الأشــــجـار... ذكريـــات وقصــص وحكايـــات وأساطير

29/11/2020

وطن للأنباء- خالــد أبـو علـي: وراءَ كلّ شجرةٍ رواية وحكاية، وبعضُها يحكي من القصص ما يثيرُ أبلغَ العجب وأعمقَ الأسى وأصدق الروايات، فهي تخزّن الذكريات وتُجسد المعتقدات وتشهَد على الأحداث، وعادة ما نحتفظ في مخيلاتنا بصورٍ عن الأشجار، كما ارتبط وجودُ الأشجار المعمّرة بالأساطير الجميلة والمعتقدات المتوارثة . للأشجار قوةُ جذبٍ روحية، فالمسافر يلجأ إلى ظلّها، ويشرب من الجدولِ القريبِ منها، ثم يفرش عباءَته ويناجي ربَّه بصلاةٍ وشعورٍ غامرٍ بقرب السماء، وبعضُ هذه الأشجار كانت بمثابةِ ملاذٍ آمنٍ يتركُ الناسُ عندها أمتعتَهم ومحاريثَهم، دون أن يجرؤَ أحدٌ على المساس بها خوفاً من انتقامِ الأرواحِ التي تحرسُها، ويرتبط الناسُ بالأرضِ والمكان، فتصبحَ الأشياءُ المحيطة بهم والتي تكبرُ معهم جزءاً من تفاصيلِهم ولحظاتِ حياتهم، ويشعرون بالانتماءِ والحنين إليها، لا سيَّما إذا كانت تنبضُ بالحياة.

سنديانة روبن هود في بريطانيا

ورد في التراثِ العالمي الكثير من القصص التي تروي حكايات عن الأشجار، فهناك " سنديانةُ روبن هود" وهي شجرةٌ ضخمةٌ عملاقة وقديمة في غابة "شيروود" في مقاطعةِ "نوتنغها مشاير" في بريطانيا. ويقال إن "روبن هود" عاش في القرنِ الثالث عشر، وكان رامياً بارعاً بالقوسِ والنشاب، ولا يعرفُ الخوف. وقد تزعَّمَ عصابةً من الخارجين عن القانون وعاشوا مختبئين في غابةِ "شيروود"، حيث كانوا يسرقون الأغنياءَ ليطعموا الفقراء، ويجتمعون في مجلسٍ حول السنديانةِ الكبرى في أعماقِ الغابة، تمامًا كما كان يفعلُ عروة بن الورد، وهو شاعرٌ من الشعراءِ الصعاليك، وفارسٌ من فرسانِ العرب المشهورين، الذين عاشوا في الجزيرةِ العربية قبل الإسلام، وكان عروة يسرقُ ويطعمُ الفقراء، دأبه في هذا دأب الصعاليك الذين امتهنوا سرقةَ الأغنياء لإطعامِ الفقراء.

شجرة كهف المتآمرين في اسكتلندا
أما " شجرةُ كهفِ المتآمرين" ففي تجويفها الشبيه بالكهف، دبَّر اللورد "مورتون" مؤامرةَ اغتيالِ زوج "ماري" ملكةِ الأسكتلنديين، وما من شجرٍ أكثرُ ارتباطاً بمقاطعةِ ويلز من "شجر الطقسوس القديم"، خصوصاً في ساحاتِ الكنائس وقصصِه الأسطورية والشعبية، وهو شجرٌ ضخمٌ داكنُ الاخضرار، يبدو كأنّما وُجد ليدومَ الى الأبد، وحسبَ الروايات والمعتقدات فإنّ "الطقسوسة النازفة" جرحُها لم يبرأ منذُ مائة سنة، وما زال ينزفُ سائلاً أحمرَ حتى اليوم.

مقهى
داخل شجرة الباوباب في جنوب إفريقيا
تقع شجرةُ الباوباب الضخمة  Sunland Baobab في مدينةِ مودجايسكوف في مقاطعةِ لمبوبو بجنوب إفريقيا، وتعتبر بحق رمزًا للحياة في السهولِ والأدغالِ الأفريقية.

غالبًا ما يُشار إلى البوباب على أنها أشجارٌ مقلوبة رأسًا على عقب، ذلك بفضلِ المظهر الشبيه بالجذور لأغصانِها المتشابكة. توجد في جميعِ أنحاءِ القارةِ الأفريقية، على الرغم من نطاقِها المحدود بسبب تفضيلِها لجفافٍ أكثر ، ومناخٍ استوائيٍ أقل. وقد تمّ إدخالُها إلى الخارج أيضًا، ويمكن الآن العثورُ عليها في دولٍ مثل الهند والصين وعُمان. ومن المعروف الآن أن عمرها يتجاوز 1500 سنة. ولكن الجزءَ الأكبر منها يجعلُه منافسًا قويًا لأكبر شجرةٍ في العالم، ويمكن أن يصلَ ارتفاعها إلى 82 قدمًا / 25 مترًا.
كان لدى الشجرة متسعٌ من الوقت للوصولِ إلى عرضِها الذي حقق رقماً قياسياً، حيث كانت مواعدة الكربون ترجع إلى ما يقرب من 1700 عام، وبعد الوصول إلى 1000 سنة، تبدو البوباب أكثر تجويفًا من الداخل.

يستخدمها السكانُ المحليون لنسج الحبال والقماشِ من لحاءِ وجسدِ هذه الشجرة الليّن والليفي، وتستخدم منتجاتُ باوباب أيضا لصنعِ الصابون والمطاط والصمغ، بينما يستخدم اللحاءُ والأوراق في الطبِّ التقليدي. يعتبرُ الباوباب عاملًا للحياةِ البرية الإفريقية أيضًا، مما يؤدي في الغالب إلى إنشاءِ نظامٍ بيئيٍ خاص بها. ويوفرُ الطعامَ والمأوى لعددٍ لا يحصى من الأنواع، من أصغرِ الحشرات إلى الفيلِ الأفريقي العظيم.

وقد استفاد أحدُ السكان من هذه الميّزة الطبيعية، ومن ضخامةِ الشجرة ليحفرَ في داخلها كهفًا للبار وقبوا لتقديمِ المشروباتِ والمأكولات كما نُسجت العديدُ من القصص والتقاليد المحيطة بشجرِ الباوباب، على طولِ نهر زامبيزي، حيثُ تعتقد العديدُ من القبائل أن الباوباب قد نما في وضعٍ مستقيم، لكنّه اعتبرَ نفسَه أفضلَ بكثيرٍ من الأشجار التي حوله، فقررت الآلهة في نهاية المطاف تعليمَ البوباب درسًا، فاقتلعوه وزرعوه رأساً على عقب، من أجلِ وقفِ تفاهاتِها وتعليم تلك الشجرة التواضع.

الشجرة العملاقة في تركيا
يُظهر التاريخ آثارَه من خلال تجسيده في المباني، سواءٌ المساجد أو القصور أو المتاحف أو الكنائس أو حتى القلاع، لكنْ للطبيعة أيضًا تاريخٌ عريق، يتمثل داخلَ جذورها وعروقِها وأوراقِها وفروعِها، كما هو الحال في الشجرةِ العملاقة المشهورة في مدينةِ بورصة في تركيا، يظهر في هذه الشجرة عبقُ الطبيعة، وتاريخٌ قديم، تحملُه جذورُها المغروسة منذ مئاتِ السنين في أعماقِ الأرض، هي شجرةٌ كبيرة جدا، ومن أقدمِ الأشجارِ المعمرة في العالم، حيث يصلُ طولُ قطرِ جذعِها إلى 18.5 متر، كما ترتفعُ 35 متر، ويحتلُ جذعُها مساحةً واسعة من الأرض، ويصل عرضهُ بين مترين الى ثلاثة أمتار، ولها فروعٌ كبيرة، عرضُ كلٍ منها بحجمِ شجرة، ويصل عمرُها إلى ما يقارب الـ 600 عام، ويقال أنَّ تاريخَ زراعتِها يعودُ إلى بدايةِ الدولةِ العثمانية، لذلك أصبحت تلك الشجرة رمزًا شهيرًا من رموزِ مدينة بورصة ووجهةً للكثير من العائلات والزوار الذين يجلسون تحتها على مقاعد مقهى جميل ذي إطلالةٍ رائعة على المدينة، كما يوجد مطعمٌ يقدّمُ الشواء بالطعمِ اللذيذ،  إضافةً إلى محلٍ لبيعِ التذكارات والتحف.

أشجار الأرز في لبنان وملحمة جلجامش البطولية
وفي التراثِ العربي اللبناني، هناك ترسّخ وتجذّر لأشجارِ الأرز في لبنان، والتي تحوي مخزونًا عظيمًا من الذاكرة، وترتبطُ  بحكايا وملاحمَ تاريخيةٍ وبطوليةٍ عريقة، هذه الأشجار التي تقع تحديدًا في الشمال على سلسلةِ جبالِ لبنان الغربية في منطقةِ الأرز، وهي إحدى أبرزِ المناطق السياحية في لبنان، وتشتهر بوجودِ شجرِ الأرز المعمّر الذي يعدُ رمزَ لبنان، والذي يغطّي معظمَ مرتفعاتِ لبنان، وهناك ثلاثُ غاباتِ أرزٍ شهيرة، هي حرش اهدن، وتنورين وأرز بشري، إضافة إلى غابة أرز الرب، والتي يصل عددُ الأشجارِ فيها قرابة 140 ألفَ شجرة، لتحملَ كلٌ منها قصةً مختلفة ومثيرة للاهتمام، وحتى الآن لا يمكن تحديدُ أكبر شجرةِ أرزٍ في الغابة، حيث يتراوح عمرُ الأشجار من سنة إلى ثلاثةِ آلافٍ عام، كما ارتبطت أشجارُ" أرزُ الرب" بالعديدِ من الأساطير والقصص التي تُسرَد عن الغابة. ويُروى أن "النبي نوح قطّع أغصاناً من أرز الربّ وصنع منها ألواحًا لبناءِ سفينته، وأنَّ القديس يوسف صنع سريرًا للطفلِ المسيح من خشبِ الأرز".

الدكتورة فيفيان حنّا الشويري أستاذة الآثار والميثولوجيا واللغات القديمة في الجامعة اللبنانية أفردت لنا حديثها وقالت: "إنّ وحدةَ مشرقِنا الجيولوجية والجغرافية والبيئية والتاريخية والحضارية هي وحدةٌ متكاملة، ولطالما ربطت الأقاليمُ في سورية ببعضها من خلالِ تفاصيلَ بيئية مثل الغطاءِ النباتي، رَغم ما أصاب الغاباتِ والأحراشَ والمناطقَ الحرجية، والتي كانت كثيفةً ومتنوعة في زمنٍ مضى، حتى بتنا نعدُّ الأشجار بالواحدة في ظلِّ سياسةِ التصحّر المتعمّدة، وغيابِ كلِّ خططِ الإنماء البيئي وبشكلٍ خطير في وطنِنا العربي بشكلٍ عام.

وأضافت الشويري في حديثِها: " لكنْ ثمةَ حقيقةٌ تقول أن توزّعَ الثروة الحرجية ليس متجانساً في بلادِ الشام عموماً، وذلك مردُّه الى أنواعِ الشجر نفسِه، فإذا كانت أنواعٌ كالسنديان والبلوط والكينا والصفصاف منتشرةً في كلِّ مناطق سورية الطبيعية، فإن شجرةَ الأرز مثلاً تكثرُ في لبنان، حتى اتخذت شعاراً وطنياً يزينُ العلمَ اللبناني وصنّفَ الأرزَ شجرةً مقدّسة وعنوانَ هُوية وطنية.

وقالت الدكتورة الشويري: "وإذا ارتأينا التحدث عن بعضِ أنواعِ الأشجار في لبنان يأتي شجرُ الأرز في الطليعة من حيث توزّعِه في أكثرَ من منطقة، إضافةً إلى جلالتِه ورمزيتِه ودلالتِه وارتباطِه بأكثرَ من جانبٍ أسطوري وتاريخي، حتى بات صفةً ملازمة للبنان رغمَ وجودِه في مناطقَ أخرى مجاورة، كشمالي سورية مثلاً (جبال طوروس)، ولهذا صار شعاراً للبنان تحديداً. واسمه العلمي يدلُّ على ذلك (Cedrus Libani)، وحتى شجرُ الأرز في شمالي سورية والمناطقِ التركية يحملُ نفسَ الاسمِ العلمي (  Cedrus Libani var. stenocoma) وهذا إن دلّ على شيء، فإنّما يدلُ على امتدادِ هذا النوع من الشجر على كلِّ رقعةٍ جبلية في سورية الطبيعية.
تابعت الدكتورة الشويري حديثها عن مزايا شجرة الأرز اللبناني وقالت: " إنها شجرةٌ معمّرة جداً دائمةُ الخضرة، منها ما يصل لآلاف السنين، وبقي عددٌ قليلٌ منها الى اليوم، وهي شجرة تتميّز بمقاومتِها للأمراض، مما جعلها من الأشجارِ العتيقة والمعمّرة، حيث يمكن أن تعيشَ ما يقاربُ الـ 3000 سنة، والغالبية منها اليوم يصل أعمارُها إلى ألف سنة تقريباً.

وعن ذكر الأرز في كتاب العهد القديم قالت الدكتوره الشويري "شجرُ الأرز في لبنان ذُكِر  73 مرّة في العهدِ القديم أو الكتابِ المقدس أو ما يعرف بالتوراة، ووُصف بأجلِّ الصفات، واعتُبر رمزاً للبهاءِ السياسي والاقتصادي للبلد ولقدرةِ الحكّام (حزقيال: 22-7؛ 24)؛ "تَشْبَعُ أَشْجَارُ الرَّبِّ، أَرْزُ لُبْنَانَ الَّذِي نَصَبَهُ." (سفر المزامير 104: 16)، أي أنّ الربَّ هو الذي غرس الأرزَ بيدِه، بما يعني أن دورَ الأرز هو أنْ يشهدَ عبر العصور على عظمةِ الله وقدرةِ الخالق. وفي المزمور (148/9)، ويشارك الأرز في تسبيحِ الربّ: "سبّحيه أيتها الجبال وجميع التلال الشجر المثمر وجميع الأرز".

وعن ارتباط ملحلمةِ جلجامش بشجرةِ الأرز، قالت الدكتورة فيفيان الشويري: "ذُكرت غابةُ الأرز في "ملحمةِ جلجامش" السومرية والبابلية، وتخبر أنّ جلجامش اتّخذَ قرارَه بالذهاب إلى غابةِ الأرز، ورغم بُعدها وصعوبةِ الوصولِ إليها وخطورة تلك الرحلة، إلا أنّه يقرّر الذهاب، فيستشيرُ صديقَه "أنكيدو" أولاً: "هيا نمسح الشرّ كلّه عن وجهِ الأرض".
ويعلّق المحللون بأنّه جاءت كلماتُ جلجامش لتعيدَه إلى ذاتِه الخيّرة، التي ترفضُ الشرّ وتسعى للخير، من هنا يريدُ أن يخلّصَ الناسَ من الشرور، مهما كان مصدرُها، وكون "أنكيدو" عاش في البرية ويعرفُ غابةَ الأرز ويعرفُ طريقها ومن هو حارسُها، وبهذه المعرفة تحدّث لجلجامش:

" أنها تمتد عشرةَ آلاف فرسخ في كلّ اتجاه
لقد عين إنليل "هواوا"  لحراستها وأسلحته بسبعة ألوان الرعب
عندما يزأر يكون صوته كهدير العاصفة
أنفاسه مثل النار وأنيابه الموت بعينه
إنه يحرس الأرز بيقظة كبيرة
إن الخوف يستولي على كلّ من يقترب منها" .
وقبل أن يبدأ جلجامش و"أنكيدو" الرحلة إلى غابة الأرز، يدخل جلجامش على أمِه "ننسون" ليحصل على مباركتِها، وجاءت كلماتُه:
"أي شمس! لماذا أعطيت لابني قلباً لا يعرفُ الراحة؟
لماذا أعطيت هذا القلب لجلجامش؟
أنت دفعته فهو الآن في طريقِه إلى أرضِ خمبابا
سيسيرُ طريقا مجهولاً ويخوضُ معركةً غريبة
لا تنسه إذن من يوم رحيلِه حتى يوم عودتِه
حتى يصل غابة الأرز ويقتل همبابا
ويحطم الشرّ الذي تمقته، يا شمس
بل دع الفجر أيا عروسك العزيزة تذكرك دائماً
وإذا ولّى النهار دع حارس الليل يحفظه من كلّ أذى..."
زيتونة العكاريت العملاقة في تونس

تقف شامخةً بين سلسلةِ جبالِ الظاهر في عمقِ الجنوب التونسي منذ 900 سنة تقريباً. فرغمَ الظروفِ المناخية القاسية، لا تزال "زيتونة العكاريت" نسبةً لصاحبِها عروسي العكروت بمنطقة تطاوين جنوب تونس صامدةً طَوالَ قرون، وعطاؤُها متواصلٌ لا يتوقف، ووصفَها البعض بالزيتونة المعجزة.

تعدُ زيتونة العكاريت أكبرَ شجرةِ زيتون بتونس من حيثُ العمر والحجم. ومن يقفُ بجانبِها يشعر بمدى ضخامةِ الجذع المتفرّع إلى عدةِ جذوعٍ ضخمة، تتفرعُ بدورِها إلى أغصانٍ كبيرة متشابكة تغطيها أوراقٌ كثيفة، تحجبُ وسطَها أو الجانبَ الآخرَ منها. تتربعُ على مساحةٍ تقدَّر بـ2000 متر مربع، ومحيطُ دائرتِها يصل إلى 116 متراً. جميعُ سكان المنطقة يعرفون جيداً زيتونةَ العكاريت، ويتطوع بعضُهم بمشاركةِ مالكِها لجني زيتونها. تنتجُ "الشجرة المباركة" سنوياً أكثرَ من 1500 لتر من الزيت الذي يتميز بجودةٍ عالية، يشهدُ له جميعُ سكان المنطقة.

فالزيتونة فريدةٌ من نوعها، وإنتاجيتُها عالية، وزيتُها ذو جودةٍ لا نظيرَ له، ويتميز بلونِه الأصفر الذهبي وجودتِه العالية، الأمر الذي جعل الشجرةَ الضخمة تُدرَج ضمن المسالكِ السياحية للتعريف بسلسلةِ جبال الظاهر، الممتدة على طول 6500 كم، من محافظة قابس إلى مدنين.

فمحافظةُ تطاوين تتميز بهواءٍ بارد منعش، كما أصبح محيطُ هذه الشجرة وِجهةً للسياح من أبناء المنطقة والمناطق المجاورة وحتى من قِبل السياح الأجانب الذين يحضرون من كلِّ حدبٍ وصوب، لرؤيةِ الزيتونة عن قرب، والاستمتاع بالهواءِ المنعش بين جذوعِها، ومن يدخل وسطَ الزيتونة في الصيف يكادُ ينسى حرارةَ الطقس بالخارج، فظلُها شاسع والهواءُ داخلَها بارد، وأصواتُ العصافير ينتشي لها كلُّ من زارها.

يشارُ إلى أنَّ زيتَ الزيتون التونسي يحتلُ المراتبَ الأولى في العالم من حيثُ الإنتاج والجودة، ويسميه التونسيون "البترول الأخضر". وقد حصد جوائزَ عدة في مناسباتٍ مختلفة، وتُعدّ تونس من أكبر مصدّري زيت الزيتون في العالم، وقد احتلت مؤخّرا المركزَ الأول عالميًا، حيث حققت صادراتٍ قياسية بلغت 300 ألف طن، متفوقةً على كلٍ من إسبانيا وإيطاليا.
شجرة القينوسي... عميدة اشجار البلوط  التاريخية في الأردن أثرا بعد عين

تناقل أهالي منطقة لواء الكورة شمال المملكة الأردنية، وبعضُ المواقعِ الإخبارية المهتمة بالبيئة والتنمية الزراعية في الأردن  بحزنٍ خبر موت شجرةٍ معمّرة تُسمى "شجرةُ القينوسي" على المدخل الغربي لبلدة سموع \ لواء الكورة، وعلى يسارِ الطريق الواصل بين مدينةِ أربد ومدينة دير ابي سعيد في الأردن، نظراً للقيمةِ الزمانية التي تملكُها الشجرة التي يزيد عمرُها عن 750 عام، بحسب أهالي القرية.

قال الدكتور أحمد محمود الشريدة الباحث الميداني في جغرافية البيئة: "سُميت الشجرة بهذا الاسم نسبةً إلى الشيخ محمد القينوسي أحد أولياءِ لله الصالحين، والذي قدِمَ من المغرب العربي لزيارةِ الأراضي المقدسة وتوفيَ في منطقةِ السموع ودفن تحت هذه الشجرة، ونظرًا لاعتقاد الناس بقدسيتِها ووجودِها بالقرب من الضريح، فقد سلِمت من العبث والقطع، وكان أهالي المنطقة الشمالية من لواءِ الكورة يأتون إليها كلّ يوم خميس من كلِّ أسبوع لزيارتِها والتبركِ بها وطلبِ العون والمساعدة من هذا الولي الصالح، فيذبحون الأضاحي ويعلّقون الأقمشة الخضراء على أغصانِها، ويحرقون البخور ثم يقيمون (الحضرة) تحت هذه الشجرة وبالقرب من ضريحِ الولي الصالح، بهدفِ التقرب إلى الله عزّ وجل، ومع مرورِ الوقت أصبحت المساحةُ التي تغطيها هذه الشجرة أرضَ وقفٍ إسلامي".

وتابع دكتور الشريدة وهو رئيس جمعية أصدقاء الآثار والبيئة في لواء الكورة، الأردن: "يبلغ عمرُ الشجرة حوالي (750) عامًا وهي نوعٌ من أنواعِ البلوط (الملول) Quercus Aegilops، كما يبلغ محيطُ ساقِها حوالي (5.5) مترا، وقطرُها عند الصدر (190) سم، وارتفاعُها حوالي (18) مترًا، ويغطي تاجُها مساحة (50) مترًا مربعًا، وتعتبر بحق من أقدمِ الأشجارِ التاريخية الموجودة في الأردن، حيثُ تضربُ جذورُها في أعماقِ التاريخ، لتدلُنا على ازدهار حضاراتٍ سادت ثم بادت. وبفضلِ هذه المعطيات أصبحت هذه الشجرة عنوانًا بل رمزًا للواءِ الكورة نظرًا لتميزِها التاريخي والجمالي.
وأضاف الدكتور الشريدة: "كانت هذه الشجرة وعبرَ العصور التاريخية المتعاقبة محطةَ استراحة للقوافلِ التجاريةCaravansary، المتجهة من حوران إلى بيسان ومرج ابن عامر وحيفا وبالعكس، حيثُ توجد إلى الشمال منها بئرُ ماءٍ أثرية تُقدّر سعتُها نحو (300) متر مكعب، وذلك لغاياتِ التزود بمياهِ الشرب".

ومنذ العام 1990 بدأَ  النموُ الخضري لهذه الشجرة في التراجع بشكلٍ كبير وخطير، حيث أخذت أوراقُها وأغصانُها بالاصفرار، ويميلُ لونُها إلى السمرة، ويلاحظ أنّ التجديدَ الطبيعي للأغصان والبراعم الجديدة قليلٌ جدا، ونموُها بطيء، وأصبحت في حالةِ تيبسٍ مستمر، إلى أن ماتت هذه الشجرة العملاقة عام 2002، وأصبحت أثرًا بعد عين، وانطبقَ عليها القولُ المأثور (الأشجارُ تموت واقفة).
قال الباحث محمد السويركي: "أربعُ سنواتٍ متتالية من عمري، وعيني تكتحل يوميًا برؤية تلك الشجرةِ المعمّرة ' القينوسي '، - الملول - ، في الصباح وبعد الظهر، وعندما عملتُ معلمًا في مدرسة الأشرفية التابعة للواء الكورة بمحافظةِ إربد مطلعَ الثمانينات، كنت أستمدُ عزيمتي من عنفوان تلك الشجرة، من خضرتها ونضرتِها، من طلّتِها وبهائِها، لا بل من تربّعِها وحضورِها وبُعدِ جذورِها وأناقةِ تاريخها".

تابع  السويركي: "منذ أيام، وأثناءَ مروري ببلدةِ سموع، استوقفتني تلك الشجرةِ العملاقة 'القينوسي'، والتي عاشت ما يزيد عن ( 750) سنة، وإذ بها تموتُ واقفة، لا بل وإذ  بها تطلب أثرًا بعد عين، ويباسًا بعد اخضرار، أوقفتُ سيارتي على جانبِ الطريق متّجهًا إلى الشجرة، ولسانُ حالي يترحم عليها، وعلى ما آلت إليه في مصيبتها، يشهدُ الله سبحانَه أن دموعي نزلت حزنًا على تلك الشجرة، على عراقتِها وحضارتِها وألقِها، كيف لا وهي شجرةٌ تحمل في ثناياها ذاكرةَ المكان والزمان؟".

وأضاف السويركي: "تأملتُ المكان جيّدا، وإذ بقسوةِ الإنسان قد فعلت بها فعلتَها، فالإهمالُ والنسيان لتلك الشجرة قد أضاعها وحرمَ الناس من متعتِها، سألتُ المجاورين: متى توفيت القينوسي؟ وماذا عن ماضيها؟  فأجابوا أنها انتقلت إلى رحمتِه تعالى عام (2002)، ولقد روى لي بعضُ سكان البلدة ، الذين بلغوا من العمر عتيا واشتعلت رؤوسهم شيبًا، فقالوا: قديمًا جلس القادةُ والعلماء والمفكرون والمرتحلون والمتنزهون تحتها، لقد أُقيمت تحتَها حلقاتُ الدرس والعلم والندوات والمهرجانات الثقافية والفنية، وعُقدت تحتَها الرايات، وانطلقت من تحتِها الاتفاقيات، نعم لقد كانت ملتقى لسكانِ المنطقة بأكملِها، حيث يتبرّكون بها، كانت مزارا ومحجًا لأصحابِ الحاجة، فالشجرة هي بحكمِ المقامات والأضرحة التي يتباهى بها الناس، ما زالوا يأتون لزيارتِها والترحم على أيامِها".
وأختتم السويركي حديثه بالقول: "لقد ربط الناسُ بها قطعًا من القماش وخاصةً اللونَ الأخضر، حيث يضعُها المحتاجون تقربًا إلى الله سبحانِه وتعالى، ظنًا بأنها شجرةُ يتفيأُ بظلالِها وليٌ من أولياءِ الله الصالحين، فتُذبح تحتها الذبائح تقرّبا إلى الله تعالى إذا انحبس المطر".

شجرة الحيــــاة في البحريـــن
" شجرةُ الحيــــاة " هي شجرةٌ من جنسِ الغاف الرمادي (الاسم العلمي: Prosopis cineraria)‏ تقع في صحراء البحرين، وعمرها يصلُ إلى 400 سنة، تحوّلت إلى مزارٍ سياحي، يصلُ طولُها إلى عشرةِ أمتار تقريبا، وتتفرع أغصانُها الطويلة المتعددة لترسمَ في ثناياها تجاعيدَ الزمن، وذكرياتِ الأرض، ونمت الشجرة حول بقايا قلعةٍ عمرُها 500 سنة. تقع شجرةُ الحياة في صحراءِ الصخير جنوب البحرين، على بعد خمسةٍ وثلاثين كيلومترا عن العاصمة المنامة.

وخلف بقاءِ " شجرة الحيــــاة " فضولُ واهتمامُ أهلِها والزوّار بها، لتكونَ معْلماً سياحياً حقيقياً، كونها عاشت مئاتِ السنين في صحراء قاحلة. ومع أنها شجرةٌ من أنواعِ الأشجار التي تعمِّر طويلا، وبالرغم من أن الدراساتِ التي أجراها المختصون والجيولوجيون، تؤكد أن بقاءَها هذا العمر الطويل بدون ماء أمرٌ غريبٌ جدا، فإن أحدِ التفسيرات العلمية، يشير إلى أنّها تمكّنت من التغلب على مصاعب الوحدة والعطش بحزامٍ رملي يلتفُ حولها لتتمكن عروقُها الممتدة تحت الرمال لكيلومتراتٍ عديدة من التسلل إلى الأراضي البعيدة وتحديداً أراضي القرى الصغيرة لجلبِ الماء من هناك. لكنّ هذا التفسير لم يذكر لماذا بقيت هذه الشجرة على قيدِ الحياة، بينما فنيت كلُ الأشجار التي كانت بقربِها،  لذلك فإنَّ لغزَ بقاء هذه الشجرة على قيدِ الحياة جعلها أسطورةً عالمية.

تقول الدكتورة خولة المهندي رئيس جمعية أصدقاء البيئة في البحرين: "تعتبر شجرةُ الحياة هي أم أهل البحرين، يأتون إليها ويزورونَها هم وأطفالُهم، يحبونَها وتحبُهم، وتظهر بأغصانِها المتدلية كأمٍ تحتضن أطفالَها، وتظللهم من وهجِ الشمس وهجومِ الرياح. وهي كذلك الجدةُ الحنون التي يأتيها كلَّ عام خمسون ألفًا من الزّوار والسياح من كل أنحاءِ العالم، يستمعون إلى قصصِها وحكاياتِها الصامتة في بهاءٍ وجمالٍ وسكينة، ويحكون في بقائِها أساطير خيالية، ويتأملون في هذا الخلقِ الجميل المدهش، الذي تركه الله آيةً في هذه الصحراء. والذي يثيرُ الناس في شجرةِ الحياة أنها تقع في صحراء قاحلة، ليس بها أشجارٌ ولا ماءٌ ولا نباتٌ أو قرى، وكيف أنّها ظلّت صامدة فتية لأكثرَ من أربعةِ قرون."

وتتابع الدكتورة المهندي حديثها معنا بالقول: "يُعرف هذا النوع من الأشجار، شجرةُ الغاف الرمادي، بقدرتِها الهائلة على التأقلم مع جفافِ الصحراء والنموِ وسطِ المناطق والظروفِ القاحلة، ذاتِ معدل هطولِ أمطارٍ منخفض يساوي الـ150 ميليمتر سنوياً،  وتمتازُ هذه الأشجار بنظامِ جذورِها العميق جداً، الذي يبلغ عمقُه أحياناً 50 متراً تحت الأرض، وهو ما يمكّنها من امتصاصِ المياه الجوفية الدفينة".
وتضيف الدكتورة المهندي: "عبرَ السنوات السابقة كان البحرينيون يصرّون على زيارتِها بين الحين والآخر، قبل أن تصبحَ " شجرةُ الحيــــاة "مزارًا سياحيا للكثير من زوّارِ البحرين، حيث تروج وزارةُ الإعلام_الجهةُ الرسمية المسؤولة عن قطاع السياحة في البحرين_ لهذا الموقع السياحي للسياح القادمين من أرجاءِ العالم. وتقدّر الأرقام الرسمية عددَ السياح الذين يتوافدون لرؤيةِ الشجرة بحوالي 50 ألفَ زائرٍ في العام، فيما يشيرُ المسؤولون الرسميون إلى أنَّ ما وهبته الطبيعة من تميّزٍ لـ شجرة الحيــــاة، أصبح عاملاً يدفع لرفعِ أعدادِ الزوار".

يشار إلى أن البحرين تشتهرُ بأكثرَ من مَعْلمٍ جديرٍ بالزيارة، ومن أهمِها محميةُ العرين الطبيعية التي تمتدُ على مساحةِ 18 كيلومتر مربعا بمنطقة الصخير، وهي عبارة عن متنزهٍ تكسوهُ أكثرُ من 10 آلاف نبتةٍ من أنواعٍ متعددة من النباتات، وتعيشُ فيه العديدُ من الحيواناتِ البرّية والطيور.

شجرة عملاقة في الجزائر تنمو من فضلات طائر
كشف أحد المواطنين الجزائريين، من ولايةِ الجلفة  في الجزائر عن ظاهرةٍ إيكولوجية غريبة، قد تفيدُ المختصين في علمِ البيولوجيا والإيكولوجيا، وهي أنّ الطائرَ المعروف باسم "الصرد"، يقومُ بزرعِ نوعٍ من الأشجارِ العملاقة بالمنطقة من خلال  فضلاتِه، وهي شجرةُ " البطم "  التي تعيشُ لأكثرَ من 400 سنة، حيث يقومُ طائرُ الصرد الذي يعيش بالمناطقِ الجافة وشبه الجافة، بزرعِ شجرةِ البطم وسطَ نباتِ السدر. ومن المعروف أنّ هذا الطائر لا ينزل إلى الأرض، ويبقى محلِّقا في الجو، وعندما يأكل ثمارَ البطم ينزل إلى أعلى نبات السدر ويطرح فضلاتِه التي تصبحُ بمثابةِ بذورٍ منتشرة تنبتُ فيما بعد، وبهذه الطريقة يمكن لهذا الطائرِ الصغير أن يساهمَ في الحفاظ على شجرةِ البطم التي لديها أهميةُ كبيرة، ففي فصلِ الصيف يمكن الاحتماءُ بها من الحرارةِ المرتفعة، كما أنّ ثمارَها تستعمل كمادةٍ أولوية لزيتٍ مفيدٍ من الناحية الصحية.

شجرة "كورو"تستقطب السيّاح  في جبال المغرب
تقف شجرةٌ عملاقة منتصبة وسطَ غاباتِ المغرب منذُ مئاتِ السنين، لم تؤثر فيها عواملُ الطقس والتعرية، وظلّت شامخةً كالجبالِ التي تحيطُ بها من كلَّ جانب، وهذه الشجرة المعمّرة، أُطلق عليها اسم شجرة "كورو"، وهي أقدمُ أشجارِ الأرز في أفريقيا، ويفوقُ عمرُها 800 سنة، ويبلغ طولُها 42 متراً، وعرضُها 8 أمتار، وسميّت بهذا الاسم نسبةً إلى مكتشفِها الجنرال الفرنسي هنري جوزيف كورو، الذي كان مندوباً لسلطاتِ الاحتلالِ الفرنسي في المنطقة، وكان أولُ من أعلن عن وجودِ شجرةٍ عملاقة بين أشجارِ غاباتِ الأطلس في المغرب.

على بُعد كيلومتراتٍ قليلة من مدينة إفران، وسطَ غابةٍ تنتشرُ فيها أشجارُ الأرز، حيث يطيبُ لعشاق رحلاتِ الفرجة والتنزه قضاءَ أوقاتِهم قربَ الوديان والشلّالات والاستمتاعَ بالهواءِ النقي والمناظرِ الخلّابة، والمرتفعاتِ التي تحبسُ الأنفاس، كما تتميز المنطقة بتنوعِها الحيواني والنباتي، وهي من أكثر مناطقِ المغرب خصوبة، وذلك بفضلِ غزارةِ الأمطار والثلوج التي تتساقط في المنطقة منذُ شهرِ أكتوبر وحتى شهر أبريل.

إلى ذلك، يقول سعيد المصلوحي من مدينة فاس والذي رافقنا إلى عين فيتال في غابات أفران:  إنّ بعضَ شبابِ المنطقة ابتدعوا طرقاً للاستفادة من إقبالِ السيّاح على شجرة "كورو"، حيث يعمل بعضُهم في بيعِ الفول السوداني والمكسّرات التي يقدمُها السياح للقردة، بينما يقوم آخرون بتقديمِ معلوماتٍ عن تاريخِ المنطقة وتقاليد سكانِها، وأهمِ الأماكن التي يمكن زيارتُها".
ويضيف المصلوحي: "يعرض بعضُ القرويين منتجاتِهم التقليدية في أكواخٍ خشبية قرب شجرة “كورو”، مستفيدين من شهرةِ الشجرة في بيع هذه الصناعات التقليدية والمنتجات التي يشتريها السيّاح كتذكاراتٍ وهدايا لأحبائِهم. ويتخذ بعضُ المراهقين من مهنةِ تأجيرِ الدواب مثل الحمير والبغال والخيول مصدراً لرزقِهم، خاصةً في فصلي الربيع والصيف، حيث يرتفع إقبالُ السيّاح والزوّار على زيارةِ المنطقة " .

ويؤكد المصلوحي  أنَّ ارتفاع شجرة " كورو" يبلغ 42 متراً وعرضها 8 أمتار، ويقدّر عمرُها بنحو ثمانيةِ قرون، ويشير إلى أنّ هذه الشجرة تحوّلت إلى مزارٍ سياحي يجلبُ للمنطقة آلافَ السياح الأجانب، والزوار المغاربة، خاصةً في فصلي الربيع والصيف، بينما يصعبُ الوصول إلى المنطقة في فصلِ الشتاء والخريف بسبب الثلوج والعواصف.
ويحرص الجميعُ على التقاطِ صورٍ قربَ الشجرة، وأخذِ قسطٍ من الراحة قبل استكمالِ الرحلة نحو مرتفعاتِ الأطلس، حيث الشلالاتُ والجبالُ الشاهقة، وقد زاد من إقبالِ السيّاح والمسافرين على هذه المنطقة الأعدادُ الهائلة من القردة التي تعيشُ في غاباتِ الأطلس، وتراقب هذه القردة من على أشجارِ الأرز حركةَ الزوار وتتحيّنُ الفرصة للاقترابِ منهم والفوزِ بقطعِ الشوكلاته والكاكاو وحبات الفول السوداني والموز.

شجرة الدُّلْــــب السورية العملاقة...تجويفها كان مقراً لتعليم الأطفال القراءة والكتابة
تتربّع شجرة دُّلْــــب عملاقة على أحد السفوحِ الجبلية في قريةِ عين الكرم قربَ مدينة وادي العيون في محافظةِ حماة السورية، وتعتبر كنزاً طبيعياً تصيبُ المرءَ بالذهول لمجرد أن يراها، نظراً إلى حجمِها الكبير وطريقة تفرّعِ أغصانِها الضخمة.  ويفوقُ محيطُ ساق هذه الشجرة 15 متراً، كما يزيد طولُ قطرِ تاجِها على 70 متراً، أما ارتفاعُها فيصل إلى 50 متراً. إنّ ضخامة جذعِ هذه الشجرة الملتصق بالأرض كأنّه كتلةٌ صخرية عملاقة منحوتة تثيرُ العقول وتأسر الألباب وتنال إعجابَ كل من يراها بسحرِها الأخّاذ، وعظمتِها وكبريائِها، ولا تزالُ شامخةً وباسقة في وجهِ عواملِ الطبيعة منذ عدة قرون وحتى وقتِنا الحاضر، وهي تظللُ حاليًا مساحةً من الأرض تُقدّر بنصفِ دونم . الدُّلْــــب جنسٌ من الأشجارِ المعمّرة متساقطةِ الأوراق، يتبعُ الفصيلةَ الدلبية، وأشهرُ أنواعِ هذا الجنس في الوطن العربي هو الدّلب المشرقي باللاتينية: Platanus orientalis.

الدكتور سعود شهاب الذي يحمل شهادة الدكتوراه في تربية النبات والتحسين الوراثي‎، ويعمل في ‎الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعيه في سوريا وصف هذه الشجرة العملاقة بالأسطورة، وأضاف أنّ هناك الكثير من القصص والحكايات التي تناقلَها أبناءُ المنطقة عن آبائِهم وأجدادِهم حول عظمة هذه الشجرة التي أكّد جميعُهم أنهم لا يعرفونَها إلا بهذا الشكل.  وقال:"إنّ هناك الكثيرَ من القصص والروايات التي التصقت في ذاكرة أهالي المنطقة عن شجرةِ الدلب هذه، ولاسيّما في عهدِ الأتراك والفرنسيين، حيث استخدم الثوارُ تجويفاً كبيراً داخل جذعِها كمخبأٍ ومقرٍ لهم في تدبيرِ عمليات مقاومةٍ ناجحة ضدَّ الجنودِ الفرنسيين".
وذكر د. شهاب "أنّ أبناءَ المنطقة لا يعرفون هذه الشجرة إلا بشكلِها الراهن، لافتاً إلى أنه كان يتمُ قديماً تعليمُ الأطفال دروسَ القراءة والكتابة داخلَ تجويفِها الذي كان يتّسعُ لأكثرَ من 30 شخصاً. أمّا اليوم فقد اختفى قسمٌ من هذا التجويف بسبب عواملِ الطبيعة والإنسان وقلةِ وعيِ بعضِ الأفراد تجاه الطبيعة والغابة التي تُعد ثروةً اقتصاديةً واجتماعيةً وبيئيةً هامة، ولكنّ الشجرة بقيت في ذاكرةِ الطلاب الذين تعلّموا بداخلِه".

وأكد د . شهاب " إنّ هذه الشجرة العملاقة والتي يُطلق عليها اسمُ الشجرةِ المدرسة هي واحدة من أقدمِ الأشجار في سورية، وهي من نوعِ الدلبيات الشرقية الكبيرة التي يكثر نموُّها في المناطقِ الرطبة على الشريطِ الساحلي والمناطق الجبلية، مبيّناً أنّ هذا النوع من الأشجار يمتازُ بسرعةِ نموِّه، خصوصاً في سنواتِه الأولى، كما يمتازُ بمتانةِ أخشابِه، إضافةً إلى جذوعِه الدائرية وثمارِه الكروية المستديرة".

ولفت د . شهاب  إلى أنّ هذه الشجرة تدخلُ ضمنَ قائمةِ الأشجار الضخمة التي يتجاوز طولُها 45 متراً، كما أنّها على رأسِ قائمةِ الأشجار المعمّرة في العالم، حيث يتراوح عمرُها الوسطي 400 سنة. ويتمُ الوصولُ إلى الشجرة من مدينة وادي العيون باتجاهِ الطريق الصاعد إلى قممِ الجبال، وصولاً إلى قريةِ عين الكرم التي تنتشرُ فيها أشجارُ الجوز والتين والتوت والقطلب والحور".
وأختتم د. شهاب حديثه بالقول " تعدُ هذه الشجرة العملاقة إحدى هدايا الخالق المباركة، والتي تحكي لنا تاريخاً طويلاً من المقاومة والصمود بوجهِ عواملِ الفناء وأعداءِ الطبيعة عبر الزمن، لتمنحَنا الحياةَ والجمال. رسالتُها لنا أن نحافظَ عليها لتبقى منارةً لنا في الحاضرِ والمستقبل، نهتدي بصمودِها وصبرِها، ونكبُر بشموخِها وإبائِها".

وأصبحت هذه الشجرة التي تعاقبت عليها الأجيال، رمزاً طبيعياً لأبناءِ المنطقة، ولا سيّما لعشاقِ جمالِ الطبيعة وروائعِها، وتم مدُها بنبعٍ مائي لا ينضِب صيفاً ولا شتاءً، الأمر الذي أسهمَ في مواصلة نموِ جذورِها الموغلة في أرضٍ ذاتِ تربةٍ بركانيةٍ خصبة عشراتِ الأمتار عمقاً، كما ارتفعت أغصانُها عشراتِ الأمتار في الهواء، لتعلنَ الشجرةُ تميزَها وسيادتَها على باقي مثيلاتِها من الأشجار المجاورة.  وما زالت الشجرةُ العملاقة مجهولةً لدى الكثير من أبناءِ سورية، رغم أنّها كنزٌ من كنوزِ الطبيعة السورية وثروةٌ لا تقدّر بثمن، ما يدعو إلى العنايةِ بها والحفاظِ على استمراريةِ بقائِها باعتبارِها رمزاً من رموزِ الحياة في المنطقة.

شجرة البانيان...حكاية ذكريات جذورها في قلب القاهرة
تعتبر الزمالك أحدَ أجمل الأحياء في القاهرة، من مناظرِ النيل الخلّابة إلى شوارعها التي تمثّل جمال القاهرة الحديثة، وإحدى أكثرِ الرموز شعبيةً في الزمالك هي شجرةُ البانيان الضخمة الموجودة في شارع البرج، والتي تؤدي إلى برج القاهرة.
منذ  أكتر من 150 سنة تقريبًا، وتحديدًا سنة 1868م أصدر الخديوي إسماعيل قرارًا بجلبِ مجموعة من أشجار “الفيكس البنجالنس” أو “التين البنغالي” من الهند وزراعتِها لجمالِها وقدرتِها على توفير الظل في مناطقَ مختلفةٍ في القاهرة والجيزة، وللأسف مع الزمن ماتت كلُ الأشجار وبقيت " شجرةُ الزمالك "  آخرَ شجرة من هذه المجموعة، وهي واحدة من أقدم أشجارِ البانيان في القاهرة، وهي الوحيدة المتبقية أيضا. وأصبحت هذه الشجرة على مرِّ السنين رمزًا للزمالك، حيث يقومُ الأزواج والسياح والأطفال بصنعِ الذكريات والتقاطِ الصور بجانبِها.

وتقول الدكتورة شروق عاشور: " أنا أرى هذه الشجرة منذُ عشراتِ السنين، وتصنّف هذه الشجرة المعمرة من بين أكبرِ الأشجار في العالم، فبطبيعتها ترسلُ أشجارَ البانيان جذورَها إلى أسفل، مما يخلقُ أعمدةً تشبه الفروعَ التي تبدو مثل المزيد من جذوع الأشجار..
وتضيف الدكتورة عاشور " تتدلى فروعُ الشجرة  وكأنّها جدائلُ شكّلت بأوراقِها وفروعِها مساحةً كبيرةً من الظلال التي استغلّها أصحابُ سياراتِ الأجرة، وعرباتُ الحنطور للوقوف تحت تلك المنطقة المظلّلة الناتجة عن الشجرةِ العملاقة والاستفادة منها كموقفٍ لسيارتِهم بالقرب من برجِ القاهرة الذى يقع على بعدِ أمتارٍ قليلة من الشجرة الأثرية التى حُفرت على جذوعها أسماءُ وحروفُ وقلوب وذكريات الأصدقاء والمحبين".

زيتون فلسطين قصص وحكايات
يحتلُ الزيتونُ موقعًا مميزًا في العديد من الثقافات، كما أنه في بعض المناطق يحملُ قيماً رمزية بارزة، وقد وردت شجرةُ الزيتون كرمزٍ للحكمة في الثقافةِ الإغريقية حيث كانت إلى جانبِ طائرِ البوم ترمز للآلهة أثينا. وتروي الميثولوجيا اليونانية أن أثينا قدّمت للبشر شجرةَ الزيتون كنباتٍ مستأنس، كما أنّ آلهةَ السلام الإغريقية أيرينا ابنة زيوس تصوّر دوما وهي تحملُ غصنَ زيتون، وفي الميثولوجيا الديانات الإبراهيمية تمثل رمزا للأمل، فوردَ في العهدِ القديم حكايةُ عودة حمامة إلى فلك (السفينة) لتدلَ نوحَ أن هناك أرضٌ ليرسو فيها.

كما تستخدم شجرةُ الزيتون في الثقافةِ الفلسطينية، ولها قيمة رمزية في موضوعِ الصمود والتمسك والتشبّث بالأرض،  إلى جانب حضورِها الواضح في الرموز والثقافة التقليدية باعتبارِها رمزًا وطنيًا، واستخدامُها شائع كأيقونة. ولا زالت شجرةُ الزيتون تشكّل تاريخَ أجدادِنا وجداتِنا، فهي تجسّد معاني الالتصاق في الأرض والصمود عليها، إضافةً الى أهمية شجرةِ الزيتون من ناحيةٍ اقتصادية ومعنوية ووطنية وتاريخية.

وفي فلسطين لكلِّ شجرةٍ قصة ورواية وحكاية ووقائع وذكريات لا زالت مختزنة، بعضُها ارتبط بأحداثٍ ووقائعَ سياسيةٍ أواجتماعيةٍ أو دينية أو تراثية، والبعضُ الآخر ارتبطَ بأحداثٍ ومعاركَ عسكريةٍ خلال فترات الحروب والحصار والأزمات التي عاشتها فلسطين على مرِّ العصور والأزمان.

زيتونه أم الشجر المعمّر...تتحدى جدار الفصل الإسرائيلي
شجرةُ الزيتون مباركة، ورد ذكرُها في الإنجيل والقرآنِ الكريم، وتعتبر رمزاً للسلام والمحبة. وتنتشر أشجارُ الزيتون المعمّرة في كلِّ أرجاءِ فلسطين، ويُطلق عليها اسم ''الزيتون الرومي''، إذ يربطُها الناسُ بالفترةِ الرومانية. وهناك عددٌ كبيرٌ من معاصرِ الزيتون الرومانية القديمة في فلسطين. وكان زيتُ الزيتون يستخدم في الأكلِ والعلاج من قبل الكنعانيين والفينيقيين والأنباط وغيرِهم من الأمم التي سكنت هذه البقاع، كما استخدم لإنارةِ المسارح والساحاتِ والكنائس والمساجدِ والصروحِ الأخرى.

وليس أدلُ على ذلك سوى شجرةِ الزيتون الملقّبة بـ"أم الشجر المعمر"، والتي يزيدُ عمرُها عن الخمسةِ آلافِ عام، وشهدت العديدَ من الحروبِ والصراعاتِ والأزمات في فلسطين، ولا زالت هذه الشجرة شاهدة على جذورِ الفلسطينيين الكنعانية منذُ آلافِ السنين، وكما هذه الشجرة، تنتشرُ في فلسطين العديدُ من الأشجارِ المعمرة، وبخاصةٍ أشجارِ الزيتون الرومي المعمّر المستهدفة من قبل قطعانِ المستوطنين بما تمثّله هذه الأشجار من تجسيدٍ صادق للذاكرةِ الفلسطينية الجمعية وتاريخ شعبِنا الفلسطيني العريق.
وتُعرف شجرةُ الزيتون في الولجة باسم "شجرة البدوي"، وهي تقع في منطقة وادي جويزة  في قريةِ الولجة بمحافظةِ بيتَ لحم جنوبَ الضفة الغربية وهي إحدى القرى التسع الثابتة التي لا زالت صامدة حول مدينةِ القدس ويجاورُها جدارُ الفصل العنصري الإسرائيلي، ويعتزُ الفلسطيني صلاح أبو علي "أبو عيسى " (47 عامًا) بامتلاكِ عائلتِه أقدمَ وأضخم شجرةِ زيتونٍ بالعالم، وعن سبب تسميةِ الشجرة بـ" شجرةِ السيد أحمد البدوي"، فهو نِسبة إلى مُعتكف بدوي السيد أحمد البدوي الذي ترك الدُنيا ومتاعَها تَحت ظِلّ الشَجرة ، مُفكراً مُتعبدأ مُتأملأ، فسميت باسمه.

وأطلق السكانُ عليها مجموعةً متنوعة من الأسماء، من بينِها الحصن، والمرأة العجوز، وأم الزيتون، وعروس فلسطين، وظلّت شامخة من عصورٍ سابقة على الديانتين المسيحية والإسلامية.

شجرةُ البدوي الغارقة في عمقِ التاريخ والتي يقدّر عمرُها بأكثرَ من خمسة آلاف عام أي قبلَ ميلادِ النبي موسى عليه السلام لا زالت جذورُها متمسكة بالارض، وتأبى إلا أن تروي الحكاية. وقدّر خبراءُ إيطاليون عُمرَها بثلاثةِ آلاف عام، بينما قدّره خبراءُ يابانيون بقرابةِ 5500 عام  بحسب "أبو عيسى ". منذُ نحوِ عشرِ سنوات، عيّنت وزارةُ الزراعة الفلسطينية "أبو عيسى" حارسًا على الشجرة، وهو يمضي يومَه في جوارِ الشجرة، التي باتت مقصدًا لسائحين أجانب ومحليين.
وقال "أبو عيسى": "لا يبعد الجدارُ الفاصل عن الشجرة سوى عشرةِ أمتار، كادت تُدمر بفعلِ أعمالِ التجريف والتفجير خلال تشييدِ الجدار". وترفض عائلةُ "أبو عيسى" بيعَ الشجرة. ويقول حارسُها: "بيعُ الأرض مرفوض، لن نفرّط بها"، مضيفًا: "لنا الشرف أنها تقع في أرضنا".

وتملك العائلةُ نحو 5 دونمات بجوارِ الشجرة المعمرة، تُزرع بالزيتون والحبوب. وحوّل "أبو عيسى" محيط الشجرة إلى حديقةٍ طبيعية، حيثُ بنى جدرانًا حجرية ومقاعد. وهو يحرص يوميًا على تنظيف محيطِ الشجرة، ويقول إن علاقتَه بها تحوّلت إلى ما يشبهُ علاقةَ "الجسد بالروح".

يبلغ ارتفاعُ الشجرة المُعمرة حوالي 12 مترًا، وقطرُها نحو 25 مترًا، وتغطي مساحةَ 250 مترًا مربعًا، ويخرج من الشجرة الأم نحو 22 شجرة. يقول عنها أبو عيسى: "الشجرة بمثابةِ كرمِ زيتون". وتنتجُ الشجرة نحو 500 كيلو جرام (ثمار) سنويًا، لكن المنتج تراجعَ في السنواتِ الأخيرة، لقلةِ مياهِ الأمطار.

وبينما يعمل على قطفِ ثمارِها، يصف أبو عيسى زيت الشجرة بـ"السمن"، ويعرّف ثمارَها بـ "الحواري"، وهو من أفضل أنواعِ الزيتون، ويُعد زيت زيتون بلدة بيت جالا والبلدات القريبة لها (الولجة على أطراف بيت جالا) من أجود أنواعِ الزيت في فلسطين، ويُباع الكيلو جرام الواحد بنحو 20 دولارًا .ويزيد أبو عيسى بقوله:  "هناك علاقةٌ خاصة بيني وبين الشجرة، أمضي يومي بجوارِها، وأباتُ بعضَ الليالي بجوارِها". وتقع الشجرة على بُعد عشراتِ الأمتار من مساكنِ المواطنين في الولجة. ويستقبل الحارسُ يوميًا الوفودَ الأجنبية والفلسطينية، ويقدّم الحارس للزائرين شرحًا عن عمر وميزاتِ الشجرة.

ويتناقل السكانُ حكاياتٍ وأساطيرَ حول الشجرة، التي يعتقدون أن أيدي مباركة زرعتها. وتحدّث عامر ارشيد وهو أحد أبناء قرية "الولجة"عن أساطيرَ انتشرت حول هذه الشجرة، كما يشيرُ إلى رواياتٍ غير مؤكدة بأنها أنتجت في بعضِ السنوات نحو طنًا وربعَ الطن من الزيتون، لكنّها هذه الأيام لا تنتج إلا نحو 350 كيلوغراما. وأضاف ارشيد: "إن شجرة "الولجة "وتُدعى أيضا أم الشجر المعمّر، يُعد زيتُها من أجودِ أنواعِ الزيوت؛ لكبر عُمر الشجرة". وتابع ارشيد حديثَه بالقول: " تجاور قرية الولجة مدينة القدس المحتلة، ومن أراضيها يمرُ القطارُ الرابط بين القدس ويافا، ويوجد في أراضي القرية 22 نبعَ مياه، تُروى منها المزروعاتُ والأشجار".

زيتونة "عرّابة البطوف" المعمرة...مزاراً للسياح
تفتخر عائلة محمود رباح من بلدة "عرّابة البطوف" في الجليل برعايتِها لأكبر شجرةِ زيتون في الجليل العربي، ويُقدر عمرُها بـ 3700 عام وفقَ اختصاصيين من منظمة "يونيسكو"، وأصبحت باحتَهم مزاراً لكلِّ مهتمٍ وسائح، وللمختصين الزراعيين الذين يقومون بتقليمِ الشجرة والحفاظِ عليها من أيِّ مرض. وقُدّر محيطُ جذعِ الشجرة بسبعةِ أمتارٍ وعشرين سنتيمتراً. وقد تحوّلت هذه الزيتونة المعمّرة إلى مزارٍ سياحي لسكانِ المدن الفلسطينية. وتشير المصادرُ المحلية في بلدة "عرّابة البطوف"  أنَّ غالبيةَ شجرِ الزيتون في البلدة من الصنف "صوري"، ويقولُ المثل الشعبي الفلسطيني: "الصوري زيته طيب أمّا لقاطه بشيّب". وهذا الزيتون أفضل وزيتُه يحافظ على جودتِه مدةً طويلة في وسائلِ الحفظِ البدائية، حتى لو بقي فيها أربعُ سنوات، وكلُ من زرع صنفاً من شجرِ الزيتون النبالي قام بتطعيمِها من هذه الشجرة التي تحملُ زيتونًا صوريا، واسمُه صوري نسبةً لمدينةِ صور اللبنانية العريقة منذ أيام الفينيقيين.

شجرة زيتونه المدفع وإبراهيم باشا
كما أنّ " شجرة زيتونة المدفع" في قرية " شوفـــة" بمحافظة طولكرم كما يحلو للسكان أن يسموها لا زالت صامدة وشاهدة لتروي حكايةَ معارك أهل "شوفـــه"، والمنطقة مع جيش إبراهيم محمد علي باشا خلال الحربِ المصرية - العثمانية، وروى لي الأستاذ أبو يزن عودة "  كيف  أجبر المقاومون  إبراهيم باشا على الترجّل عن فرسِه وتغيير مسارِ جيشِه بفعلِ ضرباتِ وضغطِ الثوار في محيط قلعة "شوفـــة" شمال الضفةِ الغربية، وأضاف عودة "لا زال المواطنون في "شوفـــة" يروون المثلَ الشعبي القائل: "من شوفـــه لبريّه مشي الباشا على إجريه".

جميزة أم خالد وانتقام نابليون
في وسط قرية "أم خالد" شجرةُ جميزٍ عملاقة، تعدُ الأكبرَ في البلاد، يقال أن تحت هذه الشجرة دُفنت امرأة صالحة هي والدةُ القائد الإسلامي خالد ابن الوليد وعلى ذلك سُميت القرية " أم خالد".

ويتناقلُها الفلسطينيون روايةً حقيقية منذ وقوعِها عام 1799 فبعد عودة نابليون مهزومًا من عكا حيث غادرَها ذليلا حزينًا بعد فشلِه في احتلالِها، واختراقِ أسوارِها، أقام وجيشُه في قرية "أم خالد"، وتقول الرواية أن نابليون نام بجانبِ المسجد تحت شجرةِ الجميز العملاقة، حيث كان جسمُه منهكًا متعبًا بعد معاركَ طويلة، ولذلك يطلق البعضُ عليها اسمَ شجرة نابليون.
وخلال نومِه قام المؤذن برفعِ الأذان فاستيقظ نابليون مرعوبًا خائفًا، وللوهلةِ الأولى خشي نابليون أن أحمد باشا الجزار استطاع اللحاقَ به وأسرَه، وعُرف أن صوت الأذان مصدرَه مسجد قرية "أم خالد" الذي يبعد عشراتِ الأمتار عن شجرةِ الجميز. فأمر باحضارِ المؤذّن وقام بإعدامِه وأمر جنودَه بهدمِ المسجد والقرية كاملة، وحرقها، وتدميرها تدميرا كاملا وطرد أهلَها.

كان ذلك في الحادي والعشرين من شهرِ أيار لعام ألفٍ وسبعمائةٍ وتسعةٍ وتسعين، هدم جنودُ نابليون القريةَ وغادرها محترقة، فيما عاد أهالي قرية "أم خالد" لاحقاً إلى قريتهم ليبنوها من جديد مزدهرةً عامرة، وبقيت شجرةُ الجميز إلى يومِنا هذا شاهدةً على هزيمةِ نابليون، وتنتظر عودةَ أهلِها ليبنوها مرةً اخرى بعد أن هُدمت مرةً أخرى في العام 1948.
يشار إلى أنّ الإسرائيليين أقاموا مستعمرةً بالقرب من قرية "أم خالد" واسموها نتانيا، وقد سموها بهذا الاسم نسبة لثري أمريكي يهودي يدعى "نتان شتراوس"، كان قد ساعدَهم  في تمويلِ بناءِ المستعمرة.

شجــــرة الخـــروب والحاجـــز الصخـــري
جبالٌ شاهقة تخترق قممُها قلبَ السحاب، ويكسوها الصنوبر والسريس والبلوط والخروب والزيتون فلا ترى العينُ سوى الغصون والأفنان والأوراق، واد نضير خصيب تحيطُ به جبالٌ صخرية يتدفق منها ماءٌ غزيرٌ عذبٌ صافٍ يتلوّى في سواقي متعرّجة متفرّقة تارة، ومتّحدة أخرى تلتقي في قعرِ الوادي بين صخورٍ صقلتها المياهُ الجارية على مدارِ آلافِ السنين، وأرضٌ ترقصُ تحتَ أشعةِ الشمس في وادي قانا المحمية الطبيعية الفلسطينية التي تقع بين محافظتي قلقيلية وسلفيت في شمال الضفة الغربية.
وفي قلبِ محمية وادي قانا الجميلة نمت بشكلٍ متداخل مع حجارة الوادي الضخمة شجرةُ خروب حتى احتضنت جذورُها حجارةَ هذا الوادي الجميل، وحاولت الصخورُ العملاقةُ أن تعيق نموَ جذورِ شجرةِ الخروب التي كبُرت ونمت في رحلةِ البحث عن الغذاءِ المناسب لها والذي تحتاجُه في عمليةِ النمو، وعملت هذه الشجرة على تفكيكِ الصخر بفعلِ عواملَ فيزيائية، منها تغييرُ درجةِ الحرارة، وعواملُ ميكانيكية  أهمُها تأثيرُ الكائناتِ الحية وعواملُ كيميائية، منها تأثيرُ المياه. ومع مرورِ الزمن تأقلمت شجرةُ الخروب الشامخة مع حاجزٍ صخريٍ ضخم، لم يعِق نموَها وامتدادَ جذورِها  طلباً للشمس والحياة، وتكوّنت جذورُها عميقًا داخلَ الأرض وبين الصخور.
وتنتشرُ أشجارُ الخروب في جميعِ المناطقِ الفلسطينية. وهي أشجارٌ دائمةُ الخضرة، تنمو في تربٍ مختلفة، وتفضلُ التربةَ الكلسية، وتتحمل المناخَ شبهَ الجاف، تكثرُ في السهول والمنحدرات الجبلية، وتُزهرُ بين شهري تموز وتشرين الأول.

البلوطـــة و الْمَيْسِ ...حكاية  قرية في يبــرود
تقع قريةُ يبرود إلى الشمالِ الشرقي من مدينة رام الله، وتعدُ من أقدم قرى فلسطين، تحتوي على العديد من الشواهد، كالبنايات القديمة والمُغُر والكهوف التي تدلُ على قدمِها التاريخي وكذلك شجرتي يبرود المزار الأول للسياح هما شجرةُ البلوط وشَجَرُة الْمَيْسِ واسمها باللهجةِ العامية ( الْمَيْسِــــة).

تُعد قرية يبرود من القرى القديمة في فلسطين وتمتاز بجبالِها الشاهقة الممتدة وطبيعة مناخِها الرائع صيفاً وشتاءً، ويوجد بالقرب منها  برجُ (البردويل) الذي كان مقرًا  لأحد الحكامِ الصليبيين إبّانَ  الحكم الصليبي في فلسطين واعتقد البعضُ بأن القائد صلاح الدين الأيوبي مرّ مع جيشه من يبرود وبالتحديد من منطقةِ باب الواد، ويوجد في يبرود نبعُ عين ماءٍ قديمة جدا، ذكره الأخطلُ الكبير في أشعارِه  وقال:
وقد سقتني رضاباً غير ذي أسن ... كالمسكِ ذرّ على ماء العناقيد
من خمر بيسان صرفاً فوقها حبب.... شيبت به نطفه من ماء يبرود
أصبحت يبرود في الآونة الأخيرة محطَ أنظارِ السيّاح والزوار بشكلٍ لافت وحتى محطَ أنظار سكانِ القرى المجاورة لوجود شجرتي "البلوط والْمَيْسِــــة"  واللتين  تشكلان معْلمًا هامًا، لا بل تاريخيًا من موروثِ القرية، ولكلِ واحدةٍ منهما حكايةٌ ورواية، ولكنّهما تشاركتا في قدمِهِما ورمزيتِهِما لسكان القرية، البالغ عددُهم قرابةَ الألف نسمة، موزعون على أربعِ عائلاتٍ هي: عمار، وحديد، وداوود، ومشارقة.

أصبحت البلوطة أكثرَ شهرةً ودليلا لعابري السبيل، وإشارةً للتمييز بين القرية وجارتِها عين يبرود، التي كثيرًا ما يختلط على المواطنين من خارجِ رام الله التفريقَ بينهما، إلا من خلال هذه الشجرة التي لا تزال شامخةً في وسطِ الطريق، وتجد الإجابة التلقائية لأي سؤالٍ من قبل المارة عن القرى، هي  يبرود البلد التي في وسط شارعِها بلوطة.
وذكر لنا بعضُ الأهالي هناك أنّ البلوطة كانت ملتقى لأهلِ القرية، خاصةً خلال السنوات الماضية، قبل أن يتحولَ شارعُها إلى شارعٍ رئيسي بعد الانتفاضةِ الثانية ، حيث كان الناس في الماضي يستظلّون بظلّها، ويقضون وقتَهم تحتَها، ويلعبون السيجة، حتى أنها كانت مكانًا للدبكة خلال زفةِ العرسان.

وفي داخل قرية يبرود توجد شَجَرُة الْمَيْسِــــة التي أصبحت البلوطة معروفةً أكثرَ منها، لوجودِها في وسطِ الشارعِ الرئيس الذي يصل القرى المجاورة، وكان بديلًا لمدة سنواتٍ عن الطريق الرئيس بسبب الإغلاقات، مع أن الميسة لها تاريخٌ كبيرٌ لموقعِها في البلدة القديمة.

واستنادا إلى روايات أهلِ القرية التي تقول إنّ عمرَ شَجَرُة الْمَيْسِــــة أكثر من 4000 عام، وكانت تمثل مركزَا لاجتماعاتِ سكانِ القرية ومناسباتِهم، لوجودِها في البلدة القديمة، وقربِها للبيادر التي يجتمع فيها الحصّاد، ومعصرةَ الزيتون 'البد' وأكثر من 30 بئرَ مياه.
وخلال زيارتِنا للبلدة القديمة في يبرود استمعنا إلى الروايةِ التاريخية من ساكنيها واستشعرنا بقيمتِها وأهميتِها  التاريخية، وضيقِ مساحاتِ البيوت فيها، وعدم وجود مكانٍ يتسع لأهلِ القرية في مناسباتِهم الاجتماعية، كان عاملًا مهمًا لاعتمادِهم شجرة " الميســـة " للتجمع، فمساحتُها كانت قرابة 150 مترا، وأرضيتُها مبلّطة بالحجرِ الأثري كبيرِ الحجم .
وذكر لنا الأهالي أيضا أنّ من أهمِ الأحداث التي جرت في القرية تحت الشجرة، هو إجراءُ الانتخاباتِ النيابية الأردنية مطلعَ الستينات، وكذلك الأعراس التي كانت تجرى، وزفة العرسان التي كانت تنطلقُ من تحتِها، وصولاً إلى البلوطة، ومن ثمّ العودة.

شجرة التوت ...وعموريّة القريــــــة المنسيـــة في أعالي الجبـــال
إلى الجنوب من مدينة  نابلس بقرابة 26  كم وسط فلسطين شمال الضفة الغربية، توجد قريةٌ صغيرة منسية على أرضٍ مرتفعة في أعالي جبال طاروجة اسمها عموريّة، ونظرًا لأهميةِ موقعِها الاستراتيجي فوق جبل عالٍ مطلٍ بوضوح على الساحل الفلسطيني المحتل كانت دوما محطَ أنظارِ الغزاة، وتحيطُها سلسلةُ جبالٍ مرتفعة، حيث تُرى من خلالها مدنُ نابلس ورام الله وسلفيت الشرقية، وإلى جانب أهميةِ موقعها الاستراتيجي، تضم القريةُ آثارا تاريخيةً تعود إلى العصرِ البيزنطي، وهي عبارةٌ عن قبورٍ منحوتة بشكلٍ هندسي جميل جدا شاهدتُها خلال تجوالي بالقرية .(صور التوتة).

تضمُ القرية العديدَ من المواقعِ الأثرية القديمة والتي تعودُ إلى عصورٍ تاريخية مختلفة، بدءا من العصر الحديدي الثاني، ومرورا بالعصرِ الهلنستي، والروماني، والصليبي/الأيوبي، والمملوكي وانتهاءً بالعهد بالعثماني. ويوجد في القرية مسجدٌ قديمٌ  يعود إلى العهدِ العمري وأمام ساحةِ المسجد.

كما توجد في القرية شجرةُ توتٍ ضخمة معمرة تتوسط ساحةَ المسجد القديم الوحيد في القرية، وتمتد أغصانُها في كافةِ الاتجاهات، ويصل عمرُها ما بين  400-500 سنة  بحسب أهالي عموريّة.
وقال مدير مدرسة عموريّة المختلطة  محمد علي الحكواتي: "اعتاد الرجالُ من عائلات " حكواتي وربيع ونصار وعبد الله وغنيم " إلى عقدِ مجالسِهم واجتماعاتِهم واستقبالِ ضيوفِهم وتقديم الطعام لهم تحت فيْءِ هذه الشجرة يجلسون القرفصاء، ويتحدثون في همومِهم اليومية، وخبزِهم اليومي وفي شتى أمورِهم الاجتماعية".

ويضيف الحكواتي " عموريّة" قرية مهّمشة يعاني سكانُها من نقصٍ شديدٍ في الخدماتِ الحيوية سواءٌ المياه أو المرافق عامّة، أو حتى البنية التعليمية المناسبة بسبب بعدِها عن خطوطِ المواصلات الرئيسية، فهي تقع نهايةَ الحدود بين نابلس ورام الله، ويتأمل الحكواتي أن يتطورَ وضعُ القرية وتحصل على المشاريع التطويرية.

شجرة العروس الشهيرة...شاهدة على السلم والحرب
تنتصب على مدخلِ قرية طورة الشرقية شمال بلدة يعبد جنوب غرب مدينة جنين إحدى أقدم أشجارِ البلوط النادر(الملول) في المنطقة، ويُطلق عليها السكان اسم ''شجرةِ العروس''، وهي من أهم أصنافِ البلوط النادر التي يتجاوز عمرُها ال400 عام حسب أهالي القرية، ويقدّر ارتفاعُها ب 10 أمتار وعرضُها ما يقارب الـ 50 مترا، تحدِث ظلًا يقارب 100 متر مربع، بينما يبلغ محيطُ قطرِ جذعِها نحو 3 أمتار.

وشهدت شجرةُ العروس حرب 1967 وأيامَ الحصار والإغلاقاتِ العسكرية والانتفاضتين عام1987، 2000 ولا زال السكانُ يتذكرون عندما سيطر الاحتلال على الشجرة، حيث كان يقيم ُأسفلَها حاجزًا عسكريًا ثابتا، بحكمِ موقعِها الإستراتيجي، كما شهدت الشجرة بناءَ جدارِ الضم والتوسع عام 2002 والذي صادر آلافَ الدونمات من أراضي التجمعات السكانية القريبة.
الأستاذ نسيم قبها ابن قرية طورة الشرقية يعمل في سلك التربية والتعليم، وقد كتب روايةً سمّاها رواية "شجرة العروس" والتي تعتبر بحق روايةً وطنيةً فلسطينية تتناول العديدَ من الأحداث والوقائع التي جرت في فلسطين بشكلٍ عام، وفي قرية طورة الشرقية وتحديدًا في منطقةِ شجرة العروس بشكلٍ خاص.

قال الأستاذ الكاتب نسيم قبها: "نظرًا للأهميةِ التي تحيطُ بشجرة العروس والصيت الذي ذاع واشتهرت به هذه الشجرة المميزة، أصبحت مركزًا لإقامةِ الأعراس والمناسبات، ومكانًا لالتقاءِ العمال للمركبات التي تقلُهم إلى اراضي 48، وأصبح التجار يضربون مواعيدَهم تحتَ فيئِها لتسلمِ وتسليمِ بضائعهم، كما أنها ملاذٌ للرعاةِ الذين يستريحون في ظلِّها هرباً من الحر، عدا عن استظلالِ المواطنين بظلِها الكبير والتقاءِ الأصدقاء ولعبِ الألعاب الشعبية مثل(السيجة والشطرنج والورق). وأضاف قبها وهو ينظر بألمٍ وحسرة على بقايا بئر ماء" أنه وقبل 30 عاما كانت عينُ الماء هذه تسقي المسافرين لكنها جفت".

وأضاف"إن سبب تسميتِها بشجرةِ العروس يعودُ إلى أنَ العروس القادمة من شمال الضفة الغربية على ظهورِ الخيل أو الجِمال كانت تستريحُ تحتها لحين وصول أهلِ العريس من الجنوب أو العكس، أي كانت تعتبر مكانًا لتبادل واستلامِ وتسليم العرائس وأصبحت بمثابة محطةِ انتظارٍ للعرائس اللواتي يرتقبن قدومَ العرسان من القرى المجاورة قبل أن يواصلوا المسيرَ لإتمام فرحِهم". واستذكر قبها الأيام الماضية عندما كانت تُقام حفلاتُ الزواج أسفل الشجرة، فكانت الشجرة حاضرةً وشاهدة على مئات عقودِ الزواج لأهل قريةِ طورة".
وتابع قبها: "إنّ للشجرة أهميةً كبيرة لدى سكان القرية ولمنطقة أحراش يعبد، وأضاف أن هذه الشجرة مرتبطة بتاريخِ الشعبِ الفلسطيني، وهي تأكيد على أنّ هذه الأرض فلسطينية، وقد حاول الاحتلال الاسرائيلي اقتلاعَها عدةَ مراتٍ إلا أن محاولاتِهم باءت بالفشل، وعن سبب محاولات اقتلاعِها، قال قبها: "إن هذه الشجرة تؤكد تاريخيًا على وجودِ الشعب الفلسطيني منذ مئاتِ السنين، بالإضافة إلى قربِها من بوابة طورة العسكرية ما يقارب 50 مترًا والتي تفصلُ أراضي 48 عن الضفةِ الغربية بالإضافة إلى قربِها من جدار الضم والتوسع".

وما زال المواطنون القادمون من كلِ القرى المحيطة يتفيأون ظلّها ويتذكرون أجدادَهم الذين جلسوا تحتها ويطالبون الجهاتِ المعنية إدراجَ شجرةِ العروس كمعلمٍ تاريخي من أجل الحفاظ عليها.
شجرة القيقب في جبل أبو العينين

تقع قريةُ عين قينيا الفلسطينية الصغيرة على بعد 6 كيلومترات شمال غرب رام الله وقد وجدت عين قينيا منذُ عهد الحكمِ الروماني في فلسطين. القريةُ صغيرةٌ جداً ولا يوجد بها مبانٍ أو مؤسساتٌ عامة، وتديرُها لجنةُ تنميةٍ محلية. عين قينيا مشهورة لكونِها مكان للتنزه في فصل الربيع والخريف.

ويوجد في القرية مقامٌ أثري يسمى (أبو العينين)، تحيطُ به العيون، وغابةٌ وطرقاتٌ تنتشر على جوانبِها الأشجارُ الباسقة. إضافة إلى وادي الدلب، الذي يخترق القرية، والتي اختارت ورقةَ الدلب شعارًا لها.
وروى لنا السكانُ المحليون جزءًا من الأساطير المتعلقة بهذا المقام، وقالوا إنَ عين قينيا مسكونة بروح الولي أبو العينين، حيث اعتاد الفلاحون أن يضيئوا مصباحًا من الزيت، تكريمًا للولي مساءَ كلِّ خميس، وحول المقام تتسامق مجموعةٌ من الأشجار القديمة، من بينِها شجرةٌ جميلة معمرة تدعى (القيقب) يُقدر عمرَها السكانُ المحليون بما يزيد على 1500 عام، وتتميز هذه الشجرة بسيقانِها الحمراء اللحمية والنحاسية اللون. أمّا أوراقُها فهي متوسطة الحجم دائمةُ الخضرة تتحور من اللون الأخضر إلى الأحمر إلى الأصفر، تزهر كالقناديل وتتحول إلى ثمارٍ زرقاء وخضراء ثم حمراء وصفراء، وطعمُها حلو ويُصنع منها المربى، كما تستخدم لتزيينِ الحلويات.
ولا زال السكان في قرية عين قينيا يتذكرون الطرقاتِ الترابية الجميلة المحاطة بالأشجار بجانبِ المقام، حيث كانت تؤدي إلى البيوتِ الصيفية، والتي تعود لأثرياءٍ من مدينة القدس يقضون أشهرَ الصيف، وإجازاتِهم في هذا المكان الخلّاب.

شجرة السدر ولعبة السيجة
تتوسط " شجرةُ السدر" العملاقة المعمّرة ساحةَ قرية كِفِلْ حَارِس شرق مدينة سلفيت وتضمُ العديدَ من المواقع الأثرية التي تعكس تنوعًا حضاريًا يعود لحقبٍ زمنية مختلفة، حيث  قدّر عمرُ شجرة السدر بأكثرَ من ألفِ عامٍ حسب خبراء من جامعةِ النجاح الوطنية، ولا زالت هذه الشجرة شاهدة على العديد من الوقائع والأحداث، وتعاقبت عليها الحقبُ والأزمان المختلفة، حيث اعتاد الرجالُ من عائلات كفل حارس (عائلة بوزية، صالح، أبو يعقوب، شقور، أسعد، عبيد، القاق، صلاح، الفار، قيشاوي) عقدَ مجالسِهم واجتماعاتِهم واستقبالِ ضيوفهم وتقديمِ الطعام لهم تحت فيء هذه الشجرة، يجلسون القرفصاء، ويتحدثون في همومِهم اليومية، وخبزِهم اليومي، وفي شتّى أمورهم الاجتماعية. .

وفي لقاء مع المدير التنفيذي لمجلس الخدمات المشترك لقرى وبلدات شرق سلفيت شريف الموسى قال " إنّ لشجرةِ السدر في كفل حارس قيمةٌ أثرية وتراثية لدى كلِ من عرفها، حيث كانت مضافةً للآباء والأجداد وكانوا يلعبون تحت ظلّها لعبتَهم الشعبية المعروفة بلعبة "السيجة" والتي لا زالت تمارس حتى اليوم في المحافظة. والسيجة أو السيجاهي لعبةٌ شعبية قديمة من ألعابِ الحصى والحجارة، شبيهة بالشطرنج، تُمارس في فلسطين والأردن، وترتكز على الأفكارِ الحربية التي يتصورُها اللاعبون في أذهانِهم بهجومِ الأحجار التي هي أهمُ مكوناتها، ولها رجالٌ عباقرة في فنِ اللعبة وخططها كما هو حال الشطرنج بالخططِ المعروفة". (صورة اللعبة)

أشجار الكينا في جنين...والانتداب البريطاني
ويرتبط الناسُ بالأرض والمكان، فتصبح الأشياءُ المحيطة بهم والتي تكبر معهم جزءاً من تفاصيلِهم ولحظاتِ حياتهم، ويشعرون بالانتماءِ والحنين إليها، لا سيّما إذا كانت وما زالت تنبضُ بالحياة .ولا زال أهالي مدينة جنين شمال الضفة الغربية في فلسطين يتذكرون بحزنٍ خبرَ قطعِ واقتلاع أشجار الكينا العملاقة والمعمّرة بحجة توسيع شارع جنين – نابلس جنوبَ المدينة  في تسعينيات القرنِ الماضي، كلّما نظروا إلى ما تبقى من  أشجارِ الكينا والتي كانت ترتوي من قنواتِ الينابيع "عين الشريف وعين نينه وعين الأطرش"والتي بقي بضعٌ منها  صامدًا على أرض مقهى "النباتات" الشهير في المدينة لتروي للأجيالِ اللاحقة قصصاً وحكاياتٍ تناقلتها الأجيال. وكانت هذه الأشجار وارفةَ الظلال، وتُعقد تحت ظلالها مجالسُ الصلح وتُروى القصصَ والأشعار، ويستظل بفيئها المسافرون والعابرون
وكانت أشجارُ الكينا أو اليوكالبتـــوس قد زرعت أوائلَ القرنِ العشرين أيامَ الانتدابِ البريطاني على فلسطين، وهي أشجار تنتج الأوكسجين وتصفّي الهواء ضعفَ ما تقومُ به أيُ شجرةٍ أخرى، ومع التمدد والزحفِ العمرانيّ توسعت مدينةُ جنين على حسابِ الأراضي الزراعية والمناطقِ المحيطة بها، وأزيلت أشجارُ الكينا، وقد أدت هذه الظاهرة تدريجياً  في جنين إلى زيادة كثافتِها السكانيَّة شيئاً فشيئاً، كما شقّت الطرقَ الجديدة التي تسبّبت لاحقًا بانتشارٍ مكثّف لاستخدامِ السيارات التي باتت تشكّل عبئا كبيراً على المدينة، لكنْ كلُ ذلك كان على حساب أشجارِ الحمضيات في  بياراتِ سهل مرج ابن عامر في جنين، وأشجار الكينا في شارع جنين- نابلس الجنوبي، وفي شارع الناصرة الشمالي بقيت بضعُ شجراتٍ فقط قربَ جسر "خروبة"  والبعضُ الآخر قربَ مقهى "النباتات" الشهير والتي لا زال يستظلُ بفيئها روّادُ المقهى من كلِّ حدبٍ وصوب.

لقد ارتبطت هذه الأشجار بحياة أهلِ المدينة نظراً للقيمة الزمانية التي تملكُها هذه الأشجار التي يزيدُ عمرُها عن مائة عام بحسب كامل جبر ابن مدينة جنين الذي  بدأ حديثَه معنا بالقول: "بالنسبة  لأبناءِ جيلي ومن هم أكبرُ سناً كانت أشجارُ الكينا المزروعة بمحاذاة مجرى مياه عين نيني بمثابةِ معْلَمٍ من معالم بلدتِنا الصغيرة الهادئة الوادعة والمشطورة بهذا الًوادي الينبوعي الدافق.
وأضاف جبر: "كان سربُ الاشجار العملاقة يبدأ بمحاذاة مراجيح العيد حتى مبنى البلدية الجديد حسبما أذكر، وميّزت المدخلَ الجنوبي لجنين، ومنحت الناسَ الظلَّ في صيفِ جنين القائظ، والذين كانوا يزجّون وقتَهم في مقهى "النباتات"  ومقهى "نهار".
وتابع جبر حديثَه:"إنّ اقتلاعَ هذه الأشجار وغيرِها من الأشجار المعمّرة كشجرةِ الزنزلخت التي كانت بمحاذاة مبنى الحاكمية التركية مقابل الجامعِ الكبير وعشراتِ الأشجار الأخرى كان بمثابةِ اقتلاعِ جزءٍ من شخصيةِ المدينة والعبثِ بها. كانت جنين في ذلك الوقت عبارة عن بلدةٍ تتلاعبُ بها المياهُ وتتمادى عليها كلُ أنواعِ الطيور والعصافير.
واختتم  جبر حديثَه بالقول: "كانت جنين جنةً خضراء بمياهِها وأشجارِها وبساتينِها وبيّاراتِها، وكان الرّحالة على حقٍ لأنّها كانت عبارة عن أكَمةٍ خضراء كبيره فيها بيوتٌ جميلة وتظهر النعمةُ على أهلِها، كما اتفق على ذلك معظمُ الرحّالة الذين زاروها، وقد وصفَها الرّحالة العربي اللقيمي بأبياتِه المشهورة:

يا حبذا يوماً بجنين مضى... كالغرة البيضاء في وجه الزمن
فيها ثلاثٌ للسرور تجمعت... الماء والخضراء والوجه الحسن
شجرة بلوطة سيدنا إبراهيم في خليل الرحمن
وتعتبر شجرةُ "بلوطة سيدنا إبراهيم" من أقدم  الأشجار في العالم، وتشير التقديراتُ أنَ عمرَها يصل قرابةَ الخمسةِ آلاف سنة. وهي إحدى أشهر أشجارِ الأرض المقدّسة والمعروفة باسم (بلوطة إبراهيم)، والموجودة على مرتفعٍ يُطلق عليه "جبل الجلدة " ويطلُ على مركز مدينة الخليل، كما ويرتبط اسم البلوطة بأبي الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام، حيثُ واصل الرحالةُ والبحّاثة اقتفاءَ أثرِه، وأمضى الرسامون أوقاتاً طويلة في المكان الذي يتميز بجوِّه البارد لرسمِ البلوطة المقدّسة.

شجرة جميزة سيدنا المسيح في أريحا
وفي أريحا أقدم مدينةٍ عبر التاريخ وبداخل كنيسة "القدّيـــس اليشــــع"، يقف سياحُ أجانب وسط ساحةِ الكنيسة أمام شجرةِ الجميز بخشوع، ويمكن لبعضِهم أن يقتربَ من الغرفة الزجاجية المحيط بها، لكن دون التمكّن من لمسِ الشجرة .إنها جميزة " زكّــــــا العشّـــــار" جامعِ الضرائب الذي استضاف في منزلِه السيد المسيح عليه السلام بعد حادثةٍ شهيرة يرويها الإنجيل عندما صعد " زكّــــــا العشّـــــار " إلى الشجرة لرؤيةِ المسيح أثناءَ مرورهِ من المدينة. وقد روى لنا القائمون على الكنيسة التي تأسست عام 1884 أنّعمرَ الشجرة يقاربُ عمرَ ميلاد السيد المسيح، حيث يُقدّر عمرُ شجرة زكا 2000 عام تقريباً، ويعودُ تاريخُها إلى فترةِ مجيء المسيح إلى أريحا في طريقِه إلى القدس، وتعتبر واحدةً من محطاتِ الحجاج والسيّاح على مرِّ العقود والقرون، وما زالت حتى اللحظة تستقطبُ المزيدَ من الزوار لأهميتِها الدينية والسياحية، وتشكّل اليوم رمزاً لورشة نهوضٍ سياحي في المدينةِ التاريخية.
وتقول الروايةُ أنّ تاريخَ شجرةِ الجميز الشهيرة يعودُ لفترةِ مرور السيد المسيح عليه السلام من أريحا في طريقِه للقدس، وأثناء هذا المرور تجمّعَ الناسُ لرؤيتِه مما حجب الرؤية عن الأطفال وقصّار القامة، وكان من بين هؤلاء شخصٌ مرابٍ له سمعةٌ سيئة يجبي الضرائب من السكان المحليين لصالحِ الإمبراطورية الرومانية واسمه " زكّــــــا العشّـــــار ". لم يستطع هذا الشخص رؤيةَ السيد المسيح لقصرِ قامتِه، فصعد لأعلى شجرةِ جميز في المكان، ونظر إليه السيدُ المسيح وقال: "أنت لن تراني فقط، بل سأبيتُ عندك"، ومكث المسيحُ عندَه يومًا، وتكريمًا لهذه الزيارة تبرّع زكا بنصفِ مالِه للمساكين، فقال له المسيح: "اليوم حصل خلاصٌ لهذا البيت". ومنذُ ذلك اليوم ابتعد زكّا عن كلِّ المساوىء والرِبا، وبعد هذه الواقعة باتت الشجرةُ تُعرف باسم شجرة " زكّــــــا العشّـــــار".
شجرة الخروب ...ومجلس قروي "العقبة " الفلسطينية"

وفي قرية "العقبة" الفلسطينية، والتي تُعتبر نموذجاً للصمود والتحدي من جانبِ الفلسطينيين في وجهِ ممارساتِ سلطاتِ الاحتلال التوسعية ضد سكانِ القرية الواقعة شرقي محافظة طوباس في الأغوار الشمالية، ومنذُ عام 1967 ومعاناةُ أهالي قرية العقبة مُستمرة، نظراً لأهميةِ موقعها الجغرافي المطل على الأغوارِ الشمالية، حيث فَرضت سُلطات الاحتلالِ سلسلةً من الإجراءاتِ القمعية ضدَّ سكان قريةِ العقبة كغيرِها من القرى في الأغوار الشمالية من أجل إجبارِ سكانِها على الرحيل، والتي تتمثل في مُصادرةِ الأراضي وحرمانِ المواطنين من استغلالِ أراضيهم التي تتخذُها قواتُ الاحتلال مرتعًا لتدريباتِها العسكرية وحرمان سكانِ القرية من البناءِ والتعمير، ناهيك عن تدميرِ محاصيلِهم الزراعية والاستيلاءِ على المياهِ والمصادر الطبيعية.

في قرية " العقبة " الفلسطينية ما زالت هناك شجرةُ خروبٍ صامدة يزيدُ عمرُها عن قرنين من الزمان، وهي أكبرُ خروبة بالقرية، حيث اعتاد المجلسُ القروي أن يتخذَ من ظلِّها مقراً له نظراً لأنَّ سلطاتِ الاحتلال الإسرائيلي  تَعتبر القريةَ ضمن المناطقِ المصنّفة "ج" حسب اتفاقيةِ أوسلو، ولا يسمح للبناءِ فيها أو حتى إقامةِ أية منشأةٍ فيها، وبقيت شجرةُ الخروب هذه  لسنواتٍ عدّة نواةَ عملِ المجلس القروي ومقراً لاجتماعاتِه لمتابعة قضايا وهمومِ الناس إلى أن أصبحت رمزاً ومعْلما هامًّا في المنطقة .

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية