عن السلم الأهلي والعقد الاجتماعي

29/11/2020

 

كتب: داوود الديك
وكيل وزارة التنمية الاجتماعية

بعيدا عن الاحتلال وادواره الخبيثة ومخططاته الشريرة للعبث بالسلم الأهلي الفلسطيني، والتي واجهها شعبنا واستطاع بدرجة أو بأخرى الصمود في وجهها ومقاومتها. بالمقابل، على صعيدنا الداخلي والجبهة الداخلية، تبرز مؤشرات غير مبشرة وظواهر مقلقة وخطر داهم قد يطيح بهذا السلم الأهلي الذي لطالما تغنينا به.

مدخل السلم الأهلي أو إطاره الناظم يستند إلى العدالة الاجتماعية والتماسك الاجتماعي والحس بالمواطنة غياب العدالة الاجتماعية يقضم السلم الأهلي تدريجيا، وخلخلة التماسك الاجتماعي تقوض السلم الأهلي، وفتور الحس بالمواطنة يشكل خطرا على الانتماء وعلى الإحساس بالمسؤولية ويشجع الانحراف والفوضى والانكفاء على الذات. إذا تملك الخوف الأفراد، وانفرط عقد المحبة والتسامح، وتعمق الشعور بالظلم والقهر والاقصاء والتمييز، يبدأ التماسك الاجتماعي بالتآكل. وإذا شعر المواطن أنه متروك خلف الركب في المجتمع وفي الاقتصاد والدخل والخدمات والفرص والمشاركة، ماذا تبقى له من الوطن ومن الحس بالمواطنة ومعناها وقيمتها.

الفقر والبطالة والحرمان والاقصاء والتهميش وانعدام المساواة وفقدان الأمل هي معاول هدم السلم الأهلي والتماسك الاجتماعي. وهي التي تقوض أية منجزات أو مكتسبات بين ليلة وضحاها.

المهمة الوطنية الملحة للنظام السياسي والحكم والأحزاب والمجتمع المدني والافراد والناشطين ينبغي أن تتمحور حول إنتاج عقد اجتماعي أو إعادة إنتاج وتطوير عقد اجتماعي يعيد اللحمة والتماسك للمجتمع. هذه مهمة غير قابلة للتأجيل او المماطلة. ومطلوب من جميع هذه المستويات عقد ورشات وطنية للتباحث والتفكر والتدبر والخروج ببرنامج عمل وخطة واضحة ومحددة للوصول الى هذا العقد الاجتماعي الذي نريد. أدرك تماما أنها مهمة صعبة في ظل التباين السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعقائدي، لكنها مهمة ممكنة وليست مستحيلة.

أما عن دور الحكومة وسياساتها، وهو ما سأركز عليه بحكم التجربة في القطاع الاجتماعي، فهو دور كبير ويتطلب جهودا جبارة وإمكانات وموارد (او إعادة توزيع الموارد) وكفاءة عالية في التخطيط وفي التنفيذ. والتركيز هنا سيكون على الدور الاجتماعي وإعادة الاعتبار للأجندة الاجتماعية (أي محور الناس كما ورد في أجندة التنمية المستدامة)، وبكلمات أخرى "المواطن أولا" وهو عنوان أجندة السياسات الاجتماعية.

الدور الحكومي يتمثل في بناء إطار سياسات وبرامج قائمة على العدالة الاجتماعية بهدف نقل الناس من مجتمع تسوده حالة من الفقر والتهميش والتفاوت واللامساواة إلى مجتمع تسوده العدالة وقيم المواطنة والمساواة. ونقل الناس من حالة التهميش الى حالة التضمين. هذا الإطار السياساتي القائم على العدالة الاجتماعية يتضمن القيم الموجهة التالية:

المساواة: حياة لائقة ومستوى معيشي كريم، ومعالجة قضايا كالفقر والحرمان والتمييز وغيرها.

التضمين والتمكين: سياسات تضمين وادماج وإجراءات تكافؤ فرص ومحاصرة التفاوتات الافقية والعمودية وعلاجها وعدم توسيعها او إعادة انتاجها.

العدالة: سياسات وإجراءات مؤسساتية وتشريعية تضمن أطار عادل ومساواة وتمكين للجميع وإزالة التمييز بكافة اشكاله والعنف بكافة اشكاله بحيث لا يترك أحد أو فئة خلف الركب.

إذا ما تكامل ذلك مع سياسات اقتصاد تضميني وادماجي، وخدمات اجتماعية متاحة للجميع بعدالة، وإعادة توزيع الفرص بعدالة وشفافية، وإطار ناظم للنزاهة والشفافية والمساءلة، وحياة ديمقراطية على مختلف المستويات، ومحاربة الفساد، بذلك نستعيد للمجتمع الفلسطيني عافيته ونسرع الى إنقاذه لكي يتمكن من استكمال مسيرة التحرر والاستقلال.

هذا ليس ترفا أو جنوحا فكريا بل ألف باء الصمود والتعافي والنهوض.