الزراعة الحافظة.. نمط إنتاج للتغلب على تغيرات المناخ وزيادة انتاجية المحاصيل

21/11/2020

وطن للأنباء- ميساء بشارات: قالوا هذا شخص مجنون، وضحكوا واستغربوا من طريقته في الحراثة وزراعة المحصول كونه الأول في المنطقة الذي يخالف الحراثة التقليدية ويجرب الحراثة الحافظة.

لكن المجنون بالبداية بنظرهم، تحول بعد سنتين من تجربة الزراعة الحافظة، إلى مزارع يُحتذى به، ويُراقب من قبل من حوله بعد ان أذهلهم بالنتيجة، واثبت أن الزراعة الحافظة في المناطق شبه الجافة والجافة أفضل من الحراثة التقليدية العميقة.
انتهج المزارع عدنان صبح من قرية العقبة شرق محافظة طوباس، منذ ست سنوات وبالتعاون مع وزارة الزراعة الفلسطينية، في جزء من أرضه زراعة نباتاته بطريقة الزراعة الحافظة، ليتغلب على الجفاف وقلة المياه في المنطقة وليحسن من إنتاجية محصوله.
والزراعة الحافظة هي مجموعة من الممارسات الزراعية التي تطبق على الزراعة دون استخدام الحراثة، ووضع البذور مباشرة في التربة مع تأسيس غطاء نباتي من بقايا المحاصيل السابقة.

وتقوم الزراعة الحافظة على أسس الحدّ من اضطراب التربة، والمحافظة على غطاء عضوي دائم لها، وذلك بالإبقاء على مخلفات المحاصيل السابقة، وتطبيق الدورة الزراعية.

يقول صبح: "أول سنتين من التجربة لم تعطِ النتيجة المطلوبة وبعد ذلك تعودت الأرض على الزراعة الحافظة، وأصبحت تخضرّ قبل الأراضي المجاورة وتعطي انتاجاً جيداً ومنظم، وأصبح المزارعون الآخرون يقارنون النتيجة ويتجهون لتجربة الزراعة الحافظة".
ويضيف بأن الأرض لديه تخضرّ قبل الأراضي المجاورة لأنها تحرث سطحيا على عمق 7 سم وتوضع الحبوب، وليس كما في الحراثة التقليدية تحرث على عمق 30 سم، وبالتالي تدفن الحبوب عميقا وتحتاج وقتاً أطول من الزراعة الحافظة لتخرج الى السطح".
وبدأ صُبح بالزراعة الحافظة بخمسة دونمات من أرضه ليصبح الان يزرع ما يقارب الـ 20 دونما بهذا النمط، بعد أن لمس نجاحها، كما أنها موفرة مادياً ومجهوداً على المزارعين.
وبعد رؤية تجربة صبح أصبح عدد المزارعين المستخدمين لهذا النمط يزداد كل عام، بعد أن كانوا رافضين له.

لماذا الزراعة الحافظة؟
من جانبها، تقول المهندسة آلاء إسماعيل القائمة بأعمال مدير دائرة المحاصيل الحقلية في وزارة الزراعة الفلسطينية، "بسبب التغيرات المناخية الحاصلة في العالم، جعلنا ذلك نفكر بممارسات جديدة نطبقها على الزراعة للمحافظة عليها، ومن ضمن هذه الممارسات الزراعات الحافظة التي تخفف فيها حراثة الأرض لأدنى مستوى، بسبب كثرة التبخر التي تسببها الحراثة العميقة، ما يؤدي الى تصحر التربة، وفقد الكثير من العناصر المتواجدة فيها والمفيدة للنبات".
وتضيف انه بهدف تحسين انتاجية المحاصيل الحقلية الرئيسية في الضفة والقطاع (القمح، الشعير، العدس والبقوليات العلفية المتحملة للجفاف) تم تنفيذ تدخلات زراعية ذكية مناخيا للتكيف مع التغيرات المناخية التي تحول دون ذلك مثل استخدام تقنية الزراعة الحافظة في الزراعة الحقلية.

كما تسجع وزارة الزراعة المزارعين على "الزراعات الحافظة" لأنها تزيد من الإنتاجية وتحسن التربة وتقلل التكاليف على المزارعين، ولا تستخدم المبيدات وتغني التربة بالمادة العضوية، وتزيد التنوع الحيوي في التربة وترفع معدل تكاثر الكائنات الحية، وترفع من خصوبة التربة، وتحد من تلوثها وتحسن تركيبتها، وكذلك معدل رشح المياه وتخزينها في منطقة الجذور، وتمنع الانجراف الريحي والمائي للتربة وتخفض من كميات الوقود والأسمدة والمبيدات.
ولتشجيعهم لاتباعها، توفر وزارة الزراعة لمستخدمي نمط الزراعة الحافظة البذار والحراثة الحافظة وكل مستلزمات الزراعة، والمزارع ليس عليه سوى توفير الارض.

وتعد زيادة الانتاج الزراعي والانتاجية وتحسين سبل معيشة المزارعين من الأهداف المهمة على المستوى الوطني، كما تحظى زيادة انتاجية المحاصيل الحقلية كهدف استراتيجي بأولوية عالية في استراتيجية القطاع الزراعي (2018-2022).

النمط الأنجح في المناطق الجافة وشبه الجافة
بدوره، يقول رئيس شعبة المحاصيل في مديرية زراعة طوباس، ماهر صلاحات، -والذي يعمل بمشروع الزراعة الحافظة منذ عام 2014 كنوع او استراتيجية للتقليل من التغير البيئي والمناخي وخفض التكلفة على المزارعين- أن الزراعة الحافظة هي النمط الزراعي الأكثر نجاحا في المناطق الجافة وشبه الجافة، والمناطق التي تعدُّ مصادر المياه فيها قليلة أو محدودة او التي تعتمد بشكل أساسي على الأمطار، خاصة أن كمية الأمطار حاليا ثابتة إن لم تكن في تناقص، أو المناطق التي تزرع بالزراعات البعلية أو الأشجار.

ويوضح صلاحات ان نتائج الزراعة الحافظة لا تظهر من السنة الأولى للتجربة بل بعد سنتين، فأثرها تراكمي، أي بعد ثلاثة او أربعة أعوام تظهر النتائج وتكون ملموسة للمزارعين، ويقتنعون بها.
وواجه صلاحات بعض الصعوبة في إقناع المزارعين بدايةً باستخدام هذا النمط من الزراعة، لأنهم تعودوا على الحراثة التقليدية، وهذا النمط جديد عليهم، فعملت وزارة الزراعة على تشجيعهم باتباعه عن طريق توفير كل ما يلزم، باستثناء الأرض التي يجب أن تكون متوفرة لديهم.

ويشير صلاحات إلى أن الأراضي المستخدمة للزراعة الحافظة بدأت بالتوسع بعد مشاهدة المزارعين في مناطق (طوباس وجنين) للنتائج الناجحة لهذا النمط الزراعي. 
ويؤكد صلاحات على فوائد الزراعة الحافظة التي تتمثل بـ تقليل تكاليف الانتاج وتوفير رأس المال وزيادة الإنتاج، فالوقود أقل والايدي العاملة أقل ولا تحتاج الى أسمدة كيميائية، اضافة الى عدم تبخر المياه، وتقليل عملية الانجراف والمحافظة على التربة والبناء الفيزيائي للتربة؛ كما أن الزراعة الحافظة لا تحتاج الى  ذلك الجهد الكبير.
لكن الزراعة الحافظة في فلسطين تواجه عدة مشكلات، تتمثل في عدم ترك بقايا المحصول السابق بسبب الرعي فيه، وعدم تطبيق الدورة الزراعية، وصعوبة تغيير النمط التفكيري السائد لدى المزارعين.
وكشفت نتائج التقرير الوطني الأول المقدم لسكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر أن مؤشرات التصحر تظهر في أكثر من 50% من الأرض الفلسطينية، وما يقارب 15% منها في تدهور.

وذكر التقرير أن أهم مسبب لحالة تدهور الأراضي في الضفة والقطاع تحديدا هو الاحتلال الإسرائيلي الذي يقوم بتجريف الأراضي الزراعية، والقطع الممنهج للأشجار من قبل المستوطنين وقوات الاحتلال الاسرائيلي التي تجرف مساحات شاسعة من أراضي المواطنين، وتنشئ عشرات المعسكرات والمستوطنات على أراضي الغابات بعد اجتثاثها.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية