فواز إبراهيم عطية يكتب لـوطن: مُخــططٌ لحـــرب عالميـــة ثالثـــة مـــن خــلال المسجـــد الأقصـــى

22/01/2021

 

استهل مقالة اليوم لأشير لواقع مجهول ينتظر القدس وأهلها بل ينتظر الأمتين العربية والإسلامية، في ظل تصرف حكومة بنيامين نتنياهو لما فاق وتجاوز جميع خطوط ألوان الطيف السبعة، فبين التصديق والانكار لواقع ما احيط به المسجد الاقصى المبارك الاسبوع المنصرم، جلست متأملا متدبرا خلال الايام السابقة  لكتابة هذه المقالة التي ترتبط بالحدث، مما دفعني للتريث في كتابة المقالة لأستفيض في قراءة تحليل أصحاب الاختصاص من سياسين وصحفيين- وهم قلة للأسف تعرضوا له- وبين ترتيب الافكار للمشهد الخطير الذي يُنذر بأم الكوارث تمرّ على العرب والمسلمين.

بل إن بعض المسؤولين من أهل القدس بلعوا الطُعم، مما جعل من اسلوب التنديد والاستنكار وهو أقوى أسلحة العرب، قد ورد على استحياء  في بعض اعمدة ورقيات الصحف المحلية.

هذا الواقع والمشهد، يتعلق بمعاينة باحات المسجد الاقصى الاسبوع المنصرم من خلال طاقم يعمل في مجال الهندسة والمساحة، حيث خُصصت اعمال المساحة ضمن محيط مسجد قبة الصخرة المشرفة، بهدف تنزيل الاحداثيات لتنصيب الهيكل المزعوم مكان قبة الصخرة ضمن ابعاد وقياسات هندسية مُحكمة، تنفيذا لوصية اليمين المتطرف في اسرائيل، ليساعد هذا التنصيب على سرعة اخراج المسيخ من سباته وفق معتقدات اليهود المتزمتين.

فاستكمال احتلال باقي ما تبقى من القدس في 7/6/1967 بقوات عسكرية اسرائيلية، وهذا الاحتلال جزء من العقيدة اليهودية، إلا أن الرعيل الأول من العسكريين الإسرائيلين وعلى رأسهم موشيه ديان، لم يخرج عن نطاق مبدأ الريبة أو عدم التحديد.

اخترت بعناية هذا المبدأ لربطه بواقع احتلال القدس وباقي الضفة الغربية عام 1967، وما تؤسس عليه حكومة نتنياهو اليوم في تصرفاتها كأساس لبناء هذه المقالة، إذ لم اجد أي تفسير منطقي أو قانوني على ما يقوم به رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو قبل اسبوع من نهاية ولاية دونالد ترامب، الذي كاد الأخير أن يُشعل الحرب العالمية الثالثة بتصرفاته المتهورة الخارجة عن مبدأ الريبة أو ما يطلق عليه مبدأ الشك، رغم أسبابها ما زالت قائمة نتيجة حماقات ارتكبت خلال مدة ولايته.....
ذلك المبدأ يُعد من أهم المبادئ في نظرية الكم، ملخصها أن الإنسان ليس قادرا على معرفة كل شيء بدقة 100%، ولا يمكنه قياس كل شيء بدقة 100%، إنما هناك قدر معين لا يعرفه ولا يستطيع قياسه، ولا يستطيع معرفة نتائجه.

وهذه الحقيقة العلمية بعيدة عن مفهوم وإدراك حكومة الاحتلال في عهد نتنياهو، نتيجة وصول حكومته الحالية لأقصى معايير الغرور الذي فاق كل حدود، فطاقم نتنياهو اليوم يعتقد بأنه يملك الذكاء الخارق نتيجة خرق محرمات الفكر العربي، بحيث جعل من التطبيع المحرم من بدهيات الحلال، فأصبح التطبيع والتجول في الجزيرة العربية مدخلا للانقضاض على جميع المجتمعات العربية ضمن خارطة الوطن العربي في سبيل السيطرة والتحكم بمصيرها، بما يضمن لحكومة اسرائيل حق البقاء لها ولشعبها لسنوات وسنوات، من خلال ابتزاز الحكومات العربية في المطالبات بحقوق مالية كتعويضات، تقدر بألف مليار دولار أمريكي عن ممتلكات اليهود الذين تركوها بمحض ارادتهم دون حرب أو هجرة قسرية.

يبدو لي أن حكومة نتنياهو، خرجت اليوم عن قصد عن بيان موشيه ديان الذي ألقاه 1967، حول طبيعة المسجد الأقصى الذي حدد معالم وخطوط لا يمكن تجاوزها، عندما دخل بقواته العسكرية عام 1967القدس والمسجد الاقصى، مانعا فكرة تقسيمه لأنه كان يعلم أن في تلك الفكرة بمجرد طرحها ستؤدي لحرب عالمية ثالثة، الامر الذي يستدعي التذكير بأن دخول الجنرال موردخاي غور باحات المسجد الاقصى وقتئذ، وقيامه برفع العلم الاسرائيلي على قبة الصخرة المشرفة لمدة لم تتجاوز الساعتين، دفع موشيه ديان بإصدار تعليماته للجنرال المذكور لإنزال العلم -  بعد أن تدخل القنصل التركي وحذر من مغبة حرب دينية، مؤكدا ذلك القنصل في الوقت ذاته أن المسجد الاقصى ملك للمسلمين فقط .

وفي اليوم التالي من احتلال القدس المتبقية، اجتمع موشيه ديان مع "خطيب المسجد الأقصى ورئيس المحكمة الشرعية ومدير دائرة الأوقاف الإسلامية، والتمس منهم تسليم مفتاح باب المغاربة، في الوقت الذي اكد ديان لهم أن المسجد الأقصى المبارك، هو ملك للمسلمين وحدهم وأن إدارته ستبقى بيد دائرة الأوقاف الإسلامية الأردنية، وبالتالي تأكيدا لتعهده أصدر موشيه ديان بيانه الأول على عتبات ساحة البراق التي عرفت "بوثيقة موشيه ديان"، وأكد فيه على: " حرية العبادة لجميع الديانات في القدس، وأضاف لم نأت ِالى هنا لكي نحتل أماكن العبادة للآخرين، وشدد في بيانه بأن إدارة المسجد الأقصى  سوف تبقى في يد دائرة الأوقاف الإسلامية الأردنية، وصرح بشكل واضح لا لبس أو غموض فيه بأن اليهود يحق لهم زيارة المسجد الأقصى كسائحين فقط، ويمنع عليهم ممارسة الصلاة والشعائر الدينية اليهودية".

ولما استمر هذا الوضع بالتفاهم ضمن الوضع القائم بما يعرف في القانون الدولي "الستاتيكو" بين حكومات الاحتلال المتعاقبة منذ عام 1967 مدة اربعة عقود وحكومة المملكة الاردنية الهاشمية، إلى أن نقض ايهود باراك رئيس وزراء حكومة الاحتلال الاسرائيلي هذا الوضع الدائم، عندما سمح في نهاية أيلول من عام 2000 لأرييل شارون بدخول المسجد الاقصى والصلاة في باحاته مع زمرة من المتطرفين والمتزمتين اليهود، مما أدى ذلك إلى إشعال ما يسمى انتفاضة الاقصى التي استمرت خمسة سنوات تقريبا، بحيث فرضت آثارها تغيير في معالم اتفاقيات وقعت برعاية دولية بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة الاحتلال الاسرائيلي عام 1993 وما تبعها من اتفاقيات، كما وتم تغيير المعالم على الارض ببناء جدار الفصل العنصري على مساحات كبيرة من أراضي الضفة الغربية، حال دون الامتداد العمراني والتواصل الجغرافي لأهل فلسطين، وتعاقبت الحكومات اليمينية المتشددة إلى أن وصلت ذروتها اليوم، بتمكين حكومة نتنياهو لمساحين يهود برصد ومعاينة المسجد الاقصى لتنصيب الهيكل مكان مسجد قبة الصخرة المشرفة، مخالفين بذلك وثيقة موشيه ديان التي ألزمت كل حكومات اسرائيل على التعاقب، وأصبحت تلك الوثيقة، مصدر عرف وتشريع في القانون الاساسي لدولة الاحتلال، يستدعي لتغييره أخذ موافقة البرلمان، لتكون فضيحة قانونية مدوية لدولة الاحتلال، فيما لو اتخذ البرلمان موقفا مغايرا للوثيقة.

لذلك إن حكومة الاحتلال تسعى اليوم لإشعال حرب دينية وصب الزيت على النار، لا يستطيع العقلاء إطفاءها، بفرض امر جديد غير محسوب العواقب والنتائج، وخارج مبدأ الريبة الذي تقوم عليه مادة الفيزياء.

وهذا الامر يجب أن يدركه العرب المطبعين قبل أن تدرك حكومة نتنياهو ومطبخه السياسي، بأن وثيقة ديان أصبحت جزء من القانون الاساسي الاسرائيلي ضمن قواعد لا تلغى لإرتباطها بالقانون الدولي، وبأن المساس بالمسجد الاقصى وتغيير قواعد الزيارات والسماح لليهود من المستوطنين وغيرهم بإقامة الصلوات في باحات المسجد الاقصى، يشكل انتهاكا صارخا لستاتيكو قائم، ويخالف مبادئ وقواعد القانون الدولي، مما سيعرض الأمن والسِّلم الدوليين لخطر وقوع حرب عالمية ثالثة، ستأكل الأخضر واليابس.

من هنا من القدس، أدعو حكومة المملكة الاردنية الهاشمية، باعتبارها صاحبة الولاية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في بيت المقدس بالنيابة عن الملك عبد الله بن الحسين، وبما لها من وضع سياسي ووزن دولي في المنطقة العربية، وبناء على وضع قائم على مفهوم "الستاتيكو"، بأن تلزم حكومة نتياهو بصورة قاطعة جازمة لتنفيذ وتطبيق وثيقة موشيه ديان التي أنشأت حالة ملزمة لحكومات دولة الاحتلال، بما في ذلك حكومة نتيناهيو وأية حكومة تأتي من بعدها:" بأن المسجد الأقصى المبارك حق للمسلمين وحدهم، ويحق لليهود وغيرهم زيارة المكان كسائحين دون ممارسة أية شعيرة دينية غير إسلامية"، لينعم العالم بالأمن والسِّلم الدوليين.