اسماء بلا مسميات..بقلم: خيري منصور

03/07/2011

بإمكان أية دولة أو دويلة في العالم أن تسمي نفسها ما تشاء، وأن ترقص على إيقاع نشيد لم تظفر به إمبراطورية في التاريخ، لكن تسمية طفل ما باسم بطل قومي لا تعني أنه سيصبح ذلك البطل، والعرب اهتدوا بخلاف سواهم من الشعوب مبكراً إلى التسمية المضادة، فكانت الأسماء الخشنة المستمدة من ألقاب للعبيد والأسماء الناعمة لسادتهم، وأحياناً سموا الملدوغ بالسمّ سليماً، وابن الأثرياء شحاذاً درءاً للحسد، وإن كان مفهوم التسول في ثقافتنا ليس حكراً على المال أو دليل حاجة، فالرحمة تستحق أن يتسولها الإنسان وكذلك الشفاء إذا مرض .

وقبل أعوام كتب الروائي التشيكي كونديرا دراسة جديدة في بابها عن الأناشيد الرسمية للدول . وتوصل إلى أن هناك تناسباً عكسياً وليس طردياً مع هامشية بعض الدول وعظمة نشيدها الإمبراطوري، وثمة أكثر من وجه شبه بين الأفراد والدول، لأن بعض الأفراد ممن تنقصهم الإرادة ويعانون من فائض الأحلام يعوضون النقص في حياتهم وواقعهم بالخيال، مقابل أفراد آخرين يسعون ببسالة إلى تقليص المسافة بين الحلم والقدرة على ترجمته إلى واقع .

الدول أو بعضها على الأقل تفعل ذلك، فمنها ما يكتفي بمديح الذات والإنفاق بلا حدود وعلى حساب الرغيف والمأوى والسلاح على تجميل الصورة، والنفخ فيها، لكن أول اختبار ميداني يعيد الطاووس إلى حجمه الطبيعي بعد أن ينتف ريشه

وبالمقابل أيضاً هناك دول قد تكون صغيرة مساحة وعدد سكان لكنها استطاعت أن تروض البيئة القاسية وتتحول رغم شروطها الجغرافية إلى بلدان سياحية بامتياز، لأنها لم تركن إلى ما يسترضي نرجسيتها وينافقها دون أن يضيف إلى مضمونها أي بعد جديد .

لقد سمت بريطانيا نفسها ذات عهد إمبراطوري العظمى، ورغم غروب الشمس عن معظم ممتلكاتها ومناطق نفوذها ظلت هذه التسمية تقترن ببعض المصنوعات كشفرات الحلاقة مثلاً .

والولايات المتحدة الأمريكية حافظت على هذا الاسم، ليس تواضعاً منها بل لأنها وجدت أن هناك أساليب أخرى لتكريس القوة والتفوق، لهذا تركت الآخرين يسمونها القوة الأعظم في العالم، وهي بدورها أخذت تسمي الهيمنة التي تمارسها شراكة . وتعهدت دبلوماسيتها الناعمة قبل أن تعسكر وترتدي خوذة البنتاغون بما نسميه نحن العرب في تراثنا البلاغي الترخيم، وهو تنعيم الأسماء، فالتابع لأمريكا لا يحمل هذا الاسم، وكذلك من تستخدمهم في بعض المراحل على طريقة المقايضة الشهيرة بين التماسيح والطيور التي تنظف لها أسنانها الأشبه بالمنشار .

الأفراد الذين يبددون الطاقة والوقت في تعظيم مراتبهم أشبه بمن يوقعون على شيكات بلا رصيد، أو من يودون صناعة الفاصولياء من الحصى حسب تعبير شهير لآرثر ميلر، والاحتكام الأخير سواء تعلق بالأفراد أو الجماعات البشرية هو إلى النتائج، فقد يكون حاصل جميع الانتصارات الوهمية لفرد أو جماعة هو هزيمة ساحقة، ويبدو أن التواضع كقيمة أخلاقية ومعرفية أيضاً ليس من السهل اكتشافه وممارسته، فالعلماء هم الأكثر تواضعاً من الجهلة لأنهم يدركون بفضل العلم كم يجهلون وكم هي الحياة أعقد وأغنى مما يتصور الذين يرون الجبل حبة قمح . والمحيط الأطلسي مجرد غدير أو حوض ماء .

لنسم أنفسنا ما نشتهي، ولنحمل من الألقاب ما تنوء به سلاسل الجبال لكن الحقائق لا تعبأ بأوهامنا.

                                                                                                          جريدة الخليج