"الشيزوفرينيا" الوطنية

22/11/2020

كتب: رامي مهداوي

حالة التخبط من قبل جميع المؤسسات سواء تلك المكونة للنظام السياسي أو المكونة للمجتمع المدني جعلت القضية الفلسطينية _للأسف_ في حالة تشرذم متناثرة لدرجة فقدان السيطرة لوضع رؤية واحدة تجمع الكل الفلسطيني، وسأذهب الى أبعد من ذلك بأن القضية الفلسطينية أصبحت عبارة عن مشاريع متنوعة كل حسب مهارته وتطلعاته والقطاع الذي يعمل به.
باتت قضيتنا مشاريع متنوعة يتم التدوال بها بأشكال متنوعة محلياً، إقليمياً، دولياً دون أن يكون لأصحاب القضية أنفسهم رأي حول مصيرهم كشعب خاضع تحت الإحتلال، ليس هذا فحسب بل أصبحنا نتابع قضيتنا من خلال آخرين وضعوا أنفسهم أوصياء علينا.
مشروع في قطاع غزة، مشاريع في الضفة الغربية، أما مشروع الإحتلال فهو تصفية تلك المشاريع بطرق وأساليب متنوعة، أهمها انه يتعامل الآن مع القضية الفلسطينية كونها ملف إنساني يتم إدارته من قبل جهات متخصصة في إبقاء الشعب الفلسطيني تحت السيطرة من خلال امتلاكها لأنبوبة الأوكسجين المتصلة بكل رئة تنموية تستطيع النهوض بحالتنا نحو التحرر وتقرير المصير وقيام الدولة المستقلة.

هذه الحقيقة ليست بحاجة الى مجهر لكي نشاهدها، لذلك علينا أن نشاهد ما هو داخل تلك المشاريع المختلفة؛ لأننا سنكتشف بأن ليس فقط حركتي "فتح" و "حماس" لديها مصلحة في بقاء الوضع كما هو عليه، بل جميع المؤسسات المكونة للنظام السياسي والمجتمع المدني أصبح لديها هذه المصلحة، بالتالي هي جزء من مشروع حتى لو عارضت بعض الخطوات هنا وإستنكرت بعض الإجراءات هناك لأنها في المحصلة مرتبطة بالمشروع الكلي من أجل الحفاظ على ذاتها ومصالحها.

وبعيداً عن السياسية، حتى في عالم المال والأعمال نجد بأن هناك مشاريع بنيوية أصبحت مرتبطة مع نسبة كبيرة من المشاريع الإقتصادية والتجارية مع دولة الإحتلال في كافة المستويات، والأخطر من ذلك بأن رجل الأعمال المرتبط بشراكة كاملة مع الجانب الإسرائيلي  يعجبه التنسيقات السياسية ولا يعتبر ذلك تهديد للمشروع الوطني لأنه سيخدم زيادة المال بأرصدته البنكية بالتالي هو بحاجة الى استقرار الوضع كحد أدنى اذا لا نستطيع تطويره لحالة من الهدوء الدائم!!

حتى أعضاء المؤسسات المختلفة لديهم أصبح حالة من التكلس والتقوقع على أنفسهم من أجل الحفاظ على ذاتهم من خلال الحفاظ على بقاء الوضع على ما هو عليه، دون أن يتم المجازفة بأي تغييرات تعرضهم للمساءلة، لأنه من خلال ثباتهم العضوي في تلك المؤسسات أصبح لديهم أيضاً مشاريع أخرى تخطت أعمالهم الأساسية لمشاريع قائمة بحد ذاتها أوجدها قبولنا أن نرضى بأن نكون صامتين من أجل الحصول على الإمتيازات المتنوعة وخصوصاً إذا لم تكن من مستحقيها!!
السؤال الآن هو مع تنوع المشاريع المختلفة التي وصلنا لها؛ هل مازالت القضية الفلسطينية مشروع تحرري؟ أم أصبحنا نعاني من مرض الشيزوفرينيا الوطنية؟ لأن ما أجده في الغرف المغلقة والصالونات السياسية لا يعبر عن حقيقة واقعنا الذي وصلنا له، والأغلب يريد أن يشتري وقت فقط للحفاظ على مشروعه الخاص؟!

القيادة الحالية أو القادمة المستقبلية لن تستطيع التقدم للأمام مالم تحطم جميع المشاريع الفردية و الجماعية وصهرها حتى نعيد صياغة قضيتنا للكل الفلسطيني وليس مشاريع ربحية لشركات ومساهمين مازالوا يعتقدون بأن القضية هي استثمار ربحي لهم ولا ضرر ببقاء الوضع كما هو عليه!!