حول كيفية مواءمة برامج الحماية الاجتماعية وتنفيذها بصورة أكثر فعالية فوراً، بحيث توفر جسراً لتعافي الأسر والمجتمعات والاقتصادات المحلية بشكل سريع، ومساعدة الناس على التكيف مع الأوضاع الصعبة من خلال برامج الحماية الاجتماعية، وتأمين الخدمات الأساسية، وتحقيق الأمن الغذائي، وتعزيز التماسك الاجتماعي والاستثمار في نظم مجتمعية للصمود والاستجابة.

فيما يناقش المحور الثالث "تعزيز صمود المجتمعات والوصول إلى الخدمات الرئيسية الأزمة الكبيرة التي تعيشها المجتمعات الفلسطينية (من مدن وقرى ومخيمات وغيرها من "المحليات") في ظل جائحة كورونا، والحاجة الى تعزيز قدرات هذه المجتمعات، وبخاصة الصغيرة منها والبعيدة عن المراكز الحضرية الحكومية والاقتصادية، على مقاومة آثار المخاطر (الصحية وغيرها)، واستيعابها واحتوائها والتعافي منها في زمن معقول وبطريقة فعالة توظف المقدرات والمعرفة المحلية وتستثمر فيها.

يعتبر هذا المحور أساسي في تعزيز نسيج المجتمع الفلسطيني وقدرته على الانتقال من الصمود إلى التمكين، فعدم القدرة على التعامل مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية وتنظيم الاستجابة لها على الصعيد المجتمعي المحلي، سيؤدي الى فشل السياسات والبرامج المصممة مركزيا في تحقيق أهدافها. 

وقدمت الدراسة توصيات من شأنها أن تعزز قدرة المجتمعات على الصمود في وجه التحديات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن وباء كورونا، لتصبح أكثر أمناً واستدامة، وفهم احتياجات كل من هيئات الحكم المحلي والمجتمعات المحلية، بما يمكنها من تعزيز صمود المجتمع واستجابته من خلال العمل المجتمعي.

أما المحور الرابع والأخير "الحوكمة سريعة الاستجابة والشاملة" فيناقش أهمية الاستفادة من دروس إدارة الأزمة على المستوى المركزي والمحلي في مواجهة جائحة كورونا، التي تظهر بوضوح دور المؤسسات الحكومية على مستوى المحافظات ووحدات الحكم المحلي في توفير الخدمات الأساسية للمواطنين، وأهمية التعاون والتنسيق بين الجهات المختلفة (المؤسسات الحكومية والمحافظين، المنظومة الأمنية، المجالس البلدية والقروية، ولجان الطوارئ) من أجل الحد من انتشار الجائحة وتبعاتها على الاقتصاد ومصادر رزق المواطنين، وهو ما قدمت هذه الدراسة توصيات  وتدخلات بشأنه.

في المحور الخامس تخصص الدراسة جزءاً للآثار الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا في قطاع غزة، والتي ترتب عليها تأثيرات متنوعة وقاسية، فاقمت من تدهور الأوضاع الصحية والاجتماعية والاقتصادية في القطاع بعد أربعة عشر عاماً من تداعيات حادة لمنظومتي الانقسام والحصار.

وأشار الخالدي أنه بناء على هذه التدخلات، يمكن وضع إستراتيجية تحدد مجالات تركيز الدعم الوطني والدولي، بالاستناد إلى أهداف التنمية المستدامة، ومبدأ "إعادة البناء بشكل أفضل" من ذي قبل في النهاية. ما تؤكده هذه الدراسة، أنه في زمن شح الموارد المالية للاستجابة أو للتعافي، وفي بيئة معادية وحصار اقتصادي لم تشهدهما فلسطين منذ ثلاثين عاماً، فإن المقولة القديمة بأن أهم رصيد للقضية الفلسطينية هو مواردها البشرية، أو رأسمالها الاجتماعي، باتت حقيقة ساطعة أكثر من أي حقبة سابقة.  فإن أزمة 2020 أظهرت نقاط القوى الكامنة للشعب الفلسطيني بقدر ما أظهرت نقاط الضعف والتصدع الاقتصادية والاجتماعية.  بالتالي، يجب أن تستند الاستجابة وجهود التعافي قبل كل شيء إلى تعبئة العنصر البشري، وتنظيمه وتأطيره، وتكثيف التكاتف والتنسيق الاجتماعي.  خلص الخالدي قائلاً: "هكذا يمكن الوصول إلى حلول لا تتطلب موارد مالية بقدر ما تتطلب الاعتماد على الآخر، وليس استثناءه، والاهتمام بالأكثر تهميشاً وفقراً، والتفكير والتشاور والتخطيط قبل الفعل، بدل الانفعال."