في غضون الأسابيع القليلة المقبلة، سيكون الموقف الأمريكي، وإلى حد ما الاتحاد الأوروبي، من إعلان الدولة الفلسطينية على المحك، حيث يتم اختبار صدقية المعلن من التصريحات بشأن الحراك العربي، والشارع العربي يترقب هذا الاختبار ليقيس في ضوء نتائجه مدى جدية واشنطن في الانحياز لهذا الحراك، وقد يكون استخدام الفيتو ضد إعلان الدولة إذا ذهب الفلسطينيون مباشرة إلى مجلس الأمن بمثابة افتضاح للنوايا الأمريكية، إذ لا يمكن لها أن تكون مع الربيع والخريف معاً ومع الشعوب ضد أنظمتها، ومع الاحتلال واستمراره وتسليح المستوطنين في وقت واحد، لأن ما سمي ازدواجية المعيار في سياستها سيتحول إلى محور لاستراتيجيتها، وبالتالي تعود الشكوك إلى العرب حول نواياها، وقد يعاد تفسير مواقفها من الحراك العربي بأثر رجعي تبعاً لذلك .
وإذا كان الرئيس أوباما قد أعلن في العديد من المناسبات عن انحياز الولايات المتحدة للدولة الصهيونية وتكريس بقائها والدفاع عن أمنها، فإن هذا يبقى أشبه بمبتدأ الجملة السياسية، أما خبر الجملة فهو ما سوف يقوله عن الآخر، الذي يعاني الاحتلال ويقضم الاستيطان أرضه .
لقد وصفت لحظات عديدة في الصراع العربي - الصهيوني بأنها فارقة أو حاسمة لكن اللحظة المرتقبة في ربيع سياسي يتزامن مع خريف جغرافي هي الأكثر حسماً من كل ما سبقها، لأنها تكثف كل تلك المحطات وتضغط الصراع في مربع واحد، بحيث ما من خيار ثالث غير إعلان الدولة أو العودة إلى الصراع بعد تحوله إلى قدر لا فرار منه، فالفلسطينيون لن يرحلوا إلى كوكب آخر ولن ينتحروا وجودياً بالجملة، فهم الآن حقيقة تاريخية بقدر ما هي فيزيقية، وهذا ما تهربت منه الصهيونية دائماً، ولم تعمل أي حساب للحظة الاستحقاق التاريخي، خصوصاً بعد أن أفشل الفلسطينيون مشروع الإبادة، والحل عن طريق الحذف العنصري والإعدام السياسي .
وحين تتحدث السلطة الفلسطينية عن إمكانية حلها وتسليم المفتاح للناس فإن ذلك ليس مجرد تهديد تكتيكي، لأنها إذا ارتطمت بجدار الفيتو الأمريكي لن تجد لها مخرجاً منطقياً غير ذلك، ومهما افتعلت تل أبيب اللا مبالاة إزاء هذا التحديد فإنها لم تستطع أن تحجب حالة الفزع منه إذا ما ترجم إلى واقع، وبالمقابل فإن التهديد بإلغاء كل الاتفاقيات التي ابرمت مع السلطة منذ أوسلو لا يخيف الفلسطينيين لعدة أسباب، في مقدمتها أن تلك الاتفاقيات بالجملة كانت ولا تزال لمصلحة الطرف الغالب الذي فاوض وهو يسند ذراعه إلى البندقية .
وما يجب التذكير به على الدوام، هو أن المفاوضات بين الدولة الصهيونية والسلطة الفلسطينية كان يوجد فيها طرف ثالث، غير الولايات المتحدة أو أي وسيط، وهذا الثالث غير المرئي لكن الذي يشكل احتياطياً استراتيجياً للمفاوض الصهيوني هو اضافة الحركة إلى الدولة، فالمقعد الذي جلس عليه شامير أو رابين أو باراك أو نتنياهو ومن قبله شارون وأولمرت، تتقاسمه الصهيونية بوصفها حركة بكل أدبيات وثقافة وأدوات المنظمة السرية والدولة بمفهومها الحديث الذي ترسخ بالقوة بعد عام 1948 .
وكل ما يصدر عن نتنياهو الآن واليمين الذي يمثله هو في الحقيقة خطاب حركة وليس خطاب دولة .
جريدة الخليج