أسماء سلامة تكتب لـوطن: على نهج رسول الله

30/10/2020

تتوالى المحاولات على مر التاريخ لتقويض دعائم الإسلام ، وإضعاف المسلمين بشتى الطرق والوسائل ، ما يأتي منها مبطنا ، وتحت مسببات تبدو في ظاهرها خادمة للإنسانية ، يتلاعبون بالألفاظ والمسميات ولكن الهدف واحد ، ضرب الإسلام في العمق ، وفي بعض الأحيان  لا يستطيعون الالتفاف حول الهدف وتجميل الألفاظ ، فتأتي ضرباتهم بقبح شديد ، فتنكشف الوجوه والنوايا الخفية ، كقبح ما انكشف من وجه ونوايا  ماكرون " الرئيس الفرنسي " ، الذي لم يتحمل أن تعلن مواطنة فرنسية ، تعرضت للأسر لأربع سنوات في مالي إسلامها ، خلال ما كان يفترض أن يكون حفل استقبال لها ، احتفالا بعودتها لبلادها ، فلم يستطع تمالك نفسه ولا ضبط أعصابه ، وخالف فورا ما يدعي أنه يؤمن به من حرية للرأي ، لم يحترم اختيارها لدينها ، وإعلانها لإسلامها ، فألغى مراسم الاستقبال ، وكأنه يقول لها ، أن تكوني مسلمة ، يلغي كونك مواطنة فرنسية .. فلهذه الدرجة وصل الحقد على ديننا ، فهو يزداد قوة ومتانة وانتشارا مهما حاولوا القضاء عليه وتشويهه.

حاول الغرب كثيرا في الماضي ووضعوا خططا بعيدة الأمد ، أوجدوا طالبان التي طلب منها تشويه الدين ، بالعنف والتطرف ، دعموها ثم ادعوا أنهم في حرب معها ليضعوا أقدامهم في تلك المنطقة ، والآن عاد التحالف بينهم على مرأى الجميع .. فشلت طالبان في تحقيق معاداة العالم للإسلام ، فعاد لانتشاره واعتناق  الكثيرين له ، فجاءوا بداعش التي لعبت ذات الدور في بث صورة الطرف والعنف والذبح  ، لتؤلب رأي العالم وتشوه نظرته عن الإسلام ، ولكن المحصلة كانت المزيد من القوة لهذا الدين ، وزيادة أعداد المسلمين في دول الغرب ، كذلك استمر الكثيرون باعتناق الإسلام يوما بعد يوم.

ناهيك عن كل محاولاتهم على مر الأزمنة من حملات صليبية استهدفت الإسلام قبل أن تستهدف الأرض والبشر ، وباءت كل المحاولات بالفشل ، وهذا مصير كل المحاولات الآتية لا محالة ، لأن وعد الله لنا يقين بإعلاء كلمة الدين.

التناقضات لديهم واضحة للعيان ، ولكن الكارثة فيمن يغمض عيونه عن رؤيتها ، أو أنه يراها ولا يحرك ساكنا ، ففي حين يسمى من يسيء معاملة أصحاب البشرة السوداء بالعنصري ، ومن يختلف مع اليهود بالمعادي للسامية ، يسمون من يسيء لدين ملياري مسلم بحرية الرأي ، حرية الرأي هذه التي يريدونها تمس رموز دين ملياري إنسان في العالم ، وتتعارض مع قرار الأمم المحتدة  65/ 224  المتعلق بمناهضة تشويه صورة الأديان الذي صدر عن الدورة 65 للجمعية العمومية للأمم المتحدة ، بتاريخ 11 نيسان للعام 2011   خاصة التوصية 16 منه التي 'تحث جميع الدول على القيام، في إطار نظمها القانونية والدستورية، بتوفير الحماية الكافية من جميع أعمال الكراهية والتمييز والتخويف والإكراه الناجمة عن الحطّ من شأن الأديان وعن التحريض على الكراهية الدينية عموما . يقومون بتدمير البلدان وقتل أهلها وتجويع أطفالها ويقولون أنهم يريدون لهم الحياة الكريمة وجاءوا لحمياتهم ، يسنون القوانين ويتقنون فنون مخالفتها.

أليست فرنسا عضوا في الأمم المتحدة ؟ وعليها الالتزام بما يصدر عنها من قوانين ، لماذا يجب علينا احترام قرارات الأمم المتحدة كمسلمين ، في حين تتنصل الدول الغربية من مسؤولياتها الأممية ، ولا تتم محاسبتها على ذلك ، أم أن هناك إجماع في الأمم المتحدة بالموافقة على ما تقوم به فرنسا ممثلة برئيسها ماكرون.

لن يستطيع ماكرون تمرير أكذوبته بالفصل بين معاداته للإسلام وبين ما يسميه بالإسلاماوية ، إنه يعطي الضوء الأخضر لكل متطرفي فرنسا ، والمعادين للمسلمين بالبدء بممارسة تطرفهم على مسلمي فرنسا ، وهذا ما كان بالفعل  بعد الاعتداء الذي استهدف أردنيا وزوجته في فرنسا ، لمجرد تحدثهم باللغة العربية.

حين شكك الرئيس رجب طيب أردوغان بالصحة العقلية لماكرون ودعاه لاستشارة طبيب نفسي ،  استدعت فرنسا سفيرها في تركيا ، فلا يجوز " التطاول " على رئيس فرنسا التي لا يصل عدد سكانها 70 مليونا ، بينما الإساءة لزعيم وقدوة وقائد ملياري مسلم يعتبر حرية للرأي . العجيب هذا الصمت المستفز من قادة الدول الإسلامية  تجاه هذا الاستخفاف بقدوتنا ونبينا الكريم " إلا من رحم ربي " ، وجامعة المؤتمر الإسلامي ، وتلك التصريحات الخجولة التي " تعرب عن رفضها " لتصريحات ماكرون تجاه الإسلام ، وسماحه بنشر الرسومات المسيئة للنبي على شاشات العرض في الشوارع . لا يمكن أن يندرج تحت مسمى حرية التعبير عن الرأي وحرية الدين والمعتقد الإساءة للديانات الأخرى ولرموزها ، ولا يمكن أن يوصف الدفاع عن هذه الرموز والديانات بالتعصب والتطرف.

ماكرون الذي جاء لبيروت ليداوي جراحها من انفجار المرفأ ، الذي طالبه البعض برغبتهم في عودة فرنسا للبنان ، وارتموا في أحضانه ، هو حفيد ذلك النابليون الذي غزى بلاد المسلمين في حملته الفرنسية ، ليحمي مصالحه في المنطقة ، فلم يكون الآن حامي الحمى ، والمخلص الأكبر ، سياسات الغرب وأطماعه في منطقتنا وبسط النفوذ عليها لم تتغير ، حتى بعد حركات التحرر والاستقلال لدول المنطقة ، فذلك الاستقلال لم يمنح لهم إلا صوريا ، واستمر الاستعمار عن بعد ، لا داعي للخسائر بتسيير الجيوش ، وخسارة العتاد العسكري والخسائر البشرية ، طالما بات بالإمكان السيطرة على المنطقة بوسيط من أهل البلد ، نحن نضع من نراه مناسبا وقابلا للتسيير ، نحن نأمر وهو يطيع ، علينا التخطيط وعليه التنفيذ...

إن النهج الذي تم اتباعه لازالة تهمة الإرهاب والتطرف عن الإسلام كانت خاطئة جدا ، فاعتمدت الحكومات إلى الابتعاد عن الدين وتبني كثيرا من أفكار الغرب لاعتقادهم أن ذلك سيجمل الصورة ويقربهم من التحضر ، وكثير من هذه الافكار فيها تعارض مع جوهر الدين ، فكان التناقض ما بين العقيدة وطبيعة الحياة .. كيف تعتنق دينا وتقر ما يتنافى معه...

ان وقوفنا في وجه هذه الهجمة على الاسلام وعلى النبي الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم لا يكون على الاطلق بالسب والشتم فهذه ليست تعاليم ديننا ... ولا يقتصر فقط على اطلاق هاشتاغ أو تغيير صورة الصفحة الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي  .. أو حتى الخروج في وقفة احتجاج .. ومقاطعة بضائع فرنسية .. إلى  جانب هذا كله تطبيق تعاليم هذا الدين السمحة والاقتداء بالنبي .. فقد قال رسولنا الكريم : انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق..  ما يراه العالم منا هو أخلاقنا وتعاملاتنا وسلوكنا أما عقيدتنا التي تنطلق منها عباداتنا وهذه الاخلاق إنما هي في العقل والقلب .. وتترجم سلوكا ..بين عبادات ونظام حياة .. الأجدى أن ينعكس الايمان بالعقيدة والحب للنبي على نهج الحياة .. بذلك تكتمل القوة.

اعتذر عن الاطالة .. ولكن المساس بالنبي الكريم يستدعي الكثير والكثير .. سأوجز بعضا من اقوال فلاسفة ومفكرين وعلماء من الغرب .. أقروا بها بعد تعمقهم في البحث عن ديننا ونبينا  .. وكان لهم الشجاعة بالاعتراف بها .. فهي شمس لا يمكن إخفاء شعاعها.

الفيلسوف الألماني نيتشه كان من اشد المعجبين بالحضارة الاسلامية في الأندلس قال في كتابه  EL ANTICRISTO “  ": إن حضارة الاسلام الذي يمثل عالما غرائبيا اقرب إلينا من روما واليونان ، والذي يتناسب مع شعورنا وذوقنا.

أما المفكر والشاعر الفرنسي لامارتين في مقدمة كتابه " تاريخ تركيا – الجزء الثاني " هذه المقدمة التي اصبحت لاحقا كتابا مستقلا بعنوان " حياة محمد " يقول :
اذا كانت الضوابط التي نقيس بها عبقرية الانسان هي سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك مع قلة الوسيلة ، فمن ذا الذي يجرؤ أن يقارن أيا من عظماء التاريخ الحديث بالنبي محمد في عبقريته.

ومن أمريكا العالم مايكل هارت في مؤلفه " الخالدون مائة " يقول:

إن اختياري محمدا ليكون الأول في أهم وأعظم رجال التاريخ ، قد يدهش القراء ، لكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين الديني والدنيوي.

من بريطانيا برنارد شو في كتابه " محمد " يقول إن المثل الاعلى للشخصية الدينية عنده هو محمد فيتمثل في النبي العربي تلك الحماسة الدينية وذلك الجهاد في سبيل التحرر من السلطة ، وأن خير مافي حياة النبي أنه لم يدع سلطة دينية سخرها في مأرب ديني ولم يحاول أن يسيطر على قول المؤمنين ولا أن يحول بين المؤمن وربه ولم يفرض على المسلمين أن يتخذوه وسيلة لله تعالى.

وأخيرا من الشرق .. غاندي الذي قال في إحدى مقابلاته الصحفية : أردت ان أعرف صفات الرجل الذي يملك بلا منازع قلوب الملايين من البشر ، لقد أصبحت مقتنعا كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الاسلام مكانته ، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في وعوده ، وتفانيه واخلاصه لاصدقائه وأتباعه ، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته ، هذه الصفات هي التي مهدت الطريق وتخطت المصاعب وليس السيف.

هذه هي الحقيقة ، كل من يجرؤ ويتطاول على محمد عليه السلام هو الجاهل ، ومن قرأ وبحث وتعمق .. بان له جوهر الرسالة المتمثل في هذا النبي ، الذي تخطى الأمية برسالته إلى الأممية.

دورنا كمسلمين في هذه المرحلة ممارسة تعاليم الاسلام في الحياة ، فالاسلام ليس ديانة مسجلة في هوية فقط ، ولا عبادات على شكل طقوس فرغت من حكمة مشروعيتها ، ولا قوانين نستبدلها بعادات عقيمة .. الاسلام حياة .. جسد وروح.