شركات تنتهك حقوق عمال نظافة مشافي غزة.. أدوات سلامة مفقودة ورواتب تصلهم متأخرة

01/10/2020

تحقيق محمود أبو الهنود - إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية "أريج": لا يشكو عمال نظافة قطاع غزة من نقص في قوانين العمل واللوائح التنظيمية التي يفترض أن تحفظ حقوقهم المادية والمعنوية، وتكفل لهم بيئات عمل صحية، لكن مع ذلك تشهد ظروف الكثير من العمال أوضاعا  يمكن وصفها بالكارثية في ما يتعلق بظروف فئة كبيرة منهم، لا سيما عمال النظافة ممن يعملون لدى شركات خاصة في القطاع الصحي.

فابتداء من تقاضيهم رواتب هي أقل من نصف الحد الأدنى المنصوص عليه قانونا، وانتهاء بعدم توفير وسائل الحماية لهم من خطر المخلفات الطبية، مرورا بحرمانهم من الإجازات مدفوعة الأجر، يعاني هؤلاء تداعيات ذلك اقتصاديا واجتماعيا وصحيا، في ظل حالة صعبة أصلا يعيشها قطاع غزة، ما يجبرهم على القبول بشروط عمل سيئة فرارا من شبح البطالة.

يقدر عدد العاملين بقطاع النظافة لدى الشركات الخاصة في المنشآت الصحية بغزة ب ٩٠٠ عامل، موزعين على ٨٣ مركز صحي ومشفى، ويتبعون ١٣ شركة نظافة تعمل في محافظات قطاع غزة الخمس (غزة، الشمال، الوسطى، خانيونس، رفح). ويتلقى هؤلاء أجوراً أقل من الحد الأدنى الذي حدده القانون، ويعملون في بيئات عمل خطرة، بسبب عدم التزام بعض شركات النظافة بتوفير متطلبات الصحة والسلامة المهنية لهم. وبحسب ما يوضح علي الجرجاوي، المحامي بمركز الديمقراطية وحقوق العاملين، فإن خصخصة قطاع النظافة في وزارة الصحة الفلسطينية في العام 2005 ساهمت بحصول المستشفيات والمراكز الصحية على جودة أكثر في خدمة النظافة، لكنها" انعكست بشكل سلبي على واقع العمال وحقوقهم".

الحكومة الفلسطينية كانت قد أصدرت في العام 2012 قانون الحد اﻷدنى للأجور الذي يحدد أجر العامل الشهري بواقع  1450 شيكل (420 دولارا). وفي العام 2017 أصدر وزير العمل آنذاك قرارا بإلزام أصحاب العمل بتطبيق الحد الأدنى للأجور، لكن وفقا لنتائج مسح القوى العاملة الذي أصدره الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في 2019 فقد بلغت  نسبة العاملين في القطاع الخاص ممن يتقاضون أجرا شهريا أقل من الحد الأدنى في قطاع غزة  80% ، بمعدل أجر 652 شيكل شهريا.

http://www.pcbs.gov.ps/postar.aspx?lang=ar&ItemID=3661

إحصائية صادمة سيما عندما تتم ملاحظة انعكاساتها الواقعية في تفاصيل حياة الأشخاص المتضررين. ومن هؤلاء بسام الشاب الثلاثيني، الذي يعمل لدى شركة نظافة منذ ثلاث سنوات براتب شهري لا يتجاوز ال700 شيكل (200دولاراً)، بينما يعيل أسرة تتكون من ثمانية أفراد. يقول بسام أنه يذهب  إلى مكان عمله سيرا لتوفير نفقات مواصلاته. ويضيف:" في كثير من اﻷوقات يذهب أطفالي للمدرسة بدون مصروف يومي. بالكاد أستطيع تدبير المأكل لهم، وأقف حائرا ومحرجا أمام أسئلتهم حول ظروفنا المعيشية.. وفي كثير من الأوقات لا أجد ما أجيبهم به فالتزم الصمت". معاناة بسام لا تنحصر في الأجر الهزيل الذي يتقاضاه، إذ تعرض للعديد من إصابات العمل الطفيفة والمتوسطة جراء تعامله مع المخلفات الطبية. و في منتصف العام الماضي 2019 اضطر  إلى تلقي علاجات وتطعيمات طبية على مدار ثلاثة أشهر، بعد إصابته بجروح في يده سببها مشرط طبي كان ملقى في أكياس المخلفات الطبية التي يجمعها، حيث يقوم بذلك دون إرتداء قفازات خاصة كان يفترض بالشركة التي يعمل فيها توفيرها له.
بالإضافة إلى حالة بسام فقد وثق هذا التحقيق  ثلاث حالات أخرى لإصابات عمل، تعرضت اثنتان منها للوخز بإبر مستخدمة أثناء جمع المخلفات الطبية، وواحدة لالتهابات جلدية بسبب عدوى انتقلت من أحد المرضى.

مخاوف ومطالب

بحسب إستبانة أعددناها في فبراير 2020، شملت ثلاثين من عمال النظافة لدى شركات خاصة   تبين أن 10% من أفراد العينة تعرضوا ﻹصابات عمل  خلال تعاملهم مع المخلفات الطبية، وأن 50% لديهم مخاوف حقيقية من إمكانية تعرضهم لإصابات العمل.

كما أكد 50% منهم  أن شركات النظافة لا تلتزم بتوفير القفازات شديدة التحمل للوقاية من إصابات العمل، أو الأحذية الخاصة، في حين قال  56،6%  من أفراد المجموعة أن  شركات النظافة لاتلتزم بتوفير الكمامات بشكل مستمر، وأكد 63.3% منهم أنهم يواجهون مخاطر صحية أثناء تعاملهم مع المنظفات مثل الكلور.

وفي ما يتعلق بالأجور،أظهرت النتائج أن جميع أفراد العينة يحصلون على رواتب شهرية أقل من الحد اﻷدنى للأجور بواقع 66.4% يتلقون راتبا يقدر ب700شيكل، فيما يتلقى 33.4%  راتبا يقدر ب 770 شيكل. وفي النتائج أيضا أن 46.7% من أفراد العينة يضطرون أحيانا للذهاب إلى مكان عملهم سيرا، أو البحث عن وسيلة مواصلات غير مكلفة، وأن 83،3% منهم  يطالب شركات النظافة بإعطاء العمال حقوقهم كاملة باﻹجازات مدفوعة اﻷجر، وأن 80% من أفراد العينة  يرون أنه يجب تشكيل نقابة تمثل عمال النظافة وتدافع عن حقوقهم.

 

 

مخلفات الرعاية الصحية

"تندرج المخلفات الناجمة عن الرعاية الصحية، ضمن المخلفات الناقلة للعدوى، ومنها المخلفات الملوثة بالدم وسوائل الجسم الأخرى، ومخزونات العوامل المُعدية التي تخلفها أعمال المختبرات،أو مخلفات المرضى في أجنحة العزل والمعدات (مثل الممسحة والضمادة  والمعدات الطبية التي تُستعمل مرة واحدة، والأجسام الحادة التي تشمل المحاقن والإبر والمشارط والشفرات التي تُستعمل مرة واحدة، وذلك وفق تقرير حديث صادرعن منظمة الصحة العالمية نشر في فبراير/2018،ويشير التقرير إلى أن مخلفات الرعاية الصحية تحتوي على كائنات مجهرية قد تكون مضرّة ويمكنها نقل العدوى إلى اﻵخرين."


https://www.who.int/ar/news-room/fact-sheets/detail/health-care-waste<

إصابات عمل وإنذارات

تشترط وزارة العمل على شركات النظافة المتقدمة للمناقصات، التي يتم طرحها بالتعاون مع وزارتي الصحة والمالية، أن تلتزم بالمعايير والشروط الخاصة بتوفير وسائل الوقاية الشخصية اللازمة لحماية العاملين من مخاطر وأمراض المهنة، لكن بعض الشركات، على ما يبدو، لا تتقيد بذلك. يعلق على ذلك أحمد المدهون، رئيس قسم الصحة والسلامة المهنية بوزارة العمل الفلسطينية بغزة، موضحا أن الوزارة وجهت إنذارات خطية لعشر شركات نظافة من قبل دائرة التفتيش نهاية عام 2018، لمخالفتها بعض بنود المناقصات وقانون العمل، كما تم توجيه محضري  ضبط لشركتي نظافة، و تحويل  ملف شركة أخرى للنيابة العامة، لعدم التزامهم بتطبيق شروط المناقصة وتوفير وسائل الوقاية المهنية.

من جهته يشير د.رامي العبادلة، مدير دائرة مكافحة العدوى باﻹدارة العامة للمستشفيات بوزارة الصحة بغزة،إلى أن عشر إصابات عمل تم تبليغ وزارة الصحة بها خلال 2018. ويوضح أن دور وزارة الصحة يتمثل  بوضع المواصفات والاشتراطات الصحية المطلوب الالتزام بها، باﻹضافة إلى متابعة خدمات النظافة التي تقدمها تلك الشركات في المستشفيات ومراكز الرعاية اﻷولية، مؤكدا أن المناقصات الأخيرة التي تم طرحها تضمنت
بشكل أساسي ضرورة إلتزام الشركات بتوفير وسائل السلامة المهنية لهؤلاء العاملين، وتوفير الفحص الإبتدائي لهم قبل العمل، والتطعيمات، والإلتزام بما جاء في قانون العمل الفلسطيني ومنحهم الإجازات المنصوص عليها في القانون.


السلامة المهنية قانونا

"تشير المادة (90) من قانون العمل الفلسطيني على أن مجلس الوزراء يتولى بالتنسيق مع جهات اﻹختصاص إصدار الأنظمة الخاصة بالصحة والسلامة المهنية وبيئة العمل متضمنة، وسائل الحماية الشخصية والوقاية للعاملين من أخطار العمل وأمراض المهنة. كما تؤكد المادة (1) من قرار مجلس الوزراء الفلسطيني رقم (49) لسنة 2004 على أنه يتوجب على صاحب العمل توفير الإحتياطات، والتدابير اللازمة لحماية العمال من الأخطار المهنية التي قد تنجم داخل بيئة العمل، وتوفير وسائل الوقاية الشخصية المناسبة للعاملين كالملابس الواقية، والنظارات، والقفازات، والأحذية وغيرها وإرشادهم إلى طريقة إستعمالها."

انتهاكات بالجملة

ظروف معيشية صعبة، وأجر شهري ضعيف لا يصمد لأيام أمام متطلبات الحياة، وبيئة عمل غير آمنة، وفوق كل ذلك يتم حرمان عامل النظافة أبو محمد من الإجازات مدفوعة الأجر المنصوص عليها قانونا. يقول أبو محمد:" باستثناء الإجازة الأسبوعية يتم حرماننا من إجازات الأعياد، والمناسبات الرسمية، والإجازات المرضية، والسنوية. هذه الإجازات المدفوعة هي حق من حقوق أي عامل، لكننا لا نحصل على أي منها".

وفقا لفايز العمري، المدير التنفيذي بمركز الموارد العمالية بغزة (مؤسسة أهلية)، فإن العاملين بهذا القطاع يعانون ،إضافة لما سبق، من تأخر وعدم إنتظام صرف رواتبهم، وقد يصل التأخير أحيانا إلى أكثر من ستة أشهر. ويقول أن معظمهم، رغم ذلك، يتمسك بعمله نتيجة البطالة المستشرية في قطاع غزة، نسبة البطالة وازدياد معدلات الفقر. كما أن الكثير منهم يترددون في تقديم الشكاوى خشية أن يتم فصلهم من العمل.

حول ذلك تقول منى رستم، مديرة مركز الديمقراطية وحقوق العاملين فرع غزة، أن المركز تلقى بالفعل خلال العامين اﻷخيرين العديد من الشكاوى من قبل عمال نظافة يعملون بالقطاع الصحي، تتعلق غالبيتها بتدني اﻷجور وتأخر صرفها، والفصل التعسفي، واﻹجازات. وأشارت إلى أنه تم تنفيذ حملة زيارات ميدانية بالتعاون مع وزارتي الصحة والعمل،وتوثيق العديد من الانتهاكات لحقوق هؤلاء العمال، لافتة في الوقت نفسه إلى أن العديد من تلك المشكلات تم حلها بالفعل، وأن هناك "تحسن" في تعامل بعض الشركات مع قضايا العمال.

النقابة ضرورة

يجيب أبو حازم،مدير شركة نظافة، عن السؤال حول عدم التزام شركات النظافة بتطبيق الحد اﻷدنى للأجور وتأخر صرف الرواتب بالقول أن المشكلة سببها "عدم توفر الدعم الحكومي الكافي في المناقصات التي يتم طرحها للتعاقد مع شركات النظافة، و ظروف الحصار والإنقسام الفلسطيني"، الأمر الذي إنعكس برأيه بشكل سلبي على واقع عمال وشركات النظافة.

وحول عدم اﻹلتزام بتوفير أدوات السلامة المهنية يقول أحمد الهندي، ناطق بإسم شركات النظافة، أن الشركات تلتزم ببنود المناقصة "حسب الإمكانيات المتاحة لها"، وأن الأوضاع المالية الصعبة التي تعاني منها هذه الشركات بسبب "عدم الإنتظام بتسديد مستحقاتها" من قبل الجهات الحكومية، جعل الكثير منها يلتزم، فقط، بتوفير المتطلبات الأساسية للعمل والمهمة لنظافة المستشفيات وصحة المرضى، مضيفا الكثير من الشركات تعاني من تراكم الديون لصالح التجار والشركات الموردة.

جزء مهم من حل مشكلة عمال النظافة قد يكون بتشكيل نقابة تمثلهم وتدافع عن حقوقهم، بحسب ما ترى رستم، التي أوضحت أن مركز الديمقراطية وحقوق العاملين سبق أن درب مجموعة من العمال ليكونوا ممثلين لزملائهم في المهنة، وأن هناك خطوات مهمة في هذا الصدد قد تفضي قريبا إلى تشكيل جسم نقابي .

  وفي سياق اقتراح الحلول أيضا يؤكد د. سلامه أبو زعيتر، رئيس النقابة العامة للعاملين بالخدمات الصحية، على ضرورة تعزيز الدور الرقابي لوزارة العمل، وضرورة أن تراعي المناقصات الجديدة، التي يتم طرحها للتعاقد مع شركات النظافة تطبيق قانون العمل الفلسطيني، خصوصاً ما يتعلق منها بالحد اﻷدنى للأجور، والعمل على الزام الشركات بتقديم ضمانات وتأمينات بنكية، بما يكفل دفع رواتب العمال مع نهاية كل شهر، وتوفير جميع وسائل الوقاية والسلامة المهنية، ومنح عاملي النظافة الإجازات المنصوص عليها في قانون العمل الفلسطيني.

____________________________________________________
( قانون العمل الفلسطيني رقم 7 للعام 2000م)
http://muqtafi.birzeit.edu/pg/getleg.asp?id=13975

(قرار مجلس الوزراء الفلسطيني  رقم 11 لسنة 2012م بشأن الحد الأدنى للأجور.)
http://muqtafi.birzeit.edu/pg/getleg.asp?id=16472

عطاء رقم 11/2020 بشأن تقديم خدمات النظافة لصالح المستشفيات ومراكز الرعاية اﻷولية بوزارة الصحة بغزة.
http://mof.gov.ps/images/tenders/112020.pdf

شكوى عمالية تقدم بها عدد من المراكز العمالية ﻹنصاف عمال النظافة

مذكرة تقدمت بها عدة مراكز عمالية لوزارة العمل لتطبيق قانون الحد اﻷدنى للأجور على عمال النظافة.